قوله ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ﴾ - إلى قوله - ﴿بِٱلصَّالِحِينَ﴾ قوله: ﴿مِنَ ٱلْمُلْكِ﴾، و ﴿مِن تَأْوِيلِ (ٱلأَحَادِيثِ)﴾.
﴿مِن﴾: فيهما للتبعيض، على معنى: آتيتني بعض الملك، وعلمتني بعض التأويل. وقيل: "من" لا تؤنث الجنس، فيكون المعنى: قد آتيتني الملك، (وعلمتني تأويل الأحاديث) مثل: ﴿فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠]: لم يؤمروا باجتناب بعض الأوثان دون بعض، ولكن المعنى: اجتنبوا الرجس الذي هو الوثن.
والمعنى: أن يوسف ﷺ قال بعدما جمع الله (عز وجل) بينه وبين أبويه وإخوته. وتذكر ما بسط له من الدنيا والكرامة.
﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ﴾: أي: ملك مصر.
﴿وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ﴾ يعني: عبارة الرؤيا، تقديراً لنعم الله عز وجل عليه، وشكراً له.
﴿أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ﴾: أي: أنت تثيبني في دنياي بنصرك على من عاداني، وأرادني بسوء. وتثيبني في الآخرة بفضلك.
ثم إنه ﷺ لما رأى أمره في دنياه قد تناهى في التمام، علم أنه لا يكون بعد التمام إلا النقص والزوال، لأنها دار زوال. قال: فسأل الله أن يقبضه على الإسلام، ويلحقه بآبائه الصالحين، فقال: ﴿تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ﴾.
قال ابن عباس: لم يتمنَّ أحد من الأنبياء الموت قبل يوسف.
وذكر السدي أن يعقوب مات قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف بأن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق. وكان قبر إسحاق بالشام. فلما مات عمل ما أمر، وحمل إلى الشام. فلما بلغوا (إلى) ذلك المكان، أقبل عيص أخو يعقوب، فمنعهم أن يدفنوه. ثم قال هشام (بن دان) بن يعقوب لبعض من كان بالحضرة: ما لكم لا تدفنون جدي؟ وكان هشام أصماً. فقيل له: إن عيصاً أخاه يمنعه من ذلك. فقال: أرونيه، فأروه إياه، فضربه ضربة (تساقطت) عيناه على لحد يعقوب، فدفنا في قبر واحد.
{"ayah":"۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ"}