الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ (إنا) معلوم أنها للجماعة ضمير جمع، لكنها إذا أضيفت إلى الله فالمراد بها التعظيم قطعًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى إله واحد كما قال الله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة ١٦٣]، وقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران ١٨].
وقوله: ﴿أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ﴾ أي: من أعلى؛ لأن الله تعالى أنزلها على موسى لكنه جل وعلا كتبها بيده بألواح نزلت من السماء على موسى عليه الصلاة والسلام وجاء بها مكتوبة بالألواح.
﴿فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ الهدى العلم والنور آثار هذا العلم؛ وذلك أن الإنسان كلما ازداد علمًا ازداد نورًا وبصيرة في دين الله عز وجل، فالهدى العلم والنور آثار العلم.
﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ﴾ أي: بالتوراة وما فيها من الهدى والنور.
﴿النَّبِيُّونَ﴾ وفي قراءة: ﴿النَّبِيئُونَ﴾ فعلى قراءة ﴿النَّبِيئُونَ﴾ يكون مفردها نبيئًا، وتكون مشتقة من النبأ بمعنى الخبر، وعلى قراءة حذف الهمزة قيل: إنها مشتقة من النبوة وهو الشيء المرتفع؛ وذلك لارتفاع منزلة النبيين، وقيل: إنها من النبأ، لكن سُهِّلَت الهمزة فكانت ياء فصارت (النبي)، (النبيون).
والكل متفقون على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم في أعلى مراتب الخلق وعلى أنهم أَتَوْا بالأنباء والأخبار، فيكون القولان متفقين في المعنى، وإنما قلنا: إن الرسل وكذلك الأنبياء أعلى مراتب الخلق؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩].
﴿الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ الذين أسلموا يعني الإسلام التام الذي هو إسلام القلب وإسلام اللسان وإسلام الجوارح؛ يعني الاستسلام لله ظاهرًا وباطنًا، ولا تعجب أن يوصف الأنبياء بالإسلام؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أقوى الناس استسلامًا لله عز وجل.
قال الله تبارك وتعالى عن يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف ١٠١]، وقال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة ١٣١] فإسلام الأنبياء متضمن للإيمان؛ وذلك لأنه إسلام القلب واللسان والجوارح.
﴿الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ متعلقة بـ ﴿يَحْكُمُ﴾ يعني يحكم بها هؤلاء الرسل لليهود.
﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ بمعنى رجعوا وذلك في توبتهم من عبادة العجل؛ فإن هذا رجوع إلى الله عز وجل.
﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ قيل: إن الربانيين والأحبار العطف فيهما من باب عطف الصفات وأن الربانيين هم الأحبار، وقيل: بل بينهما فرق، الفرق أن الرباني هو الذي أتم العبودية لله وربَّى الناس عليها حتى وإن لم يصل إلى درجة الحَبْر بالنسبة للعلم.
و(الأحبار): هم الذين وصلوا إلى غاية كبيرة من العلم، فـ (الحبر) واسع العلم؛ قالوا: لأنه يتفق في الاشتقاق مع البحر، لكنه ليس بالاشتقاق التام الذي يتساوى فيه المشتق والمشتق منه في الحروف والترتيب؛ هذا يتساوى فيه المشتق والمشتق منه في الحروف دون الترتيب؛ لأن (حبر) (بحر) كل واحدة منهما حروفها ثلاثة متفقة، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وعلى هذا فيكون الحبر هو واسع العلم الذي عنده علم واسع، والربَّاني من دونه، لكنه يُرَبِّي الناس على عبادة الله عز وجل ويربيهم أيضًا على العلم.
وقد قيل في غير هذه الآية: إن الربَّاني هو العالم الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره؛ لأن هذا لا شك أنه من الحكمة، وأنه أقرب وسيلة إلى حصول العلم أن يربى الطالب بصغار العلم قبل كباره.
قال: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا﴾، ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ إلى قوله: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا﴾ يعني: يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله؛ أي: بما جُعِلُوا حُفَّاظًا عليه، يعني: أول من يحفظ الدين ويقوم بحفظه والذود عنه هم من؟ هم العلماء، الأحبار والربانيون؛ ولهذا قال: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا﴾ أي: بسبب ما استُحْفِظُوا من كتاب الله.
وقوله: ﴿اسْتُحْفِظُوا﴾ أي: جُعِلُوا حُفَّاظًا عليه.
﴿مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ والمراد بها التوراة؛ لقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ التوراة.
﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ وأضيفت التوراة إلى الله؛ لأنه سبحانه وتعالى كتبها بيده، هذا هو المشهور عند العلماء سلفًا وخلفًا.
﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ﴾ أي: على الذي استُحْفِظُوا ﴿شُهَدَاءَ﴾؛ لأن العلماء يشهدون بأن هذه شريعة الله وينشرونها بين عباد الله فكانوا شهداء على الخلق ببلوغ الشريعة إليهم.
قال: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ ﴿لَا تَخْشَوُا النَّاسَ﴾ أي: لا تخافوهم وتخضعوا لهم، واخشوُا الله، وهذا كالإشارة إلى كونهم إذا زنى فيهم الشريف تركوه وإذا زنى فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.
﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ يعني: لا تستبدلوا آيات الله بالثمن القليل، فما هو هذا الثمن القليل؟ هذا الثمن القليل إما الجاه وإما الرشوة، فهم يحكمون بغير شريعة الله طلبًا لبقاء شَرَفِهِم وجاهِهِم وسيادتهم أو من أجل مال يُبْذَل إليهم رشوة؛ ولهذا قال: ﴿لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾.
الثمن القليل إذن إما رتبة وجاه وشرف، وإما أيش؟ مال بالرشوة، ووصفه الله بأنه قليل؛ لأن جميع ما في الدنيا مهما بلغ فهو قليل، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء ٧٧].
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ أي: أَيُّ إنسان لم يحكم بما أنزل الله من يهود ونصارى وغيرهم فأولئك هم الكافرون.
(أولاء) مبتدأ، و(هم) ضمير فصل، وجاء ضمير الفصل لإفادة الحصر والتوكيد؛ لأنهم قالوا: إن ضمير الفصل له ثلاث فوائد:
الأولى: إفادة الحصر.
والثانية: التوكيد.
والثالثة: الفرق بين الخبر والصفة؛ ولهذا سُمِّيَ ضميرَ فصلٍ، يظهر هذا بالمثال؛ إذا قلت: زيد الفاضل، وعبرت تعبيرًا آخر: زيد هو الفاضل، أيهما أبلغ في إثبات الفضل لزيد؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني، هو يعني لا غيره؛ فهو يفيد الحصر ويفيد التوكيد أيضًا، ويفيد الفرق بين الخبر والصفة؛ لأنك إذا قلت: زيد الفاضل يحتمل أن تكون الفاضل صفة أيش؟ لزيد ويترقب المخاطب الخبر، زيد الفاضل ويش شأنه؟ ما شأن زيد الفاضل؟
* طالب: الخبر.
* الشيخ: يتوقع الإنسان الخبر، فإذا جاءت زيد هو الفاضل، لم يحتمل أن تكون الفاضل صفة بل تتعين أن تكون خبرًا.
وهل له محل من الإعراب؟ ليس له محل من الإعراب، هو حرف بصورة الضمير وليس له محل من الإعراب، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء ٤٠] مما يدل على أنه ليس له محل من الإعراب؛ إذ لو كان له محل من الإعراب لكان مبتدأ، والغالبون خبر لكنه ليس له محل من الإعراب.
ولهذا نقول ﴿إِنْ كَانُوا هُمُ﴾ (كانوا) الواو اسم كان، و﴿الْغَالِبِينَ﴾ خبرها.
* في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: ثبوت إنزال الله تعالى للتوراة؛ لقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ﴾.
* ومنها: شرف التوراة؛ حيث إن الله تعالى أنزلها من عنده، ولكن كما قلت لكم في التفسير: المراد بالتوراة التي لم تُغَيَّر ولم تُبَدَّل.
* ومنها: أن في التوراة هدى ونور؛ لقوله: ﴿فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ في القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة ١٨٥]، فالقرآن كله هدى وكله نور ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤]، التوراة في هذه الآية قال الله تعالى إن: ﴿فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ وهذا التعبير بينه وبين التعبير القرآني بالنسبة للقرآن الكريم فرق عظيم؛ لأن هذه جعل فيها هدى ونورًا والقرآن جعله هو الهدى والنور في هذه الآية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوراة أصل للأنبياء الذين جاؤوا من بعد موسى؛ لقوله: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ﴾، وعلى هذا فالشرائع التي أتت من بعد التوراة تعتبر تكميلًا للتوراة وتحقيقًا للعمل بها.
ومن ثَمَّ نقول: هل الإنجيل داخل في ذلك؟ نقول: نعم، الإنجيل مُكَمِّل للتوراة؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام قال: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران ٥٠].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز وصف الأنبياء بالإسلام؛ لقوله: ﴿النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾، والمراد هنا الاستسلام الظاهر والباطن؛ لأن هناك إسلامًا ظاهريًّا فقط كما في قول الله تبارك وتعالى في قصة لوط: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات ٣٥، ٣٦]، فجعل الذين فيها -في البيت- جعلهم من المسلمين.
ومن المعلوم أن امرأة لوط ليست مسلمة بل هي كافرة، لكنها قد خانت زوجها فأظهرت الإسلام؛ ولهذا قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم ١٠] خانتاهما ليس بفعل الفاحشة، ولكن بإخفاء الكفر عنهما.
فالمهم أن الإسلام قد يُطْلَق على من أظهر الإسلام وإن كان قلبه منطويًّا على الكفر، لكن إسلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على عكس ذلك، إسلام الأنبياء هو استسلام لله ظاهرًا وباطنًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا عذر لليهود في الخروج عن شريعة الله؛ لأن الله تعالى قَيَّضَ لهم الأنبياء الكثيرين يحكمون لهم بالتوراة، لكنهم عاندوا وكفروا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أهل العلم ورثة الأنبياء في إظهار حكم الله والدعوة إلى شريعته؛ لقوله: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على أهل العلم وأنهم هم حفظة شريعة الله؛ لقوله: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ وهذا أمر لا شك فيه أن العلماء هم حفظة شريعة الله، هم ورثة الأنبياء، هم الذين يلزمهم الدعوة إلى الله على بصيرة ونشر شريعة الله.
* من فوائدها: أنَّ كُتُبَ الله عز وجل هي أصل العلوم التي يدعو بها من حفظها عبادَ الله؛ لقوله: ﴿مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾، وعليه فتكون التوراة من كُتُبِ الله أو لا؟ نعم، تكون من كتب الله لا شك، من الكتب التي يجب علينا أن نؤمن بها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العلماء شهداء على شريعة الله موثوقون مُؤْتَمَنُون، هذا هو الأصل لكن قد يخرجون عن الأصل، قد يخرجون عن هذا الأصل وهو الشهادة على شريعة الله عز وجل التي ينشرونها بين الناس.
لكن هل كل عالم كذلك؟ لا؛ ولهذا نقول: العلماء ثلاثة أصناف؛ عالم ملة، وعالم أمة، وعالم دولة. ثلاثة أصناف؛ عالم الملة هو الذي يحرص على حفظ الملة ونشرها بين الناس والدعوة إليها وهذا هو العالم حقيقة، وعالم الأمة الذي يرى ما يصلح للناس فيُفْتِيهِم به ولو خالف الحق لأنه يريد أن يسلك في هذه الأمة ولا يبالي، والثالث عالم دولة وهو الذي يرى ما تريده الدولة فيدعو إليه ويحكم به ويحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما تريده الدولة.
وقد ظهرت دعوة قبل سنوات إلى الاشتراكية بسبب تأثير الشيوعيين على بعض البلاد العربية فظهرت دعوة الاشتراكية وتأميم الممتلكات، وصار بعض العلماء يحاولون أن يجدوا لهذا المنهج شيئًا يؤيده من القرآن والسنة، فصاروا يأتون بالآيات والأحاديث البعيدة عن مرادهم ليثبتوا هذا، حتى سمعنا من يقول: إن قول الله تبارك وتعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم ٢٨] يعني أنتم والعبيد الذين تملكونهم أنتم سواء؛ وهذا لا شك أنه تحريف، لأن معنى الآية أن الله تعالى ضرب لنا مثلًا من أنفسنا هل السيد يرضى أن يشاركه عبده في خصائصه وحقوقه؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ بناء على أنهم شركاء لكم وهذا لا يمكن أن تُقِرُّوا به، فكذلك الرب عز وجل هل يرضى أن يكون أحد من خلقه شريكًا له؟ لا يرضى كما أنكم أنتم لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم في الرزق، هذا معنى الآية، واستدلوا أيضًا بأحاديث «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ»[[أخرجه أبو داود (٣٤٧٧) من حديث رجل من أصحاب النبي، وابن ماجه (٢٤٧٢)، وأحمد في المسند (٢٣٠٨٢) من حديث ابن عباس بلفظ: «الْمُسْلِمُونَ».]] وما أشبه ذلك.
نسمِّي هؤلاء العلماء أيش؟ علماء دولة يعني يَرَوْن ما تريده الدولة فيصرفون الناس إليه، نسأل الله العافية.
لكن العلماء الربانيون الذين استحْفَظَهُم الله على كتابه لا يمكن أن يسلكوا هذا المسلك؛ فالعلماء ثلاثة أصناف، اذكر أصنافهم؟
* طالب: عالم ملة، وأمة، ودولة.
* الشيخ: عالم ملة، وعالم أمة، وعالم دولة، أيهم أحسن؟
* الطالب: الأول؛ الملة.
* الشيخ: الأول هو عالم الملة، نعم بارك الله فيك.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم خشية الناس في إطاعة شريعة الله، لقوله: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ واعلم أن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم سببًا لكون الإنسان يخشى الناس دون الله فقال عز وجل: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٧٥] الشيطان يأتي مثلًا إلى ضعاف الدين وإلى ضعاف الهمة والعزم يقول: لا تفعل هذا، إذا فعلت تقوم عليك الأمم تنكر عليك الأمم، فيخاف، والمؤمن حقًّا لا يخاف يقول: ما دمت على بصيرة وعلى دين فأنا لا أخاف إلا الله عز وجل؛ ولهذا قال: ﴿لَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المُنْحَرِف عن الدين وعن نشر العلم يَنْحَرِفُ لأحد سببين؛ السبب الأول خشية الناس، والسبب الثاني: الطمع في الدنيا؛ يؤخذ من قوله: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ فلو أنك تأملت أسباب الانحراف -وأعني بذلك انحراف العلماء- لوجدته يدور على شيئين: إما الخوف من الناس، وإما أيش؟ طلب الدنيا والرئاسة والمال وما أشبه ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أَنَّ مَنْ لم يحكُم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون؛ لقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
واختلف العلماء رحمهم الله؛ هل المراد بهذا العموم الخصوص؟ يعني أن المراد بذلك اليهود فقط؛ لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله أو المراد العموم؟
منهم من قال: إن المراد بهذه الآية اليهود؛ لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله فهم كافرون، ومنهم من قال: إنها عامة. والصحيح أنها من حيث الحكم عامة حتى لو نزلناها لفظًا على اليهود لأن السياق في ذمهم، فإننا نقول: إذا ثبت هذا الحكم في اليهود ثبت في غير اليهود من باب العموم المعنوي الذي هو القياس؛ يعني الآن ﴿مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ إن قلنا: إن هذا عام أريد به الخاص وأن المراد بذلك اليهود قلنا: هذا دلالة الآية لفظا، لكن إذا قلنا بالعموم بقطع النظر عن السياق صارت الآية تدل لفظًا على الشمول لليهود وغير اليهود، وعلى القول بأنها للخصوص نقول: يلحق بذلك من لم يحكم بما أنزل الله من غير اليهود إلحاقًا أيش؟ معنويًّا.
ولكن اعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله إما أن يكون لطمع، وإما أن يكون لكفر بما أنزل الله، وإما أن يكون لعدوان وظلم على الغير.
فإن كان لطمع فإنه فاسق كقاض تنازع عنده رجلان فأعطاه أحدهما رشوة فحكم بغير ما أنزل الله، ليش؟ طلبًا للرشوة والطمع، هذا نقول: إنه فاسق.
الثاني: رجل تنازع عنده رجلان تخاصم إليه رجلان وكان بينه وبين أحدهما عداوة حكم عليه والحق معه، نقول أيش؟ هذا ظالم معتدٍ ليس له غرض في الحكم عليه، لكن يريد أن ينتقم منه؛ لأنه يكرهه أو بينه وبينه سوء تفاهم.
الثالث: أن يحكم بغير ما أنزل الله كراهة لما أنزل الله أو اعتقادًا منه أن ما حَكَمَ به خير من حُكْمِ الله عز وجل، أو أنه مُخَيَّر بين أن يحكم بما أنزل الله أو بغير ما أنزل الله، فهذا يكون كافرًا، يكون كافرًا خارجًا عن الإسلام؛ لأنه كره الإسلام أو ظن أن غَيْرَه أحسن منه أو أن غيره مثله، والله عز وجل يقول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠] أي: لا أحد أحسن من الله حكمًا، فإذا حكم وهو يعتقد أنه مثل حكم الله فقد كَذَّبَ ما تدل عليه الآية وهو قوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا﴾، وإذا اعتقد أنه خير منه فهو أشر وأقبح من الذي قال: إنه مساوٍ له.
* طالب: بارك الله فيكم، ما هو الضابط في أن الإنسان يخشى الله عز وجل ولا يخشى الناس؟ ثم إذا نظرنا في الجهة الثانية نجد مثلًا في بعض البلاد حكامًا يصادمون هذا الحق، متى يتوجب على الإنسان ما يخشاهم ويصدع بالحق مهما كان الأمر؟ ومتى يكون الأمر فيه سعة؟ الإنسان..
* الشيخ: إذا كان قصده من كتمان الحق الخوف على نفسه، فهذا هو الذي خشي الناس، أما إذا كان قصده من كتمان الحق الخوف على الحق وأنه لو جهر به ضادَّه الوالي الذي عنده، وقمع هذه الدعوة وربما يتوصل الأمر إلى غيره فهذا لا حرج أن يؤخر الدعوة إلى وقت يمكنه فيه أن يجهر بها.
* طالب: أيهما أعظم الذي حكم بغير ما أنزل الله بطمع أو الذي عنده (...)؟
* الشيخ: الثاني أعظم؛ لأن الأول له منفعة قد تدعو النفس إليها، وأما الثاني ليس له غرض إلا العدوان فهو أشد وأعظم بلا شك.
* طالب: أليس يا شيخ من اعتقد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو كره حكم الله يَكْفُر وإن لم يحكم؟
* الشيخ: إي نعم، لا شك، إذا اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله أو أنه مثل حكم الله فهو كافر؛ لأنه مكذب، ويكون كفره هنا كفر تكذيب، وقد ذكرنا فيما سبق أن الكفر يدور على شيئين: هما: الجحد والاستكبار.
* طالب: أحسن الله إليك، أحيانًا يجلس الإنسان مع العاصي ويريد نصحه، لكن قد لا تتوفر الفرصة لنصحه؛ إما لوجود آخرين يعني ضيوف وكذا، أو لأنه ما جرأ على أن ينصحه في هذه اللحظة، هل يجوز له أن يجالسه حتى يستطيع النصح فيما بعد؟
* الشيخ: إذا كان لا يمكنه اللقاء به إلا في هذه الحال فربما يسمح له أما إذا كان يمكنه فليقم عن المعصية وينصحه في وقت آخر.
* الطالب: قد تحصل مفسدة بينه وبين الآخر لا سيما إن كان من ذوي الأرحام يقوم من مجلس الضيوف الذي هو يعني دعاه إليه..
* الشيخ: يستطيع يقوم، الإنسان يستطيع يقوم مُوَرِّيًا إما أن يضع يده على أنفه كأنه أرعف، وإما أن يقول هكذا يعني أيش؟
* الطلبة: وجع الرأس.
* الشيخ: وجع الرأس، يستطيع؟
{"ayah":"إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ یَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِیُّونَ ٱلَّذِینَ أَسۡلَمُوا۟ لِلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُوا۟ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَیۡهِ شُهَدَاۤءَۚ فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق