قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾ اشْتَرَوْا بِمَعْنى باعُوا.
﴿أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا﴾ يَعْنِي حَسَدًا، هَكَذا قالَ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ، وأبُو العالِيَةِ، وهُمُ اليَهُودُ.
والبَغْيُ شِدَّةُ الطَّلَبِ لِلتَّطاوُلِ، وأصْلُهُ الطَّلَبُ، ولِذَلِكَ سُمِّيَتِ الزّانِيَةُ بَغِيًّا، لِأنَّها تَطْلُبُ الزِّنى.
وَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَباءُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ﴾ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ الغَضَبَ الأوَّلَ لِكُفْرِهِمْ بِعِيسى، والغَضَبَ الثّانِيَ لِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وعِكْرِمَةَ، والشَّعْبِيِّ، وقَتادَةَ، وأبِي العالِيَةِ.
والثّانِي: أنَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن كُفْرِهِمْ في قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وقَوْلِهِمْ: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وتَبْدِيلِهِمْ كِتابَ اللَّهِ، ثُمَّ كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ. (p-١٦٠)
والثّالِثُ: أنَّهُ لَمّا كانَ الغَضَبُ لازِمًا لَهم كانَ ذَلِكَ تَوْكِيدًا.
﴿وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ المُهِينُ: المُذِلُّ.
والعَذابُ عَلى ضَرْبَيْنِ: فالمُهِينُ مِنها عَذابُ الكافِرِينَ لِأنَّهُ لا يُمَحِّصُ عَنْهم ذُنُوبَهم.
والثّانِي: غَيْرُ مُهِينٍ وهو ما كانَ فِيهِ تَمْحِيصٌ عَنْ صاحِبِهِ، كَقَطْعِ يَدِ السّارِقِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وحَدِّ الزّانِي.
{"ayah":"بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"}