الباحث القرآني
* بابُ حَدُّ الزّانِيَيْنِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واللاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكم فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً مِنكُمْ﴾ الآيَةَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ السَّلَفُ في أنَّ ذَلِكَ كانَ حَدَّ الزّانِيَةِ في بَدْءِ الإسْلامِ وأنَّهُ مَنسُوخٌ غَيْرُ ثابِتِ الحُكْمِ؛ حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الواسِطِيُّ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اليَمانِ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وعُثْمانُ بْنُ عَطاءٍ الخُراسانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكم فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً مِنكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿سَبِيلا﴾ قالَ: وقالَ في المُطَلَّقاتِ: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: ١] قالَ: هَذِهِ الآياتُ قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ سُورَةُ النُّورِ في الجَلْدِ نَسَخَتْها هَذِهِ الآيَةُ: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] قالَ: والسَّبِيلُ (p-٤٢)الَّذِي جَعَلَهُ لَها الجَلْدُ والرَّجْمُ، قالَ: فَإذا جاءَتِ اليَوْمَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإنَّها تُخْرَجُ وتُرْجَمُ بِالحِجارَةِ؛ قالَ: وحَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالِحٍ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذِهِ الآيَةِ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ قالَ: كانَتِ المَرْأةُ إذا زَنَتْ حُبِسَتْ في البَيْتِ حَتّى تَمُوتَ، وكانَ الرَّجُلُ إذا زَنى أُوذِيَ بِالتَّعْيِيرِ وبِالضَّرْبِ بِالنِّعالِ، قالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] قالَ: وإنْ كانا مُحْصَنَيْنِ رُجِما بِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: فَهو سَبِيلُها الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَها؛ يَعْنِي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوْتُ أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ .
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَكانَ حُكْمُ الزّانِيَةِ في بَدْءِ الإسْلامِ ما أوْجَبَ مِن حَدِّها بِالحَبْسِ إلى أنْ يَتَوَفّاهُنَّ المَوْتُ أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، ولَمْ يَكُنْ عَلَيْها في ذَلِكَ الوَقْتِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذا، ولَيْسَ في الآيَةِ فَرْقٌ بَيْنَ البِكْرِ والثَّيِّبِ؛ فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ حُكْمًا عامًّا في البِكْرِ والثَّيِّبِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ وعَطاءٍ: " أنَّ المُرادَ الرَّجُلُ والمَرْأةُ " . وقالَ السُّدِّيُّ: " البِكْرَيْنِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ " . ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ: " أنَّهُ أرادَ الرَّجُلَيْنِ الزّانِيَيْنِ " .
وهَذا التَّأْوِيلُ الأخِيرُ يُقالُ إنَّهُ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّهُ لا مَعْنى لِلتَّثْنِيَةِ هَهُنا؛ إذْ كانَ الوَعْدُ والوَعِيدُ إنَّما يَجِيئانِ بِلَفْظِ الجَمْعِ؛ لِأنَّهُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهم، أوْ بِلَفْظِ الواحِدِ لِدَلالَتِهِ عَلى الجِنْسِ الشّامِلِ لَجَمِيعِهِمْ؛ وقَوْلُ الحَسَنِ صَحِيحٌ وتَأْوِيلُ السُّدِّيِّ مُحْتَمَلٌ أيْضًا، فاقْتَضَتِ الآيَتانِ بِمَجْمُوعِهِما أنَّ حَدَّ المَرْأةِ كانَ الأذى والحَبْسَ جَمِيعًا إلى أنْ تَمُوتَ، وحَدُّ الرَّجُلِ التَّعْيِيرُ والضَّرْبُ بِالنِّعالِ؛ إذْ كانَتِ المَرْأةُ مَخْصُوصَةً في الآيَةِ الأوْلى بِالحَبْسِ ومَذْكُورَةً مَعَ الرَّجُلِ في الآيَةِ الثّانِيَةِ بِالأذى فاجْتُمِعَ لَها الأمْرانِ جَمِيعًا، ولَمْ يَذْكُرْ لِلرِّجالِ إلّا الأذى فَحَسْبُ.
ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الآيَتانِ نَزَلَتا مَعًا فَأُفْرِدَتِ المَرْأةُ بِالحَبْسِ وجُمِعا جَمِيعًا في الأذى، وتَكُونُ فائِدَةُ إفْرادِ المَرْأةِ بِالذِّكْرِ إفْرادَها بِالحَبْسِ إلى أنْ تَمُوتَ وذَلِكَ حُكْمٌ لا يُشارِكُها فِيهِ الرَّجُلُ، وجُمِعَتْ مَعَ الرَّجُلِ في الأذى لاشْتِراكِهِما فِيهِ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إيجابُ الحَبْسِ لِلْمَرْأةِ مُتَقَدِّمًا لِلْأذى، ثُمَّ زِيدَ في حَدِّها وأوْجَبَ عَلى الرَّجُلِ الأذى، فاجْتَمَعَ لِلْمَرْأةِ الأمْرانِ وانْفَرَدَ الرَّجُلُ بِالأذى دُونَها فَإنْ كانَ كَذَلِكَ فَإنَّ الإمْساكَ في البُيُوتِ إلى المَوْتِ أوِ السَّبِيلَ قَدْ كانَ حَدَّها، فَإذا أُلْحِقَ بِهِ الأذى صارَ مَنسُوخًا؛ لِأنَّ الزِّيادَةَ في النَّصِّ بَعْدَ اسْتِقْرارِ حُكْمِهِ تُوجِبُ النَّسْخَ؛ إذْ كانَ الحَبْسُ في ذَلِكَ الوَقْتِ جَمِيعَ حَدِّها، ولَمّا ورَدَتِ الزِّيادَةُ صارَ بَعْضَ حَدِّها، فَهَذا (p-٤٣)يُوجِبُ أنْ يَكُونَ كَوْنُ الإمْساكِ حَدًّا مَنسُوخًا.
وجائِزٌ أنْ يَكُونَ الأذى حَدًّا لَهُما جَمِيعًا بَدِيًّا ثُمَّ زِيدَ في حَدِّ المَرْأةِ الحَبْسُ إلى المَوْتِ أوِ السَّبِيلُ الَّذِي يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَها، فَيُوجِبُ ذَلِكَ نَسْخَ الأذى في المَرْأةِ أنْ يَكُونَ حَدًّا؛ لِأنَّهُ صارَ بَعْضَهُ بَعْدَ نُزُولِ الحَبْسِ؛ فَهَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها مُحْتَمَلَةٌ.
فَإنْ قِيلَ: هَلْ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الحَبْسُ مَنسُوخًا بِإسْقاطِ حُكْمِهِ والِاقْتِصارِ عَلى الأذى إذا كانَ نازِلًا بَعْدَهُ ؟ قِيلَ لَهُ: لا يَجُوزُ نَسْخُهُ عَلى جِهَةِ رَفْعِ حُكْمِهِ رَأْسًا؛ إذْ لَيْسَ في إيجابِ الأذى ما يَنْفِي الحَبْسَ لِجَوازِ اجْتِماعِهِما؛ ولَكِنَّهُ يَكُونُ نَسْخُهُ مِن طَرِيقِ أنَّهُ يَصِيرُ بَعْضَ الحَدِّ بَعْدَ أنْ كانَ جَمِيعَهُ، وذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ النَّسْخِ.
وقَدْ قِيلَ في تَرْتِيبِ الآيَتَيْنِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ نَزَلَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكُمْ﴾ ثُمَّ أمَرَ أنْ تُوضَعَ في التِّلاوَةِ بَعْدَهُ، فَكانَ الأذى حَدًّا لَهُما جَمِيعًا، ثُمَّ الحَبْسُ لِلْمَرْأةِ مَعَ الأذى. وذَلِكَ يَبْعُدُ مِن وجْهٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ " الهاءُ " الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿يَأْتِيانِها﴾ كِنايَةٌ لا بُدَّ لَها مِن مُظْهَرٍ مُتَقَدِّمٍ مَذْكُورٍ في الخِطابِ أوْ مَعْهُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ المُخاطَبِ، ولَيْسَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ دَلالَةٌ مِنَ الحالِ عَلى أنَّ المُرادَ الفاحِشَةُ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ كِنايَةً راجِعَةً إلى الفاحِشَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها في أوَّلِ الآيَةِ؛ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ كِنايَةً عَنْها لَمْ يَسْتَقِمِ الكَلامُ بِنَفْسِهِ في إيجابِ الفائِدَةِ وإعْلامِ المُرادِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: ١] لِأنَّ مِن مَفْهُومِ ذِكْرِ الإنْزالِ أنَّهُ القُرْآنُ، وفي مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] أنَّها الأرْضُ، فاكْتَفى بِدَلالَةِ الحالِ وعِلْمِ المُخاطَبِ بِالمُرادِ عَنْ ذِكْرِ المَكْنِيِّ عَنْهُ؛ فاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ الخِطابِ أنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ مَعانِي الآيَتَيْنِ عَلى حَسَبِ تَرْتِيبِ اللَّفْظِ فَإمّا أنْ تَكُونا نَزَلَتا مَعًا وإمّا أنْ يَكُونَ الأذى نازِلًا بَعْدَ الحَبْسِ إنْ كانَ المُرادُ بِالأذى مَن أُرِيدَ بِالحَبْسِ مِنَ النِّساءِ.
والوَجْهُ الثّانِي: ما رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ إنَّما كانَ حُكْمًا في البِكْرَيْنِ خاصَّةً، والأوْلى في الثَّيِّباتِ دُونَ الأبْكارِ. إلّا أنَّ هَذا قَوْلٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِغَيْرِ دَلالَةٍ، وذَلِكَ غَيْرُ سائِغٍ لِأحَدٍ مَعَ إمْكانِ اسْتِعْمالِ اللَّفْظَيْنِ عَلى حَقِيقَةِ مُقْتَضاهُما؛ وعَلى أيِّ وجْهٍ تُصْرَفُ وُجُوهُ الِاحْتِمالِ في حُكْمِ الآيَتَيْنِ وتَرْتِيبِهِما فَإنَّ الأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ في نَسْخِ هَذَيْنِ الحُكْمَيْنِ عَنِ الزّانِيَيْنِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في مَعْنى السَّبِيلِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ، (p-٤٤)فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ السَّبِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُنَّ الجَلْدُ لِغَيْرِ المُحْصَنِ والرَّجْمُ لِلْمُحْصَنِ " وعَنْ قَتادَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ في بَعْضِ الرِّواياتِ: ﴿أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ " أوْ يَضَعْنَ ما في بُطُونِهِنَّ "؛ وهَذا لا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّ الحُكْمَ كانَ عامًّا في الحامِلِ والحائِلِ، فالواجِبُ أنْ يَكُونَ السَّبِيلُ مَذْكُورًا لَهُنَّ جَمِيعًا.
واخْتُلِفَ أيْضًا فِيما نَسَخَ هَذَيْنِ الحُكْمَيْنِ، فَقالَ قائِلُونَ: نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] وقَدْ كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ في البِكْرَيْنِ، فَنُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُما بِالجَلْدِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ، وبَقِيَ حُكْمُ الثَّيِّبِ مِنَ النِّساءِ الحَبْسُ فَنُسِخَ بِالرَّجْمِ. وقالَ آخَرُونَ: نُسِخَ بِحَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ وهو ما حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اليَمانِ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتادَةَ عَنِ الحَسَنِ عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقاشِيِّ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، البِكْرُ بِالبِكْرِ والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ البِكْرُ تُجْلَدُ وتُنْفى والثَّيِّبُ تُجْلَدُ وتُرْجَمُ» .
وهَذا هو الصَّحِيحُ وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» يُوجِبُ أنْ يَكُونَ بَيانًا لِلسَّبِيلِ المَذْكُورِ في الآيَةِ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وبَيْنَ الحَبْسِ والأذى واسِطَةُ حُكْمٍ، وأنَّ آيَةَ الجَلْدِ الَّتِي في سُورَةِ النُّورِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ حِينَئِذٍ؛ لَأنَّها لَوْ كانَتْ نَزَلَتْ كانَ السَّبِيلُ مُتَقَدِّمًا لِقَوْلِهِ: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا " ولَما صَحَّ أنْ يَقُولَ ذَلِكَ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ المُوجِبَ لِنَسْخِ الحَبْسِ والأذى قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ في حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، وأنَّ آيَةَ الجَلْدِ نَزَلَتْ بَعْدَهُ. وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى نَسْخِ القُرْآنِ بِالسُّنَّةِ؛ إذْ نُسِخَ بِقَوْلِ: خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ما أوْجَبَ اللَّهُ مِنَ الحَبْسِ والأذى بِنَصِّ التَّنْزِيلِ.
فَإنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ وما ذُكِرَ في الآيَتَيْنِ مِنَ الحَبْسِ والأذى كانَ في البِكْرَيْنِ دُونَ الثَّيِّبَيْنِ. قِيلَ لَهُ: لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ في أنَّ حُكْمَ المَرْأةِ الثَّيِّبِ كانَ الحَبْسَ، وإنَّما قالَ السُّدِّيُّ إنَّ الأذى كانَ في البِكْرَيْنِ خاصَّةً؛ وقَدْ أخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ السَّبِيلِ المَذْكُورِ في آيَةِ الحَبْسِ وذَلِكَ لا مَحالَةَ في الثَّيِّبِ، فَأوْجَبَ أنْ يَكُونَ مَنسُوخًا بِقَوْلِهِ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الجَلْدُ والرَّجْمُ» فَلَمْ يَخْلُ الحَبْسُ مِن أنْ يَكُونَ مَنسُوخًا في جَمِيعِ الأحْوالِ بِغَيْرِ القُرْآنِ، وهي الأخْبارُ الَّتِي فِيها إيجابُ رَجْمِ المُحْصَنِ؛ فَمِنها حَدِيثُ عُبادَةَ الَّذِي ذَكَرْنا، وحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ وعائِشَةَ وعُثْمانَ حِينَ كانَ مَحْصُورًا فاسْتَشْهَدَ أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: (p-٤٥)«لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِإحْدى ثَلاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إيمانٍ وزِنًا بَعْدَ إحْصانٍ وقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ»، وقِصَّةُ ماعِزٍ والغامِدِيَّةِ ورَجْمُ النَّبِيِّ ﷺ إيّاهُما قَدْ نَقَلَتْهُ الأُمَّةُ لا يَتَمارَوْنَ فِيهِ.
فَإنْ قِيلَ: هَذِهِ الخَوارِجُ بِأسْرِها تُنْكِرُ الرَّجْمَ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ مَنقُولًا مِن جِهَةِ الِاسْتِفاضَةِ المُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ لَما جَهِلَتْهُ الخَوارِجُ. قِيلَ لَهُ: إنَّ سَبِيلَ العِلْمِ بِمَخْبَرِ هَذِهِ الأخْبارِ السَّماعُ مِن ناقِلِيها وتَعَرُّفُهُ مِن جِهَتِهِمْ، والخَوارِجُ لَمْ تُجالِسْ فُقَهاءَ المُسْلِمِينَ ونَقَلَةَ الأخْبارِ مِنهم وانْفَرَدُوا عَنْهم غَيْرَ قابِلِينَ لَأخْبارِهِمْ؛ فَلِذَلِكَ شَكُّوا فِيهِ ولَمْ يُثْبِتُوهُ ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِن أوائِلِهِمْ قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ مِن جِهَةِ الِاسْتِفاضَةِ ثُمَّ جَحَدُوا مُحامَلَةً مِنهم عَلى ما سَبَقُوا إلى اعْتِقادِهِ مِن رَدِّ أخْبارِ مَن لَيْسَ عَلى مَقالَتِهِمْ، وقَلَّدَهُمُ الأتْباعُ ولَمْ يَسْمَعُوا مِن غَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقَعْ لَهُمُ العِلْمُ بِهِ، أوِ الَّذِينَ عَرَفُوهُ كانُوا عَدَدًا يَسِيرًا يَجُوزُ عَلى مِثْلِهِمْ كِتْمانُ ما عَرَفُوهُ وجَحَدُوهُ، ولَمْ يَكُونُوا صَحابَةً فَيَكُونُوا قَدْ عَرَفُوهُ مِن جِهَةِ المُعايَنَةِ أوْ بِكَثْرَةِ السَّماعِ مِنَ المُعايِنِينَ لَهُ، فَلَمّا خَلَوْا مِن ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفُوهُ؛ ألا تَرى أنَّ فَرائِضَ صَدَقاتِ المَواشِي مَنقُولَةٌ مِن جِهَةِ النَّقْلِ المُسْتَفِيضِ المُوجِبِ لِلْعِلْمِ ولا يَعْرِفُها إلّا أحَدُ رَجُلَيْنِ إمّا فَقِيهٌ قَدْ سَمِعَها فَثَبَتَ عِنْدَهُ العِلْمُ بِها مِن جِهَةِ النّاقِلِينَ لَها وإمّا رَجُلٌ صاحِبُ مَواشٍ تَكْثُرُ بَلْواهُ بِوُجُوبِها فَيَتَعَرَّفُها لِيَعْلَمَ ما يَجِبُ عَلَيْهِ فِيها ؟ ومِثْلُهُ أيْضًا إذا كَثُرَ سَماعُهُ وقَعَ لَهُ العِلْمُ بِها، وإنْ لَمْ يَسْمَعْها إلّا مِن جِهَةِ الآحادِ لَمْ يَعْلَمْها؛ وهَذا سَبِيلُ الخَوارِجِ في جُحُودِهِمُ الرَّجْمَ، وتَحْرِيمُ تَزْوِيجِ المَرْأةِ عَلى عَمَّتِها وخالَتِها وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ مِمّا اخْتَصَّ أهْلُ العَدْلِ بِنَقْلِهِ دُونَ الخَوارِجِ والبُغاةُ. وقَدْ تَضَمَّنَتْ هاتانِ الآيَتانِ أحْكامًا: مِنها اسْتِشْهادُ أرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهَداءِ عَلى الزِّنا. ومِنها الحَبْسُ لِلْمَرْأةِ والأذى لِلرَّجُلِ والمَرْأةِ جَمِيعًا.
ومِنها سُقُوطُ الأذى والتَّعْبِيرُ عَنْهُما بِالتَّوْبَةِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ تابا وأصْلَحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما﴾ وهَذِهِ التَّوْبَةُ إنَّما كانَتْ مُؤَثِّرَةً في إسْقاطِ الأذى دُونَ الحَبْسِ، وأمّا الحَبْسُ فَكانَ مَوْقُوفًا عَلى وُرُودِ السَّبِيلِ، وقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ السَّبِيلَ وهو الجَلْدُ والرَّجْمُ، ونُسِخَ جَمِيعُ ما ذُكِرَ في الآيَةِ إلّا ما ذُكِرَ مِنَ اسْتِشْهادِ أرْبَعَةِ شُهُودٍ، فَإنَّ اعْتِبارَ عَدَدِ الشُّهُودِ باقٍ في الحَدِّ الَّذِي نُسِخَ بِهِ الحَدّانِ الأوَّلانِ وهو الجَلْدُ والرَّجْمُ.
وقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ فاجْلِدُوهم ثَمانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] وقالَ تَعالى: ﴿لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] فَلَمْ يُنْسَخِ اعْتِبارُ العَدَدِ ولَمْ يُنْسَخِ الِاسْتِشْهادُ (p-٤٦)أيْضًا، وهَذا يُوجِبُ جَوازَ إحْضارِ الشُّهُودِ والنَّظَرِ إلى الزّانِيَيْنِ لِإقامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِما؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ بِالِاسْتِشْهادِ عَلى الزِّنا وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا بِتَعَمُّدِ النَّظَرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ تَعَمُّدَ النَّظَرِ إلى الزّانِيَيْنِ لِإقامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِما لا يُسْقِطُ شَهادَتَهُ؛ وكَذَلِكَ فِعْلُ أبُو بَكْرٍ مَعَ شِبْلِ بْنِ مَعْبَدٍ ونافِعِ بْنِ الحارِثِ وزِيادٍ في قِصَّةِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وذَلِكَ مُوافِقٌ لِظاهِرِ الآيَةِ.
* * *
أرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلى امْرَأةٍ بِالزِّنا أحَدُهم زَوْجُها
قالَ أصْحابُنا: ( شَهادَتُهم جائِزَةٌ ويُقامُ الحَدُّ عَلى المَرْأةِ ) . وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: ( يُلاعِنُ الزَّوْجُ ويُحَدُّ الثَّلاثَةُ )، ورُوِيَ نَحْوُ قَوْلِهِما عَنِ الحَسَنِ والشَّعْبِيِّ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ( أنَّ الزَّوْجَ يُلاعِنُ ويُحَدُّ الثَّلاثَةُ ) .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واللاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكم فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً مِنكُمْ﴾ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجِ فِيهِمْ وبَيْنَ أنْ يَكُونُوا جَمِيعًا أجْنَبِيِّينَ، وقالَ: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ فاجْلِدُوهم ثَمانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] فَإذا قَذَفَ الأجْنَبِيُّ امْرَأةً وجاءَ بِأرْبَعَةٍ أحَدُهُمُ الزَّوْجُ اقْتَضى الظّاهِرُ جَوازَ شَهادَتِهِمْ وسُقُوطَ الحَدِّ عَنِ القاذِفِ وإيجابَهُ عَلَيْها.
وأيْضًا لا خِلافَ أنَّ شَهادَةَ الزَّوْجِ جائِزَةٌ عَلى امْرَأتِهِ في سائِرِ الحُقُوقِ وفي القِصاصِ وفي سائِرِ الحُدُودِ مِنَ السَّرِقَةِ والقَذْفِ والشُّرْبِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ في الزِّنا.
فَإنْ قِيلَ: الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعانُ إذا قَذَفَ امْرَأتَهُ فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ شاهِدًا.
قِيلَ لَهُ: إذا جاءَ مَجِيءَ الشُّهُودِ مَعَ ثَلاثَةٍ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِقاذِفٍ ولا لِعانَ عَلَيْهِ، وإنَّما يَجِبُ اللِّعانُ عَلَيْهِ إذا قَذَفَها ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ، كالأجْنَبِيِّ إذا قَذَفَ وجَبَ عَلَيْهِ الحَدُّ إلّا أنْ يَأْتِي بِأرْبَعَةٍ غَيْرِهِ يَشْهَدُونَ بِالزِّنا، ولَوْ جاءَ مَعَ ثَلاثَةٍ فَشَهِدُوا بِالزِّنا لَمْ يَكُنْ قاذِفًا وكانَ شاهِدًا، فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ.
* * *
إباءُ أحَدِ الزَّوْجَيْنِ اللِّعانَ في إباءِ أحَدِ الزَّوْجَيْنِ اللِّعانَ قالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: ( أيُّهُما نَكَلَ عَنِ اللِّعانِ حُبِسَ حَتّى يُلاعِنَ ) .
وقالَ مالِكٌ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ واللَّيْثُ والشّافِعِيُّ: ( أيُّهُما نَكَلَ حُدَّ، إنْ نَكَلَ الرَّجُلُ حُدَّ لِلْقَذْفِ وإنْ نَكَلَتْ هي حُدَّتْ لِلزِّنا ) .
ورَوى مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ عَنْ أشْعَثَ عَنِ الحَسَنِ في الرَّجُلِ يُلاعِنُ وتَأْبى المَرْأةُ قالَ: ( تُحْبَسُ ) .
وعَنْ مَكْحُولٍ والضَّحّاكِ والشَّعْبِيِّ: ( إذا لاعَنَ وأبَتْ أنْ تُلاعِنَ رُجِمَتْ ) .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واللاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكم فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً مِنكُمْ﴾ وقالَ: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ٤] وقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ امْرَأتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ: «ائْتِنِي بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ وإلّا فَحَدٌّ في ظَهْرِكَ» «ورَدَّ النَّبِيُّ ﷺ ماعِزًا والغامِدِيَّةَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما حَتّى أقَرَّ أرْبَعَ مَرّاتٍ بِالزِّنا ثُمَّ رَجَمَهُما»؛ فَثَبَتَ أنَّهُ لا يَجُوزُ إيجابُ الحَدِّ عَلَيْها بِتَرْكِ اللِّعانِ لِأنَّهُ لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ ولا إقْرارٍ؛ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِإحْدى (p-١٤٨)ثَلاثٍ زِنًا بَعْدَ إحْصانٍ وكُفْرٍ بَعْدَ إيمانٍ وقَتْلِ نَفْسِ بِغَيْرِ نَفْسِ»، فَنَفى وُجُوبَ القَتْلَ إلّا بِما ذُكِرَ، والنُّكُولُ عَنِ اللِّعانِ خارِجٌ عَنْ ذَلِكَ فَلا يَجِبُ رَجْمُها، وإذا لَمْ يَجِبِ الرَّجْمُ إذا كانَتْ مُحْصَنَةً لَمْ يَجِبِ الجَلْدُ في غَيْرِ المُحْصَنِ لِأنَّ أحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُما.
فَإنْ قِيلَ: ( امْرِئٍ مُسْلِمٍ ) إنَّما يَتَناوَلُ الرَّجُلَ دُونَ المَرْأةِ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لا خِلافَ أنَّ المَرْأةَ مُرادَةٌ بِذَلِكَ وأنَّ هَذا الحُكْمَ عامٌّ فِيهِما جَمِيعًا، وأيْضًا فَإنَّ ذَلِكَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦] وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ [عبس: ٣٤]
وأيْضًا لا خِلافَ أنَّ الدَّمَ لا يُسْتَحَقُّ بِالنُّكُولِ في سائِرِ الدَّعاوى، وكَذَلِكَ سائِرُ الحُدُودِ، فَكانَ في اللِّعانِ أوْلى أنْ لا يُسْتَحَقَّ فَإنْ قِيلَ: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢] وهو يَعْنِي حَدَّ الزِّنا، ثُمَّ قالَ: ﴿ويَدْرَأُ عَنْها العَذابَ أنْ تَشْهَدَ أرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٨] فَعَرَّفَهُ بِالألِفِ واللّامِ، عَلِمْنا أنَّ المُرادَ هو العَذابُ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ: ﴿ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢]
قِيلَ لَهُ: لَيْسَتْ هَذِهِ قِصَّةً واحِدَةً ولا حُكْمًا واحِدًا حَتّى يَلْزَمَ فِيهِ ما قُلْتَ؛ لِأنَّ أوَّلَ السُّورَةِ إنَّما هي في بَيانِ حُكْمِ الزّانِيَيْنِ ثُمَّ حُكْمِ القاذِفِ، وقَدْ كانَ ذَلِكَ حُكْمًا ثابِتًا في قاذِفِ الزَّوْجاتِ والأجْنَبِيّاتِ جارِيًا عَلى عُمُومِهِ إلى أنْ نُسِخَ عَنْ قاذِفِ الزَّوْجاتِ بِاللِّعانِ، ولَيْسَ في ذِكْرِهِ العَذابَ وهو يُرِيدُ بِهِ حَدَّ الزِّنا في مَوْضِعٍ ثُمَّ ذَكَرَ العَذابَ بِالألِفِ واللّامِ في غَيْرِهِ ما يُوجِبُهُ أنَّ العَذابَ المَذْكُورَ في لِعانِ الزَّوْجَيْنِ هو المَذْكُورُ في الزّانِيَيْنِ؛ إذْ لَيْسَ يَخْتَصُّ العَذابُ بِالحَدِّ دُونَ غَيْرِهِ.
وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥] ولَمْ يُرِدْ بِهِ الحَدَّ، وقالَ: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أوْ لأذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] ولَمْ يُرِدِ الحَدَّ، وقالَ: ﴿ومَن يَظْلِمْ مِنكم نُذِقْهُ عَذابًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ١٩] ولَمْ يُرِدْ بِهِ الحَدَّ، وقالَ عُبَيْدُ بْنُ الأبْرَصِ:
؎والمَرْءُ ما عاشَ في تَكْذِيبٍ طُولُ الحَياةِ لَهُ تَعْذِيبُ
وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذابِ» فَإذا كانَ اسْمُ العَذابِ لا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الإيلامِ دُونَ غَيْرِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ سائِرِ ضُرُوبِ العَذابِ عَلَيْهِ، لَمْ يَخْلُ اللَّفْظُ مِن أحَدِ مَعْنَيَيْنِ:
إمّا أنْ يُرِيدَ بِهِ الجِنْسَ فَيَكُونَ عَلى أدْنى ما يُسَمّى عَذابًا أيَّ ضَرْبٍ مِنهُ كانَ، أوْ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلى البَيانِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ المُرادُ مَعْهُودًا لِأنَّ المَعْهُودَ هو ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في الخِطابِ فَيَرْجِعُ الكَلامُ إلَيْهِ؛ إذْ كانَ مَعْناهُ مُتَقَرِّرًا عِنْدَ المُخاطَبِينَ وأنَّ المُرادَ عَوْدُهُ إلَيْهِ، فَلَمّا لَمْ يَكُنْ في ذِكْرِ قَذْفِ الزَّوْجِ وإيجابِ اللِّعانِ ما يُوجِبُ اسْتِحْقاقَ الحَدِّ عَلى المَرْأةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يَكُونَ هو المُرادَ بِالعَذابِ، وإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وكانَتِ الأيْمانُ قَدْ تَكُونُ حَقًّا لِلْمُدَّعِي (p-١٤٩)حَتّى يُحْبَسَ مِن أجْلِ النُّكُولِ عَنْها وهي القَسامَةُ مَتى نَكَلُوا عَنِ الأيْمانِ فِيها حُبِسُوا، كَذَلِكَ حَبْسُ النّاكِلِ عَنِ اللِّعانِ أوْلى مِن إيجابِ الحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ في الأُصُولِ إيجابُ الحَدِّ بِالنُّكُولِ وفِيها إيجابُ الحَبْسِ بِهِ.
وأيْضًا فَإنَّ النُّكُولَ يَنْقَسِمُ إلى أحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إمّا بَدَلٌ لِما اسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ، وإمّا قائِمٌ مَقامَ الإقْرارِ؛ وبَدَلُ الحُدُودِ لا يَصِحُّ وما قامَ مَقامَ الغَيْرِ لا يَجُوزُ إيجابُ الحَدِّ بِهِ، كالشَّهادَةِ عَلى الشَّهادَةِ وكِتابِ القاضِي إلى القاضِي وشَهادَةِ النِّساءِ مَعَ الرِّجالِ وأيْضًا فَإنَّ النُّكُولَ لَمّا لَمْ يَكُنْ صَرِيحَ الإقْرارِ لَمْ يَجُزْ إثْباتُ الحَدِّ بِهِ، كالتَّعْرِيضِ وكاللَّفْظِ المُحْتَمِلِ لِلزِّنا ولِغَيْرِهِ فَلا يَجِبُ بِهِ الحَدُّ عَلى المُقِرِّ ولا عَلى القاذِفِ. فَإنْ قِيلَ: في حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ في قِصَّةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا لاعَنَ بَيْنَهُما وعَظَ المَرْأةَ وذَكَّرَها وأخْبَرَها أنَّ عَذابَ الدُّنْيا أهْوَنُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ وكَذَلِكَ الرَّجُلَ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ أرادَ بِعَذابِ الدُّنْيا حَدَّ الزِّنا أوِ القَذْفِ قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ؛ لِأنَّهُ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ مُرادُهُ بِعَذابِ الدُّنْيا الحَبْسَ أوِ الحَدَّ إذا أقَرَّ، فَإنْ كانَ المُرادُ الحَبْسَ فَهو عِنْدَ النُّكُولِ، وإنْ أرادَ الحَدَّ فَهو عِنْدَ إقْرارِها بِما يُوجِبُ الحَدَّ وإكْذابِ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ، فَلا دَلالَةَ لَهُ فِيهِ عَلى أنَّ النُّكُولَ يُوجِبُ الحَدَّ دُونَ الحَبْسِ فَإنْ قِيلَ: إنَّما يَجِبُ عَلَيْها الحَدُّ بِالنُّكُولِ وأيْمانِ الزَّوْجِ، وكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وأيْمانِ المَرْأةِ.
قِيلَ لَهُ: النُّكُولُ والأيْمانُ لا يَجُوزُ أنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ الحَدُّ، ألا تَرى أنَّ مَن ادَّعى عَلى رَجُلٍ قَذْفًا أنَّهُ لا يُسْتَحْلَفُ ولا يَسْتَحِقُّ المُدَّعِي الحَدَّ بِنُكُولِ المُدَّعى عَلَيْهِ ولا بِيَمِينِهِ ؟ وكَذَلِكَ سائِرُ الحُدُودِ، ولا يُسْتَحْلَفُ فِيها ولا يُحْكَمُ فِيها بِالنُّكُولِ ولا بِرَدِّ اليَمِينِ.
* * *
بابُ تَصادُقِ الزَّوْجَيْنِ أنَّ الوَلَدَ لَيْسَ مِنهُ
قالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ والشّافِعِيُّ: ( لا يُنْفى الوَلَدُ مِنهُ إلّا بِاللِّعانِ ) .
وقالَ أصْحابُنا: ( تَصْدِيقُها إيّاهُ بِأنَّ ولَدَها مِنَ الزِّنا يُبْطِلُ اللِّعانَ فَلا يَنْتَفِي النَّسَبُ مِنهُ أبَدًا ) وقالَ مالِكٌ واللَّيْثُ: ( إذا تَصادَقَ الزَّوْجانِ عَلى أنَّها ولَدَتْهُ وأنَّهُ لَيْسَ مِنهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الوَلَدُ وتُحَدُّ المَرْأةُ ) وذَكَرَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ قالَ: ( لَوْ شَهِدَ أرْبَعَةٌ عَلى امْرَأةٍ أنَّها زَنَتْ مُنْذُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وهي حامِلٌ وقَدْ غابَ زَوْجُها مُنْذُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَأخَّرَها الإمامُ حَتّى وضَعَتْ ثُمَّ رَجَمَها فَقَدِمَ زَوْجُها بَعْدَما رُجِمَتْ فانْتَفى مِن ولَدِهِ وقالَ قَدْ كُنْتَ اسْتَبْرَأْتُها فَإنَّهُ يَلْتَعِنُ ويَنْتَفِي بِهِ الوَلَدُ عَنْ نَفْسِهِ ولا يَنْفِيهِ هَهُنا إلّا اللِّعانُ )
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ» وظاهِرُهُ يَقْتَضِي أنْ لا يَنْتَفِيَ أبَدًا عَنْ صاحِبِ الفِراشِ، غَيْرَ أنَّهُ لَمّا ورَدَتِ السُّنَّةُ في إلْحاقِ (p-١٥٠)الوَلَدِ بِالأُمِّ وقَطْعِ نَسَبِهِ مِنَ الأبِ بِاللِّعانِ واسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فُقَهاءُ الأمْصارِ سَلَّمْنا ذَلِكَ، وما عَدا ذَلِكَ مِمّا لَمْ تَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ فَهو لازِمٌ لِلزَّوْجِ بِظاهِرِ قَوْلِهِ: ( الوَلَدُ لِلْفِراشِ ) . وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ أبُو يَحْيى قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي يَعْقُوبَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلى الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ عَنْ رَباحٍ قالَ: زَوَّجَنِي أهْلِي أمَةً لَهم رُومِيَّةً، فَوَقَعْتُ عَلَيْها فَوَلَدَتْ لِي غُلامًا أسْوَدَ مِثْلِي فَسَمَّيْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ ثُمَّ طَبِنَ لَها غُلامٌ مِن أهْلِي رُومِيٌّ يُقالُ لَهُ يُوحَنّا، فَراطَنَها بِلِسانِهِ، فَوَلَدَتْ غُلامًا كانَ وزَغَةً مِنَ الوَزَغاتِ فَقُلْتَ لَها: ما هَذا ؟ فَقالَتْ: هَذا لِيُوحَنّا، فَرَفَعْنا إلى عُثْمانَ، قالَ: فَسَألَهُما فاعْتَرَفا، فَقالَ لَهُما: أتَرْضَيانِ أنْ أقْضِيَ بَيْنَكُما بِقَضاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضى أنَّ الوَلَدَ لِلْفِراشِ، فَجَلَدَها وجَلَدَهُ وكانا مَمْلُوكَيْنِ
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَٱلَّـٰتِی یَأۡتِینَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ عَلَیۡهِنَّ أَرۡبَعَةࣰ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُوا۟ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِی ٱلۡبُیُوتِ حَتَّىٰ یَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلࣰا","وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"],"ayah":"وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق