الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ الآية، قال ابن عباس [[انظر: ابن كثير 2/ 529.]]: ثم دعا ربه وحمده وشكره فقال: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾، وذكر أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 129.]] وأبو بكر في (من) هاهنا قولين: أحدهما: أنها للتبعيض، وكذلك هي في قوله: ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾؛ لأنه كان قد ملك مصر ومُلْك مصر قطعة من الملك، وعبارة الرؤيا جزء من علم تأويل الأحاديث. الثاني: أن (من) دخلت للتجنيس، وتلخيصها: آتيتني من جنصر الملك ومن جنس تأويل الأحاديث كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: 30] أي: اجتنبوا الرجس الذي هو وثن، ولم يؤمروا باجتناب بعض الأوثان. قال أبو بكر: والقول هو الأول؛ لأن [[لأن: زيادة من (ب).]] (من) تأتي مجنسة عند تمام الكلام نحو قولهم: قطعت ثوبًا من الخز، وعليه جبة من الوشي، ولا يكاد يقال: قطعت من الوشي، ولبست من الخز، إلا والمفعول مقدر في النية، و (ءاتيتني) في الآية غير مستغنى عما بعده، فيكون (من) مفسرة في موضع النقص بفتح، وقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ أتت فيه من مفسرة مجنسة بعد كلام لو اقتصرت عليه عقل، قال: ويجوز أن يكون المعنى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ الملك، وعلمتني تأويل الأحاديث، فأكد الكلام بمن كما أُكِّد بها في قوله: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [محمد: 15]. وقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 154.]]: يريد تفسير الأحلام وقد مر. وقوله تعالى: ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس [[الرازي 18/ 217، و"تهذيب اللغة" (فطر) 3/ 2803، و "اللسان" (فطر) 6/ 3433.]]: كنت بما أدري ما (فاطر السموات والأرض)، حتى احتكم إليَّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، وأنا ابتدأت حفرها، وقال ابن الأعرابي [["تهذيب اللغة" (فطر) 3/ 2803، و"اللسان" (فطر) 6/ 3433.]]: يقول أنا أول من فطر هذا، أي: ابتدأه، ثم فسر ابن عباس ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ﴾ يريد: خالق السموات، ومن هذا قوله: ﴿الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [هود: 51] أي: خلقني. وقوله تعالى: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [يس: 22] و"كل مولد يولد على الفطرة" [[أخرجه البخاري بنحوه عن أبي هريرة (1358) كتاب الجنائز، باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يُصَلّى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام؟ وأطرافه في 1359، 1385، 4775، 9599، وأخرجه مسلم بنحوه أيضًا (2658) كتاب القدر باب معنى (كل مولود يولد على الفطرة ..).]] أي: الخلقة التي فطر عليها في الرحم من سعادة أو شقاوة. وقال أهل المعاني [["تهذيب اللغة" (فطر) 3/ 2803 - 2805، و"اللسان" (فطر) 6/ 3432 - 3433، والرازي 18/ 217.]]: أجل الفطر في اللغة: الشق، يقال: فطر ناب البعير، أي: بزل، وفطرت الشيء فانفطر، أي: شققته فانشق، وتفطرت الأرض بالنبات، والشجر بالورق، إذا تصدعت، هذا أصله ثم صار عبارة عن الشق عن الأمر باختراعه، فكل من أظهر أمرًا اخترعه على غير مثال، يقال: قد فطره، وفطر السموات والأرض اختراعهما بما هو كالشق عما يظهر به، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 130.]]: ويكون نصبه من وجهين: أحدهما: على الصفة لقوله: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي﴾ وهو نداء مضاف في موضع نصب، ويجوز أن ينصب على نداء ثان. وقوله تعالى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾ قال قتادة [[الطبري 13/ 73، وأحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم 7/ 2204 كما في "الدر".]]: سأل ربه اللحوق به قال: ولم يتمن نبي قط الموت قبله، وكثير من المفسرين [[أخرجه الطبري 13/ 73، 74، عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن إسحاق، و"زاد المسير" 4/ 292، وابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس كما في "الدر" 4/ 73.]] على هذا، وقال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 292.]] في رواية عطاء: يريد لا تسلبني الإسلام حتى تتوفاني عليه، وهذا لا دليل فيه على تمني الموت، بل هو دليل على سؤال أن يكون موته على الإسلام إذا كان. وقوله تعالى: ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ قال ابن عباس [[الطبري 13/ 73، وابن المنذر وابن أبي حاتم 8/ 2781، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 73.]] وغيره من المفسرين [[الثعلبي 7/ 114 أ، وأخرجه أبو الشيخ، عن الضحاك وابن أبي حاتم 7/ 2205، عن وهب، وأحمد وابن أبي حاتم 7/ 2204 - 2205، وابن جرير عن قتادة كما في "الدر" 4/ 73.]] يعني: بآبائه إبراهيم وإسما عيل وإسحاق، والمعنى: ألحقني بهم في ثوابهم ومراتبهم [[(ومراتبهم): زيادة من (ب).]] ودرجاتهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب