الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما فَإنْ تابا وأصْلَحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما إنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا رَحِيمًا﴾ .
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ (واللَّذانِّ وهَذانِّ) مُشَدَّدَةَ النُّونِ، والباقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وأمّا أبُو عَمْرٍو فَإنَّهُ (p-١٩٠)وافَقَ ابْنَ كَثِيرٍ في قَوْلِهِ: (فَذانِّكَ) أمّا وجْهُ التَّشْدِيدِ قالَ ابْنُ مِقْسَمٍ: إنَّما شَدَّدَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ النُّوناتِ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: الفَرْقُ بَيْنَ تَثْنِيَةِ الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ وغَيْرِ المُتَمَكِّنَةِ، والآخَرُ: أنَّ ”الَّذِي وهَذا“ مَبْنِيّانِ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ وهو الذّالُ، فَأرادُوا تَقْوِيَةَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِأنْ زادُوا عَلى نُونِها نُونًا أُخْرى مِن جِنْسِها، وقالَ غَيْرُهُ: سَبَبُ التَّشْدِيدِ فِيها أنَّ النُّونَ فِيها لَيْسَتْ نُونَ التَّثْنِيَةِ، فَأرادَ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَها وبَيْنَ نُونِ التَّثْنِيَةِ، وقِيلَ زادُوا النُّونَ تَأْكِيدًا، كَما زادُوا اللّامَ، وأمّا تَخْصِيصُ أبِي عَمْرٍو التَّعْوِيضَ في المُبْهَمَةِ دُونَ المَوْصُولَةِ، فَيُشْبِهُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَمّا رَأى مِن أنَّ الحَذْفَ لِلْمُبْهَمَةِ ألْزَمُ، فَكانَ اسْتِحْقاقُها العِوَضَ أشَدَّ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الَّذِينَ قالُوا: إنَّ الآيَةَ الأُولى في الزُّناةِ قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ أيْضًا في الزُّناةِ، فَعِنْدَ هَذا اخْتَلَفُوا في أنَّهُ ما السَّبَبُ في هَذا التَّكْرِيرِ وما الفائِدَةُ فِيهِ ؟ وذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿واللّاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكُمْ﴾ المُرادُ مِنهُ الزَّوانِي، والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ الزُّناةُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى خَصَّ الحَبْسَ في البَيْتِ بِالمَرْأةِ وخَصَّ الإيذاءَ بِالرَّجُلِ، والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ المَرْأةَ إنَّما تَقَعُ في الزِّنا عِنْدَ الخُرُوجِ والبُرُوزِ، فَإذا حُبِسَتْ في البَيْتِ انْقَطَعَتْ مادَّةُ هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وأمّا الرَّجُلُ فَإنَّهُ لا يُمْكِنُ حَبْسُهُ في البَيْتِ، لِأنَّهُ يَحْتاجُ إلى الخُرُوجِ في إصْلاحِ مَعاشِهِ وتَرْتِيبِ مُهِمّاتِهِ واكْتِسابِ قُوتِ عِيالِهِ، فَلا جَرَمَ جُعِلَتْ عُقُوبَةُ المَرْأةِ الزّانِيَةِ الحَبْسَ في البَيْتِ، وجُعِلَتْ عُقُوبَةُ الرَّجُلِ الزّانِي أنْ يُؤْذى، فَإذا تابَ تُرِكَ إيذاؤُهُ.
ويُحْتَمَلُ أيْضًا أنْ يُقالَ: إنَّ الإيذاءَ كانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأةِ، والحَبْسُ كانَ مِن خَواصِّ المَرْأةِ، فَإذا تابا أُزِيلَ الإيذاءُ عَنْهُما وبَقِيَ الحَبْسُ عَلى المَرْأةِ، وهَذا أحْسَنُ الوُجُوهِ المَذْكُورَةِ.
الثّانِي: قالَ السُّدِّيُّ: المُرادُ بِهَذِهِ الآيَةِ البِكْرُ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، وبِالآيَةِ الأُولى الثَّيِّبُ، وحِينَئِذٍ يَظْهَرُ التَّفاوُتُ بَيْنَ الآيَتَيْنِ. قالُوا: ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ وُجُوهٌ.
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿واللّاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكُمْ﴾ فَأضافَهُنَّ إلى الأزْواجِ.
والثّانِي: أنَّهُ سَمّاهُنَّ نِساءً وهَذا الِاسْمُ ألْيَقُ بِالثَّيِّبِ.
والثّالِثُ: أنَّ الأذى أخَفُّ مِنَ الحَبْسِ في البَيْتِ والأخَفُّ لِلْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ.
والرّابِعُ: قالَ الحَسَنُ: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ والتَّقْدِيرُ: واللَّذانِ يَأْتِيانِ الفاحِشَةَ مِنَ النِّساءِ والرِّجالِ فَآذُوهُما فَإنْ تابا وأصْلَحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما. ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ﴾ يَعْنِي إنْ لَمْ يَتُوبا وأصَرّا عَلى هَذا الفِعْلِ القَبِيحِ فَأمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ إلى أنْ يَتَبَيَّنَ لَكم أحْوالُهُنَّ، وهَذا القَوْلُ عِنْدِي في غايَةِ البُعْدِ، لِأنَّهُ يُوجِبُ فَسادَ التَّرْتِيبِ في هَذِهِ الآياتِ.
الخامِسُ: ما نَقَلْناهُ عَنْ أبِي مُسْلِمٍ أنَّ الآيَةَ الأُولى في السَّحاقاتِ، وهَذِهِ في أهْلِ اللِّواطِ وقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.
والسّادِسُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ هو أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في الآيَةِ الأوْلى أنَّ الشُّهَداءَ عَلى الزِّنا لا بُدَّ وأنْ يَكُونُوا أرْبَعَةً، فَبَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم لَوْ كانُوا شاهِدِينَ فَآذُوهُما وخَوِّفُوهُما بِالرَّفْعِ إلى الإمامِ والحَدِّ، فَإنْ تابا قَبْلَ الرَّفْعِ إلى الإمامِ فاتْرُكُوهُما.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ لا بُدَّ في تَحْقِيقِ هَذا الإيذاءِ مِنَ الإيذاءِ بِاللِّسانِ وهو التَّوْبِيخُ والتَّعْيِيرُ، مِثْلُ أنْ يُقالَ: بِئْسَ ما فَعَلْتُما، وقَدْ تَعَرَّضْتُما لِعِقابِ اللَّهِ وسَخَطِهِ، وأخْرَجْتُما أنْفُسَكُما عَنِ اسْمِ العَدالَةِ، وأبْطَلْتُما عَنْ أنْفُسِكُما أهْلِيَّةَ الشَّهادَةِ.
واخْتَلَفُوا في أنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الضَّرْبُ ؟ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ يُضْرَبُ بِالنِّعالِ، والأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّ مَدْلُولَ النَّصِّ إنَّما هو الإيذاءُ، وذَلِكَ حاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الإيذاءِ بِاللِّسانِ، ولا يَكُونُ في النَّصِّ دَلالَةٌ عَلى الضَّرْبِ فَلا يَجُوزُ المَصِيرُ إلَيْهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإنْ تابا وأصْلَحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما﴾ يَعْنِي فاتْرُكُوا إيذاءَهُما.
(p-١٩١)ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا رَحِيمًا﴾ مَعْنى التَّوّابِ: أنَّهُ يَعُودُ عَلى عَبْدِهِ بِفَضْلِهِ ومَغْفِرَتِهِ إذا تابَ إلَيْهِ مِن ذَنْبِهِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿كانَ تَوّابًا﴾ فَقَدْ تَقَدَّمَ الوَجْهُ فِيهِ.
{"ayah":"وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق