الباحث القرآني

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾. العقد في اللغة معناه الجمع بين الشيئين بما يعسر انفصال أحدهما عن الآخر، كعقدة الحبل بالحبل، ثم يسمى العهد وما يؤكده الناس بينهم الأمانات والمواثيق عقدًا لإحكامه [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 46 - 47، و"تهذيب اللغة" 1/ 2511، و"الصحاح" 2/ 510 (عقد)، و"التعريفات" ص 153.]]. قال أبو إسحاق: والعقود أوكد العهود، يقال: عقد فلان اليمين، إذا وَكّدها [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 139.]]. واختلفوا في معنى العقود ههنا: فقال ابن عباس في رواية عطاء [[ثبت ذلك من طريق علي بن أبي طلحة كما في "تفسير ابن عباس" ص 165، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 47]]، ومجاهد والربيع والضحاك والسدي: هي العهود [[أخرج الآثار عنهم الطبري في "تفسيره" 6/ 47.]]. قال ابن عباس: العقود: ما أحل الله، وما حرم الله، وما فرض الله، وما حدّ في القرآن كله [["تفسير ابن عباس" ص 165، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 6/ 48.]]. فعلى هذا العقود جمع العقد بمعنى المَعْقُود، وهو الذي أحكم، وما فرضه الله علينا فقد أحكم ذلك ولا سبيل إلى نَقْضِه بِحَال. وهذا رواية أبي الجوزاء [[هو أوْس بن عبد الله الربعي البصري، تابعي ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه عند الجماعة، مات -رحمه الله- سنة 83 هـ. انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 278، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 371، و"التقريب" ص 116 رقم (577).]] عن ابن عباس [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 3/ 786 دون نسبة ولم أقف عليه.]]. وقال الكلبي: يقول: أتموا الفرائض ما افترض الله على العباد مما أحل لهم وحرم عليهم، والعهود التي بينكم وبين الناس [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 106.]]. والعهود تسمى عقودًا؛ لأنك تقول: عهدت إلى فلان كذا وكذا، تأويله ألزمته، كذا [[في (ش): (ذلك).]] باستيثاق كما يعقد الشيء [[انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2607 (عهد).]]. والعقود التي بين الناس على ضربين: لازمة، وجائزة. واللازمة كالنكاح والبيع والإجارة [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 48 - 49.]]، فهذه يجب الوفاء بها على معنى القيام بمقتضاها. وما كان جائزًا: فالعاقد مندوب إلى الوفاء به، ولا يجب، لقوله ﷺ: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" [[أخرجه البخاري بنحوه (6622) كتاب: الأيمان والنذور، باب: قول الله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ ومسلم بلفظه (1650) كتاب الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها.]]. فأباح له ترك ما حلف عليه بشرط التكفير إذا رأى غير ما حلف عليه خيرًا، ففي الذي له يحلف عليه أولى أن يَجُوز [[في (ش): (يكون)، والمعنى واحد.]] له تركه. وقوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾. الأكثرون على أن هذا ابتداء كلام آخر [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 412، و"الكشاف" 1/ 320.]]. وقال بعضهم: هذا متصل بالكلام الأول، على معنى: أوفوا بعقود من عاهدتم وتعففوا عن أموالهم بما أحل لكم من بهيمة الأنعام [[لم أقف عليه.]]. والبهيمة اسم لكل ذي أربع من ذوات البَرّ والبَحر [["تهذيب اللغة" 1/ 409 (بهم)، وانظر: "الدر المصون" 4/ 177، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 34.]]. قال ابن الأنباري: البهيمة معناها في اللغة: المُبهَمَة عن العقل والتمييز [[لم أقف عليه.]]. وقال أبو إسحاق نحو هذا، فقال: كل حي لا يُمَيِّز فهو بهيمة، وإنما قيل له بهيمة لأنه أبهم عن أن يميز [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 141.]]. والأنعام جمع النَّعَم، وهي الإبل والبقر والغنم وأجناسها، في قول جميع أهل اللغة والتأويل [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 139، والطبري في "تفسيره" 6/ 51، و"معاني القرآن" للنحاس 2/ 248، "تهذيب اللغة" 4/ 3616 - 3617 (نعم)، و"بحر العلوم" 1/ 412. وابن قتيبة والسمرقندي زادا (الوحوش)، وهو غريب.]]، ولا يدخل فيها الحافر [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 51.]]؛ لأنه (أخذ [[زيادة في (ش).]] من نَعمة الوطء [[نَعمة الوطء، بفتح النون، ولعل المراد تشبيه غير ذات الحافر بمن يمشي حافيا من قولهم: تنعم الرجل: إذا مشى حافيًا. انظر: "اللسان" 6/ 4484 (نعم).]]. واختلفوا في المَعْنِي بـ (بهيمة الأنعام)، فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الضأن والمعز والإبل والبقر [[لم أقف عليه.]]. وهذا قول الحسن وقتادة والربيع والضحاك والسدي، قالوا: هي الأنعام كلها [[انظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 248، و"زاد المسير" 2/ 268، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 34.]]. وعلى هذا القول قال ابن الأنباري: إنما أضاف البهيمة إلى الأنعام على جهة التوكيد والإطناب في المعنى، ولو قال: أحلت لكم الأنعام لم يسقط بسقوط البهيمة إلا زيادة التوكيد، وهذا كما يقال: نفس الإنسان [[لم أقف عليه.]]. وقال الكلبي: بهيمة الأنعام وحشيها [[في (ج): (وحشها) بدون ياء.]] كالظِّباء وبقر الوحش وحمر الوحش [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 106.]]. وهو اختيار الفراء [["معاني القرآن" 1/ 298.]]، والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 140.]]. وعلى هذا القول قال أبو بكر: أضاف البهيمة إلى الأنعام؛ لأنه [[في (ج): (لأنها).]] لو أفردها فقال: البهيمة، أو البهائم وقعت على الأنعام وعلى غيرها مما حظر وحرم، فأضافها إلى الأنعام ليعرف جنس البهيمة. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾. أي: إلا ما يُقرأ عليكم في القرآن مما حرم عليكم، وهو قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: 3]. قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي [["تفسير ابن عباس" ص 166، وأخرج الآثار عن الجميع إلا الحسن والطبري في "تفسيره" 9/ 458. وانظر: "تفسير الهواري" 1/ 443 ن "زاد المسير" 2/ 269.]]. وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾. انتصب (غيرَ) على الحال من قوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ [[انظر: "مشكل إعراب القرآن" 1/ 217، و"الكشاف" 1/ 320، و"الدر المصون" 4/ 178.]] كما تقول: أحل لكم الطعام غير مفسدين فيه. وقال الفراء: هو مثل قولك: أحل لك هذا الشيء لا مفرطًا فيه ولا متعديًا، فإذا جعلت (غيرَ) مكان (لا)، صار النصب الذي بعد (لا) في (غير) [["معاني القرآن" 1/ 298.]]. والمعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا أن تحلوا الصيد في حال الإحرام، فإنه لا يحل لكم إذا كنتم محرمين. ويقال: رجل حرام، وقوم حُرُم، أي: محرمون [["معاني الزجاج" 2/ 141، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 794 (حرم)، و"زاد المسير" 2/ 269.]]. والإضافة في قوله تعالى: ﴿مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ على تقدير الانفصال؛ لأن ما كان من هذا الباب للاستقبال وللحال أثبتت فيه النون والتنوين، نحو: ضارب زيدًا، وضاربون زيدًا [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 298، و"معاني الزجاج" 2/ 141.]]. وقد أحكمنا هذا الفصل عند قوله: ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ قال أبو إسحاق: أي الخلق له جل وعز يُحل منه ما يشاء لمن يشاء، ويُحرم ما يريد [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 142.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب