الباحث القرآني

ثم مدح التوراة بقوله: ﴿إنّا أنْزَلْنا التَّوْراةَ فِيها هُدًى﴾: يهدى إلى الحق ﴿ونُورٌ﴾: به ينكشف المبهم ﴿يَحْكُمُ بِها النَّبِيُّونَ﴾: أنبياء بني إسرائيل ﴿الَّذِينَ أسْلَمُوا﴾ فيه تعريض باليهود وأنهم بمعزل عن دين الأنبياء ﴿لِلذِينَ هادُوا﴾ متعلق بـ أنزلنا أو بـ يحكم أى: لأجل اليهود ﴿والرَّبّانِيُّونَ والأحْبارُ﴾ عطف على ”النبيون“، وهم الزهاد والعلماء ﴿بِما استحْفِظُوا مِن كَتابِ اللهِ﴾: بسبب أمر الله إياهم بحفظ كتابه، وإظهاره وضمير ما محذوف ومن للتبيين ﴿وكانوا عَلَيْهِ شُهَداءَ﴾: رقباء لئلا يبدل أو بأنه من عند الله ﴿فَلاَ تَخشَوُا النّاسَ واخشَوْن﴾ نهي للحكام عن المداهنة خشية الناس ﴿ولاَ تَشْتَرُوا﴾: تستبدلوا ﴿بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾: الرشوة والجاه ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ نزلت في أهل الكتاب دون من أساء من هذه الأمة أو من تركه عمدًا وأجاز وهو يعلم فهو من الكافرين، فيكون في المسلمين أو ليس بكفر ينقل عن الملة والدين، ولكن كفر دون كفر ﴿وكتبنا عَلَيْهِمْ﴾: فرضنا على اليهود ﴿فِيها﴾: في التوراة ﴿أن النَّفْسَ﴾ مقتولة ﴿بِالنفْسِ والعَيْنَ﴾ مفقوءة ﴿بِالعَيْنِ والأنفَ﴾ مجدوع ﴿بِالأنفِ والأذُنَ﴾ مصلومة ﴿بِالأذُنِ والسِّنَ﴾ مقلوعة ﴿بِالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ أي: ذات قصاص فيما يمكن الاقتصاص منه، وأما ما لا يمكن القصاص ككسر عظم وجرح لحم مما لا يمكن الوقوف على نهايته فلا قصاص فيه، ومن قرأ ﴿والعينُ بالعينِ﴾ بالرفع وكذلك الباقى فيكون عطفًا على أن وما في حيزه أي: كتبنا عليهم فيها العين بالعين ﴿فَمَن تَصَدَّقَ به﴾: بالقصاص بأن عفا عنه ﴿فهُوَ﴾ أي: التصدق ﴿كَفارَةٌ له﴾: للمتصدق يكفر الله به ذنوبه أو للجاني لا يؤاخذه الله به كما أن القصاص كفارة له ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم بالعدل نزلت لما اصطلحوا أن لا يقتل شريف بوضيع ورجل بامرأة ﴿وقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ﴾ أي: وأتبعناهم فحذف المفعول لدلالة الظرف عليه والضمير للنبيين ﴿بعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ مفعول ثان متعدى إليه بالباء ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ﴾: حاكمًا بما فيها ﴿وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى﴾ إلى الحق ﴿ونُورٌ﴾ يستضاء به في إزالة الشبهات، والجملة أعني: ”فيه هدى“ في موضع نصب على الحال ﴿ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ﴾ لا يخالفه إلا في قليل ﴿وهُدًى ومَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ زاجرًا عن ارتكاب المحارم لمن اتقى الله وخاف عقابه ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللهُ فِيهِ﴾ عطف على وآتيناه الإنجيل أي: وآتيناه الإنجيل، وقلنا لهم: ليحكم ومن قرأ ﴿لِيحكمَ﴾ بكسر اللام وفتح الميم فتقديره وآتيناه ليحكم ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾: الخارجون عن طاعة ربهم ﴿وأنزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾ أي: القرآن ﴿بِالحَقِّ﴾ متلبسًا به ﴿مصَدّقًا لِّما بَيْنَ يَدَيْه مِنَ الكِتابِ﴾: من جنس الكتب المنزلة ﴿ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾: رقيبًا على سائر الكتب وشهيدًا. فكل خبر يوافقه فحق وما خالفه منها فمحرف باطل أو حاكمًا على ما قبله من الكتب ﴿فاحْكُم بَيْنَهُم﴾ بين أهل الكتاب ﴿بما أنزَلَ اللهُ﴾ إليك ﴿ولاَ تَتَّبِع أهْواءَهُمْ﴾ بالانحراف ﴿عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ﴾ ولتضمن لا تتبع معنى الانحراف تعلق به عن أو حال عن الفاعل أي: مائلًا عما جاءك ﴿لِكل جَعَلْنا منكُمْ﴾ أيها الناس ﴿شِرْعَةً﴾: سبيلًا ﴿ومِنهاجًا﴾: سنة السنن هي مختلفة في التوراة شريعة وفي الإنجيل شريعة يحل الله فيها أشياء هي حرام في غيرها ليتميز المطيع من العاصي ﴿ولَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ جماعة متفقين على دين وطريقة واحدة في جميع الأعصار ومفعول شاء محذوف لدلالة الجواب عليه ﴿ولَكِنْ﴾ أراد ﴿ليَبْلُوَكُمْ﴾: ليختبركم ﴿فِي ما آتاكُمْ﴾ من الشرائع المختلفة في كل عصر هل تعملون بها وتعتقدون حكمتها ﴿فاسْتَبِقُوا الخيْراتِ﴾ ابتدروا وسارعوا إلى الأعمال الصالحة ﴿إلى اللهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ أيها الناس ﴿جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ بالجزاء فيجزي الصادقين بصدقهم ويعذب الكافرين ﴿وأنِ احْكُم﴾ عطف على الكتاب أو على الحق أي: أنزلنا إليك الحكم أو أنزلنا إليك الكتاب بأن احكم أو تقديره وأمرنا أن احكم ﴿بَيْنَهُم بِما أنزَلَ اللهُ﴾ كان رسول الله ﷺ مخيَّرًا بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم ويردهم إلى حكامهم فأمر أن يحكم بينهم بالقرآن ولا يردهم إلى حكامهم ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهم واحْذَرْهُمْ﴾ أهل الكتاب ﴿أن يَفْتِنُوكَ﴾ بدل اشتمال من هم أو مفعول له أي: مخافة أن يفتنوك ويضلوك ﴿عَنْ بَعْضِ ما أنزَلَ اللهُ إلَيْكَ﴾ نزلت حين قالت رؤساء اليهود ننطلق إلى محمد لعلنا نفتنه، فقالوا قد تعلم أنا إن اتبعناك [اتبعك] [[في الأصل اتبعناك.]] الناس ولنا خصومة فاقض لنا على خصمنا إن جئنا نتحاكم إليك فنؤمن بك ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ عما حكمت ﴿فاعْلَمْ أنَّما يُرِيدُ اللهُ أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ لما لهم من الذنوب السالفة التي اقتضت نكالهم ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ﴾: خارجون عن طاعة ربهم ﴿أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ أي: يريدون، وعن حكم الله يعدلون ﴿ومَن أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا﴾ تمييز ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي: عندهم فاللام للبيان أي: هذا الخطاب وهذا الاستفهام لمن له اليقين بأنه أعدل العادلين وأرحم الراحمين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب