الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾. قرأ ابن كثير [[هو أبو مَعبَد عبد الله بن كثير بن المطلب، أحد القراء السبعة، تقدمت ترجمته.]]: (اللَّذَانّ)، (هَذَانّ)، (هاتَينّ)، (فَذَانِّك) مشددة النون، ووافقه أبو عمرو في: (فَذَانِّك). وإنما شدد نون التثنية لأنه جعل التشديد عِوضًا من الحذف الذي لحق الكلمة، ألا ترى أن قولهم: إذًا قد حذف لامها، وقد حذفت الياء من: (اللَّذَانِّ) في التثنية. فإن قلت: إنّ الحذف في: (اللَّذَانّ)، إنما هو لالتقاء الساكنين، وما حذف لالتقاء الساكنين فهو في تقدير الثبات بدلالة قوله:
ولا ذاكر الله إلا قليلًا [[عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي، وصدره:
فألفيته غير مستعتب
"الكتاب" 1/ 169، "معاني القرآن" للفراء 2/ 202، "المقتضب" 2/ 312، "الحجة" 2/ 454، "سر صناعة الإعراب" 2/ 534. والشاهد منه: ذاكر الله، حيث نصب لفظ الجلاله مع حذف التنوين من ذاكر.]]
ألا ترى أنه نصب مع الحذف كما ينصب مع الإثبات؟ قيل: إن المحذوف [[في "الحجة" 3/ 142. إن اللام.]] في (اللَّذانّ) لمّا لم يظهر في التثنية التي كان يلزم أن يثبت فيها ويتحرك، أشبه ما حُذف حذفًا، لغير التقاء الساكنين، فاقتضى العوض، وكذلك القول في: (هذان) التشديد فيه عوض من المحذوف عنه في التثنية وكان حقهما في التثنية: اللّذيان وهذيان. واتفقت هذه الأسماء من (اللذان وهذان) في هذا التعويض، كما اتفقتا في التحقير في فتح الأوائل منهما، مع ضمها في غيرهما، وفي إلحاق الألف أواخرها [[في "الحجة" 3/ 142 - والكلام من أوله في الآية منه- هذه الكلمة: أواخرهما.]]، وذلك نحو: اللذيّا، واللتيّا، وهاتيّا، وهاذيّا [[لعل المراد التصغير.]].
فأما تخصيص أبي عمرو التعويض في المُبهمة ألزم [[قد يكون هنا سقط أو اختصار، ففي "الحجة" 3/ 142: فأما تخصيص أبي عمرو التعويض في المبهمة في نحو قوله: (فذانِّك) وتركه التعويض في اللذان، فيشبه أن يكون ذلك لما رآه من أن الحذف للمبهمة ألزم، فبحسب إلخ.]]، فبحسب لزومها الحذف ألزمها العوض، ألا ترى أن اللذين [[في (أ)، (د): الذي، ولعل الصواب ما أثبته، كما في "الحجة" 3/ 142.]] إذا قلت: اللذيّا، فحقّرت أظهرت اللام المحذوفة في التثنية في التحقير، وإذا حقّرت المُبهمة [[في "الحجة": المبهم.]] قلت: ذيّا [[في "الحجة": هاذيا.]]، فالحذف قائم؛ لأنه كان ينبغي: ذَييّا [[فى "الحجة": هاذيبا.]]، الياء الأولى عين الفعل، والثانية للتحقير، والثالثة لام الفعل، فُحذفت التي هي عين الفعل، ولم يجُز أنْ تحذف التي هي لام، لأنك لو حذفتها لتحركت ياء التحقير لمجاورتها الألف، وهذه الياء لا تُحّرك أبدًا، فلما لم يُتَم المُبهم في التحقير لمجاورتها الألف، وأُتِم الموصول، خص المبهم بالعوض دون الموصول. فإن قيل: هلا وجب العوض من المنقوص في التثنية نحو: دم، ويد، وغد؟ قيل: هذا لا يلزم، ألا تري أنهم عوضوا في: أسطاع، وأهراق، ولم يعوضوا في: أجاد، وأقام، ونحو ذلك. وأيضًا فإن الحذف لَمَّا لم يلزم هذه الأساء المتمكنة كان الحذف كلا حذف، ألا ترى أنّ منه ما يتم في الواحد نحو:
إن مع اليوم أخاه غدوًا [[صدره:
لا تقلواها وادلواها دلوا
وانظر: "جمهرة الأمثال" 2/ 284، و"المستقصى في الأمثال" 1/ 414، و"مجمع الأمثال" 1/ 304، و"الزاهر" 1/ 338، و"اللسان" (دلو)، و"جمهرة اللغة" (فلو- قلو- دغن- دمو).]]
ومنه ما يتم في التثنية نحو: يديان بيضاوان [[جزء من شطر بيت هو:
يَدَيان بَيضَاوان عند مُحَلَّم ... قد تَمْنَعَانِك أَنْ تُضام وتُضهدا
ولم يعرف قائله. انظر "الحاشية في تحقيق الحجة" 3/ 143.]].
ونحو:
جرى الدميان بالخبر اليقين [[عجز بيت صدره:
فَلَو أنّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحنا
وينسب لعلي بن بدال بن سليم وقيل لغيره. انظر: "مجالس العلماء" للزجاجي بتحقيق هارون ص 251، "الإنصاف" ص300، "معجم شواهد العرب" ص 408.]]
وفي الجمع نحو: أيد، ودماء، وفي التحقير نحو: دُميّ، ويُديّة، وليست المبهمة كذلك.
ويمكن أن يكون أبو عمرو قَدّر (ذَانِّك) تثنية ذلك، فعوض الحرف في التثنية من الحرف الزائد الذي كان في الإفراد، والأول أشبه [[الكلام من أوله "القراءات" لأبي علي الفارسي في "الحجة" 1/ 141 - 144، == بتصرف في العبارة وحذف لا أثر لهما في المعنى. انظر: "معاني القراءات" 1/ 296، "الحجة في القراءات السبع" لابن خالويه ص 121، "حجة القراءات" ص 193.]].
وقوله تعالى: ﴿يَأْتِيَانِهَا﴾ أي الفاحشة [["غريب القرآن" لابن قتيبة ص 122، والطبري 4/ 294.]]. قال المفسرون: هذا في البِكرين يزنيان [[انظر: الطبري 4/ 294 - 295، "معاني الزجاج" 2/ 29، "الكشف والبيان" 4/ 25 أ.]].
وقوله تعالى: ﴿فَآذُوهُمَا﴾ قال عطاء وقتادة والسدي: يعني التَّعيير باللسان والتوبيخ، كما ذكرنا [[قول قتادة والسدي عند الطبري 4/ 296، ونسبه لعطاء الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 25 أ. انظر "معالم التنزيل" 2/ 182، "زاد المسير" 2/ 35.]].
وقال ابن عباس: يؤذيان بالتعبير ويضربان بالنعال [[هذا الأثر عن ابن عباس ثابت، فهو من طريق ابن أبي طلحة كما في "تفسير ابن عباس" ص 138، والطبري 4/ 296، وعزاه السيوطي أيضًا إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم في "الدر المنثور" 2/ 231، وانظر: "تحقيق المروي" عن ابن عباس 1/ 201.]].
﴿فَإِنْ تَابَا﴾ من الفاحشة، ﴿وَأَصْلَحَا﴾ العمل فيما بعد، فاتركوا أذاهما [[انظر: "الطبري" 4/ 298، "الكشف والبيان" 4/ 25 أ، "الدر المنثور 2/ 231.]].
وقد ذكرنا حكم هذه الآية في الآية التي قبلها.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 16]. معنى التَّواب أنه يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه [[انظر: "الطبرى" 4/ 298.]].
وذكرنا قول سيبويه والخليل في مثل قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وما أشبه هذا.
وكان أبو عبيدة يتأول في كان معنيين: المُضِيّ والاستقبال، وينشد قول جرير:
فأدركت من قَد كان قبلي ولم أَدَع ... لمَن كان بَعدي في القصائدِ مَصْنَعَا [[لم أقف على ما نسبه المؤلف لأبي عبيدة، لا في "المجاز" ولا في غيره، وأما البيت فهو في "ديوان جرير" ص 263، لكن أوله: (وأدركت) بالواو. والشاهد منه: أن (كان) الأولى للمُضي، و (كان) الثانية للاستقبال.]]
وقال ابن الأنباري: معنى قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ وأشباه هذا: وكان الله أبدًا ولم يزل كذلك، وصَلحَ وضعُ الماضي في موضع الدائم؛ لأن المعنى كان مفهومًا غير مُلبِس، كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّة﴾ [الأعراف: 44]، وهو يريد: ويُنادي؛ لأن المعنى مفهوم، وإنما (عبرنا للماضي) [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: عبر بالماضي.]]؛ لأن الذي هو في علم الله كونه لا بد من وقوعه، فكأنه قد وقع، ولا يجوز: قام عبد الله، بمعنى: يقوم لأنه يُشكل.
وذهب المبرد وابن قتيبة إلى أن (كان) في مثل هذا صلة في جميع القرآن [[انظر: "المقتضب" 4/ 116وما بعدها.]]، وأنشد المبرد:
فكيف إذا مررتُ بدارِ قوم [[في "المقتضب": فكيف إذا رأيت ديار قوم.]] ... وجيرانٍ لَنا كانوا كِرام [[نسبه المبرد للفرزدق في "المقتضب" 4/ 116، وهو في "ديوانه" 2/ 290، وغير منسوب في "مجاز القران" 2/ 7 ،140، و"اللسان" 7/ 3961 (كون).]]
فألغى كان. قال ابن الأنباري: ولا وجه لهذا عندي؛ لأنه لا يُلغى [[في (أ): (يلقي).]] الكونُ وهو عامل، والكون في البيت الذي أنشده المبرد غير عامل.
{"ayah":"وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق