الباحث القرآني
﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ﴾ أيْ بَعْضًا عَظِيمًا مِنهُ فَمِن لِلتَّبْعِيضِ ويَبْعُدُ القَوْلُ بِزِيادَتِها أوْ جَعْلِها لِبَيانِ الجِنْسِ والتَّعْظِيمُ مِن مُقْتَضَياتِ المَقامِ وبَعْضُهم قَدَّرَ عَظِيمًا في النَّظْمِ الجَلِيلِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ كَما نَقَلَ أبُو البَقاءِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ والظّاهِرُ أنَّهُ أرادَ مِن ذَلِكَ البَعْضِ مُلْكَ مِصْرَ ومِنَ ﴿المُلْكِ﴾ ما يَعُمُّ مِصْرَ وغَيْرَها ويُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ جَوازُ أنْ يُرادَ مِنَ المُلْكِ مِصْرُ ومِنَ البَعْضِ شَيْءٌ مِنها وزَعَمَ أنَّهُ لا يُنافِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنها حَيْثُ يَشاءُ﴾ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا فِيهِ وإنْ كانَ مُمَكَّنًا وفِيهِ تَأمُّلٌ وقِيلَ: أرادَ مُلْكَ نَفْسِهِ مِن إنْفاذِ شَهْوَتِهِ وقالَ عَطاءٌ: مَلَكَ حُسّادَهُ بِالطّاعَةِ ونَيْلِ الأمانِي ولَيْسَ بِذاكَ ﴿وعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾ أيْ بَعْضًا مِن ذَلِكَ كَذَلِكَ والمُرادُ بِتَأْوِيلِ الأحادِيثِ إمّا تَعْلِيمُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيا وهو الظّاهِرُ وإمّا تَفْهِيمُ غَوامِضِ أسْرارِ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ ودَقائِقِ سُنَنِ الأنْبِياءِ وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يُؤْتَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَمِيعَ ذَلِكَ والتَّرْتِيبُ عَلى غَيْرِ الظّاهِرِ ظاهِرٌ وأمّا عَلى الظّاهِرِ فَلَعَلَّ تَقْدِيمَ إيتاءِ المُلْكِ عَلى ذَلِكَ في الذِّكْرِ لِأنَّهُ بِمَقامِ تَعْدادِ النِّعَمِ الفائِضَةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ والمُلْكُ أعْرَقُ في كَوْنِهِ مِنَ التَّعْلِيمِ المَذْكُورِ وإنْ كانَ ذَلِكَ أيْضًا نِعْمَةً جَلِيلَةً في نَفْسِهِ فَتَذَكَّرْ وتَأمَّلْ وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وابْنُ ذَرٍّ ( آتَيْتَنِ وعَلَّمْتَنِ ) بِحَذْفِ الياءِ فِيهِما اكْتِفاءً بِالكَسْرَةِ وحَكى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الأخِيرِ ( آتَيْتَنِي ) بِغَيْرِ قَدْ ﴿فاطِرَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ مُبْدِعَهُما وخالِقَهُما ونَصْبُهُ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِرَبِّ أوْ بَدَلٌ أوْ بَيانٌ أوْ مَنصُوبٌ بِأعْنِي أوْ مُنادى ثانٍ ووَصْفُهُ تَعالى بِهِ بَعْدَ وصْفِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ مُبالَغَةً في تَرْتِيبِ مَبادِئِ ما يَعْقُبُهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿أنْتَ ولِيِّي﴾ مُتَوَلِّي أُمُورِي ومُتَكَفِّلٌ بِها أوْ مُوالٍ لِي وناصِرٌ في الدُّنْيا والآخِرَةِ فالوَلِيُّ إمّا في الوِلايَةِ أوِ المُوالاةِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَوْلى كالمُعْطِي لَفْظًا ومَعْنًى أيِ الَّذِي يُعْطِينِي نِعَمَ الدُّنْيا (p-62)والآخِرَةِ ﴿تَوَفَّنِي﴾ اقْبِضْنِي ﴿مُسْلِمًا وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ . (101) . مِن آبائِي عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أوْ بِعامَّةِ الصّالِحِينَ في الرُّتْبَةِ والكَرامَةِ كَما قِيلَ واعْتُرِضَ بِأنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن كِبارِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والصَّلاحُ أوَّلُ دَرَجاتِ المُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أنْ يَطْلُبَ اللَّحاقَ بِمَن هو في البِدايَةِ وأُجِيبَ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ طَلَبَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ اسْتِغْفارِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ولا سُؤال ولا جَوابَ إذا أُرِيدَ مِنَ الصّالِحِينَ آباؤُهُ الكِرامُ يَعْقُوبُ وإسْحاقُ وإبْراهِيمُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وقالَ الإمامُ: ها هُنا وها هُنا مَقامٌ آخَرُ في الآيَةِ عَلى لِسانِ أصْحابِ المُكاشَفاتِ وهو أنَّ النُّفُوسَ المُفارِقَةَ إذا أشْرَقَتِ بِالأنْوارِ الإلَهِيَّةِ واللِّواءِ مَعَ القُدُسِيَّةِ فَإذا كانَتْ مُتَناسِبَةً مُتَشاكِلَةً انْعَكَسَ النُّورُ الَّذِي في كُلِّ واحِدٍ مِنها إلى الأُخْرى بِسَبَبِ تِلْكَ المُلاءَمَةِ والمُجانَسَةِ فَعَظُمَتْ تِلْكَ الأنْوارُ وتَقَوَّتْ هاتِيكِ الأضْواءُ ومِثالُ ذَلِكَ المَرايا الصَّقِيلَةُ الصّافِيَةُ إذا وصَفَتْ وصْفًا مَتى أشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَيْها انْعَكَسَ الضَّوْءُ مِن كُلِّ واحِدٍ مِنها إلى الأُخْرى فَهُناكَ يَقْوى الضَّوْءُ ويَكْمُلُ النُّورُ ويَنْتَهِي في الإشْراقِ والبَرِيقِ إلى حَدٍّ تُطِيقُهُ الأبْصارُ الضَّعِيفَةُ فَكَذَلِكَ ها هُنا انْتَهى وهو كَما تَرى والحَقُّ أنْ يُقالَ: إنَّ الصَّلاحَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ مُتَفاوِتٌ قُوَّةً وضَعْفًا والمَقامُ يَقْتَضِي أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أرادَ بِالصّالِحِينَ المُتَّصِفِينَ بِالمَرْتَبَةِ المُعْتَنى بِها مِن مَراتِبِ الصَّلاحِ وقَدْ قَدَّمْنا ما عِنْدَ أهْلِ المُكاشَفاتِ في الصَّلاحِ فارْجِعْ إلَيْهِ.
بَقِيَ أنَّ المُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا في أنَّ هَذا هَلْ هو مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَمَنّى لِلْمَوْتِ وطَلَبَ مِنهُ أمْ لا فالكَثِيرُ مِنهم عَلى أنَّهُ طَلَبَ وتَمَنّى لِذَلِكَ قالَ الإمامُ: ولا يَبْعُدُ مِنَ الرَّجُلِ العاقِلِ إذا كَمُلَ عَقْلُهُ أنْ يَتَمَنّى المَوْتَ وتَعْظُمَ رَغْبَتُهُ فِيهِ لِأنَّهُ حِينَئِذٍ يُحِسُّ بِنُقْصانِهِ مَعَ شَغَفِهِ بِزَوالِهِ وعِلْمِهِ بِأنَّ الكَمالَ المُطْلَقَ لَيْسَ إلّا لِلَّهِ تَعالى فَيَبْقى في قَلَقٍ لا يُزِيلُهُ إلّا المَوْتُ فَيَتَمَنّاهُ وأيْضًا يَرى أنَّ السَّعادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ سَرِيعَةُ الزَّوالِ مُشْرِفَةٌ عَلى الفَناءِ والألَمُ الحاصِلُ عِنْدَ زَوالِها أشَدُّ مِنَ اللَّذَّةِ الحاصِلَةِ عِنْدَ وُجْدانِها مَعَ أنَّهُ لَيْسَ هُناكَ لَذَّةٌ إلّا وهي مَمْزُوجَةٌ بِما يُنَغِّصُها بَلْ لَوْ حُقَّقَتْ لا تَرى لَذَّةً حَقِيقِيَّةً في هَذِهِ اللَّذائِذِ الجُسْمانِيَّةِ وإنَّما حاصِلُها دَفْعُ الآلامِ فَلَذَّةُ الأكْلِ عِبارَةٌ عَنْ دَفْعِ ألَمِ الجُوعِ ولَذَّةُ النِّكاحِ عِبارَةٌ عَنْ دَفْعِ الألَمِ الحاصِلِ بِسَبَبِ الدَّغْدَغَةِ المُتَوَلِّدَةِ مِن حُصُولِ المَنِيِّ في أوْعِيَتِهِ وكَذا الأمارَةُ والرِّياسَةُ يُدْفَعُ بِها الألَمُ الحاصِلُ بِسَبَبِ شَهْوَةِ الِانْتِقامِ ونَحْوِ ذَلِكَ والكُلُّ لِذَلِكَ خَسِيسٌ وبِالمَوْتِ التَّخَلُّصُ عَنِ الِاحْتِياجِ إلَيْهِ عَلى أنَّ عُمْدَةَ المَلاذِّ الدُّنْيَوِيَّةِ الأكْلُ والجِماعُ والرِّياسَةُ والكُلُّ في نَفْسِهِ خَسِيسٌ مَعِيبٌ فَإنَّ الأكْلَ عِبارَةٌ عَنْ تَرْطِيبِ الطَّعامِ بِالبُزاقِ المُجْتَمِعِ في الفَمِ ولا شَكَّ أنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ في نَفْسِهِ ثُمَّ حِينَما يَصِلُ إلى المَعِدَةِ يَظْهَرُ فِيهِ الِاسْتِحالَةُ والتَّعَفُّنُ ومَعَ ذا يُشارِكُ الإنْسانُ فِيهِ الحَيَواناتِ الخَسِيسَةَ فَيَلْتَذُّ الجُعْلُ بِالرَّوْثِ التِذاذَ الإنْسانِ بِاللَّوْزِينْجِ وقَدْ قالَ العُقَلاءُ: مَن كانَ هِمَّتُهُ ما يَدْخُلُ في بَطْنِهِ فَقِيمَتُهُ ما يَخْرُجُ مِن بَطْنِهِ والجِماعُ نِهايَةُ ما يُقالُ فِيهِ: إنَّهُ إخْراجُ فَضْلَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنَ الطَّعامِ بِمَعُونَةِ جِلْدَةٍ مَدْبُوغَةٍ بِالبَوْلِ ودَمِ الحَيْضِ والنِّفاسِ مَعَ حَرَكاتٍ لَوْ رَأيْتَها مِن غَيْرِكَ لَأضْحَكَتْكَ وفِيهِ أيْضًا تِلْكَ المُشارَكَةُ وغايَةُ ما يُرْجى مِن ذَلِكَ تَحْصِيلُ الوَلَدِ الَّذِي يَجُرُّ إلى شَغْلِ البالِ والتَّحَيُّلِ لِجَمْعِ المالِ ونَحْوِ ذَلِكَ والرِّياسَةُ إذا لَمْ يَكُنْ فِيها سِوى أنَّها عَلى شَرَفِ الزَّوالِ في كُلِّ آنٍ لِكَثْرَةِ مَن يُنازِعُ فِيها ويَطْمَحُ نَظَرُهُ إلَيْها فَصاحِبُها لَمْ يَزَلْ خائِفًا وجِلًا مِن ذَلِكَ لَكَفاها عَيْبًا وقَدْ يُقالُ أيْضًا: إنَّ النَّفْسَ خُلِقَتْ مَجْبُولَةً عَلى طَلَبِ اللَّذّاتِ والعِشْقِ الشَّدِيدِ لَها والرَّغْبَةِ التّامَّةِ في الوُصُولِ إلَيْها فَما دامَ في هَذِهِ الحَياةِ الجُسْمانِيَّةِ يَكُونُ طالِبًا لَها وما دامَ كَذَلِكَ فَهو في عَيْنِ الآفاتِ ولُجَّةِ الحَسَراتِ وهَذا اللّازِمُ مَكْرُوهٌ والمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَلِهَذا يَتَمَنّى العاقِلُ زَوالَ هَذِهِ الحَياةِ الجُسْمانِيَّةِ لِيَسْتَرِيحَ مِن ذَلِكَ النَّصَبِ ولِلَّهِ تَعالى قَوْلُ مَن قالَ: (p-63)ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يَسْتَرِيحُ الجِسْمُ فِيها والعَيْشُ مِثْلُ السُّهادِ وقالَ: تَعَبٌ كُلُّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ إلّا مِن راغِبٍ في ازْدِيادٍ إنَّ حُزْنًا في ساعَةِ الفَوْتِ أضْعافُ سُرُورٍ في ساعَةِ المِيلادِ وقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ تَمَنِّيَ المَوْتِ حُبًّا لِلِقاءِ اللَّهِ تَعالى مِمّا لا بَأْسَ بِهِ وقَدْ رَوى الشَّيْخانِ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ تَعالى أحَبَّ اللَّهُ تَعالى لِقاءَهُ الحَدِيثَ نَعَمْ تَمَنِّي المَوْتِ عِنْدَ نُزُولِ البَلاءِ مَنهِيٌّ عَنْهُ فَفي الخَبَرِ لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وقالَ قَوْمٌ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَتَمَنَّ المَوْتَ وإنَّما عَدَّدَ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعا بِأنْ تَدُومَ تِلْكَ النِّعَمُ في باقِي عُمُرِهِ حَتّى إذا حانَ أجَلُهُ قَبَضَهُ عَلى الإسْلامِ وألْحَقَهُ بِالصّالِحِينَ.
والحاصِلُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّما طَلَبَ المُوافاةَ عَلى الإسْلامِ لا الوَفاةَ ولا يَرِدُ عَلى القَوْلَيْنِ أنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لا يَمُوتُونَ إلّا مُسْلِمِينَ إمّا لِأنَّ الإسْلامَ هُنا بِمَعْنى الِاسْتِسْلامِ لِكُلِّ ما قَضاهُ اللَّهُ تَعالى أوْ لِأنَّ ذَلِكَ بَيانٌ لِأنَّهُ وإنْ لَمْ يَتَخَلَّفْ لَيْسَ إلّا بِإرادَةِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ والذّاهِبُونَ إلى الأوَّلِ قالُوا إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ أُسْبُوعٌ حَتّى تَوَفّاهُ اللَّهُ تَعالى وكانَ الحَسَنُ يَذْهَبُ إلى القَوْلِ الثّانِي ويَقُولُ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عاشَ بَعْدَ هَذا القَوْلِ سِنِينَ كَثِيرَةً ورَوى المُؤَرِّخُونَ أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ أقامَ مَعَ يُوسُفَ أرْبَعًا وعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ وأوْصى أنْ يُدْفَنَ بِالشّامِ إلى جَنْبِ أبِيهِ فَذَهَبَ بِهِ ودَفَنَهُ ثَمَّتَ وعاشَ بَعْدَهُ ثَلاثًا وعِشْرِينَ سَنَةً وقِيلَ: أكْثَرَ ثُمَّ تاقَتْ نَفْسُهُ إلى المُلْكِ المُخَلَّدِ فَتَمَنّى المَوْتَ فَتَوَفّاهُ اللَّهُ تَعالى طَيِّبًا طاهِرًا فَتَخاصَمَ أهْلُ مِصْرَ في مَدْفِنِهِ حَتّى هَمُّوا بِالقِتالِ فَرَأوْا أنْ يَجْعَلُوهُ في صُنْدُوقٍ مِن مَرْمَرٍ ويَدْفِنُوهُ في النِّيلِ بِحَيْثُ يَمُرُّ عَلَيْهِ الماءُ ثُمَّ يَصِلُ إلى مِصْرَ لِيَكُونُوا شَرْعًا فِيهِ فَفَعَلُوا ثُمَّ أرادَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نَقْلَهُ إلى مَدْفِنِ آبائِهِ فَأخْرَجَهُ بَعْدَ أرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ عَلى ما قِيلَ: مِن صُنْدُوقِ المَرْمَرِ لِثِقَلِهِ وجَعَلَهُ في تابُوتٍ مِن خَشَبٍ ونَقَلَهُ إلى ذَلِكَ وكانَ عُمْرُهُ مِائَةً وعِشْرِينَ سَنَةً وقِيلَ: مِائَةٌ وسَبْعُ سِنِينَ وقَدْ وُلِدَ لَهُ مِنَ امْرَأةِ العَزِيزِ أفْراثِيمُ وهو جَدُّ يُوشَعَ عَلَيْهِ السَّلامُ ومِيشا ورَحْمَةُ زَوْجَةُ أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ ولَقَدْ تَوارَثَتِ الفَراعِنَةُ مِنَ العَمالِقَةِ بَعْدَهُ مِصْرَ ولَمْ يَزَلْ بَنُو إسْرائِيلَ تَحْتَ أيْدِيهِمْ عَلى بَقايا دِينِ يُوسُفَ وآبائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إلى أنْ بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَكانَ ما كانَ.
وفِي التَّوْراةِ أنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ أسْكَنَ أباهُ وإخْوَتَهُ في مَكانٍ يُقالُ لَهُ عَيْنُ شَمْسٍ مِن أرْضِ السَّدِيرِ وبَقِيَ هُناكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وكانَ عُمُرُهُ حِينَ دَخَلَ مِصْرَ مِائَةً وثَلاثِينَ سَنَةً ولَمّا قَرُبَ أجَلُهُ دَعا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَجاءَ ومَعَهُ ولَداهُ مِيشا وهو بِكْرُهُ وأفْراثِيمُ فَقَدَّمَهُما إلَيْهِ ودَعا لَهُما ووَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلى رَأْسِ الأصْغَرِ واليُسْرى عَلى رَأْسِ الأكْبَرِ وكانَ يُوسُفُ يُحِبُّ عَكْسَ ذَلِكَ فَكَلَّمَ أباهُ فِيهِ فَقالَ: يا بُنَيَّ إنِّي لَأعْلَمُ أنَّ ما يَتَناسَلُ مِن هَذا الأصْغَرِ أكْثَرُ مِمّا يَتَناسَلُ مِن هَذا الأكْبَرِ ودَعا لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وبارَكَ عَلَيْهِ وقالَ: يا بُنَيَّ إنِّي مَيِّتٌ كانَ اللَّهُ تَعالى مَعَكم ورَدَّكم إلى بَلَدِ أبِيكم يا بُنَيَّ إذا أنا مُتُّ فَلا تَدْفِنَنِي في مِصْرَ وادْفِنِّي في مَقْبَرَةِ آبائِي وقالَ: نَعَمْ يا أبَتِ وحَلَفَ لَهُ ثُمَّ دَعا سائِرَ بَنِيهِ وأخْبَرَهم بِما يَنالُهم في أيّامِهِمْ ثُمَّ أوْصاهم بِالدَّفْنِ عِنْدَ آبائِهِ في الأرْضِ الَّتِي اشْتَراها إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن عَفْرُونَ الخَتِّيِّ في أرْضِ الشّامِ وجَعَلَها مَقْبَرَةً وبَعْدَ أنْ فَرَغَ مِن وصِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ تُوُفِّيَ فانْكَبَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ ويَبْكِي وأقامَ لَهُ حُزْنًا عَظِيمًا وحَزِنَ عَلَيْهِ أهْلُ مِصْرَ كَثِيرًا ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ يُوسُفُ (p-64)وإخْوَتُهُ وسائِرُ آلِهِ سِوى الأطْفالِ ومَعَهم قُوّادُ المَلِكِ ومَشايِخُ أهْلِ مِصْرَ ودَفَنُوهُ في المَكانِ الَّذِي أرادَ ثُمَّ رَجَعُوا وقَدْ تَوَهَّمَ إخْوَةُ يُوسُفَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْ يُسِيءَ المُعامَلَةَ مَعَهم بَعْدَ مَوْتِ أبِيهِمْ عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَمّا عَلِمَ ذَلِكَ مِنهم قالَ لَهم: لا تَخافُوا إنِّي أخافُ اللَّهَ تَعالى ثُمَّ عَزّاهم وجَبَرَ قُلُوبَهم ثُمَّ أقامَ هو وآلُ أبِيهِ بِمِصْرَ وعاشَ مِائَةً وعَشْرَ سِنِينَ حَتّى رَأى لِأفْرايِمَ ثَلاثَةَ بَنِينَ ووُلِدَ بَنُو ماخِيرَ بْنِ مَنشا في حِجْرِهِ أيْضًا ثُمَّ لَمّا أحَسَّ بِقُرْبِ أجَلِهِ قالَ لِإخْوَتِهِ: إنِّي مَيِّتٌ واللَّهُ سُبْحانَهُ سَيَذْكُرُكم ويَرُدُّكم إلى البَلَدِ الَّذِي أقْسَمَ أنْ يُمَلِّكَهُ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ فَإذا ذَكَرَكم سُبْحانَهُ ورَدَّكم إلى ذَلِكَ البَلَدِ فاحْمِلُوا عِظامِيَ مَعَكم ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَحَنَّطُوهُ وصَيَّرُوهُ في تابُوتٍ بِمِصْرَ وبَقِيَ إلى زَمَنِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَمّا خَرَجَ حَمَلَهُ حَسْبَما أوْصى عَلَيْهِ السَّلامُ
{"ayah":"۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق