الباحث القرآني

(p-١٧٢)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾، ”بِئْسَ“، إذا وقَعَتْ عَلى ”ما“، جُعِلَتْ مَعَها بِمَنزِلَةِ اسْمٍ مَنكُورٍ، وإنَّما ذَلِكَ في ”نِعْمَ، وبِئْسَ“، لِأنَّهُما لا يَعْمَلانِ في اسْمٍ عَلَمٍ، إنَّما يَعْمَلانِ في اسْمٍ مَنكُورٍ، دالٍّ عَلى جِنْسٍ، أوِ اسْمٍ فِيهِ ألِفٌ ولامٌ، يَدُلُّ عَلى جِنْسٍ، وإنَّما كانَتا كَذَلِكَ لِأنَّ ”نِعْمَ“، مُسْتَوْفِيَةٌ لِجَمِيعِ المَدْحِ، و”بِئْسَ“، مُسْتَوْفِيَةٌ لِجَمِيعِ الذَّمِّ، فَإذا قُلْتَ: ”نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، فَقَدِ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ المَدْحَ الَّذِي يَكُونُ في سائِرِ جِنْسِهِ، قالَ أبُو إسْحاقَ: وفي ”نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، أرْبَعُ لُغاتٍ: ”نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، و”نَعِمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، و”نِعِمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، و”نَعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ“، وكَذَلِكَ إذا قُلْتَ: ”بِئْسَ الرَّجُلُ“، دَلَلْتَ عَلى أنَّهُ اسْتَوْفى الذَّمَّ الَّذِي يَكُونُ في سائِرِ جِنْسِهِ. فَلَمْ يَجُزْ، إذْ كانَ يَسْتَوْفِي مَدْحَ الأجْناسِ، أنْ يَعْمَلَ في غَيْرِ لَفْظِ جِنْسٍ، فَإذا كانَ مَعَها اسْمُ جِنْسٍ بِغَيْرِ ألِفٍ ولامٍ، فَهو نَصْبٌ أبَدًا، وإذا كانَتْ فِيهِ الألِفُ واللّامُ فَهو رَفْعٌ أبَدًا، وذَلِكَ كَقَوْلِكَ: ”نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ“، ونِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ ”، فَلَمّا نُصِبَ رَجُلٌ فَعَلى التَّمْيِيزِ، وفي“ نِعْمَ ”، اِسْمٌ مُضْمَرٌ عَلى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ، و“ زَيْدٌ ”، مُبَيِّنٌ مَن هَذا المَمْدُوحُ، لِأنَّكَ إذا قُلْتَ:“ نِعْمَ الرَّجُلُ ”، لَمْ يُعْلَمْ مَن تَعْنِي، فَقَوْلُكَ:“ زَيْدٌ ”، تُرِيدُ بِهِ:“ هَذا المَمْدُوحُ هو زَيْدٌ ”، وقالَ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلُ جَمِيعَ ما قُلْنا في نِعْمَ، وبِئْسَ، وقالا: إنْ شِئْتَ رَفَعْتَ“ زَيْدًا ”، لِأنَّهُ ابْتِداءٌ مُؤَخَّرٌ، كَأنَّكَ قُلْتَ - حِينَ قُلْتَ:“ نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ ”-:“ نِعْمَ زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ ”، وكَذَلِكَ كانَتْ“ ما ”في“ نِعْمَ ”، بِغَيْرِ صِلَةٍ، لِأنَّ الصِّلَةَ تُوَضِّحُ، وتُخَصِّصُ، والقَصْدُ في“ نِعْمَ ”، أنْ يَلِيَها اسْمٌ مَنكُورٌ، أوْ جِنْسٌ، فَقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾“ بِئْسَ شَيْئًا اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم ”. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْـزَلَ اللَّهُ﴾، مَوْضِعُهُ رَفْعٌ، المَعْنى: ذَلِكَ الشَّيْءُ المَذْمُومُ أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ. (p-١٧٣)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَنِعِمّا هِيَ﴾ [البقرة: ٢٧١]، كَأنَّهُ قالَ:“ فَنِعْمَ شَيْئًا هي ”، وقالَ قَوْمٌ: إنَّ“ نِعْمَ ”، مَعَ“ ما ”، بِمَنزِلَةِ“ حَبَّ ”، مَعَ“ ذا ”، تَقُولُ:“ حَبَّذا زَيْدٌ ”، و“ حَبَّذا هي ”، و“ نِعِمّا هي ”، والقَوْلُ الأوَّلُ هو مَذْهَبُ النَّحْوِيِّينَ، ورَوى جَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ:“ بِئْسَما تَزْوِيجٌ ولا مَهْرٌ ”، والمَعْنى فِيهِ:“ بِئْسَ شَيْئًا تَزْوِيجٌ ولا مَهْرٌ. ”وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْـزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أنْ يُنَـزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾، مَعْناهُ أنَّهم كَفَرُوا بَغْيًا وعَداوَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ لِأنَّهم لَمْ يَشُكُّوا في نُبُوَّتِهِ ﷺ، وإنَّما حَسَدُوهُ عَلى ما أعْطاهُ اللَّهُ مِنَ الفَضْلِ، المَعْنى: كَفَرُوا بَغْيًا، لِأنْ نَزَّلَ اللَّهُ الفَضْلَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، ونُصِبَ“ بَغْيًا ”، مَصْدَرًا مَفْعُولًا لَهُ، كَما تَقُولُ:“ فَعَلْتُ ذَلِكَ حَذَرَ الشَّرِّ ”، أيْ:“ لِحَذَرِ الشَّرِّ ”، كَأنَّكَ قُلْتَ:“ حَذِرْتُ حَذَرًا "، ومِثْلُهُ مِنَ الشِّعْرِ قَوْلُ الشّاعِرِ - وهو حاتِمٌ الطّائِيُّ -: ؎وَأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ ∗∗∗ وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّما اَلْمَعْنى: أغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ لِادِّخارِهِ، وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ لِلتَّكَرُّمِ، وكَأنَّهُ قالَ: ”أدَّخِرُ الكَرِيمَ ادِّخارًا، وأتَكَرَّمُ عَلى الكَرِيمِ تَكَرُّمًا“، لِأنَّ قَوْلَهُ: ”أغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ“، مَعْناهُ: أدَّخِرُ الكَرِيمَ، وقَوْلَهُ: ”وَأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمًا“، مَعْناهُ ”أتَكَرَّمُ عَلى اللَّئِيمِ“، ومَوْضِعُ ”أنْ“، اَلثّانِيَةِ: نَصْبٌ، المَعْنى: ”أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ (p-١٧٤)لِأنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ“، أيْ: كَفَرُوا لِهَذِهِ العِلَّةِ، فَشَرْحُهُ كَهَذا الَّذِي شَرَحْناهُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَباءُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ﴾، مَعْنى ”باؤُوا“، في اللُّغَةِ: اِحْتَمَلُوا، يُقالُ: ”قَدْ بُؤْتُ بِهَذا الذَّنْبِ“، أيْ: تَحَمَّلْتُهُ، ومَعْنى ”بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ“: فِيهِ قَوْلانِ: قالَ بَعْضُهُمْ: بِغَضَبٍ مِن أجْلِ الكُفْرِ بِالنَّبِيِّ ﷺ، عَلى غَضَبٍ عَلى الكُفْرِ بِعِيسى ﷺ، يَعْنِي بِهِمُ اليَهُودَ، وقِيلَ: ”فَباؤُوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ“، أيْ: بِإثْمٍ اسْتَحَقُّوا بِهِ النّارَ، عَلى إثْمٍ تَقَدَّمَ، أيْ: اِسْتَحَقُّوا بِهِ أيْضًا النّارَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب