الباحث القرآني
قوله تعالى: {فِيهَا هُدًى} : يحتملُ الوَجْهين المذكورين في قوله: {وَعِنْدَهُمُ التوراة} ف «هُدَى» مبتدأٌ أو فاعلٌ، والجملةُ حالٌ من التوراة. وقوله: {يَحْكُمُ بِهَا} يجوز أن تكونَ جملةً متسأنفة، ويجوز أن تكون منصوبةً المحلِّ على الحال: إمَّا من الضميرِ في «فيها» وإمَّا من التوارة. وقوله: {الذين أَسْلَمُواْ} صفةٌ ل «النبيون» وصفهم بذلك على سبيل المدحِ والثناء لا على سبيلِ التفصيلِ فإنَّ الأنبياءَ كلَّهم مسلمون، وإنما أثنى عليهم بذلك كما تَجْري الأوصافُ على أسماءِ اللَّهِ تعالى. قال الزمخشري: «أُجْرِيَتْ على النبيين على سبيلِ المدحِ كالصفات الجاريةِ على القديم سبحانه لا للتفصلة والتوضيح، وأُريد بإجرائِها التعريضُ باليهود وأنهم بُعَداءُ من ملةِ الإِسلام الذي هو دينُ الأنبياء كلِّهم في القديم والحديث، فإنَّ اليهودَ/ بمعزل عنها، وقوله: {الذين أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ} منادٍ على ذلك» أي دليلٌ على ما ادِّعاه.
قوله: {لِلَّذِينَ هَادُواْ} في هذه اللامِ ثلاثةُ أقوالٍ، أظهرُهما: أنها متعلقةٌ ب «يحكم» فعلى هذا معناها الاختصاصُ، وتشمل مَنْ يحكم له ومَنْ يحكم عليه، ولهذا ادَّعى بعضُهم أنَّ في الكلام حَذْفاً تقدره: «يحكم بها النبيون للذين هادوا وعليهم» ذكره ابن عطية وغيره. والثاني: أنها متعلقةٌ بأنزلنا، أي: أنزلنا التوراةَ للذين هادُوا يحكمُ بها النبيون. والثالث: أنها متعلقةٌ بنفسِ «هُدى» أي: هدى ونور للذين هادوا، وهذا فيه الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه، وعلى هذا الوجهِ يجوز ان يكون «للذين هادوا» صفةً ل «هدى ونور» أي: هدى ونور كائن للذين هادوا، وأولُ هذه الأقوالِ هو المقصودُ.
قوله: {والربانيون} عطفٌ على «النبيون» أي: إنَّ الربانيين - وقد تقدَّم تفسيرُهم في آل عمران - يَحْكُمون أيضاً بمقتضى ما في التوراةِ. والأحبارُ: جمع «حَبرْ» بفتح الحاء وكسرها وهو العالم، وأنكر أبو الهيثم الكسر، والفراء والفتح، وأجاز أبو عبيد الوجهين، واختار الفتحَ، فأمَّا «الحِبْر» الذي يُكْتَبُ به فالبكسر فقط، وأصلُ المادةِ الدلالةُ على التحسين والمسرَّة، وسُمِّي ما يكتب به حِبراً لتحسينِ الخط، وقيل: لتأثيره، ويدلُّ للأول قولُه تعالى: {أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف: 70] أي: تفرحون وتُزَيَّنون وقال أبو البقاء: «وقيل الربانيون [مرفوع] بفعل محذوف أي: ويحكم الربانيون والأحبار بما استُحْفِظوا» انتهى. يعني أنه لَمَّا اختلف متعلَّقٌ الحكم غاير بين الفعلين أيضاً فإنَّ النبيين يحكمُون بالتوارة، والأحبارُ والربانيون يحكمون بما ساتحفظهم اللهُ، وهذا بعيدٌ عن الصواب؛ لأنَّ الذي استحفظهم الله هو مقتضى ما في التوراة، فالنبيون والربانيون حاكمون بشي واحد، على أنه سيأتي أنَّ الضميرَ في «استُحْفِظوا» عائدٌ على النبيين فَمَنْ بعدهم.
قوله: {بِمَا استحفظوا} أجاز أبو البقاء فيه ثلاثة أوجه، أحدُهما: أنَّ « بما» بدلٌ من قوله «بها» بإعادةِ العامل لطول الفصل، قال: «وهو جائزٌ وإنْ لم يَطُلْ» أي: يجوزُ إعادةُ العامل في البدل وإن لم يَطُلْ، قلت: وإنْ لم يُفْصَلْ أيضاً: الثاني: أن يكون متعلقاً بفعلٍ محذوفٍ، أي: ويحكم الربَّانيون بما استُحْفِظوا، كما قدمته عنه. والثالث: أنه مفعولٌ به أي: يَحْكُمون بالتوارةِ بسبب استحفاظهم ذلك، وهذا الوجهُ الأخير هو الذي نَحَا إليه الزمخشري فإنه قال: «بما استُحْفِظوا بما سألهم أنبياؤهم حِفْظَه من التوراة، أي: بسبب سؤالِ أنبيائِهم إياهم أَنْ يحفَظُوه من التبديلِ والتغيير» وهذا على أن الضميرَ يعودُ على الربانيين والأحبار دون النبيين، فإنه قَدَّر الفاعلَ المحذوف «النبيين» ، وأجازَ أن يعودَ الضميرُ في «استُحْفِظوا» على النبيين والربانيين والأحبار، وقَدَّر الفاعلَ المنوبَ عنه الباري تعالى أي: بما استحفظهم الله، يعني بما كلَّفهم حِفْظَه.
وقوله: {مِن كِتَابِ الله} قال الزمخشري: «و» مِنْ «في» مِنْ كتاب الله «للتبين» يعني أنها لبيانِ الجنسِ المبهمِ في «بما» فإن «ما» يجوز أن تكونَ موصولةً اسمية بمعنى الذي والعائد محذوف أي: بما استحفظوه، وأن تكونَ مصدريةً أي: باستحفاظهم. وجَوَّز أبو البقاء أن تكونَ حالاً من أحدِ شيئين: إمَّا من «ما» الموصولةِ أو مِنْ عائدها المحذوفِ، وفيه نظرٌ من حيث المعنى. وقوله: «وكانوا» داخل في حَيِّز الصلة أي: وبكونِهم شهداءَ عليه أي: رُقَبَاء لئلا يُبَدِّل، ف «عليه» متعلقٌ ب «شهداء» والضميرُ في «عليه» يعودُ على «كتاب الله» وقيل: على الرسولِ، أي: شهداءَ على نبوتِه ورسالتِه، وقيل: على الحُكْم، والأولُ هو الظاهرُ.
{"ayah":"إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ یَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِیُّونَ ٱلَّذِینَ أَسۡلَمُوا۟ لِلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُوا۟ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَیۡهِ شُهَدَاۤءَۚ فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق