قوله: ﴿وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ الآية.
والمعنى اختبروهم في عقولهم وصلاحهم، وتثمير أموالهم وذلك بعد الاحتلام ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ﴾ الرشد ﴿فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾. وقد قال أبو حنيفة: لا حجر على بالغ. وعامة الفقهاء على خلافه.
* * *
ومعنى ﴿إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ أي الحلم، قاله ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد، ومعنى ﴿آنَسْتُمْ﴾ وجدتم وعلمتم وأحسستم منهم الرشد، وأصل آنست في قول القتبي: أبصرت، والرشد هنا العقل والصلاح في الدين.
وقيل: الرشد: الصلاح في الدين والمال، وقال مجاهد: الرشد هنا العقل. ﴿فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ هذا كلام يدل [على] أن الآية في المُولى عليهم من يتامى الصبيان الإناث والذكور، وقال الحسن: رشداً في أموالهم وصلاحاً في دينهم.
قال زيد بن أسلم: وذلك بعد الاحتلام.
* * *
قوله: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً﴾ أي: لا تأكلوا أموال اليتامى بغير ما أباح الله عز وجل.
وقيل: لا تسرفوا في أكلها، والإسراف في كلام العرب تجاوز الحد المباح إلى غيره بنقص أو زيادة، وهي في الزيادة أكثر إسرافاً. يقال سَرِفَ يَسْرَفُ، ويقال مررت بكم فَسَرَفْتُكم أي: فسهوت عنكم وأخطأتكم.
* * *
وقوله: ﴿بِدَاراً﴾ أي: مبادرة أن يكبروا، وهو مصدر بادرت. أي: لا تأكلوها مبادرة منكم (بلوغهم وإيناس الرشد منهم فيأكلوها لئلاّ يرشدوا فيأخذوها منكم).
* * *
قوله: ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ أي: عن أموال اليتامى بماله.
﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ﴾ أي: يستقرض من مال يتيمه، ثم يؤديه إذا أيسر، قاله عمر رضي الله عنه وابن جبير وعبيدة وأبو العالية.
وروي أن ابن عباس والشعبي وغيرهم: أن له أن يأكل منه إذا احتاج قرضاً ويؤديه إذا أيسر مثلما أكل.
وقال السدي: إذا كان الولي فقيراً أكل من يتيمه بأطراف أصابعه، ولا قضاء عليه، وقاله الشعبي، وروي مثله عن ابن عباس بأنه لا قضاء عليه.
وعن عائشة: إنّ الوصي يأكل من مال اليتيم مكان قيامه عليه إذا كان فقيراً (أكل بالمعروف، ولم يذكر قرضاً ولا رداً وقال النخعي إذا كان الولي فقيراً) أخذ من مال يتيمه ما يسدّ به جوعته ويستر عورته، ولم تذكر قضاء.
وقال عطاء: يأكل إذا افتقر ولا قضاء.
وقال ابن زيد: يأكل إذا احتاج لقيامه عليهم وحفظه لأموالهم ولا قضاء عليه.
وقيل: المعنى أكل الولي مع اليتيم هو في التمر وشرب رسل الماشية خاصة دون غيره، ولا قضاء عليه، وقد توقف بعض أهل العلم فيها وقال: لا أدري لعلها منسوخة بقوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً﴾ [النساء: ١٠] الآية.
قال أبو حنيفة: لا يأكل معه شيئاً إلاّ أن يسافر من أجله فيأخذ القوت.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال ﴿فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ﴾: يقوت نفسه يعني من مال نفسه حتى لا يحتاج إلى مال يتيمه. وهذا مختار عند العلماء، وحكى معناه الشافعي.
وقال نافع بن أبي نعيم: سألت يحيى بن سعيد وربيعة عن قول الله عز وجل: ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ فقال: أنفق عليه بقدر فقره، وإن كان غنياً أنفق عليه بقدر غناه، ولم يكن للولي منه شيء.
ثم أمر الله تعالى الأولياء بالإشهاد على اليتامى إذا رشدوا ودفعوا إليهم أموالهم فقال: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً﴾ الآية.
أي: كافياً من الشهود الذين يشهدون على القبض، ونصب (حسيباً) على الحال.
{"ayah":"وَٱبۡتَلُوا۟ ٱلۡیَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغُوا۟ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدࣰا فَٱدۡفَعُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ أَمۡوَ ٰلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَاۤ إِسۡرَافࣰا وَبِدَارًا أَن یَكۡبَرُوا۟ۚ وَمَن كَانَ غَنِیࣰّا فَلۡیَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِیرࣰا فَلۡیَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَیۡهِمۡ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُوا۟ عَلَیۡهِمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِیبࣰا"}