الباحث القرآني
﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا﴾ [البقرة: ٩٠] (بئس) فعل ماض لإنشاء الذم، يقابلها (نِعْم) فهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح، و(بئس) و(نِعْم) هل هما جامدان أو متصرفان؟
* طالب: جامدان.
* الشيخ: جامدان، هذه تدخل تاء التأنيث ما فيها مشكلة، جامدان ما يمكن تقول مثلًا: (نعم)، وتجيء فعل مضارع ولا فعل أمر ولا مصدر، وكذلك (بئس)، فهما جامدان لإنشاء المدح أو الذم.
وقوله: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا﴾ (ما) اسم موصول بمعنى (الذي): بئس الذي اشتروا به أنفسهم، أو أنها نكرة موصوفة؛ لأن (ما) تأتي نكرة موصوفة، وتأتي نكرة واصفة، فتقول: مررت بما معجِب لك، أي: بشيء معجب لك، هنا قالوا: إننا نجعلها نكرة موصوفة، لأجل أن نقول: إنها تمييز، منصوبة على التمييز، يعني: بئس شيئًا اشتروا به أنفسهم، والمخصوص قوله: ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، يعني كفرهم بما أنزل الله؛ وإلا يصلح أن نقدرها اسمًا موصولًا لكن ما دام عندنا المخصوص فالأولى أن نقدرها نكرة لتكون تمييزًا.
* طالب: تصلح مصدرية؟
* الشيخ: لا، ما تصلح مصدرية. وقوله: ﴿اشْتَرَوْا﴾ فسرها أكثرهم بمعنى باعوا، وهي في اللغة العربية ليست بمعنى باعوا، بل بمعنى اشتروا، أخذوا، اعتاضوا يعني، وعلى هذا فنقول: ﴿اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ يعني استنقذوها، استنقذوا أنفسهم واعتاضوا به أنفسهم؛ لأنهم هم، ترجيح هذا وقد قال به بعض المفسرين: إن (اشترى) على بابها؛ لأنهم هم -والعياذ بالله- يعتقدون أنهم بهذه الطريق، وهي الكفر، أنهم اختاروا لأنفسهم الطريق الأقوم ولّا الطريق غير الأقوم؟
* الطلبة: الطريق الأقوم.
* الشيخ: الطريق الأقوم، فكأنهم اشتروا أنفسهم واعتاضوها عن سبيل مُهلك لهم، وتعبير القرآن ما دام يمكن أن يكون له وجه فالأولى أن يكون على ما هو عليه على ظاهره، وإلا فتفسيرها بـ(باعوا) أوضح وأقرب، يعني بئس شيئًا باعوا به أنفسهم كفرُهم، يعني حيث أخذوا الكفر وباعوا أنفسهم، ولكن إبقاءها على ظاهرها ويصير المعنى كأنهم اشتروا أنفسهم بحسب اعتقادهم من أمر يكون به هلاكهم لو أخذوا به، يكون أولى وأحسن، وكأنهم رأوا على هذا التقدير الذي هو ظاهر القرآن كأنهم رأوا أن الكفر غنيمة وخير يُشترى، وينقذون به أنفسهم من الهلاك.
وقوله تعالى: ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ يعني ذواتهم، والنفس تطلق على الذات، ﴿أَنْ يَكْفُرُوا﴾ أي: كفرهم، ﴿أَنْ يَكْفُرُوا﴾ فـ(أن) هنا مصدرية، والفعل بعدها مؤول بمصدر، وهو المخصوص بالذم، ويش إعراب المخصوص بالذم أو بالمدح؟ إعرابه مبتدأ مؤخر، ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، ﴿بِمَا﴾ هذه اسم موصول بمعنى (الذي)، والمراد به أي ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾: القرآن، المراد به القرآن؛ لأنه قال بالأول: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾، هؤلاء اليهود كفروا بما أنزل الله وهو القرآن، ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا﴾ مفعول لأجله، عامله قوله: ﴿يَكْفُرُوا﴾، والبغي فسره كثير منهم بالحسد، والظاهر أنه أخص من الحسد، وأنه متضمن لمعنى العدوان؛ لأن الباغي هو العادي، كما قيل: على الباغي تدور الدوائر، وقيل:
؎............................ ∗∗∗ وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
فالبغي ليس مجرد الحسد فقط، نعم قد يكون من أسبابه الحسد، والذين فسروه بالحسد فسروه بسببه، ولكنه في الحقيقة يجب أن نفسره بظاهره، وأنه عدوان حملهم عليه الحسد، وقوله: ﴿أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾، يعني باغين في حسدهم، ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، والمراد بالفضل هنا الوحي، القرآن، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨]، وقوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾، والفضل في اللغة زيادة العطاء، هذا في اللغة، والمراد به هنا القرآن أو الوحي، وقد مر علينا فيما سبق في أصول التفسير أن المعنى غير المراد، المعنى ما يقتضيه اللفظ بحسب اللغة، والمراد ما يقتضيه السياق، وقوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ (من) اسم موصول، ويُعنى به مَن؟ القرآن في الحقيقة نزل على النبي عليه الصلاة والسلام، نزل على النبي للناس، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم ١]، فعليه نقول: ﴿مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ الأولى أن نفسرها ونقول: المراد بها الرسول ﷺ، وقوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ ويش معنى المشيئة؟
* الطلبة: الإرادة.
* الشيخ: الإرادة الكونية، ما هي الشرعية، وهنا قوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ كل آية فيها المشيئة يا جماعة فهي المقيدة بالحكمة، فليست مشيئة مجردة، ولهذا نقول ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ المراد به محمد ﷺ، ولكنه أهل لهذا الإنزال، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، وقوله: ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ المراد بالعباد هنا العبادة الشرعية ولّا العبادة العامة؟
* طلبة: الشرعية.
* طلبة: العامة.
* الشيخ: لو كان بدل نشوف الآن، على من يشاء من المؤمنين، على من يشاء من خلقه، ويش المراد؟
* الطلبة: الخلق.
* الشيخ: تختلف، لكن هل الآية هنا على من يشاء من الخلق، وتكون المشيئة عامة في جميع المخلوقات، ولكنه إذا قُرنت بالحكمة صار ما تنزل إلا على من هو أهل للرسالة والإيمان، وهنا يكون متعلق المشيئة أعم، إذا قلنا: من عباده المؤمنين، صار متعلَّق المشيئة أخص، ولكنه يزول المحظور الذي قد توهمه بعض الناس أنها تنطبق على أن يكون الكافر رسولًا، ولكننا إذا عرفنا أن المشيئة مقيدة بالحكمة انتفى هذا الاحتمال، وصار ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ الذين تقتضي الحكمة أن ينزّل الله عليهم من فضله.
قال: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾، أعوذ بالله، ﴿بَاءُوا﴾ أي: رجعوا، ﴿بِغَضَبٍ﴾ الباء للمصاحبة، يعني: رجعوا مصطحبين لغضب، غضب من أين؟ من الله سبحانه وتعالى، ونكّره للتعظيم، ولهذا قال بعض الناس: إن المراد بالغضب غضب الله سبحانه وتعالى وغيره، حتى المؤمنين من عباده يغضبون من فعل هؤلاء وتصرفهم، وقوله: ﴿عَلَى غَضَبٍ﴾ كقوله: ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ [النور ٤٠]، يعني غضب زائد على غضب آخر قبله.
فما هو الغضب الذي باؤوا به؟ وما هو الغضب الذي كان قبله؟ نقول: الغضب الذي باؤوا به أنهم -والعياذ بالله- كفروا بما عرفوا، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾، هذا غضب، والغضب السابق أنهم كانوا يقتلون الأنبياء، ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة ٧٠]، والغضب الثالث أيضًا؛ لأنه قد يكون معنى قوله: ﴿بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ [الملك ٤]، يعني كرَّة بعد كرَّة، قد يكون غضب على غضب يعني: غضبات كثيرة.
منها أيضًا البغي والعدوان والحسد، إن الله تعالى ينزّل على من يشاء من عباده، وربما يكون أيضًا أكثر من هذا، أنهم فعلوا أشياء توجب الغضب فركبت عليهم أنواع من الغضبات، والعياذ بالله. ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾، لم يقل: ولهم، ومثل هذا يسميه أهل البلاغة: الإظهار في موضع الإضمار، وله فوائد:
الفائدة الأولى: إرادة العموم ليشمل العذاب لهم ولغيرهم، هذه فائدة. الفائدة الثانية: تنبيه المخاطب. والفائدة الثالثة: بيان العلة. الفائدة الرابعة: الحكم عليهم بهذا الوصف؛ لأن الله لو قال: ولهم عذاب مهين، هل هم كفار ولا ما هم كفار؟ الآية ما حكمت عليهم بالكفر، لكن لما قال: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ صاروا مستحقين لهذا الوصف.
إذن الفوائد أربعة: تنبيه المخاطب، وإرادة العموم، وبيان العلة، والحكم عليهم بمقتضى هذا الوصف، الحكم على هؤلاء بمقتضى هذا الوصف بأنهم كفار.
وقوله: ﴿عَذَابٌ﴾ بمعنى عقوبة، وقوله: ﴿مُهِينٌ﴾ أي: ذو إهانة وإذلال، وهذا من مطابقة العقوبة لسببها، ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت ٤٠]، لما كان الحامل لهم على هذا الكفر الاستكبار، ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ﴾، عوقبوا بأي شيء؟ بالإهانة بهذا العذاب، والعياذ بالله، ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾: يهينهم ويذلّهم، ولو لم يكن من إذلالهم -والعياذ بالله- إلا قول الله جل وعلا لهم: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨].
﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٩١].
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ هنا أبهم القائل؛ لأنه لا يتعين في شخص معين، قد يكون القائل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يكون القائل أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم؛ فلهذا قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ فحذف الفاعل هنا ليكون أشمل وأعم.
﴿آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ الإيمان يراد به التصديق مع القبول والإذعان، وليس كل من صدق يكون مؤمنًا حتى يكون قابلًا مذعنًا، والدليل على ذلك: أن أبا طالب كان مصدقًا ولم يكن مؤمنًا؛ لأنه لم يقبل ولم يذعن، إذن ﴿آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي: صدقوا به مع قبوله والإذعان له.
وقوله: ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ ﴿مَا﴾ اسم موصول، والمراد به القرآن العظيم، و﴿أَنْزَلَ﴾ أي: من عنده، وهو دليل على أمرين مهمين: الأمر الأول أن القرآن كلام الله، ووجه ذلك أن القرآن كلام، والكلام ليس عينًا قائمة بذاتها، بل هو صفة في غيره، فإذا كان صفة في غيره وهو من عند الله لزم أن يكون كلام الله.
وفيه أيضًا دليل -المسألة الثانية المهمة-: علو الله سبحانه وتعالى، وعلوه من لوازم ذاته؛ ولهذا كان العلو صفة ذاتية، من الصفات الذاتية التي لا ينفك الله عنها أزلًا وأبدًا، بخلاف الاستواء على العرش، فإنه من الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته؛ ولهذا قال: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤] (ثم) تفيد؟
* طالب: التعقيب.
* الشيخ: الترتيب، فدل ذلك على أنه حين خلق السماوات والأرض ليس مستويًا على العرش، أما العلو فإنه من لوازم ذاته سبحانه وتعالى، وقد دل على علوه -كما مر علينا في العقيدة-: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، خمسة أدلة كلها تدل على علو الله سبحانه وتعالى بذاته كما أنه عالم بصفاته، فيفيد علو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كان كلامه وهو نازل دل ذلك على أن المتكلم به عالٍ.
وقد مر علينا أن علوه لا ينافي معيته، ولا ينافي نزوله إلى السماء الدنيا، فإنه ينزل إلى السماء الدنيا مع كونه عاليًا على خلقه، ولا يمكن أن نظن أن ذلك متناقض، هذا متناقض بالنسبة للإنسان أنه لا يكون عاليًا وهو نازل، أما بالنسبة للخالق عز وجل فإنه لا يزال عاليًا، وينزل سبحانه وتعالى كيف يشاء، لا نقيسه بخلقه ولا نتخيل صفاته، ولا نسأل عنها أيضًا عن كيفيتها، السؤال عنه -كما قال الإمام مالك- السؤال عن ذلك بدعة[[أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (٨٦٧)، والاعتقاد (٥٤) بلفظ: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.]].
﴿قَالُوا﴾ هذا جواب ﴿إِذَا﴾ ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ لم يقل أيضًا: في القرآن، ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾؛ ليكون ذلك أقوى في الحجة عليهم؛ لأنه نازل من أين؟ من الله والنازل من الله يجب الإيمان به، لكن الجواب ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ هذا الجواب، وهذا الإثبات يتضمن نفي القيل الذي قيل لهم، كأنهم يقولون: لا نؤمن به، ولكن نؤمن بما أنزل علينا، أفهمتم يا جماعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذن تضمن هذا القول منهم نفي حق ودعوى حق، أما نفي الحق فهم نفوا أن يؤمنوا بما أنزل الله؛ لأن قولهم: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ معناه يعني: ولا نؤمن بما أنزل الله، وأما دعوى الحق فهم يقولون: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهذه دعوى؛ إذ لو كانوا يؤمنون بما أنزل عليهم حقيقة لآمنوا بهذا الذي أنزل الله؛ لأن كتبهم النازلة تصدق هذا الكتاب النازل، فلو آمنوا بها حقًّا لآمنوا بهذا القرآن، إذن صاروا مكذبين بالحق ومدعين للحق وهم كاذبون في دعواهم، مبطلون في تكذيبهم، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: وسيقيم الله عز وجل حجة عليهم في آخر الآية بينة يقرون بها هم.
﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ فمثلًا النصارى يقولون: نؤمن بما أنزل علينا يعنون به: الإنجيل، واليهود يعنون به: التوراة، وكلتا الطائفتين كاذبتان، ما آمنوا بما أنزل عليهم.
ثم قال: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ ﴿يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَه﴾ أي: بما سواه، ووراء تأتي بمعنى سوى، وراءه أي: سواه، منها هذه الآية ﴿يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَه﴾ أي: وراء ما أنزل عليهم.
وما الذي يراد بما وراءه؟ القرآن، القرآن بالنسبة للطائفتين، والقرآن والإنجيل بالنسبة لليهود؛ لأن اليهود أيضًا ما آمنوا بالإنجيل، اليهود يزعمون أنهم قتلوا من أتى بالإنجيل وهو عيسى ابن مريم.
وقوله: ﴿يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ جملة ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ حال من ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ أي: والحال أن هذا الذي وراءه وهم يكفرون به وهو الحق، والحق معناه: الثابت، وضده الباطل، الباطل هو الضائع سدًى الذي لا يستفاد منه، أما الحق فهو الثابت المفيد النافع، وهذا بلا شك هذا الوصف ينطبق على القرآن.
وقوله: ﴿مُصَدِّقًا﴾ حال أيضًا من؟ مِن (هو) أي: الضمير، يعني: وهو حال كونه مصدقًا لما معهم، ﴿مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾ ذكرنا أن في تفسيرها وجهين:
الوجه الأول: أنها أخبرت به، فجاء مصداقًا لها، ولَّا لا؟ هذا يكون مصدق.
وثانيًا: أنه يصدقها ويخبر بأنها حق؛ ولذلك كان من منهاج هذا القرآن: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥]، واليوم الآخر، فهو إذن مصدق لما سبق من وجهين: الوجه الأول: أنه جاء مصداقًا لها؛ لأنها أخبرت به فصدقها، ما ظنكم لو لم يأت؟ لكان تكذيبًا فمعنى ذلك أن الكتب السابقة كذبت وحاشاها من ذلك، ولكنه جاء مصدقًا لها، وثانيا: أنه يقول عنها: إنها صدق، ويثبت نزول التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، ويوجب الإيمان بها أيضًا.
وقوله: ﴿لِمَا مَعَهُمْ﴾ وأيش اللي معهم؟ التوراة والإنجيل، النصارى يؤمنون بالإنجيل والتوراة، واليهود يؤمنون بالتوراة ويكفرون بالإنجيل؛ ولذلك كانوا شرًّا من النصارى.
الآن يقول في إقامة الحجة عليهم: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ ﴿قُلْ فَلِمَ﴾ الخطاب في قوله: ﴿قُلْ﴾ إما للرسول ﷺ أو لكل من يصح خطابه، فإن كانت للرسول عليه الصلاة والسلام كان قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ يكون المبهم من؟ الرسول ﷺ، وأبهمه لأجل أن يعرف أن ما قاله فهو قول المؤمنين به، وهذا من بلاغة القرآن، شوف ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧] النعمة أضافها إلى الله وحده، والغضب جاء بالإبهام؛ لأن الله إذا غضب على قوم غضب عليهم كل من كان لله وليًّا؛ فلهذا قال: ﴿الْمَغْضُوبِ﴾.
﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا﴾ إذا قلنا: إن الخطاب في قوله: ﴿قُلْ﴾ للرسول ﷺ، وكان هو الذي يقول ﴿آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ صار إبهامه هنا لفائدة، وهو أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا يقوله أيضًا كل مؤمن به، إي نعم.
أما إذا قلنا: إن الخطاب في قوله: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ لكل من يصح خطابه صار الإبهام في الأول ليس عائدًا إلى الرسول ﷺ وحده.
﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾، ﴿لِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ﴾، اللام حرف جر، أو لا؟
اللام يا إخواني اللام؟
* طالب: الفاء حرف جر.
* الشيخ: الفاء حرف عطف، واللام حرف جر.
* طالب: (...).
* الشيخ: ولماذا أيضًا اللام حرف جر، وين أنتم؟ (...) (لِمَ) لِمَ تفعل كذا، أنا أقول لك الآن: لم تفعل كذا؟ وأيش تصير اللام؟ اللام حرف جر، مم تغضب؟ الميم حرف جر، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ ١] (عن) حرف جر، ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف ٢] اللام حرف جر، ﴿لِمَ تَقْتُلُونَ﴾ اللام حرف جر.
* طالب: (...).
* الشيخ: أصلها (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وجب حذف ألفه، ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر وجب حذف ألفها، تقول: (لِمَ)، و(فِيمَ)،« قالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟ »[[أخرجه أبو داود (٤٦٩٦)، والترمذي (٣٠٧٥) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]] و(عمَّ)، و(علَامَ)، و(مِمَّ)، و(حتَّامَ)، و(إلِامَ)، واضح الآن؟ اللام حرف جر..
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) اللام حرف جر. فاللام حرف جر، وما اسم استفهام حذف منه الألف للتخفيف، و(حتّامَ) كيف نكتب (حتى) في هذه الحال نكتبها بالألف ما هو بالياء، فتكون (حتى ما) مثل حتَّامٌ؟ (إلام) كيف نكتب إلى؟ لام ألف ما نكتبها بالياء مثل العادة، لام ألف (إلام)، علام؟ نكتب علا بالألف ما نكتبها بالياء مثل العادة، تصير مثل علَّام، والميم بدون ألف.
﴿لِمَ تَقْتُلُونَ﴾ اللام هذه في الحقيقة للتحدي والإلزام، يعني: إذا كنتم صادقين في قولكم: نؤمن بما أنزل علينا، فلم تقتلون أنبياء الله؟ هل هذا مؤمن اللي يقتل النبي؟ هل الذي يقتل النبي مؤمن به يا جماعة؟ لا أبدًا، وأيش تقتلون أنبياء الله وأنتم مؤمنون به؟
﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ فيها قراءتان: ﴿أَنْبِئَاءَ اللَّهِ﴾ بالهمزة و﴿أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ بالياء، مثل النبي والنبيء، النبيء جمعه أنبئاء، والنبي أنبياء.
كما أن قوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾؛ لأن هذا على القاعدة ما هي خاصة بهذا يعني: ﴿وَهْوَ الْحَقُّ﴾ فيها قراءة بالتسكين.
* طالب: أنبئاءُ؟
* الشيخ: ﴿أَنْبِئَاءَ﴾ بالفتح
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
﴿أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا القرآن، وقوله: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ نريد نسأل من هذه وأيش حرف جر؟
* طالب: لا.
* الشيخ: مِن حرف جر، مِن؟
* الطالب: لو جر جرت اللي بعدها.
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: يمكن في حرف جر ولا يجر؟ تعرف الونش الآن، الونش ما هو بيحمل ولو حتى لو شيء كبير (...) ويش تقول؟
* طالب: حرف جر.
* الشيخ: حرف جر، بقي عندنا إشكال عاد، لماذا لم تجر ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؟
* طالب: لأنه حذف المضاف إليه وبنيت على الضم ونوي المعنى المراد.
* الشيخ: حذف المضاف إليه ونوي معناه، فهي إذن مبنية على الضم، كذا؟ وقلنا لكم: إن قبل وبعد، إما أن يذكر المضاف إليه، أو يحذف وينوى معناه، أو يحذف وينوى لفظه، أو يحذف ولا ينوى لفظه ولا معناه، إذا حذف ولم ينو لفظه ولا معناه فهي منونة على حسب العوامل، وإذا حذف ونوي لفظه فهي على حسب العوامل غير منونة، وإذا حذف ونوي معناه فهي مبنية على الضم، وإذا أضيفت فهي على حسب العوامل وغير منونة، واضح؟
* طالب: التقدير ما معناه؟ وأيش التقدير؟
* الشيخ: التقدير: من قبل ذلك.
﴿مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (إن) هذه شرطية و(مؤمنين) أي: في دعواكم الإيمان، تقولون: نؤمن بما أنزل علينا، فلم تقتلون أنبياء الله إن كنتم مؤمنين؟ وهذه الجملة لتكذيبهم.
وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (إن) هذه شرطية فأين جواب الشرط؟ هذه ترد في القرآن كثيرًا، فمن الناس من يقول: إن جواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، يعني: إن كنتم مؤمنين فلم تقتلون، ومنهم من يقول: إنها في مثل هذا لا تحتاج إلى جواب؛ لأن الجواب إنما يحتاج إليه لبيان معنى، والمعنى هنا واضح بدونه، وإلى هذا ينحو ابن القيم رحمه الله ويقول: إن مثل هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن الجواب إنما يحتاج إليه لبيان المعنى وهنا يتبين المعنى بدونه، وقد ذكر ابن القيم أن هذا جارٍ حتى في جواب القسم، يعني أن القسم قد لا يحتاج إلى جواب إذا كان المعنى مفهومًا، وذكر هذا البحث في كتابه التبيان في أقسام القرآن.
* طالب: على قول الشيخ (...).
* الشيخ: جواب القسم ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾، إذن هذه الآية..
* طالب: (...)
* الشيخ: نعم هو الراجح.
* طالب: (...)
* الشيخ: يمكن، على كل حال (...) إذا كان الجواب مفهوم (...).
نأخذ الفوائد الآن:
* أولًا: قال الله عز وجل: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا﴾
* يستفاد من هذه الآية: أن الكفر خصلة ذميمة، ولو ترقى به الإنسان إلى مآربه في الدنيا؛ لقوله: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا﴾، كذا؟
* الفائدة الثانية: أن كفر بني إسرائيل ما هو إلا بغي وحسد؛ لقوله: ﴿بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه﴾.
* الفائدة الثالثة: أن من رد الحق من هذه الأمة؛ لأن فلانًا الذي يرى أنه أقل منه هو الذي جاء به، فقد شابه اليهود، فهمتم يا جماعة؟ يوجد بعض الناس إذا نصحه إنسان ودله على الحق وهو يحتقر هذا الإنسان ما يراه شيء (...) ثم يرده لماذا؟ لأنه جاء من قبله، ولو جاء من قبل فلان وفلان آخر لقبله، نقول: هذا الذي على هذه الحال فيه شبه من أين؟ من اليهود.
* الفائدة الرابعة: أنه يجب على الإنسان أن يعرف الحق بالحق لا بالرجال ولَّا لا؟ يعرف الحق بالحق، فما دام أن هذا الذي قيل حق فاتبعه، من أيٍّ كان مصدره، لا تقل: والله هذا جاء به إنسان أقل مني علمًا، أو أخشى إني أقبل من هذا الرجل يصير له -مثلًا- فخر واعتزاز وما أشبه ذلك، اقبل الحق للحق، لا لأنه جاء به فلان وفلان.
* الفائدة الخامسة: أن العلم من أعظم فضل الله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾، ولا شك أن العلم أفضل من المال، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فضل العلم وفضل المال، فانظر إلى العلماء في زمن الخلفاء السابقين، الخلفاء السابقون طوي ذكرهم، والعلماء في وقتهم بقي ذكرهم ولَّا لا؟ بقي ذكرهم، هم يدرسون الناس وهم في قبورهم وأولئك الخلفاء نسوا، اللهم إلا من كان خليفة له مآثر موجودة يذكره من يعرفه، يذكره من يعرف أن ها المآثر لفلان، فدل هذا على أن فضل العلم أعظم من فضل المال؛ لقوله: ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾.
* الفائدة التي تليها: إثبات مشيئة الله؛ لقوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ والمشيئة هي الإرادة ولَّا لا؟ لا ما هي الإرادة، المشيئة بعض قسم الإرادة، قسم من الإرادة، وهي الإرادة الكونية، أما الإرادة الشرعية فليست من المشيئة.
* الفائدة التي تليها: أن الله سبحانه وتعالى يمن على من يشاء من عباده، بمعنى أريد أن أقول: إن هذا الفضل الذي ينزله الله لا يجعل المفضل به ربًّا يعبد، بل هو من العباد حتى ولو تميز في الفضل؛ لقوله: ﴿مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه﴾.
* ترى هذه الفائدة لها فروع، نوضحها نقول: إن من آتاه الله الفضل لم يخرج به عن أن يكون عبدًا، إذن لا يرتقي إلى منزلة أيش؟ الربوبية، فالرسول عليه الصلاة والسلام عبد من عباد الله، ولَّا لا؟ عبد من عباد الله، ما نقول: إنه لما نزل عليه الوحي يرتفع حتى يكون ربًّا يملك النفع والضرر ويعلم الغيب، لا.
* أيضًا يتفرع عنها: أن من آتاه الله من فضله -خصوصًا في مسائل العلم- ينبغي أن يكون أعبد لله من غيره، السبب؟ لأن الله تعالى أعطاه من فضله، فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره، أليس كذلك؟ كلما عظم الإحسان من الله عز وجل استوجب الشكر أكثر، واضح؟ كلما عظم الإحسان استوجب الشكر، إذا أنعم الله عليك نعمتين كم يجب عليك من الشكر؟ شكران، ثلاث نعم؟ ثلاث شكورات، وهكذا، إذن إذا أنعم الله عليك بالعلم الذي ورثته من نبيك محمد ﷺ يجب أن تكون بذلك أشد تواضعًا لله وللحق وللخلق، واضح؟
* يتفرع على هذا أيضًا فرع ثالث: أن هؤلاء المغرورين -نسأل الله السلامة- الذين غرتهم أنفسهم بما أوتوا من العلم قد حرموا الفضل في الحقيقة، حرموا فضل العلم، ولَّا لا؟ يعني (...) والعياذ بالله لما من الله عليهم بالعلم رفعوا أنفسهم وتعالوا، حتى إنهم ربما لا يقبلون الحق، ربما يكونون مشابهين لبني إسرائيل في المسألة الثانية.
* الفائدة التي تليها: أن العقوبات تتراكم بحسب الذنوب، من أين نأخذها؟
* الطلبة: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ﴾.
* الشيخ: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾، فالعقوبات -والعياذ بالله- تتراكم مثل ما تتراكم الذنوب جزاء وفاقًا.
* الفائدة التي تليها: أن هؤلاء الذين اشتروا أنفسهم بالكفر بما أنزل الله أنهم كافرون؛ لقوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾.
* الفائدة التي تليها أيضًا: أن المستكبر يعاقب بنقيض حاله؛ لقوله: ﴿مُهِينٌ﴾ يهينهم بعد أن ترفعوا، فعوقبوا -والعياذ بالله- بما يليق بذنوبهم، وعلى هذا جرت سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، قال الله تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت ٤٠]، وقال تعالى: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ ٢٦].الفائدة التي تليها: بلاغة القرآن؛ لأن هذه الكلمة: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بدلًا من: (ولهم) استفدنا منها فائدة أكثر مما لو جاء الضمير (ولهم) وأيش استفدنا؟ أن هؤلاء كفار، ولو قال (ولهم)، لكنا لا ندري ما مرتبتهم في دين الله، فلما قال: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ علمنا أنهم كفار.
* الفائدة الثانية: العموم أن مثل هذا الفعل يكون به الإنسان كافرًا، هم وغيرهم.
* الفائدة الثالثة أيضًا: بيان علة الحكم وهو العذاب المهين؛ إذ علته ما هو؟ وأيش علة العذاب المهين؟ علته الكفر ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أي: على كفرهم، وقد مر علينا أن الحكم إذا علق على وصف دل على عِلِّية ذلك الوصف أو لا؟ دل على علية ذلك الوصف، وعلى أن الحكم يقوى بحسب قوة ذلك الوصف أو لا؟
إذا قلت -مثلًا-: اقطع السارق أي؟ يده، أي اقطع السارق، أي لأنه سرق، أي لأنه سارق، هذا واضح العلية فيه.
إذا قلت: أكرم المتقي، أي؟ لتقواه، وكلما ازدادت تقواه ازداد إكرامه، إي نعم.
* طالب: قوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (...)؟
* الشيخ: لا؛ لأن هذا مع كونه عذابًا يهينهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا (...) على كل حال، ليس كل عذاب مؤلمًا، وليس كل عذاب مهينًا.
* الطالب: عذاب الآخرة.
* الشيخ: حتى عذاب الآخرة، لكن إذا قيل: ﴿مُهِينٌ﴾ معناه أنه يبلغ في الإهانة أعظم مبلغ، هو أبلغ من مطلق العذاب.
طالب: و﴿مُهِينٌ﴾ صفة تأسيسية؟
* الشيخ: صفة تأسيسة، نعم.
* طالب: (...) ﴿بَغْيًا﴾ (...) حسدًا تحريم الحسد؟
* الشيخ: قلنا: بلى تحريم الحسد والعدوان.
* الطالب: (...) غضب الله وأنه يجب على العبد أن يغضب لغضب الله كيف هذا ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾؟
* الشيخ: إي نعم، يستفاد منها: إثبات الغضب لله، وإن كان ما هو بواضح، ﴿بَاءُوا بِغَضَبٍ﴾ يعني: الظاهر أنه من الله الغضب، فيستفاد منه إثبات غضب الله سبحانه وتعالى، وغضب الله تعالى من صفاته أيش؟ الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى، وكل صفة تتعلق بالمشيئة فهي صفة فعلية.
* طالب: الغضب من الله سبحانه وتعالى، نقول: كيف وضع غضب على غضب فهنا الغضب واحد؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: الغضب واحد؟
* الشيخ: لا (...)، الغضب يتعدد بتعدد أسبابه، يعني: غضب الله عليهم لفعل كذا، ثم غضب مرة ثانية لفعل كذا، وهكذا يتعدد بتعدد أسبابه، في فوائد بعد الثانية؟
* طالب: سعة فضل الله؛ لقوله ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ (...).
* الشيخ: إذا جعلنا (مِن) للتبعيض فهو دليل على سعة فضل الله، وإن جعلناها لبيان الجنس لم يكن في هذا دليل، ولكن جعلنا إياها للتبعيض أولى؛ لأنها تدل على معنى أكثر من بيان الجنس.
وما يستفاد من ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُم﴾: أن النفس أمانة عند العبد؟
* طالب: لما ذم الله بيعها (...).
* الشيخ: إيه أو ﴿اشْتَرَوْا﴾ بمعنى اختاروا، فهذا دليل على أن النفس عند العبد أمانة لا يجوز له أن يكلفها ما يشق عليها أو يحرمها من فضل الله؛ ولهذا قال الرسول ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص قال له: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١١٥٣)، ومسلم (١١٥٩ / ١٨٦، ١٨٨) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.]].
ثم في القرآن ما أكثر ما يمر بنا ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة ٥٧] يظلمون أنفسهم، فالنفس في الحقيقة لها حق عليك لترعاها حق رعايتها؛ ولهذا يجب على المرء أن يدافع عن نفسه في غير فتنة، لماذا؟ حماية لها؛ لأن هذا من حقها، يجب عليه أن يأكل إذا جاع، وأن يشرب إذا عطش، وأن يكسو نفسه إذا خاف البرد وهكذا تمام؟
* طالب: شيخ، قوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ الجار والمجرور للحصر، قدم الجار والمجرور، هل العذاب المهين لهم فقط؟
* الشيخ: للكافرين يعني: دون الفاسقين مثلًا؟
* الطالب: أو لغيرهم.
* الشيخ: ربما يستفاد منه أن غير الكافرين لهم عذاب لكن لا يصل إلى درجة الإهانة؛ لأنهم ما بلغوا إلى حد الكبر عما أنزل الله، وقد يقال: إنه لأجل مراعاة الفواصل مع أنه يصح والعذاب المهين للكافرين ليس خاصًا.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾
* يستفاد من هذه الآية: بيان خداع هؤلاء اليهود؛ لأنهم قالوا: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهم كاذبون، ولكن قصدهم رد الحق فقط لا التمسك بالحق. خذوا بالكم يا جماعة، واضح؟
* الطلبة: واضح.
* الشيخ: لأنهم قالوا: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهم كاذبون في هذا، لو كانوا صادقين لآمنوا بالقرآن الكريم.
* الفائدة الثانية: أن الإيمان بما أنزل الله كل ذي فطرة سليمة يدعو إليه بناء على أن: (قيل) للإبهام فيكون شاملًا.
* الفائدة الثالثة: أن من دعي إلى الحق من هذه الأمة يقال: مذهب كذا وكذا، يعني: ولا أرجع عنه فهو شبيه بمن؟ باليهود؛ لأن الواجب إذا دعيت إلى الحق أن تنظر (...) الحق، فإذا كان الحق وجب عليك اتباعه، أما أن تقول: والله لا أنا مذهبي شافعي ما أنا تابع للحنبلي أو حنبلي وأنا تابع للشافعي ما يجوز فيه شبه من اليهود.
﴿ ﴾
{"ayahs_start":90,"ayahs":["بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ","وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"],"ayah":"بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق