الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ ﴿اللَّاتِي﴾ مبتدأ، وخبره جملة: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا﴾، وهنا يطلب لماذا اقترنت (الفاء) في خبر المبتدأ؟
والجواب على ذلك: أنه لما كان المبتدأ اسمًا موصولًا كان مشبهًا لاسم الشرط في العموم فأعطي حكمه، واقترنت الفاء بخبره، ومنه قول النحويين في المثال المشهور: الذي يأتيني فله درهم، فإنه نائب مناب قولك: من يأتيني فله درهم، فاسم الموصول لما أشبه اسم الشرط في العموم صار دخول الفاء في خبره كدخول الفاء في جواب الشرط.
وقوله: ﴿اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ ﴿اللَّاتِي﴾ جمع، جمع أيش؟ جمع (التي) لكنه على غير قياس؛ لأن هذه الأسماء غير مشتقة، وقوله: ﴿يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ الفاحشة: ما يستفحش، ما يستفحش شرعًا وعرفًا، والذي يستفحش شرعًا يستفحش عرفًا في أعراف المسلمين لا في أعراف غير المسلمين، وإنما قيدنا ذلك؛ لأن الزنا فاحش شرعًا، وفاحش عرفًا في عرف من؟
* الطلبة: المسلمين.
* الشيخ: لكن بعرف الكفار ليس بفاحش، ومن هنا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»[[أخرجه مسلم (٢٥٥٣ / ١٥) من حديث النواس بن سمعان.]] أن هذا خاص بمن؟ بالمسلم الذي يكره الإثم ويخشى أن يطلع عليه الناس في حال إثمه، وإلا فإن الكافر لا يحوك في نفسه الإثم.
قوله: ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ ما المراد بالفاحشة هنا؟ معنى الفاحشة ما يستفحش، معناها ما يستفحش شرعًا وعرفًا، والمراد بها الزنا، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢]، وعلى هذا فتكون (أل) للعهد الذهني؛ لأنه لم يذكر لكنه معروف شرعًا، وإنما قررنا ذلك لرد قول من يقول كأبي مسلم الخراساني قال: إن المراد بها السحاق، السحاق بين النساء، ولكن هذا بعيد من الصواب، ولم (...) به أحد من الصحابة أو التابعين فيما نعلم، والصواب أن المراد بها –الفاحشة- أيش؟ الزنا، والدليل ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾.
وقوله: ﴿مِن نِسَائِكُمْ﴾ المراد بها الجنس، يعني: جنس النساء، سواء كانت من زوجاتنا أو من غير الزوجات. وقوله: ﴿مِن نِسَائِكُمْ﴾ (من) هذه بيان للموصول في قوله: ﴿اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾.
﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ ﴿اسْتَشْهِدُوا﴾ أي: اطلبوا شهادة أربعة، و﴿أَرْبَعَةً﴾ هنا عدد يدل على أن المعدود مذكر. ما وجهه؟
* طالب: نصب ﴿أَرْبَعَةً﴾.
* الشيخ: نصب ﴿أَرْبَعَةً﴾، يعني: فلو جاء مرفوعًا لم يكن دالًّا على أن المعدود مذكر؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن العدد المؤنث يكون معدوده مذكرًا فيما دون العشرة، فتقول: تسعة رجال، وتسع نساء، واضح؟
﴿أَرْبَعَةً﴾، وقوله: ﴿أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ الخطاب للمسلمين؛ لأن من شرط الشهادة ولا سيما في هذا الأمر العظيم أن يكون الشاهد مسلمًا.
﴿فَإِنْ شَهِدُوا﴾ يعني: شهدوا على فعل الفاحشة، ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ ﴿أَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ الخطاب هنا ﴿أَمْسِكُوهُنَّ﴾ عام، فمن الذي يقصد به؟ الذي يقصد به ولي الأمر، ولي الأمر إما الخاص وإما العام.
وقوله: ﴿أَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ جمع (بيت)، أي: أمسكوها ببيتها، احبسوها لا تخرج؛ لأن ذلك وسيلة إلى تقليل الزنا حيث تبقى محبوسة في بيتها لا تخرج فتفتن الناس وتفتتن.
﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ ﴿يَتَوَفَّاهُنَّ﴾ (...)، يقال: توفيت حقي من فلان، أي: قبضته، وقوله: ﴿الْمَوْتُ﴾ يعني: ملك الموت، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة ١١]، ولكنه يعبر عن ذلك بالموت توسعًا، ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ والموت هو: فقد الحياة، وذلك بخروج الروح من البدن؛ لأن الروح بالبدن عارية متى دعيت خرجت.
﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ ﴿أَوْ﴾ هذه حرف عطف، و﴿يَجْعَلَ﴾ معطوفة على (يتوفى) فهي منصوبة، ﴿يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ أي: يصير لهن سبيلًا، أي: طريقًا للخلاص من هذا الإمساك، وقد جعل الله لهن سبيلًا بماذا؟ بقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور ٢]، قال النبي ﷺ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ»[[أخرجه مسلم (١٦٩٠ / ١٢) من حديث عبادة بن الصامت.]] ، فتبين بهذا أن المراد بالسبيل ما شرعه الله تعالى من حد الزاني جلدًا وتغريبًا، أو رجمًا وتغريبًا.
ثم قال: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا﴾ ﴿اللَّذَانِ﴾ في مقابل ﴿اللَّاتِي﴾، تكون للذكور ولَّا للإناث؟ للذكور، ولكن المقابلة ليست بتامة، هنا قال: ﴿اللَّذَانِ﴾ وهناك قال: ﴿اللَّاتِي﴾ فلماذا؟ قال بعض العلماء: إن المراد بـ(اللذان) هنا الزاني والزانية، ولكن الزانية سبق حكمها وهي أنها تحبس في البيت والزاني يؤذى، ولا (...) في البيت، وقال بعض العلماء: المراد بهما اللوطي، يعني: الفاعل والمفعول به، وأضاف الإتيان إلى المفعول به مع أنه مأتي؛ لأن القابل كالفاعل، القابل الراضي كالفاعل؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤٦٢)، والترمذي (١٤٥٦) من حديث ابن عباس.]] والصحيح هذا، الصحيح أن ﴿اللَّذَانِ﴾ يراد بهما اللائطان، الرجل يلوط بالرجل، والعياذ بالله.
ولكن يبقى نظر آخر، لماذا عبر في حق النساء بـ﴿اللَّاتِي﴾ وفي حق الذكور بـ﴿اللَّذَانِ﴾؟ لأن فشو الزنا في النساء أكثر من فشو اللواط في الذكور، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون اللوطية، حتى إن بعضهم يقول: لولا أن الله قص علينا ما قص من نبأ قوم لوط ما كنا نتصور أن هذا يقع؛ لأنه من يتصور أن رجلًا يرضى أن يفعل به كما يفعل بالمرأة! هذا شيء مستحيل فطرة ومستحيل شرعًا، فلذلك عبر عن اللواط بأدنى ما يمكن أن يتحقق به، ما هو أدنى ما يمكن أن يتحقق به؟ اثنان، بخلاف الزنا في النساء فإنه كثير.
﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ ﴿يَأْتِيَانِهَا﴾ الضمير يعود على ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ وفاحشة الرجال هي اللواط، وهي أعظم من فاحشة الزنا، والدليل على عظمتها أن لوطًا قال لقومه: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ [الأعراف ٨٠]، وفي الزنا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢] من الفواحش، أما هذا فقال: ﴿الْفَاحِشَةَ﴾؛ لأنها -والعياذ بالله- مستفحشة في عقل كل إنسان، ثم إن الزنا جنسه مما يباح بالعقد، واللواط لا يباح بأي حال من الأحوال، لا بعقد ولا بغيره، فكان أفحش.
﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا﴾ آذوهما بماذا؟ بالسب والتعيير والضرب والإعراض، على سبيل التعزير، والهجر، وما أشبه ذلك، المهم افعلوا ما يتأذيان به.
﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ ﴿إِنْ تَابَا﴾ مما وقع منهما، ﴿وَأَصْلَحَا﴾ عملهما في المستقبل، ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فيعرض عنه؛ لأن السبب ما دام موجودًا فالمسبب يتبعه، فإذا زال السبب زال المسبب.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا﴾ ﴿تَوَّابًا﴾ صيغة مبالغة؛ وذلك لكثرة توبته وكثرة من يتوب عليهم، فالذين يتوب الله عليهم لا يحصون، وتوبته عز وجل لا تحصى؛ فلهذا عبر بصيغة المبالغة، والتائب من؟ توبة الله على العبد نوعان: توبة قبل فعل التوبة، وتوبة بعدها، فالتوبة التي قبل فعل التوبة معناها التوفيق، قبل فعل التوبة معناها التوفيق للتوبة، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٨]، والتوبة التي بعد التوبة هي قبول التوبة، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى ٢٥]، والله سبحانه وتعالى تواب بهذا المعنى وبهذا المعنى، فهو تواب أي: مهيئ للتوبة فيمن شاء من عباده، وتواب أي: قابل للتوبة.
و﴿رَحِيمًا﴾ أي: ذو رحمة يوصلها إلى من شاء من عباده، كما قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت ٢١].
وفي هذه الآية شيء من الإشكال وهو قوله: ﴿كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾، فإن المعروف أن (كان) للمضي، ويفهم منها أن هذا الوصف كان فزال، كما لو قلت: كان فلان طالب علم، يعني: فيما مضى.
أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأن (كان) قد تسلب منها الدلالة على الزمن ويكون المراد بها تحقق الاتصاف بخبرها، وكل ما أضيف إلى الله من هذا التركيب فإن هذا هو المراد به ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٢٣]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب ٢٧]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ [الأحزاب ١٢٦] وما أشبه ذلك، المراد أنه متصف به أزلًا وأبدًا، ولكن أتت (كان) لتحقيق اتصافه بهذا الوصف.
* طالب: أحسن الله إليك، ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ هذا قبل القدرة عليهما أو بعد القدرة؟
* الشيخ: لا، بعد القدرة.
* الطالب: بعد القدرة؟
* الشيخ: نعم، لكن هذا الحكم سيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
* طالب: قوله تعالى في سورة هود: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [هود ١٠٧] (...).
* الشيخ: نعم، ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، وقال في النار: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾.
* الطالب: (...) ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾.
* الشيخ: كلها قال: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [هود ١٠٧].
* الطالب: ويش الفرق؟
* الشيخ: الفرق لأنه لما كان هذا فضلًا بيَّن أنه فضل ممتد، ولما كان هذا عقوبة قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ فهو فعل هذه العقوبة؛ لأن ذلك مقتضى إرادته.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء ١٧-١٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق لنا أن الله سبحانه وتعالى جعل عقوبة اللاتي يزنين؟
* طالب: بالإشهاد عليهم.
* الشيخ: لا، الإشهاد لإثبات..
* طالب: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾.
* الشيخ: تمام. ما هي السبيل التي جعلها الله لهن؟
* طالب: قول النبي ﷺ «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ».
* الشيخ: في حديث عبادة بن الصامت.
* الطالب: (...).
* الشيخ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ».
* الطالب: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ سَنَةً وَتَغْرِيبُ عَامٍ».
* الشيخ: جلد سنة؟!
* الطالب: «جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ»[[أخرجه مسلم (١٦٩٠ / ١٢) من حديث عبادة بن الصامت.]] .
* الشيخ: أحسنت.
هل يعتبر هذا من النسخ؟
* طالب: ليس من النسخ.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: هذا السبيل الذي جعله.
* الشيخ: إي، لكن لماذا؟
* الطالب: لأن هذا (...).
* الشيخ: نعم، الحكم الأول موقت ليس عامًّا في كل وقت، فيكون قوله: ﴿أَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ بيانًا لذلك.
قوله: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ ماذا يراد به؟
* طالب: قيل: الذي يزني بها، الزاني، وقيل: اللوطي.
* الشيخ: قيل: إنه الرجل يأتي الرجل.
* الطالب: وقيل: الذي يأتي المرأة.
* الشيخ: نعم، بناء على الثاني كيف يخرج ﴿اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يعني فيها قول: إن ﴿اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ يعني: اللذان يزنيان.
* الطالب: نعم يا شيخ، فيكون الرجل يؤذى فقط والمرأة تحبس وتؤذى.
* الشيخ: تحبس حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لهن سبيلًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: الرجل إذا أتى الرجل، هذا وجه، هذا ما فيه إشكال، الإشكال على قول من يقول: إن المراد بـ﴿اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ هما الزانيان؟
* طالب: لأنه سبق حكم الزانية فغلب التذكير.
* الشيخ: لماذا عبر بالجمع في النساء وبالتثنية في الرجال؟
* طالب: لأن في النساء (...) كثير.
* الشيخ: الزنا في النساء أكثر منه في الرجال، فإن البغايا في الجاهلية كثيرات منتشرات.
على القول بأن مراد ﴿اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ الرجل يأتي الرجل كيف يصح أن يكون المأتي آتيًا؟
* طالب: لما كان المأتي راضي كان حكمه كحكم الفاعل.
* الشيخ: أحسنت، القابل كالفاعل.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: عظم الزنا وأنه من الفواحش؛ لأنه بالاتفاق أن المراد بذلك الزنا، والقول بأنه السحاق قول ضعيف لا معول عليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا بد في الزنا من شهادة أربعة رجال عدول؛ لقوله: ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً﴾، وقوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ الخطاب للمؤمنين والصحابة كلهم عدول، أو نقول: إنه ﴿مِنْكُمْ﴾ خطاب للصحابة كلهم، ويحمل هذا الإطلاق على العدالة كما قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق ٢].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الرجل أقوى في الشهادة من المرأة وأثبت؛ وذلك لأن الله تعالى لم يعتبر في الزنا إلا شهادة الرجال.
* ومنها: أن الحد يدرأ بالشبهة؛ وذلك لأن اشتراط أربعة رجال من أجل إثبات الشهادة، وشهادة النساء الأربع فيها شبهة؛ لأنهن لم يثبتن، كما قال تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة ٢٨٢]، ولا شك أن الحدود تدرأ بالشبهات.
ولكن يبقى عندنا مناط الحكم، بمعنى ما هي الشبهة التي يدرأ بها الحد؟ فمن العلماء من توسع فيها حتى قال: إنه لو استأجر امرأة للزنا فزنا بها فلا حد عليه؛ لأن استئجاره إياها شبهة، كما لو استأجر بيتًا يسكن به، ومن العلماء من توسط، ومنهم من شدد، والغالب أن الأقوال إذا اختلفت على ثلاثة: أن الوسط هو الصحيح، هذا هو الغالب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا بد من تصريح الشهداء بالشهادة في باب الزنا؛ لقوله: ﴿فَإِنْ شَهِدُوا﴾؛ ولهذا يجب أن يقول الشهود: رأينا ذكره في فرجها قد أدخله فيه، كما يدخل الميل في المكحلة، فلا يكفي أن يقول الشهود: رأينا رجلًا على امرأة وهما عراة، ورأينا ذكره بين فخذيها، ما يكفي هذا، لا بد من التصريح بالجماع، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لماعز قال: «أَنِكْتَهَا» لا تكنِ، أو قال: لا يكني»[[أخرجه البخاري (٦٨٢٤) من حديث ابن عباس.]] ؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في زمنه: إنه لم يثبت حد الزنا بالشهادة إلى يومنا هذا، لم يثبت بالشهادة لماذا؟ لأنها صعبة، صعبة.
فإن قال قائل: هل يمكن أن نثبته بالتقاط الصورة؟ قلنا: كنا نقول بذلك، لكن لما تبين لنا دبلجة المصورين قلنا: لا نثبت، أتعرفون الدبلجة؟ يعني يجمعون، يلفقون صورة ويجعلون رجلًا على امرأة قد جامعها وليس الأمر كذلك، ومشكلة الدبلجة هذه -نسأل الله أن يكفينا شرها- بدؤوا يدبلجون الكلام الآن كما قيل لي، يأخذون مثلًا من كلامي حرفًا، حرفًا في كلمة من الكلمات، وحرفًا من كلمة أخرى ويركبون بعضًا على بعض وينشئون خطبة بصوتي على ما يريدون هم، أعرفتم؟ يجمعون حروفًا، ثم يصيغونها كلمات على ما يريدون، والصوت صوتي، ونبرات الكلام نبرات كلامي، فمشكلة حقيقة، أي إنسان يريد أن يتقول على شخص الآن يمكنه، لكن نرجو الله أن الله يجيب فيرس لهذه الآلات كما يهددون الآن بفيرس الكمبيوتر حتى نسلم من شرها ويسلم الناس من شرها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن حبس المرأة في بيتها من أسباب درء الفتنة؛ لقوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾؛ لأن هذا نوع من العقوبة من وجه، وكف لأسباب الفتنة من وجه آخر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن البيت خير للمرأة؛ لقوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «بُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»[[أخرجه أبو داود (٥٤٦٨) من حديث ابن عمر.]] .
* ومن فوائدها: أنه لا يجوز حبس المرأة في بيتها بحيث تمنع من الخروج إلا إذا كان هناك فتنة وشر، وإلا فالأصل أنها لا تمنع من الخروج من البيت، ويؤيد هذا أن الله تعالى أوجب بقاء المرأة المتوفى عنها زوجها في بيتها، فدل ذلك على أن غيرها لا يلزمها البقاء في البيت، وهو كذلك، فالبيت ينبغي أن نرغب النساء في البقاء فيه ولكن لا نلزمهن بذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مشروعية العقوبة بالحبس المؤبد، توافقون على هذا؟ أو أن للعقوبة بالحبس المؤبد أصل؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني هو الأقرب: أن للعقوبة بالحبس المؤبد أصلًا في الشرع، أما أن نجعل ذلك مشروعًا وهو قد نسخ ففي النفس منه شيء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الجعل لله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾، والجعل نوعان: جعل شرعي، وجعل كوني قدري، فمن أمثلة الجعل الشرعي قوله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة ٩٧]، وقوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة ١٠٣] ﴿مَا جَعَلَ﴾ أي: جعلًا شرعيًّا، أما قدريًّا فإنه قد جعل ذلك، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام موجودة، ومثال الجعل الكوني، أو وأمثلة الجعل الكوني كثيرة في القرآن مثل: ﴿جَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ ٩-١١]، والأمثلة كثيرة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل، يعني إثبات صفة الفعل المتجدد لله، واعلم أن الفعل المضاف إلى الله نوعان: جنس، ونوع، جنس، ونوع، وفرد، ثلاثة أنواع: جنس، ونوع، وفرد.
أما الجنس فهو صفة أزلية أبدية، أي أن الله لم يزل ولا يزال فعالًا، فهو فعال في الأزل كما هو فعال في الأبد؛ ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء القول بتسلسل الحوادث في الماضي كما هي في المستقبل، لكننا لا نعلم ما تسلسل في الماضي إلا ما أخبرنا به فقط، وإلا فنحن نؤمن بأن الله لم يزل ولا يزال فعالًا سبحانه وتعالى.
الثاني: النوعي، النوعي مثل الاستواء على العرش، وهذا حادث؛ فإن الله لم يستوِ على العرش قبل خلق العرش.
أما الآحادي فكثير، كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة، والمجيء للفصل بين العباد، والنزول إلى السماء الدنيا عشية عرفة، والغضب عند وجود السبب، والرضا عند وجود سببه، والضحك عند وجود سببه، والعجب عند وجود سببه، أشياء كثيرة، وقد أثبت أهل السنة والجماعة ذلك، وأنكر هذا الأشاعرة والمعتزلة ومن سلك سبيلهم وقالوا: لا يمكن أن يوصف الله بصفة حدوثية أبدًا؛ ولهذا يرون القرآن الذي بين أيدينا يرونه قديمًا، وعللوا هذا الحكم الفاسد فقالوا: إن قيام الحوادث بالله عز وجل يقتضي أن يكون حادثًا؛ لأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، ولا شك أن هذه علة عليلة بل ميتة، من قال لهم هذا؟! بل كون الحوادث تقوم بالله عز وجل وأنه يفعل ما يريد دليل على كماله وكمال حياته، ولو تصور الإنسان ربًّا لا يفعل وربًّا يفعل لكان مقتضى الفطرة أن الثاني أكمل بلا شك، فالصواب بلا شك أن أفعال الله سبحانه وتعالى كما تكون جنسًا تكون نوعًا، وتكون فردًا آحادًا.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن اللواط له حكمان: الحكم الأول ما دلت عليه الآية، والحكم الثاني ما دلت عليه السنة، أما ما دلت عليه الآية فهو أن الذي يأتي الفاحشة من الرجال يؤذى، يؤذى بالقول، يؤذى بالفعل، يؤذى بالهجر، يؤذى بأنواع الأذى، وكثير من الناس قد تكون أذيته أشد من ضربه وأشد من حبسه.
أما الحكم الثاني الثابت في السنة وهو قتل الفاعل والمفعول به؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٦٩٠ / ١٢) من حديث عبادة بن الصامت.]] .
ولا يحمل هنا المطلق على المقيد فيقال: اقتلوا الفاعل والمفعول به إذا كانا محصنين، كما هو الشأن في الزنا؛ وذلك لأن من شرط حمل المطلق على المقيد أن يكون الحكم واحدًا والسبب واحدًا، وهنا اختلف السبب والحكم، فهناك السبب الزنا وهو في فرج يحل في الجملة، صح؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: متى يحل؟ بعقد النكاح الصحيح أو ملك اليمين، وهذا استباحة فرج لا يحل أبدًا، كذلك أيضًا هذه الفاحشة -والعياذ بالله- يعسر التحرز منها بخلاف الزنا؛ لأنها تكون بين الذكور، ومن يحبس الذكور بعضهم عن بعض؟ لا يمكن حبسهم، التحرز منها صعب، فإذا لم يكن لها عقوبة رادعة قوية انتشرت في المجتمع، وإذا انتشرت في المجتمع فسد الرجال والنساء -نسأل الله العافية- لأن من عقوبة اللوطي ألا يشتهي النساء، فإذا لم يشتهِ النساء بقيت النساء متعطلة وحصل الشر والفساد.
والدليل أن من عقوبة اللوطي أنه ينزع منه شهوة النساء قول لوط لقومه: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ [الشعراء ١٦٥- ١٦٦]، فهم لم يذروا النساء إلا لأنها سلبت شهوة النساء من نفوسهم، وإلا فإن الإنسان بفطرته يميل إلى النساء، وهذه العقوبة إذا انتشرت في المجتمع فسد، فسد رجاله ونساؤه وتعطلت مصالحه؛ فلهذا كانت الحكمة تقتضي القضاء على هذه الجرثومة الفاسدة، قتل، ولا يصلح أن يحمل هذا المطلق على المقيد لما علمتم من اختلاف السبب والحكم.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أن الصحابة أجمعوا على قتل الفاعل والمفعول به إلا أنهم اختلفوا في كيفية القتل؛ فمنم من قال: يلقيان من شاهق من أعلى مكان في البلد ثم يتبعان بالحجارة، ومنهم من قال: يرجمان، ومنهم من حرق اللوطي، الفاعل والمفعول به؛ لأن جريمتهما عظيمة منكرة، سماها لوط: الفاحشة، والزنا في كتاب الله ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢]، والأول أشد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من تاب وأصلح وجب الكف عن عقوبته، وقد صرح الله تعالى في آية المحاربين في سورة المائدة أن ذلك مشروط بما إذا تاب قبل القدرة عليه، قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤]، أما لو تاب بعد القدرة فإنه لا ترفع عنه العقوبة.
لكن الذي يظهر من السنة أن ما ثبت بإقرار ثم تاب فإنه يترك يتوب، ودليل ذلك «حديث ماعز بن مالك رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقر عنده بالزنا فأمر برجمه، فلما أذلقته الحجارة –يعني: أصابه مس الحجارة- هرب، ولكن الصحابة لكون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم برجمه قالوا: لا بد من تنفيذ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فنفذوا الرجم ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فقال: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤١٩)، وابن أبي شيبة (٢٩٢٥٧) واللفظ له من حديث نعيم بن هزال.]] ، فدل ذلك على أن المقر بالذنب إذا تاب ولو في أثناء الحد فإنه يترك يتوب الله عليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوبة من الذنب لا بد أن يقارنها إصلاح؛ لقوله: ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا﴾، ولكن كيف تكون التوبة في مثل هذا؟ قيل: إن التوبة في مثل هذا أن يراود فيمتنع، عرفتم؟ يعني مثلًا يقال لهذا المفعول به، يعني: نريد أن نفعل بك، فإذا امتنع دل ذلك على توبته، ويقال للفاعل: هذا يريد أن تفعل به، فإذا أبى فهذا توبته، وكذلك يقال في الزاني والزانية، لكن هذا القول قول منكر بعيد عن الصواب؛ لأن المراودة لا تكون إلا في حال سر، أليس كذلك؟ ما هو الواحد يعني بيراود شخص أمام الناس، ستكون في حال سر.
ثم إن المراود إن كان المراود أهلًا للفعل، يعني يتوقع منه أن يفعل، فإنه قد يستجيب، وحينئذٍ تقع الفاحشة، وإن كان المراوِد ليس أهلًا لأن يفعل، فسينتبه المراوَد أن هذا يريد أن يختبره فيمتنع، وبهذا نعرف أن هذا القول لا أساس له من الصحة، ولكن التوبة كغيرها من الذنوب، التوبة من هذا كغيره من الذنوب، إذا عرفنا أن الرجل عزف عن هذا الشيء، وصار لا يذهب إلى المجالس اللي فيها هذه الفاحشة وما أشبه ذلك، عرفنا أنه تاب؛ ولهذا قرن التوبة هنا بالإصلاح، فلا بد من شيء يدل على أنه تاب وهو إصلاح العمل والبعد عن هذه الفاحشة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن الحكم يدور مع سببه وجودًا وعدمًا، وجهه أنه قال: ﴿إِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾، إذن لما زالت العلة زال الحكم، وهو كذلك، الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولكن إن كانت العلة منصوصة، منصوصًا عليها فإنها إذا تخلفت فلا بد أن يتخلف الحكم، وإن كانت مستنبطة فلا ينبغي أن يتخلف الحكم بتخلفها؛ لأنه من الجائز ألا تكون العلة شرعًا هي هذه العلة المستنبطة، فنلغي حكمًا من أحكام الله ثابتًا بمجرد الاحتمال، أما لو نص عليها فالحكم يدور معها مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ مِنْ أَجْلِ أَنْ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٢٩٠)، ومسلم (٢١٨٤ / ٣٧) من حديث ابن مسعود.]] ، فإن هذا يدل على أنه لو كان لا يحزن بهذا التناجي جاز، جاز ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: التواب والرحيم، وقد سبق لنا معنى التواب ولماذا جاء بصيغة المبالغة، ومعنى الرحيم.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَٱلَّـٰتِی یَأۡتِینَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ عَلَیۡهِنَّ أَرۡبَعَةࣰ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُوا۟ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِی ٱلۡبُیُوتِ حَتَّىٰ یَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلࣰا","وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"],"ayah":"وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق