الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، تَذَكَّرَ ما وقَعَ لَهُ بِهِما مِنَ الأسْبابِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ مَقامُ الشُّهُودِ وازْدادَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيا عُزُوفًا، فَقالَ مُخاطِبًا: (p-٢٢٠)﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي﴾ وافْتَتَحَ بِـ ”قَدْ“ لِأنَّ الحالَ حالُ تَوَقُّعِ السّامِعِ لِشَرْحِ مَآلِ الرُّؤْيا ﴿مِنَ المُلْكِ﴾ أيْ بَعْضُهُ بَعُدَ بُعْدِي مِنهُ جِدًّا، وهو مَعْنى رُوحِهِ تَمامُ القُدْرَةِ ﴿وعَلَّمْتَنِي﴾ وقَصَرَ دَعْواهُ تَواضُعًا بِالإتْيانِ بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾ طِبْقَ ما بَشَّرَنِي بِهِ أبِي وأخْبَرْتُ بِهِ أنْتَ مِنَ التَّمْكِينِ والتَّعْلِيمِ قَبْلَ قَوْلِكَ، واللَّهُ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ؛ ثُمَّ ناداهُ بِوَصْفٍ جامِعٍ لِلْعِلْمِ والحِكْمَةِ فَقالَ: ﴿فاطِرَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ ثُمَّ أعْلَمَهُ بِما هو أعْلَمُ بِهِ مِنهُ مِن أنَّهُ لا يَعُولُ عَلى غَيْرِهِ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ فَقالَ \: ﴿أنْتَ ولِيِّي﴾ أيِ الأقْرَبُ إلَيَّ باطِنًا وظاهِرًا ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ أيْ لا ولِيَّ لِي غَيْرُكَ، والوَلِيُّ يَفْعَلُ لِمَوْلاهُ الأصْلَحَ والأحْسَنَ، فَأحْسَنَ بِي في الآخِرَةِ أعْظَمُ ما أحْسَنْتَ بِي في الدُّنْيا.
ولَمّا كانَ تَوَلِّيهِ لِلَّهِ لا يَتِمُّ إلّا بِتَوَلِّي اللَّهِ لَهُ، أتْبَعَهُ بِما يُفِيدُهُ فَقالَ: ﴿تَوَفَّنِي﴾ أيِ اقْبِضْ رُوحِي وافِيًا تامًّا في جَمِيعِ أمْرِي حِسًّا ومَعْنى حالَ كَوْنِي ﴿مُسْلِمًا﴾ ولَمّا كانَ المُسْلِمُ حَقِيقَةَ مَن كانَ عَرِيقًا في الإخْلاصِ، حَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ فَتَوَفّاهُ اللَّهُ كَما سَألَ؛ قالُوا: وتَخاصَمَ أهْلُ مِصْرَ فِيهِ، كُلُّهم يَرْجُو أنْ يُدْفَنَ في مَحَلَّتِهِ يَرْجُو بَرَكَتَهُ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلى أنْ عَمِلُوا لَهُ صُنْدُوقًا مِن رُخامٍ ودَفَنُوهُ في وسَطِ النِّيلِ، (p-٢٢١)لِيَفْتَرِقَ الماءُ عَلى جَمِيعِ الأرْضِ فَتَنالُها بِرْكَتُهُ وتُخَصَّبُ كُلُّها عَلى حَدٍّ سَواءٍ، ويَكُونُوا كُلُّهم في الماءِ سَواءٌ.
ذَكَرَ ما بَقِيَ مِنَ القِصَّةِ عَنِ التَّوْراةِ:
قالَ بَعْدَما مَضى: فَلَمْ يَقْدِرْ يُوسُفُ عَلى الصَّبْرِ - يَعْنِي عَلى تَرَفُّقِ إخْوَتِهِ - فَأمَرَ بِإخْراجِ جَمِيعِ مَن كانَ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أحَدٌ حَيْثُ ظَهَرَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَبَكى حَتّى سَمِعَ المِصْرِيُّونَ فَأخْبَرُوا في آلِ فِرْعَوْنَ، فَقالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ: أنا أخُوكم يُوسُفُ، هَلْ أبِي باقٍ؟ فَلَمْ يَقْدِرْ إخْوَتُهُ عَلى إجابَتِهِ لِأنَّهم رَهِبُوهُ، فَقالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ: ادْنُوا مِنِّي [فَدَنَوْا] فَقالَ لَهُمْ: أنا يُوسُفُ الَّذِي بِعْتُمُونِي لِمَن ورَدَ إلى مِصْرَ، والآنَ فَلا تَحْزَنُوا، ولا يَشُقَّنَّ عَلَيْكم ذَلِكَ، ولا يَشْتَدَّنَّ عَلَيْكم بَيْعُكم إيّايَ إلى ما هُنا، لِأنَّ اللَّهَ أرْسَلَنِي أمامَكم لِأُعِدَّ لَكُمُ القُوتَ، لِأنَّ لِلْجُوعِ مُذْ أتى سَنَتَيْنِ، وسَتَأْتِي خَمْسُ سِنِينَ أُخَرُ لا يَكُونُ فِيها زَرْعٌ ولا حَصادٌ، فَأرْسَلَنِي الرَّبُّ أمامَكم لِأصِيرَ لَكم بَقاءً في الأرْضِ وأخْلَصَكم (p-٢٢٢)وأسْتَنْقِذُكُمْ، لِتَحْيَوْا وتَسْتَبْشِرُوا عَلى الأرْضِ، والآنَ فَلَسْتُمْ أنْتُمُ الَّذِينَ بَعَثْتُمُونِي إلى هاهُنا بَلِ اللَّهُ أرْسَلَنِي وجَعَلَنِي أبًا لِفِرْعَوْنَ وسَيِّدًا لِجَمِيعِ أهْلِ بَيْتِهِ، ومُسَلِّطًا عَلى جَمِيعِ أرْضِ مِصْرَ، فاصْعَدُوا الآنَ عِجِلِينَ عَلَيَّ بِأبِي وقُولُوا لَهُ: هَكَذا يَقُولُ ابْنُكَ يُوسُفُ: إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي سَيِّدًا لِجَمِيعِ أهْلِ مِصْرَ، فاهْبِطْ إلَيَّ ولا تَتَأخَّرْ، وانْزِلْ إلى أرْضِ السَّدِيرِ - وفي نُسْخَةٍ: خَشّانَ - فَكُنْ قَرِيبًا مِنِّي أنْتَ وبُنُوكَ وأهْلُ بَيْتِكَ وعَمَّتُكَ وبَقَرُكَ وجَمِيعُ مالِكَ، فَأُمَوِّنُكم هُناكَ، لِأنَّهُ قَدْ بَقِيَ خَمْسُ سِنِينَ جُوعًا، لِئَلّا تَهْلَكَ أنْتَ وأهْلُ بَيْتِكَ وكُلُّ مالِكٍ، وهَذِهِ أعْيُنُكم تُبْصِرُ وعَيْنا أخِي بِنْيامِينَ، إنِّي أُكَلِّمُكم مُشافَهَةً، وأخْبِرُوا أبِي بِجَمِيعِ كَرامَتِي ووَقارِي في أرْضِ مِصْرَ، وبِجَمِيعِ ما رَأيْتُمْ، وأسْرِعُوا واهْبِطُوا بِأبِي إلى ما هاهُنا، فاعْتَنَقَ أخاهُ بِنْيامِينُ أيْضًا وبَكى، وقَبِلَ جَمِيعُ إخْوَتِهِ وبَكى، ومِن بَعْدِ ذَلِكَ كَلَّمَهُ إخْوَتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ فِرْعَوْنُ وقِيلَ لَهُ: إنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ قَدْ أتَوْهُ، فَسُرَّ ذَلِكَ فِرْعَوْنُ وعَبِيدُهُ - وفي نُسْخَةِ: وجَمِيعُ قُوّادِهِ - فَقالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: قُلْ لِإخْوَتِكَ فَلْيَفْعَلُوا هَكَذا، أوَقِرُوا دَوابَّكم مِيرَةً، وانْطَلِقُوا بِها إلى أرْضِ كَنْعانَ، وأقْبَلُوا بِأبِيكم وأهْلِ بُيُوتاتِكم [وائْتُونِي] فَأنْحِلُكم (p-٢٢٣)خَيْراتِ أرْضِ مِصْرَ وخَصْبِها، وكُلُوا خَصْبَ الأرْضِ، وهَذا أنْتَ المُسَلَّطُ، فَأْمُرْ إخْوَتَكَ أنْ يَفْعَلُوا هَذا الفِعْلَ، احْمِلُوا مِن أرْضِ مِصْرَ عَجَلًا لِنِسائِكم وحَشَمِكُمْ، وأظْعِنُوا بِأبِيكم فَأقْبِلُوا، ولا تُشْفِقَنَّ عَلى أمْتِعَتِكُمْ، لِأنَّ جَمِيعَ خَيْراتِ مِصْرَ وأرْضِها وخَصْبِها هو لَكُمْ، فَفَعَلَ بَنُو إسْرائِيلَ كَما أمَرَ فِرْعَوْنُ، ودَفَعَ إلَيْهِمْ يُوسُفُ عِجْلًا عَنْ أمْرِ فِرْعَوْنَ، وزَوَّدَهم جَمِيعَ أزْوِدَةِ الطَّرِيقِ، وخَلَعَ عَلى كُلِّ امْرِئٍ مِنهم خَلْعَةً، فَأمّا بِنْيامِينُ فَأجازَهُ بِثَلاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ - وفي نُسْخَةٍ: مِثْقالُ فِضَّةٍ - وخَلَعَ عَلَيْهِ خَمْسَ خِلَعٍ، وبَعَثَ إلى أبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ أيْضًا وعَشْرَةَ حَمِيرٍ مُوَقَّرَةٍ مِنَ البُرِّ والطَّعامِ وأزْوِدَةٍ لِأبِيهِ لِلطَّرِيقِ وأرْسَلَهُمْ، فانْطَلَقُوا، وتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ [وقالَ لَهُمْ]: لا تَقَعُ المُشاجَرَةُ فِيما بَيْنَكم في الطَّرِيقِ، فَظَعَنُوا مِن مِصْرَ فَأتَوْا أرْضَ كَنْعانَ إلى يَعْقُوبَ أبِيهِمْ، فَأخْبَرُوهُ وقالُوا لَهُ: إنَّ يُوسُفَ بَعْدُ في الحَياةِ، وهو المُسَلَّطُ عَلى جَمِيعِ أرْضِ مِصْرَ، ورَأى يَعْقُوبُ العِجْلَ الَّذِي بُعِثَ يُوسُفُ لِحَمْلِهِ فاطْمَأنَّتْ نَفْسُهُ وقالَ: إنَّ هَذا لَعَظِيمٌ عِنْدِي، إذْ كانَ ابْنِي يُوسُفُ بَعْدَ الحَياةِ، أنْطَلِقُ الآنَ (p-٢٢٤)أنْظُرُ إلَيْهِ قَبْلَ المَوْتِ.
فَظَعَنَ إسْرائِيلُ وجَمِيعُ ما لَهُ، فَأتى بِئْرَ السَّبْعِ، وقَرَّبَ قُرْبانًا لِإلَهِ إسْحاقَ أبِيهِ، فَكَلَّمَ اللَّهُ إسْرائِيلَ في الرُّؤْيا وقالَ لَهُ: يا يَعْقُوبُ ! فَقالَ: هاأنَذا! فَقالَ: إنِّي أنا إيَّلُ إلَهُ أبِيكَ، لا تَخَفْ مِنَ الحُدُورِ إلى مِصْرَ، لِأنِّي أجْعَلُكَ هُناكَ إلى شَعْبٍ عَظِيمٍ - وفي نُسْخَةٍ: لِأنِّي أصِيرُ مِنكَ أُمَّةً عَظِيمَةً - أنا أهْبِطُ مَعَكَ، وأنا أصَعَدُكَ، ويُوسُفُ يَضَعُ يَدَهُ عَلى عَيْنَيْكَ، فَنَهَضَ يَعْقُوبُ مِن بِئْرِ السَّبْعِ وظَعَنَ بَنُو إسْرائِيلَ بِيَعْقُوبَ أبِيهِمْ وبِحَشَمِهِمْ ونِسائِهِمْ عَلى العِجْلِ الَّذِي بَعَثَ فِرْعَوْنُ لِحَمْلِهِ، وساقُوا دَوابَّهم ومَواشِيَهُمُ الَّتِي اسْتَفادُوها بِأرْضِ كَنْعانَ، فَأتَوْا بِها مِصْرَ يَعْقُوبُ وجَمِيعُ نَسْلِهِ وبَنُوهُ مَعَهُ وبَنُو بَنِيهِ [وبَناتُهُ] وبَناتُ بَناتِهِ، وأدْخَلَ إلى مِصْرَ كُلَّ نَسْلِهِ،
ثُمَّ سَمّاهم واحِدًا [واحِدًا]، ثُمَّ قالَ: فَجَمِيعُ بَنِي يَعْقُوبَ الَّذِينَ دَخَلُوا مِصْرَ سَبْعُونَ إنْسانًا، ثُمَّ بَعَثَ يَعْقُوبُ يَهُوذا بَيْنَ يَدَيْهِ إلى يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِيَدُلَّهُ عَلى السَّدِيرِ - وفي نُسْخَةٍ: خَشانُ - فَألْجَمَ يُوسُفُ مَراكِبَهُ، وصَعِدَ لِلِقاءِ إسْرائِيلَ أبِيهِ إلى خِشانَ - وفي نُسْخَةٍ: السَّدِيرُ - فَتَلَقّاهُ واعْتَنَقَهُ وبَكى إذِ اعْتَنَقَهُ، فَقالَ إسْرائِيلُ لِيُوسُفَ.
(p-٢٢٥)أتَوَفّى الآنَ بُعْدَ نَظَرِي إلَيْكَ يا بُنَيَّ، فَأنْتَ في الحَياةِ بَعْدُ، فَقالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ وآلِ أبِيهِ: أصْعَدُ فَأُخْبِرُ فِرْعَوْنَ وأقُولُ: إنَّ إخْوَتِي وآلَ أبِي الَّذِينَ كانُوا بِأرْضِ كَنْعانَ [قَدْ] أتَوْنِي والقَوْمَ رِعاءُ غَنَمٍ، لِأنَّهم أصْحابُ مَواشٍ وقَدْ أتَوْا بِغَنَمِهِمْ وبَقَرَهِمْ وبِكُلِّ شَيْءٍ لَهُمْ، فَإذا دَعاكم فَقُولُوا لَهُ: إنّا عَبِيدُكَ أصْحابُ ماشِيَةٍ مُنْذُ صِبانا، وحَتّى الآنَ نَحْنُ وآباؤُنا مِن قَبْلُ أيْضًا، لِكَيْ تَنْزِلُوا أرْضَ خِشانَ - وفي نُسْخَةٍ: السَّدِيرُ - لِأنَّ رُعاةَ الغَنَمِ هم مَرْذُولُونَ عِنْدَ المِصْرِيِّينَ.فَأنّى يُوسُفُ فَأخْبَرَ فِرْعَوْنَ وقالَ لَهُ: إنَّ أبِي وإخْوَتِي أتَوْنِي وغَنَمَهم وبَقَرُهم وجَمِيعَ ما لَهم في أرْضِ كَنْعانَ، وهو ذاهم حُلُولٌ بِأرْضِ السَّدِيرِ، وحَمَلَ مِن إخْوَتِهِ خَمْسَةَ رَهْطٍ، فَأدْخَلَهم عَلى فِرْعَوْنَ فَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ فِرْعَوْنُ لِإخْوَةِ يُوسُفَ: ما صَنْعَتُكُمْ؟ فَقالُوا: إنَّ عَبِيدَكَ رِعاءُ غَنَمٍ نَحْنُ مُنْذُ صِبانا، وآباؤُنا أيْضًا مِن قَبْلُ. وقالُوا لِفِرْعَوْنَ: إنّا أتَيْنا لِنَسْكُنَ هَذِهِ الأرْضَ لِأنَّهُ فَقَدَ الحَشِيشَ والعُشْبَ والكَلَأ مِن مَرابِعِ غَنَمِ عَبِيدِكَ، وذَلِكَ لِأنَّ الجُوعَ اشْتَدَّ في أرْضِ كَنْعانَ، فَأْمُرْ عَبِيدَكَ أنْ يَنْزِلُوا بِأرْضِ السَّدِيرِ، فَقالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: إنَّ أباكَ وإخْوَتَكَ قَدْ أتَوْا، وهَذِهِ أرْضُ مِصْرَ (p-٢٢٦)بَيْنَ يَدَيْكَ، فَأسْكِنْ أباكَ وإخْوَتَكَ في أحْسَنِ الأرْضِ وأخْصَبِها لِيَنْزِلُوا أرْضَ السَّدِيرِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ فِيهِمْ قَوْمًا ذَوِي قُوَّةٍ وبَطْشٍ [ونَفاذٍ] فَوَلِّهِمْ جَمِيعَ مالِي، فَأدْخَلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ أباهُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى فِرْعَوْنَ فَأقامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: كَمْ عَدَدِ سِنِي حَياتِكَ؟ فَقالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِفِرْعَوْنَ: مَبْلَغُ حَياتِي مِائَةٌ وثَلاثُونَ سَنَةً، وإنَّ أيّامَ حَياتِي لَناقِصَةٌ، ولَمْ أبْلُغْ سِنِي حَياةِ آبائِي في أيّامِ حَياتِهِمْ، فَبارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ ودَعا لَهُ، وخَرَجَ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ، فَأسْكَنَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ أباهُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وإخْوَتَهُ وأعْطاهم وِراثَةً في أرْضِ مِصْرَ في أخْصَبِ الأرْضِ وأحْسَنِها في أرْضِ رَعْمَسِيسَ - وفي نُسْخَةٍ: أرْضُ عَيْنِ شَمْسِ - كَما أمَرَ فِرْعَوْنُ، فَقاتَ يُوسُفُ أباهُ وإخْوَتَهُ وجَمِيعَ أهْلِ بَيْتِهِ بِالمِيرَةِ عَلى قَدْرِ الحَشَمِ، ولَمْ تَكُنْ مِيرَةً في جَمِيعِ الأرْضِ كُلِّها لِأنَّ الجُوعَ اشْتَدَّ جِدًّا، فَخَرَجَتْ جَمِيعُ أرْضِ مِصْرَ و[أرْضِ] كَنْعانَ، فَصارَ إلى يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كُلُّ ورَقٍ ألْفَيْ في (p-٢٢٧)[أرْضِ] مِصْرَ وأرْضِ كَنْعانَ، وذَلِكَ ثَمَنُ البُرِّ الَّذِي كانُوا يَبْتاعُونَهُ، فَأوْرَدَ يُوسُفُ الوَرِقَ بَيْتَ مالِ فِرْعَوْنَ، ونَفِدَ الوَرِقُ مِن أرْضِ مِصْرَ وأرْضِ كَنْعانَ، فَأتى جَمِيعَ المِصْرِيِّينَ إلى يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقالُوا لَهُ: أعْطِنا مِنَ القَمْحِ حاجَتَنا فَنَحْيى ولا نَمُوتُ، لِأنَّ ورِقَنا قَدْ نَفَذَ، فَقالَ لَهم يُوسُفُ: ادْفَعُوا إلَيَّ مَواشِيَكم إنْ كانَتِ الأوْراقُ قَدْ نَفِدَتْ، فَأقْوَتْكم بِمَواشِيكُمْ، فَأتَوْهُ بِمَواشِيهِمْ فَأعْطاهم يُوسُفُ مِنَ المِيرَةِ بِخَيْلِهِمْ وبِمَواشِي الغَنَمِ وماشِيَةِ البَقَرِ والحَمِيرِ، وقاتَهم سَنَتَهم تِيكَ بِجَمِيعِ مَواشِيهِمْ، فَأتَوْهُ في السَّنَةِ الأُخْرى وقالُوا لَهُ: لَسْنا نَكْتُمُ سَيِّدَنا أمْرَنا، لِأنَّ أوْراقَنا وماشِيَتَنا ودَوابَّنا قَدْ نَفِدَتْ وصارَتْ عِنْدَ سَيِّدِنا، ولَمْ يَبْقَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنا غَيْرُ أنْفُسِنا وأرْضِنا، فَلَمْ نَهْلَكْ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فابْتَعْنا وأراضِينا بِإطْعامِكَ إيّانا الخُبْزَ، فَنَصِيرُ نَحْنُ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ وأرْضُنا مِلْكًا لَهُ، وأعْطِنا البَذْرَ فَنَحْيا ولا نَمُوتُ، ولا تَخْلُو الأرْضُ وتَخْرُبُ لِفَقْدِ سُكّانِها، فابْتاعَ يُوسُفُ لِفِرْعَوْنَ جَمِيعَ أرْضِ مِصْرَ، فَصارَتِ الأرْضُ لِفِرْعَوْنَ، فَنَقَلَ الشَّعْبُ مِن قَرْيَةٍ إلى قَرْيَةٍ وحَوْلَهم مِن أقاصِي الأرْضِ نَحْوُ مِصْرَ إلى أقْطارِها ما خَلا أرْضُ الأجْنادِ - وفي نُسْخَةٍ: أئِمَّتُهم - فَإنَّهُ لَمْ يَبْتَعْها، لِأنَّهُ كانَ يَجْرِي عَلى الأجْنادِ - وفي رِوايَةٍ: (p-٢٢٨)أئِمَّتُهم - وظِيفَةً ونُزُلًا مِن عِنْدِ فِرْعَوْنَ، وكانُوا يَأْكُلُونَ بُرَّهُمُ المُوَظَّفَ لَهم مِن قِبَلِ فِرْعَوْنَ، ولِذَلِكَ لَمْ يَبِيعُوا أرْضَهُمْ، فَقالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: إنِّي قَدِ اشْتَرَيْتُكُمُ اليَوْمَ وأرْضَكم لِفِرْعَوْنَ، وهاأنَذا مُعْطِيكُمُ البَذْرَ لِتَزْرَعُوا في الأرْضِ، فَإذا دَخَلَتِ الغَلَّةُ فَأعْطُوا فِرْعَوْنَ الخُمْسَ مِنها، وتَكُونُ لَكم لِزِراعَةِ الحَقْلِ أرْبَعَةُ أخْماسٍ، ولِمَأْكَلِ أهْلِ بُيُوتاتِكم وإطْعامِ حَشَمِكُمْ، فَقالُوا لَهُ: لَقَدْ أحْيَيْتَنا، فَلْنَظْفَرْ مِن سَيِّدِنا بِرَحْمَةٍ ورَأْفَةٍ، ونَكُونُ عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ، فَسَنَّ يُوسُفُ هَذِهِ السُّنَّةَ عَلى أرْضِ مِصْرَ إلى يَوْمِ النّاسِ هَذا، فَصارَ [الخُمْسُ] لِفِرْعَوْنَ ما خَلا أرْضَ أئِمَّتِهِمْ - وفي رِوايَةٍ: الأجْنادُ - فَإنَّها لَمْ تَكُنْ لِفِرْعَوْنَ.
فَسَكَنَ إسْرائِيلُ [أرْضَ] مِصْرَ وأرْضَ السَّدِيرَ، فَعَظُمُوا واعْتَزُّوا فِيها واسْتَيْسَرُوا وتَماجَدُوا، وعاشَ يَعْقُوبُ في أرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشْرَةَ [سَنَةً]، وكانَتْ جَمِيعُ أيّامِ حَياةِ يَعْقُوبَ مِائَةً وسَبْعًا وأرْبَعِينَ سَنَةً، ودَنَتْ أيّامُ وفاةِ إسْرائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَدَعا يُوسُفُ (p-٢٢٩)ابْنَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وقالَ لَهُ: إنْ ظَفَرْتُ مِنكَ بِرَحْمَةٍ ورَأْفَةٍ، فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ ظَهْرِي حَتّى أسْتَحْلِفَكَ بِاللَّهِ وأُقْسِمُ عَلَيْكَ بِهِ، وأنْعَمَ عَلَيَّ بِالنِّعْمَةِ والقِسْطِ، لا تَدْفِنِّي بِمِصْرَ، بَلْ أضْطَجِعُ مَعَ آبائِي، احْمِلْنِي مِن مِصْرَ فادْفِنِّي في مَقْبَرَتِهِمْ، فَقالَ يُوسُفُ: أنا فاعِلٌ ذَلِكَ كَقَوْلِكَ وأمْرِكَ، فَقالَ لَهُ: أُقْسِمْ لِي، فَأقْسَمَ لَهُ فَتَوَكَّأ إسْرائِيلُ عَلى عَصاهُ وسَجَدَ شُكْرًا.
فَلَمّا كانَ بَعْدَ هَذِهِ الأقاوِيلِ بَلَغَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ أباهُ قَدْ مَرِضَ، فانْطَلَقَ بِابْنَيْهِ مَعَهُ: مَنَشّا وإفْرايِمَ، فَبَلَغَ يَعْقُوبُ وقِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَكَ يُوسُفَ قَدْ أتاكَ، فَتَقْوّى إسْرائِيلُ وجَلَسَ عَلى أرِيكَتِهِ، فَقالَ إسْرائِيلُ لِيُوسُفَ: إنَّ إلَهَ المَواعِيدِ اعْتَلَنَ لِي بِلَوْزٍ في أرْضِ كَنْعانَ، فَبارَكَنِي وقالَ لِي: هاأنَذا مُبارِكُكَ ومُكَثِّرُكَ، وأجْعَلُكَ أبًا لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وأُعْطِي نَسْلَكَ مِن بَعْدِكَ هَذِهِ الأرْضَ مِيراثًا إلى الأبَدِ، وأنا (p-٢٣٠)إذْ كُنْتُ مُقْبِلًا مِن فَدانَةِ أرامَ تُوُفِّيَتْ عَنِّي راحِيلُ أُمُّكَ في أرْضِ كَنْعانَ في الطَّرِيقِ، وكانَ بَيْنِي وبَيْنَ الدُّخُولِ إلى إفْراثِ قَدْرَ مَسِيرَةِ مِيلٍ - وفي نُسْخَةٍ: - فَرْسَخٌ - فَدَفَنْتُها هُناكَ في طَرِيقِ إفْراثَ - وهي بَيْتُ لَحْمٍ - ونَظَرَ إسْرائِيلُ إلى ابْنَيْ يُوسُفَ فَقالَ لَهُ: مَن هَذانُ؟ فَقالَ: ابْنايَ اللَّذانِ رَزَقَنِي اللَّهُ هاهُنا، فَقالَ أدْنِهِما مِنِّي، فَقَبَّلَهُما واعْتَنَقَهُما وقالَ: ما كُنْتُ أرْجُو النَّظَرَ إلى وجْهِكَ فَقَدْ أرانِي اللَّهُ نَسْلَكَ أيْضًا، وقالَ إسْرائِيلُ لِيُوسُفَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ: هاأنَذا مُتَوَفٍّ، ويَكُونُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ وعَوْنِهِ مَعَكُمْ، ويَرُدُّكم إلى أرْضِ آبائِكُمْ، وهَأنَذا قَدْ فَضَّلْتُكَ عَلى إخْوَتِكَ بِسَهْمٍ مِنَ الأرْضِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَيْها الأمُورانِيُّونَ بِسَيْفِي وقَوْسِي، ثُمَّ إنَّ يَعْقُوبَ دَعا بَنِيهِ وقالَ؛ اجْتَمَعُوا إلَيَّ فَأُبَيِّنَ لَكم ما هو كائِنٌ مِن أمْرِكم في آخِرِ الأيّامِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ ثُمَّ قالَ: وهَذا ما أخْبَرَهم بِهِ يَعْقُوبُ أبُوهُمْ، نَبَّأهم بِذَلِكَ وبارَكَ عَلَيْهِمْ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم (p-٢٣١)عَلى قَدْرِهِ، ثُمَّ أوْصاهم وقالَ لَهُمْ: إنَّنِي أنْتَقِلُ إلى شَعْبِي فادْفِنُونِي إلى جانِبِ آبائِي في المَغارَةِ الَّتِي في حَقْلِ عَفْرُونَ الحِيثانِيِّ، في المَغارَةِ الَّتِي في الرَّوْضَةِ المُضاعَفَةِ إلى جانِبِ مَمَرِّي بِأرْضِ كَنْعانَ الَّتِي ابْتاعَها إبْراهِيمُ: رَوْضَةٌ مَن عَفْرُونَ الحِيثانِيِّ وِراثَةُ المَقْبَرَةِ، هُنالِكَ دُفِنَ إبْراهِيمُ وسارَّةُ حَلِيلَتُهُ، وفِيها دُفِنَ إسْحاقُ ورَفِقا حَلِيلَتَهُ، وهُنالِكَ دُفِنَتْ لِيا في الرَّوْضَةِ المُبْتاعَةِ والمَغارَةِ الَّتِي فِيها مِن بَنِي حاثَّ. فَلَمّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِن وصِيَّتِهِ لِبَنِيهِ بَسَطَ رِجْلَيْهِ عَلى أرِيكَتِهِ فَماتَ ونُقِلَ إلى شَعْبِهِ.
فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَيْهِ [فَقَبَّلَهُ] وبَكى عَلَيْهِ، فَأمَرَ عَبِيدَهُ الأطِبّاءَ بِتَحْنِيطِهِ، فَحَنَّطَ الأطِبّاءُ إسْرائِيلَ وتَمَّتْ لَهُ أرْبَعُونَ لَيْلَةً، لِأنَّهُ هَكَذا تُكْمَلُ أيّامُ المُحَنِّطِينَ، وناحَ المِصْرِيُّونَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ يَوْمًا، فَقالَ يُوسُفُ لِآلِ فِرْعَوْنَ: إنْ ظَفَرْتُ مِنكم بِرَحْمَةٍ ورَأْفَةٍ فَأخْبِرُوا فِرْعَوْنَ أنَّ أبِي أحْلَفَنِي وأقْسَمَ عَلَيَّ وقالَ لِي: هاأنا مُتَوَفٍّ، فاقْبُرْنِي في القَبْرِ الَّذِي ابْتَعْتَهُ في أرْضِ كَنْعانَ، فَيَأْذَنُ لِي فَأصْعَدُ فَأدْفِنُ [أبِي] ثُمَّ أرْجِعُ، فَقالَ لَهُ (p-٢٣٢)فِرْعَوْنُ: اصْعَدْ فادْفِنْ أباكَ كَما أقْسَمَ عَلَيْكَ، فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أباهُ، وصَعِدَ مَعَهُ جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وأشْياخُ بَيْتِهِ وجَمِيعُ أشْياخِ مِصْرَ وجَمِيعُ أهْلِ بَيْتِ يُوسُفَ، وصَعِدَ مَعَهُ إخْوَتُهُ [و]آلُ أبِيهِ، وأمّا حَشَمُهم وبَقَرُهم وغَنَمُهم فَخَلَّفُوها بِأرْضِ خِشانَ - وفي نُسْخَةٍ: السَّدِيرُ - وأصْعَدَ المَراكِبُ والفَرَسانُ أيْضًا، فَصارَ في عَسْكَرٍ عَظِيمٍ مَنِيعٍ، فَأتَوْا إلى بَيادِرَ أُطُرا - وفي نُسْخَةٍ: أنْدَرُ العَوْسَجَ - الَّتِي في مَجازِ الأُرْدُنِ، فَرَنَوْا هُناكَ وناحُوا نُوحًا عَظِيمًا مُرًّا، فَنَظَرَ سُكّانُ أرْضِ كَنْعانَ إلى التَّأبُّلِ والنُّواحِ في أجْرانَ العَوْسَجَ، فَقالُوا: إنَّ هَذا التَّأبُّلَ عَظِيمٌ لِلْمِصْرِيِّينَ، ولِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ المَوْضِعُ ”تَأبُّلُ مِصْرَ“، الَّذِي في مَجازِ الأُرْدُنِّ، فَفَعَلَ بَنُو إسْرائِيلَ كَما أمَرَهُمْ، وحَمَلُوهُ وانْطَلَقُوا بِهِ إلى أرْضِ كَنْعانَ فَدَفَنُوهُ ثُمَّ في المَغارَةِ المُضاعَفَةِ الَّتِي في الرَّوْضَةِ الَّتِي ابْتاعَها إبْراهِيمُ وِراثَةُ المَقْبَرَةِ مَن عَفْرُونَ الحَيْثانِيِّ وهي أمامُ مَمَرى.
(p-٢٣٣)ثُمَّ رَجَعَ يُوسُفُ إلى مِصْرَ هو وإخْوَتُهُ وجَمِيعُ مَن صَعِدَ مَعَهُ في دَفْنِ أبِيهِ، ومِن بَعْدِ ما دَفَنَ أباهُ نَظَرَ إخْوَةُ يُوسُفَ إلى أبِيهِمْ قَدْ تُوُفِّيَ، فَفُرِّقُوا وقالُوا: لَعَلَّ يُوسُفَ أنْ يُؤْذِيَنا ويَنْكَأنا ولَعَلَّهُ أنْ يُكافِئَنا عَلى جَمِيعِ الشَّرِّ الَّذِي ارْتَكَبْنا مِنهُ، فَدَنَوْا مِن يُوسُفَ وقالُوا لَهُ: إنَّ أباكَ أوْصى قَبْلَ وفاتِهِ وقالَ: هَكَذا قُولُوا لِيُوسُفَ: نَطْلُبُ إلَيْكَ أنْ تَعْفُوَ عَنْ جَهْلِ إخْوَتِكَ وعَنْ خَطاياهم بِارْتِكابِهِمُ الشَّرَّ مِنكَ، فالآنَ نَطْلُبُ إلَيْكَ أنْ تَعْفُوَ عَنْ ذَنْبِ عَبِيدِ إلَهِ أبِيكَ، فَبَكى يُوسُفُ لَمّا قالُوا ذَلِكَ، فَدَنا إخْوَتُهُ فَخَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ سُجَّدًا وقالُوا لَهُ: هُوذا نَحْنُ لَكَ عَبِيدٌ، فَقالَ لَهُمْ: لا تَخافُونِي لِأنِّي أخافُ اللَّهَ، أمّا أنْتُمْ فَهَمَمْتُمْ بِي شَرًّا فَصَيَّرَهُ اللَّهُ لِي خَيْرًا كَما فَعَلَ بِي يَوْمُنا هَذا، فَأُحْيِي عَلى يَدَيْ خَلْقًا عَظِيمًا، والآنَ فَلا خَوْفَ عَلَيْكُمْ، أنا أقْوَتُكم وحَشَمُكُمْ، فَعَزّاهم ومَلَأ قُلُوبَهم خَيْرًا.
ثُمَّ أقامَ يُوسُفُ بِمِصْرَ هو وآلُ بَيْتِهِ، فَعاشَ يُوسُفُ مِائَةً وعَشْرَ سِنِينَ ورَأى يُوسُفُ ولَدَ ولَدِهِ، فَقالَ يُوسُفُ لِإخْوَتِهِ: هاأنَذا مُتَوَفٍّ، واللَّهُ سَيَذْكُرُكم ويُخْرِجُكم مِن هَذِهِ الأرْضِ إلى الأرْضِ الَّتِي أقْسَمَ بِها لِإبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ، فَأقْسَمَ [ يُوسُفُ ] عَلى بَنِي إسْرائِيلَ (p-٢٣٤)وقالَ: [إنَّ] اللَّهَ سَيَذْكُرُكُمْ، فَأصْعِدُوا عِظامِي مَعَكُمْ، فَتُوُفِّيَ يُوسُفُ وهو ابْنُ مِائَةً وعَشْرَ سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ ووَضَعُوهُ في صُنْدُوقٍ بِأرْضِ مِصْرَ - وسَيَأْتِي ما بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ اسْتِعْبادِهِمْ وما يَتْبَعُهُ في [سُورَةِ القَصَصِ] إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وهَذا الَّذِي ذَكَرَ مِنَ القِصَّةِ في التَّوْراةِ مُصَدِّقٌ لِما في القُرْآنِ وشاهِدٌ بِإعْجازِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ شَرْحَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا اسْتَيْأسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِيًّا﴾ [يوسف: ٨٠] في أنَّهُ بَعْدَ أخْذِ الصُّواعِ مِن رَحْلِ أخِيهِ تَرَكَهم مِن غَيْرِ تَعْرِيفٍ لَهم [بِنَفْسِهِ] فَمَضَوْا إلى أبِيهِمْ فَأخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ عادُوا مَرَّةً أُخْرى لِلْمِيرَةِ والطَّلَبِ لِيُوسُفَ وأخِيهِ فَعَرَّفَهم يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِنَفْسِهِ وجَلا لَهُمُ الأمْرَ في هَذِهِ القَدْمَةِ الثّالِثَةِ، فَكَأنَّهم أسْقَطُوا ما في التَّوْراةِ مِن ذَلِكَ تَدْلِيسًا وتَلْبِيسًا، وهو لا يَضُرُّ غَيْرَهُمْ، فَإنَّ ما صارَ في كِتابِهِمْ لا يَتَمَشّى عَلى قَوانِينِ العَقْلِ لِمَن تَدَبَّرَ، فَلَمْ يَفِدْهم ذَلِكَ غَيْرُ التَّحَقُّقِ لِخِيانَتِهِمْ وجَهْلِهِمْ - واللَّهُ الهادِي ”إلى الصَّوابِ“.
(p-٢٣٥)
{"ayah":"۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق