الباحث القرآني
﴿ولَمّا جاءَهُمْ﴾ [البقرة: ٨٩]: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى اليَهُودِ، ونَزَلَتْ فِيهِمْ حِينَ كانَتْ غَطَفانُ تُقاتِلُهم وتَهْزِمُهم، أوْ حِينَ كانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ العَرَبِ أذًى كَثِيرًا، أوْ حِينَ حارَبَهُمُ الأوْسُ والخَزْرَجُ فَغَلَبَتْهم.
(كِتابٌ): هو القُرْآنُ، وإسْنادُ المَجِيءِ إلَيْهِ مَجازٌ.
﴿مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٨٩]: في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وصْفُهُ بِـ ”مِن عِنْدِ اللَّهِ“ جَدِيرٌ أنْ يُقْبَلَ، ويُتَّبَعَ ما فِيهِ، ويُعْمَلَ بِمَضْمُونِهِ، إذْ هو وارِدٌ مِن عِنْدِ خالِقِهِمْ وإلَهِهِمُ الَّذِي هو ناظِرٌ (p-٣٠٣)فِي مَصالِحِهِمْ.
(مُصَدِّقٌ): صِفَةٌ ثانِيَةٌ، وقُدِّمَتِ الأوْلى عَلَيْها؛ لِأنَّ الوَصْفَ بِكَيْنُونَتِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ آكَدُ، ووَصْفَهُ بِالتَّصْدِيقِ ناشِئٌ عَنْ كَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ. لا يُقالُ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ﴿مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٨٩] مُتَعَلِّقًا بِجاءَهم، فَلا يَكُونَ صِفَةً لِلْفَصْلِ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ بِما هو مَعْمُولٌ لِغَيْرِ أحَدِهِما. وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ مُصَدِّقًا، وبِهِ قَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ ونَصْبُهُ عَلى الحالِ مِن ”كِتابٌ“، وإنْ كانَ نَكِرَةً. وقَدْ أجازَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ بِلا شَرْطٍ، فَقَدْ تَخَصَّصَتْ بِالصِّفَةِ، فَقَرُبَتْ مِنَ المَعْرِفَةِ.
﴿لِما مَعَهُمْ﴾ [البقرة: ٨٩]: هو التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، وتَصْدِيقُهُ إمّا بِكَوْنِهِما مِن عِنْدِ اللَّهِ، أوْ بِما اشْتَمَلا عَلَيْهِ مَن ذِكْرِ بَعْثِ الرَّسُولِ ونَعْتِهِ.
(وكانُوا): يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى جاءَهم، فَيَكُونَ جَوابُ لَمّا مُرَتَّبًا عَلى المَجِيءِ والكَوْنِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جُمْلَةً حالِيَّةً، أيْ وقَدْ كانُوا، فَيَكُونَ الجَوابُ مُرَتَّبًا عَلى المَجِيءِ بِقَيْدٍ في مَفْعُولِهِ، وهم كَوْنُهم يَسْتَفْتِحُونَ. وظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّ قَوْلَهُ: وكانُوا لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلى الفِعْلِ بَعْدَ لَمّا، ولا حالًا لِأنَّهُ قَدَّرَ جَوابَ لَمّا مَحْذُوفًا قَبْلَ تَفْسِيرِهِ يَسْتَفْتِحُونَ، فَدَلَّ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: وكانُوا، جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى مَجْمُوعِ الجُمْلَةِ مِن قَوْلِهِ: ولَمّا.
(مِن قَبْلُ): أيْ مِن قَبْلِ المَجِيءِ، وبُنِيَ لِقَطْعِهِ عَنِ الإضافَةِ إلى مَعْرِفَةٍ.
﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ [البقرة: ٨٩]: أيْ يَسْتَحْكِمُونَ، أوْ يَسْتَعْلِمُونَ، أوْ يَسْتَنْصِرُونَ، أقْوالٌ ثَلاثَةٌ. يَقُولُونَ إذا دَهَمَهُمُ العَدُوُّ: اللَّهُمَّ انْصُرْنا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ المَبْعُوثِ في آخِرِ الزَّمانِ، الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ في التَّوْراةِ. واخْتَلَفُوا في جَوابِ ولَمّا الأُولى، فَذَهَبَ الأخْفَشُ والزَّجّاجُ إلى أنَّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، واخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وقَدَّرَهُ نَحْوَ: كَذَّبُوا بِهِ واسْتَهانُوا بِمَجِيئِهِ، وقَدَّرَهُ غَيْرُهُ: كَفَرُوا، فَحُذِفَ لِدَلالَةِ كَفَرُوا بِهِ عَلَيْهِ، والمَعْنى قَرِيبٌ في ذَلِكَ. وذَهَبَ الفَرّاءُ إلى أنَّ الفاءَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ﴾ [البقرة: ٨٩] جَوابُ لَمّا الأُولى، وكَفَرُوا، جَوابٌ لِقَوْلِهِ: فَلَمّا جاءَهم. وهو عِنْدَهُ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ﴾ [البقرة: ٣٨] . قالَ: ويَدُلُّ عَلى أنَّ الفاءَ هُنا لَيْسَتْ بِناسِقَةٍ أنَّ الواوَ لا تَصْلُحُ في مَوْضِعِها. وذَهَبَ المُبَّرِدُ إلى أنَّ جَوابَ لَمّا الأُولى هو: كَفَرُوا بِهِ، وكُرِّرَ لَمّا لِطُولِ الكَلامِ، ويُقَيِّدُ ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلذَّنْبِ وتَأْكِيدًا لَهُ. وهَذا القَوْلُ كانَ يَكُونُ أحْسَنَ لَوْلا أنَّ الفاءَ تَمْنَعُ مِنَ التَّأْكِيدِ. وأمّا قَوْلُ الفَرّاءِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِن لِسانِهِمْ، لَمّا جاءَ زَيْدٌ، فَلَمّا جاءَ خالِدٌ أقْبَلَ جَعْفَرٌ، فَهو تَرْكِيبٌ مَفْقُودٌ في لِسانِهِمْ فَلا نُثْبِتُهُ، ولا حُجَّةَ في هَذا المُخْتَلَفِ فِيهِ، فالأوْلى أنَّ كَوْنَ الجَوابِ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، وأنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ولَمّا جاءَهم كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم كَذَّبُوهُ، ويَكُونُ التَّكْذِيبُ حاصِلًا بِنَفْسِ مَجِيءِ الكِتابِ مِن غَيْرِ فِكْرٍ فِيهِ ولا رَوِيَّةٍ، بَلْ بادَرُوا إلى تَكْذِيبِهِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ﴾ [البقرة: ٨٩]، أيْ يَسْتَنْصِرُونَ عَلى المُشْرِكِينَ إذا قاتَلُوهم، أوْ يَفْتَحُونَ عَلَيْهِمْ ويُعَرِّفُونَهم أنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ قَدْ قَرُبَ وقْتُ بَعْثِهِ، فَكانُوا يُخْبِرُونَ بِذَلِكَ.
﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا﴾ [البقرة: ٨٩]: وما سَبَقَ لَهم تَعْرِيفُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩]: سَتَرُوهُ وجَحَدُوهُ، وهَذا أبْلَغُ في ذَمِّهِمْ، إذْ يَكُونُ الشَّيْءُ المَعْرُوفُ لَهم، المُسْتَقِرُّ في قُلُوبِهِمْ وقُلُوبِ مَن أعْلَمُوهم بِهِ كِيانَهُ ونَعْتَهُ يَعْمِدُونَ (p-٣٠٤)إلى سَتْرِهِ وجَحْدِهِ، قالَ تَعالى: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] . وقالَ أبُو القاسِمِ الرّاغِبُ ما مُلَخَّصُهُ: الِاسْتِفْتاحُ، طَلَبُ الفَتْحِ، وهو ضَرْبانِ: إلَهِيٌّ، وهو النُّصْرَةُ بِالوُصُولِ إلى العُلُومِ المُؤَدِّيَةِ إلى الثَّوابِ، ومِنهُ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ﴾ [الفتح: ١]، (فَعَسى أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ) . ودُنْيَوِيٌّ، وهو النُّصْرَةُ بِالوُصُولِ إلى اللَّذّاتِ البَدَنِيَّةِ، ومِنهُ: ﴿فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٤٤] . فَمَعْنى يَسْتَفْتِحُونَ: أيْ يَعْلَمُونَ خَبَرَهُ مِنَ النّاسِ مَرَّةً، ويَسْتَنْبِطُونَ ذِكْرَهُ مِنَ الكُتُبِ مَرَّةً. وقِيلَ: يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِهِ الظَّفَرَ. وقِيلَ: كانُوا يَقُولُونَ إنّا نُنْصَرُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ عَلى عَبَدَةِ الأوْثانِ. وكُلُّ ذَلِكَ داخِلٌ في عُمُومِ الِاسْتِفْتاحِ. انْتَهى. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ما عَرَفُوا أنَّهُ الكِتابُ؛ لِأنَّهُ أتى بِلَفْظِ ما، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ يُرادُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَإنَّ ”ما“ قَدْ يُعَبَّرُ بِها عَنْ صِفاتِ مَن يَعْقِلُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ما عَرَفُوهُ مِنَ الحَقِّ، فَيَنْدَرِجَ فِيهِ مَعْرِفَةُ نُبُوَّتِهِ وشَرِيعَتِهِ وكِتابِهِ، وما تَضَمَّنَهُ.
﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩]: لَمّا كانَ الكِتابُ جائِيًا مِن عِنْدِ اللَّهِ إلَيْهِمْ، فَكَذَّبُوهُ وسَتَرُوا ما سَبَقَ لَهم عِرْفانُهُ، فَكانَ ذَلِكَ اسْتِهانَةً بِالمُرْسِلِ والمُرْسَلِ بِهِ. قابَلَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِهانَةِ والطَّرْدِ، وأضافَ اللَّعْنَةَ إلى اللَّهِ تَعالى عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ؛ لِأنَّ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ تَعالى هو المَلْعُونُ حَقِيقَةً.
﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٦٠] ؟ ﴿ومَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] . ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِاللَّعْنَةِ حَتّى جَعَلَها مُسْتَعْلِيَةً عَلَيْهِمْ، كَأنَّهُ شَيْءٌ جاءَهم مِن أعْلاهم، فَجَلَّلَهم بِها، ثُمَّ نَبَّهَ عَلى عِلَّةِ اللَّعْنَةِ وسَبَبِها، وهي الكُفْرُ، كَما قالَ قَبْلُ: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٨٨]، وأقامَ الظّاهِرَ مُقامَ المُضْمَرِ لِهَذا المَعْنى، فَتَكُونُ الألِفُ واللّامُ لِلْعَهْدِ، أوْ تَكُونُ لِلْعُمُومِ، فَيَكُونُ هَؤُلاءِ فَرْدًا مِن أفْرادِ العُمُومِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، ويَكُونَ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. ونَعْنِي بِالجِنْسِ العُمُومَ، وتَخَيُّلُهُ أنَّهم يَدْخُلُونَ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّ دَلالَةَ العِلَّةِ عَلى أفْرادِهِ لَيْسَ فِيها بَعْضُ الأفْرادِ أوْلى مِن بَعْضٍ، وإنَّما هي دَلالَةٌ عَلى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَهي دَلالَةٌ مُتَساوِيَةٌ. وإذا كانَتْ دَلالَةً مُتَساوِيَةً، فَلَيْسَ فِيها شَيْءٌ أوَّلُ ولا أسْبَقُ مِن شَيْءٍ.
﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾: تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى بِئْسَ، وأمّا ما فاخْتُلِفَ فِيها، ألَها مَوْضِعٌ مِنَ الإعْرابِ أمْ لا. فَذَهَبَ الفَرّاءُ إلى أنَّهُ بِجُمْلَتِهِ شَيْءٌ واحِدٌ رُكِّبَ، كَحَبَّذا، هَذا نَقْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ عَنْهُ. وقالَ الَمَهْدَوِيُّ: قالَ الفَرّاءُ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ما مَعَ بِئْسَ بِمَنزِلَةِ كُلَّما، فَظاهِرُ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ أنَّ ”ما“ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، وذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ لَها مَوْضِعًا مِنَ الإعْرابِ. واخْتُلِفَ، أمَوْضِعُها نَصْبٌ أمْ رَفْعٌ ؟ فَذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّ مَوْضِعَها نَصْبٌ عَلى التَّمْيِيزِ، والجُمْلَةُ بَعْدَها في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الصِّفَةِ، وفاعِلُ بِئْسَ مُضْمَرٌ مُفَسَّرٌ بِما، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ هو شَيْئًا اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم، وأنْ يَكْفُرُوا هو المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، وبِهِ قالَ الفارِسِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ، واخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. ويُحْتَمَلُ عَلى هَذا الوَجْهِ أنْ يَكُونَ المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفًا، واشْتَرَوْا صِفَةً لَهُ، والتَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا شَيْءٌ اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم، وأنْ يَكْفُرُوا بَدَلٌ مِن ذَلِكَ المَحْذُوفِ، فَهو في مَوْضِعِ رَفْعٍ، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هو أنْ يَكْفُرُوا. وذَهَبَ الكِسائِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ إلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلاءِ، مِن أنَّ ما مَوْضِعُها نَصْبٌ عَلى التَّمْيِيزِ، وثَمَّ ما أُخْرى مَحْذُوفَةٌ مَوْصُولَةٌ هي المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ شَيْئًا الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم. فالجُمْلَةُ بَعْدَ ما المَحْذُوفَةِ صِلَةٌ لَها، فَلا مَوْضِعَ لَها مِنَ (p-٣٠٥)الإعْرابِ. و”أنْ يَكْفُرُوا“ - عَلى هَذا القَوْلِ - بَدَلٌ، ويَجُوزَ عَلى هَذا القَوْلِ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو كُفْرُهم. فَتَلَخَّصَ في قَوْلِ النَّصْبِ في الجُمْلَةِ بَعْدَ ”ما“ أقْوالٌ ثَلاثَةٌ: أنْ يَكُونَ صِفَةً لِما هَذِهِ الَّتِي هي تَمْيِيزٌ فَمَوْضِعُها نَصْبٌ، أوْ صِلَةً لِما المَحْذُوفَةِ المَوْصُولَةِ فَلا مَوْضِعَ لَها، أوْ صِفَةً لِشَيْءٍ المَحْذُوفِ المَخْصُوصِ بِالذَّمِّ فَمَوْضِعُها الرَّفْعُ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى أنَّ مَوْضِعَها رَفْعٌ عَلى أنَّها فاعِلُ بِئْسَ، فَقالَ سِيبَوَيْهِ: هي مَعْرِفَةٌ تامَّةٌ، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ الشَّيْءُ، والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ عَلى هَذا مَحْذُوفٌ، أيْ شَيْءٌ اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم. وعُزِيَ هَذا القَوْلُ، أعْنِي أنَّ ما مَعْرِفَةٌ تامَّةٌ لا مَوْصُولَةٌ، إلى الكِسائِيِّ. وقالَ الفَرّاءُ والكِسائِيُّ، فِيما نُقِلَ عَنْهُما: أنَّ ما مَوْصُولَةٌ بِمَعْنى الَّذِي، واشْتَرَوْا: صِلَةٌ، وبِذَلِكَ قالَ الفارِسِيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْهِ، وعَزى ابْنُ عَطِيَّةَ هَذا القَوْلَ إلى سِيبَوَيْهِ قالَ: فالتَّقْدِيرُ عَلى هَذا القَوْلِ: بِئْسَ الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم أنْ يَكْفُرُوا، كَقَوْلِكَ: بِئْسَ الرَّجُلُ زِيدٌ، وما في هَذا القَوْلِ مَوْصُولَةٌ. انْتَهى كَلامُهُ، وهو وهْمٌ عَلى سِيبَوَيْهِ. وذَهَبَ الكِسائِيُّ فِيما نَقَلَ عَنْهُ الَمَهْدَوِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ إلى أنَّ ما وما بَعْدَها في مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَلى أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، التَّقْدِيرُ: بِئْسَ اشْتِراؤُهم. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا مُعْتَرَضٌ؛ لِأنَّ بِئْسَ لا تَدْخُلُ عَلى اسْمٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَرَّفُ بِالإضافَةِ إلى الضَّمِيرِ. انْتَهى كَلامُهُ. وما قالَهُ لا يَلْزَمُ إلّا إذا نُصَّ عَلى أنَّهُ مَرْفُوعٌ بِبِئْسَ، أمّا إذا جَعَلَهُ المَخْصُوصَ بِالذَّمِّ، وجَعَلَ فاعِلَ بِئْسَ مُضْمَرًا والتَّمْيِيزَ مَحْذُوفًا، لَفُهِمَ المَعْنى. التَّقْدِيرُ: بِئْسَ اشْتِراءٌ اشْتِراؤُهم، فَلا يَلْزَمُ الِاعْتِراضُ، لَكِنْ يُبْطِلُ هَذا القَوْلَ الثّانِيَ عَوْدُ الضَّمِيرِ في بِهِ عَلى ما، وما المَصْدَرِيَّةُ لا يَعُودُ عَلَيْها ضَمِيرٌ، لِأنَّها حَرْفٌ عَلى مَذْهَبِ الجُمْهُورِ، إذِ الأخْفَشُ يَزْعُمُ أنَّها اسْمٌ. والكَلامُ عَلى هَذِهِ المَذاهِبِ تَصْحِيحًا وإبْطالًا يُذْكَرُ في عِلْمِ النَّحْوِ.
اشْتَرَوْا هُنا: بِمَعْنى باعُوا، وتَقَدَّمَ أنَّهُ قالَ: شَرى واشْتَرى: بِمَعْنى باعَ، هَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وفي المُنْتَخَبِ: إنَّ الِاشْتِراءَ هُنا عَلى بابِهِ؛ لِأنَّ المُكَلَّفَ إذا خافَ عَلى نَفْسِهِ مِنَ العِقابِ، أتى بِأعْمالٍ يَظُنُّ أنَّها تُخَلِّصُهُ، وكَأنَّهُ قَدِ اشْتَرى نَفْسَهُ بِها. فَهَؤُلاءِ اليَهُودُ لَمّا اعْتَقَدُوا فِيما أتَوْا بِهِ أنَّهُ يُخَلِّصُهم، ظَنُّوا أنَّهُمُ اشْتَرَوْا أنْفُسَهم، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ. قالَ: وهَذا الوَجْهُ أقْرَبُ إلى المَعْنى واللَّفْظِ مِنَ الأوَّلِ، يَعْنِي بِالأوَّلِ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى باعَ، وهَذا الَّذِي اخْتارَهُ صاحِبُ المُنْتَخَبِ، يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَغْيًا أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ لَيْسَ اشْتِراءَهم أنْفُسَهم بِالكُفْرِ، ظَنًّا مِنهم أنَّهم يَخْلُصُونَ مِنَ العِقابِ، بَلْ ذَلِكَ كانَ عَلى سَبِيلِ البَغْيِ والحَسَدِ، لِكَوْنِهِ تَعالى جَعَلَ ذَلِكَ في مُحَمَّدٍ ﷺ فاتَّضَحَ أنَّ قَوْلَ الجُمْهُورِ أوْلى.
﴿أنْ يَكْفُرُوا﴾: تَقَدَّمَ أنَّ مَوْضِعَهُ رَفْعٌ، إمّا عَلى أنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالذَّمِّ عِنْدَ مَن جَعَلَ ما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ﴾ غَيْرَ تامٍّ، وفِيهِ الأعارِيبُ الَّتِي في المَخْصُوصِ بِالذَّمِّ إذا تَأخَّرَ، أهْوَ مُبْتَدَأٌ، والجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلى ما تَقَرَّرَ قَبْلُ ؟ وأجازَ الفَرّاءُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ في بِهِ، فَيَكُونَ في مَوْضِعِ خَبَرٍ.
﴿بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾: هو الكِتابُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وهو القُرْآنُ. وفي ذَلِكَ مِنَ التَّفْخِيمِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مُضْمَرٌ، بَلْ أظْهَرَ مَوْصُولًا بِالفِعْلِ الَّذِي هو أنْزَلَ المُشْعِرُ بِأنَّهُ مِنَ العالَمِ العُلْوِيِّ، ونُسِبَ إسْنادُهُ إلى اللَّهِ، لِيَحْصُلَ التَّوافُقُ مِن حَيْثُ المَعْنى بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٨٩] وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ . ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، إذْ كَفَرُوا بِعِيسى وبِمُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِما، والكُفْرُ بِهِما كُفْرٌ بِالتَّوْراةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ الجَمِيعُ مِن قُرْآنٍ وإنْجِيلٍ وتَوْراةٍ؛ لِأنَّ الكُفْرَ بِبَعْضِها كُفْرٌ بِكُلِّها.
(بَغْيًا): أيْ حَسَدًا، إذْ لَمْ يَكُنْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، قالَهُ قَتادَةُ وأبُو العالِيَةِ والسُّدِّيُّ. وقِيلَ: مَعْناهُ ظُلْمًا، وانْتِصابُهُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ وظاهِرُهُ أنَّ العامِلَ فِيهِ يَكْفُرُوا، أيْ كُفْرُهم لِأجْلِ البَغْيِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو عِلَّةُ اشْتَرَوْا، فَعَلى قَوْلِهِ يَكُونُ العامِلُ فِيهِ اشْتَرَوْا. وقِيلَ: هو نَصْبٌ عَلى المَصْدَرِ لا مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، والتَّقْدِيرُ: بَغَوْا بَغْيًا، وحُذِفَ (p-٣٠٦)الفِعْلُ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ.
﴿أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ﴾: أنْ مَعَ الفِعْلِ بِتَأْوِيلِ المَصْدَرِ، وذَلِكَ المَصْدَرُ المُقَدَّرُ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، أيْ بَغَوْا لِتَنْزِيلِ اللَّهِ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ بَغْيًا عَلى أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ؛ لِأنَّ مَعْناهُ حَسَدًا عَلى أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ، أيْ عَلى ما خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنَ الوَحْيِ، فَحُذِفَتْ عَلى، ويَجِيءُ الخِلافُ الَّذِي في أنَّ وأنْ، إذا حُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ مِنهُما، أهُما في مَوْضِعِ نَصْبٍ أمْ في مَوْضِعِ خَفْضٍ ؟ وقِيلَ: أنْ يُنَزِّلَ في مَوْضِعِ جَرٍّ عَلى أنَّهُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن ما في قَوْلِهِ: بِما أنْزَلَ اللَّهُ، أيْ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎أمِن ذِكْرِ سَلْمى أنْ نَأتْكَ تَنُوصُ
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ جَمِيعَ المُضارِعِ مُخَفَّفًا مِن أنْزَلَ، إلّا ما وقَعَ الإجْماعُ عَلى تَشْدِيدِهِ، وهو في الحِجْرِ، ﴿وما نُنَزِّلُهُ﴾ [الحجر: ٢١]، إلّا أنَّ أبا عَمْرٍو شَدَّدَ ”عَلى أنْ نُنَزِّلَ آيَةً“ في الأنْعامِ، وابْنُ كَثِيرٍ شَدَّدَ ﴿ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هو شِفاءٌ﴾ [الإسراء: ٨٢]، ﴿حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا﴾ [الإسراء: ٩٣]، وشَدَّدَ الباقُونَ المُضارِعَ حَيْثُ وقَعَ إلّا حَمْزَةَ والكِسائِيَّ فَخَفَّفا، ﴿ويُنَزِّلُ الغَيْثَ﴾ [لقمان: ٣٤]، في آخِرِ لُقْمانَ، ﴿وهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ﴾ [الشورى: ٢٨]، في الشُّورى. والهَمْزَةُ والتَّشْدِيدُ كُلٌّ مِنهُما لِلتَّعْدِيَةِ. وقَدْ ذَكَرُوا مُناسَباتٍ لِقِراءاتِ القُرّاءِ واخْتِياراتِهِمْ ولا تَصِحُّ.
﴿مِن فَضْلِهِ﴾: مِن لِابْتِداءِ الغايَةِ، والفَضْلُ هُنا الوَحْيُ والنُّبُوَّةُ. وقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهم أنْ تَكُونَ مِن زائِدَةً عَلى مَذْهَبِ الأخْفَشِ، فَيَكُونَ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ، أيْ أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فَضْلَهُ.
﴿عَلى مَن يَشاءُ﴾ عَلى مُتَعَلِّقَةٌ بِيُنَزِّلُ، والمُرادُ بِمَن يَشاءُ: مُحَمَّدٌ ﷺ لِأنَّهم حَسَدُوهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ مِنهم وكانَ مِنَ العَرَبِ، وعِزُّ النُّبُوَّةِ مِن يَعْقُوبَ إلى عِيسى عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ في إسْحاقَ، فَخُتِمَ في عِيسى، ولَمْ يَكُنْ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ نَبِيٌّ غَيْرُ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ فَخُتِمَتِ النُّبُوَّةُ عَلى غَيْرِهِمْ، وعَدِمُوا العِزَّ والفَضْلَ. و(مَن) هُنا مَوْصُولَةٌ، وقِيلَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. و(يَشاءُ) عَلى القَوْلِ الأوَّلِ: صِلَةٌ، فَلا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، وصِفَةٌ عَلى القَوْلِ الثّانِي، فَهي في مَوْضِعِ خَفْضٍ، والضَّمِيرُ العائِدُ عَلى المَوْصُولِ أوِ المَوْصُوفِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَشاءُوهُ.
﴿مِن عِبادِهِ﴾: جارٌّ ومَجْرُورٌ في مَوْضِعِ الحالِ، تَقْدِيرُهُ كائِنًا مِن عِبادِهِ، وأضافَ العِبادَ إلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهم، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]، ﴿وإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ [البقرة: ٢٣] .
﴿فَباءُوا﴾: أيْ مَضَوْا، وتَقَدَّمَ مَعْنى باءُوا.
﴿بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ﴾: أيْ مُتَرادِفٍ مُتَكاثِرٍ، ويَدُلُّ ذَلِكَ عَلى تَشْدِيدِ الحالِ عَلَيْهِمْ. وقِيلَ المُرادُ بِذَلِكَ: غَضَبانِ مُعَلَّلانِ بِقِصَّتَيْنِ: الغَضَبُ الأوَّلُ: لِعِبادَةِ العِجْلِ، والثّانِي: لِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. أوِ الأوَّلُ: كُفْرُهم بِالإنْجِيلِ، والثّانِي: كُفْرُهم بِالقُرْآنِ، قالَهُ قَتادَةُ. أوِ الأوَّلُ: كُفْرُهم بِعِيسى، والثّانِي: كُفْرُهم بِمُحَمَّدٍ ﷺ قالَهُ الحَسَنُ وغَيْرُهُ، أوِ الأوَّلُ: قَوْلُهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وقَوْلُهم يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِن أنْواعِ كُفْرِهِمْ، والثّانِي: كُفْرُهم بِمُحَمَّدٍ ﷺ
﴿ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾: الألِفُ واللّامُ في الكافِرِينَ لِلْعَهْدِ، وأقامَ المُظْهَرَ مُقامَ المُضْمَرِ إشْعارًا بِعِلَّةِ كَوْنِ العَذابِ المُهِينِ لَهم، إذْ لَوْ أتى، ولَهم عَذابٌ مُهِينٌ، لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى العِلَّةِ، أوْ تَكُونُ الألِفُ واللّامُ لِلْعُمُومِ، فَيَنْدَرِجُونَ في الكافِرِينَ. ووَصَفَ العَذابَ بِالإهانَةِ، وهي الإذْلالُ، قالَ تَعالى: ﴿ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢] . وجاءَ في الصَّحِيحِ، في حَدِيثِ عُبادَةَ، وقَدْ ذَكَرَ أشْياءَ مُحَرَّمَةً فَقالَ: ”فَمَن أصابَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهو كَفّارَةٌ لَهُ“ . فَهَذا العَذابُ إنَّما هو لِتَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ، أوْ لِأنَّهُ يَقْتَضِي الخُلُودَ خُلُودًا لا يَنْقَطِعُ، أوْ لِشِدَّتِهِ وعَظَمَتِهِ واخْتِلافِ أنْواعِهِ، أوْ لِأنَّهُ جَزاءٌ عَلى تَكَبُّرِهِمْ عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ. وقَدِ احْتَجَّ الخَوارِجُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الفاسِقَ كافِرٌ؛ لِأنَّهُ ثَبَتَ تَعْذِيبُهُ، واحْتَجَّ بِها المُرْجِئَةُ عَلى أنَّ الفاسِقَ لا يُعَذَّبُ لِأنَّهُ لَيْسَ بِكافِرٍ.
{"ayahs_start":90,"ayahs":["بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ","وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"],"ayah":"بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق