الباحث القرآني

﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكُمْ﴾ هُما الزّانِي والزّانِيَةُ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ، قالَهُ السُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ وابْنُ جُبَيْرٍ، أرادَ بِهِما البِكْرانِ اللَّذانِ لَمْ يُحَصَّنا، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَوْنُ (p-236)عُقُوبَتِهِما أخَفَّ مِنَ الحَبْسِ المُخَلَّدِ، وبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ التَّكْرارُ لَكِنْ يَبْقى حُكْمُ الزّانِي المُحْصَنِ غَيْرِ ظاهِرٍ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ﴿واللَّذانِ﴾ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وهي لُغَةٌ ولَيْسَ مَخْصُوصًا بِالألِفِ كَما قِيلَ بَلْ يَكُونُ مَعَ الياءِ أيْضًا وهو عِوَضٌ عَنْ ياءِ الَّذِي المَحْذُوفِ إذْ قِياسُهُ اللَّذِيانِ والتِقاءُ السّاكِنَيْنِ هُنا عَلى حَدِّهِ كَما في دابَّةٍ وشابَّةٍ ﴿فَآذُوهُما﴾ أيْ بَعْدَ اسْتِشْهادِ أرْبَعَةِ شُهُودٍ عَلَيْهِما بِالإتْيانِ، وتَرْكُ ذِكْرِ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلى ما ذُكِرَ آنِفًا، واخْتُلِفَ في الإيذاءِ عَلى قَوْلَيْنِ: فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ بِالتَّعْيِيرِ والضَّرْبِ بِالنِّعالِ، وعَنِ السُّدِّيِّ وقَتادَةَ ومُجاهِدٍ أنَّهُ بِالتَّعْيِيرِ والتَّوْبِيخِ فَقَطْ ﴿فَإنْ تابا﴾ عَمّا فَعَلا مِنَ الفاحِشَةِ بِسَبَبِ الإيذاءِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ الفاءُ ﴿وأصْلَحا﴾ أيِ العَمَلَ. ﴿فَأعْرِضُوا عَنْهُما﴾ أيِ اصْفَحُوا عَنْهُما وكُفُّوا عَنْ أذاهُما ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ تَوّابًا﴾ مُبالِغًا في قَبُولِ التَّوْبَةِ ﴿رَحِيمًا﴾ واسِعَ الرَّحْمَةِ والجُمْلَةُ في مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِلْأمْرِ بِالإعْراضِ، والخِطابُ هُنا لِلْحُكّامِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ لِلشُّهُودِ الواقِفِينَ عَلى فِعْلَتِهِما، ويُرادُ بِالإيذاءِ ذَمُّهُما وتَعْنِيفُهُما وتَهْدِيدُهُما بِالرَّفْعِ إلى القُضاةِ والجَرِّ إلى الوُلاةِ وفَتْحِ بابِ الشَّرِّ عَلَيْهِما، وبِالإعْراضِ عَنْهُما تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُما بِذَلِكَ، والوَجْهُ الأوَّلُ هو المَشْهُورُ، والحُكْمُ عَلَيْهِ مَنسُوخٌ بِالحَدِّ المَفْرُوضِ في سُورَةِ النُّورِ أيْضًا عِنْدَ الحَسَنِ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ والضَّحّاكِ وابْنِ جُبَيْرٍ وغَيْرِهِمْ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ البَلْخِيُّ والجُبّائِيُّ والطَّبَرِيُّ وقالَ الفَرّاءُ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَسَخَتِ الآيَةَ الَّتِي قَبْلَها، وهَذا مِمّا لا يَتَمَشّى عَلى القَوْلِ بِأنَّ المُرادَ بِالمَوْصُولِ البِكْرانِ كَما لا يَخْفى، وذَهَبَ أبُو مُسْلِمٍ إلى أنَّهُ لا نَسْخَ لِحُكْمِ الآيَتَيْنِ بَلِ الآيَةُ الأُولى في السَّحّاقاتِ وهُنَّ النِّساءُ اللّاتِي يَسْتَمْتِعُ بَعْضُهُنَّ بِبَعْضٍ وحَدُّهُنَّ الحَبْسُ، والآيَةُ الثّانِيَةُ في اللّائِطَيْنِ وحْدَهُما الإيذاءُ، وأمّا حُكْمُ الزُّناةِ فَسَيَأْتِي في سُورَةِ النُّورِ، وزُيِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أحَدٌ، وبِأنَّ الصَّحابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمُ اخْتَلَفُوا في حُكْمِ اللُّوطِيِّ ولَمْ يَتَمَسَّكْ أحَدٌ مِنهم بِهَذِهِ الآيَةِ، وعَدَمُ تَمَسُّكِهِمْ بِها مَعَ شِدَّةِ احْتِياجِهِمْ إلى نَصٍّ يَدُلُّ عَلى الحُكْمِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الآيَةَ لَيْسَتْ في ذَلِكَ، وأيْضًا جَعَلَ الحَبْسَ في البَيْتِ عُقُوبَةَ السِّحاقِ مِمّا لا مَعْنى لَهُ لِأنَّهُ مِمّا لا يَتَوَقَّفُ عَلى الخُرُوجِ كالزِّنا، فَلَوْ كانَ المُرادُ السَّحّاقاتِ لَكانَتِ العُقُوبَةُ لَهُنَّ عَدَمَ اخْتِلاطِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ لا الحَبْسُ والمَنعُ مِنَ الخُرُوجِ، فَحَيْثُ جُعِلَ هو عُقُوبَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ المُرادَ بِاللّاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ الزّانِياتُ، وأجابَ أبُو مُسْلِمٍ بِأنَّهُ قَوْلُ مُجاهِدٍ وهو مِن أكابِرِ المُفَسِّرِينَ المُتَقَدِّمِينَ وقَدْ قالَ غَيْرُ واحِدٍ: إذا جاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجاهِدٍ فَحَسْبُكَ عَلى أنَّهُ تَبَيَّنَ في الأُصُولِ أنَّ اسْتِنْباطَ تَأْوِيلٍ جَدِيدٍ في الآيَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ المُتَقَدِّمُونَ جائِزٌ، وبِأنَّ مَطْلُوبَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم مَعْرِفَةُ حَدِّ اللُّوطِيِّ وكَمِّيَّةُ ذَلِكَ، ولَيْسَ في الآيَةِ دَلالَةٌ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ والإثْباتِ، ومُطْلَقُ الإيذاءِ لا يَصْلُحُ حَدًّا ولا بَيانًا لِلْكَمِّيَّةِ فَلِذا اخْتَلَفُوا، وبِأنَّ المُرادَ مِن إمْساكِهِنَّ في البُيُوتِ حَبْسُهُنَّ فِيها واتِّخاذُها سِجْنًا عَلَيْهِنَّ ومِن حالِ المَسْجُونِ مُنِعَ مَن يُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ وعَدِمَ تَمْكِينَهُ مِنَ الِاخْتِلاطِ، فَكانَ الكَلامُ في قُوَّةِ فامْنَعُوهُنَّ عَنِ اخْتِلاطِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ عَلى أنَّ الحَبْسَ المَذْكُورَ حَدٌّ، ولَيْسَ المَقْصُودُ مِنهُ إلّا الزَّجْرَ والتَّنْكِيلَ، وأُيِّدَ مَذْهَبُهُ بِتَمْحِيضِ التَّأْنِيثِ في الآيَةِ الأُولى والتَّذْكِيرِ في الآيَةِ الثّانِيَةِ، والتَّغْلِيبُ خِلافُ الأصْلِ، ويُبْعِدُهُ أيْضًا لَفْظُ مِنكم فَإنَّ المُتَبادِرَ مِنهُ مِن رِجالِكم كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أرْبَعَةً مِنكُمْ﴾ وأيْضًا لَوْ كانَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الآيَتَيْنِ وارِدًا في الزِّنا يَلْزَمُ أنْ يُذْكَرَ الشَّيْءُ الواحِدُ في المَوْضِعِ الواحِدِ مَرَّتَيْنِ وأنَّهُ تَكْرِيرٌ لا وجْهَ لَهُ، وأيْضًا عَلى هَذا التَّقْدِيرِ لا يَحْتاجُ إلى التِزامِ النَّسْخِ في شَيْءٍ مِنَ الآيَتَيْنِ بَلْ يَكُونُ حُكْمُ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما مُقَرَّرًا عَلى حالِهِ، وعَلى ما قالَهُ الغَيْرُ يَحْتاجُ إلى التِزامِ القَوْلِ بِالنَّسْخِ وهو خِلافُ الأصْلِ، وأيْضًا عَلى ما قالُوهُ يَكُونُ الكِتابُ (p-237)خالِيًا عَنْ بَيانِ حُكْمِ السِّحاقِ واللِّواطَةِ، وعَلى ما قُلْناهُ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِذَلِكَ وهو الأنْسَبُ بِحالِهِ، فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾، و﴿تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وأُجِيبُ بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ هَذا قَوْلٌ لِمُجاهِدٍ، فَفي «مُجْمَعِ البَيانِ» أنَّهُ حَمَلَ اللَّذانِ يَأْتِيانِها عَلى الرَّجُلَيْنِ الزّانِيَيْنِ، وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أنَّهُما الفاعِلانِ وهو لَيْسَ بِنَصٍّ عَلى أنَّهُما اللّائِطانِ عَلى أنَّ حَمْلَ ( اللّاتِي ) في الآيَةِ الأُولى عَلى السَّحّاقاتِ لَمْ نَجِدْ فِيهِ عَنْهُ رِوايَةً صَحِيحَةً بَلْ قَدْ أخْرَجُوا عَنْهُ ما هو ظاهِرٌ في خِلافِهِ، فَقَدْ أخْرَجَ آدَمُ والبَيْهَقِيُّ في «سُنَنِهِ» عَنْهُ في تِلْكَ الآيَةِ أنَّهُ كانَ أمَرَ أنْ يُحْبَسَ ثُمَّ نَسَخَتْها ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا﴾ وما ذُكِرَ مِنَ العِلاوَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ يَبْعُدُ هَذا التَّأْوِيلُ أنَّهُ لا مَعْنى لِلتَّثْنِيَةِ في الآيَةِ الثّانِيَةِ لِأنَّ الوَعْدَ والوَعِيدَ إنَّما عُهِدا بِلَفْظِ الجَمْعِ لِيَعُمَّ الآحادَ أوْ بِلَفْظِ الواحِدِ لِدَلالَتِهِ عَلى الجِنْسِ ولا نُكْتَةَ لِلْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ هُنا عَلى تَقْرِيرِ أبِي مُسْلِمٍ بَلْ كانَ المُناسِبُ عَلَيْهِ الجَمْعَ لِتَكُونَ آيَةِ اللِّواطَةِ كَآيَةِ السِّحاقِ، ولا يَرُدُّ هَذا عَلى ما قَرَّرَهُ الجُمْهُورُ لِأنَّ الآيَةَ الأُولى عِنْدَهم لِلْإناثِ الثَّيِّباتِ إذا زَنَيْنَ، والآيَةَ الثّانِيَةَ لِلذَّكَرِ البِكْرِ والأُنْثى البِكْرِ إذا زَنَيا فَغُويِرَ بَيْنَ التَّعْبِيرَيْنِ لِقُوَّةِ المُغايَرَةِ بَيْنَ المَوْرِدَيْنِ، ويَحْتَمِلُ أيْضًا أنْ تَكُونَ المُغايِرَةُ عَلى رَأْيِهِمْ لِلْإيذانِ بِعِزَّةِ وُقُوعِ زِنا البِكْرِ بِالنِّسْبَةِ إلى وُقُوعِ زِنا الثَّيِّبِ لِأنَّ البِكْرَ مِنَ النِّساءِ تَخْشى الفَضِيحَةَ أكْثَرَ مِن غَيْرِها مِن جِهَةِ ظُهُورِ أثَرِ الزِّنا، وهو زَوالُ البَكارَةِ فِيها ولا كَذَلِكَ الثَّيِّبُ، ولا يُمْكِنُ اعْتِبارُ مِثْلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ في المُغايَرَةِ عَلى رَأْيِ أبِي مُسْلِمٍ إذْ لا نُسَلِّمُ أنَّ وُقُوعَ اللِّواطَةِ مِنَ الرِّجالِ أقَلُّ مِن وُقُوعِ السِّحاقِ مِنَ النِّساءِ بَلْ لَعَلَّ الأمْرَ بِالعَكْسِ، وكَوْنُ مَطْلُوبِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم مَعْرِفَةَ حَدِّ اللُّوطِيِّ وكَمِّيَّةِ ذَلِكَ والإيذاءُ لا يَصْلُحُ حَدًّا ولا بَيانًا لِلْكَمِّيَّةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَما يُرْشِدُ إلى ذَلِكَ أنَّ مِنهم مَن لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وقالَ: تُؤَخَّرُ عُقُوبَتُهُ إلى الآخِرَةِ، وبِهِ أخَذَ الأئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم عَلى أنَّهُ أيُّ مانِعٍ مِن أنْ يُعْتَبَرَ الإيذاءُ حَدًّا بَعْدَ أنْ ذُكِرَ في مَعْرِضِ الحَدِّ وتَفَوُّضِ كَيْفِيَّتِهِ إلى رَأْيِ الإمامِ فَيَفْعَلُ مَعَ اللُّوطِيِّ ما يَنْزَجِرُ بِهِ مِمّا لَمْ يَصِلْ إلى حَدِّ القَتْلِ؛ وكَوْنُ الكَلامِ في قُوَّةِ فامْنَعُوهُنَّ عَنِ اخْتِلاطٍ بِعَضِّهِنَّ بِبَعْضٍ في غايَةِ الخَفاءِ كَما لا يَخْفى. نَعَمْ ما في حَيِّزِ العِلاوَةِ مِمّا لا بَأْسَ بِهِ، وما ذُكِرَ مِن أنَّ التَّغْلِيبَ خِلافُ الأصْلِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ أكْثَرُ مِن أنْ يُحْصى، واعْتِبارُهُ في مِنكم تَبَعَ لِاعْتِبارِهِ في اللَّذانِ وذِكْرُ مِثْلِهِ قَبْلُ بِلا تَغْلِيبٍ فِيهِ رُبَّما يُؤَيِّدُ اعْتِبارَ التَّغْلِيبِ فِيهِ لِيُغايِرَ الأوَّلَ فَيَكُونُ لِذِكْرِهِ بَعْدَهُ أتَمُّ فائِدَةٍ ألا تَرى كَيْفَ أُسْقِطَ مِنَ الآيَةِ الثّانِيَةِ الِاسْتِشْهادُ مَعَ اشْتِراطِهِ إجْماعًا اكْتِفاءً بِما ذُكِرَ في الآيَةِ الأُولى لِاتِّحادِ الِاسْتِشْهادَيْنِ في المَسْألَتَيْنِ، ودَعْوى لُزُومِ التَّكْرارِ في المَوْضِعِ الواحِدِ عَلى رَأْيِ الجُمْهُورِ لَيْسَتْ في مَحَلِّها عَلى ما أشَرْنا إلَيْهِ في تَفْسِيرِ الآيَةِ، ودَعْوى الِاحْتِياجِ إلى التِزامِ القَوْلِ بِالنَّسْخِ لا تَضُرُّ لِأنَّ النَّسْخَ أمْرٌ مَأْلُوفٌ في كَثِيرٍ مِنَ الأحْكامِ، وقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ هُنا جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ عَلى أنَّ في كَوْنِ فَرْضِيَّةِ الحَدِّ نَسْخًا في الآيَةِ الأُولى مَقالًا يُعْلَمُ مِمّا قَدَّمْناهُ في البَقَرَةِ، وإذا جُعِلَ ﴿أوْ يَجْعَلَ﴾ إلَخْ مُعْتَبَرًا في الآيَةِ الثّانِيَةِ إلّا أنَّهُ حُذِفَ مِنها اكْتِفاءً بِما في الأُولى كَما يُشِيرُ إلى ذَلِكَ خَبَرُ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ جَرى المَقالُ في الآيَتَيْنِ ولُزُومُ خُلُوِّ الكِتابِ عَنْ بَيانِ حُكْمِ السِّحاقِ واللِّواطَةِ عَلى رَأْيِ الجُمْهُورِ دُونَ رَأْيِهِ في حَيِّزِ المَنعِ أمّا عَلى تَقْدِيرِ تَسْمِيَةِ السِّحاقِ واللِّواطَةِ زِنًا فَظاهِرٌ، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ فَلِأنَّ ذِكْرَ ما يُمْكِنُ قِياسُهُما عَلَيْهِ في حُكْمِ البَيانِ لِحُكْمِهِما، وكَمْ حُكْمٍ تُرِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ في الكِتابِ اعْتِمادًا عَلى القِياسِ كَحُكْمِ النَّبِيذِ، وكَحُكْمِ الجَدِّ وغَيْرِهِما اعْتِمادًا عَلى بَيانِ ما يُمْكِنُ القِياسُ عَلَيْهِ وذَلِكَ لا يُنافِي كَوْنَهُ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وأنَّهُ ما فَرَّطَ فِيهِ مِن شَيْءٍ، (p-238)ومَنِ ادَّعى أنَّ جَمِيعَ الأحْكامِ الدِّينِيَّةِ مَذْكُورَةٌ في القُرْآنِ صَرِيحًا مِن غَيْرِ اعْتِبارِ قِياسٍ، فَقَدِ ارْتَكَبَ شَطَطًا وقالَ غَلَطًا، وبِالجُمْلَةِ: المُعَوَّلُ عَلَيْهِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ، ويَدُ اللَّهِ تَعالى مَعَ الجَماعَةِ، ومَذْهَبُ أبِي مُسْلِمٍ وإنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الفَسادِ بِمَحَلٍّ إلّا أنَّهُ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ ولَمْ تَحُطَّ رِحالُ القَبُولِ لَدَيْهِ، وهَذا ما عِنْدِي في تَحْقِيقِ المَقامِ وبِاللَّهِ سُبْحانَهُ الِاعْتِصامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب