الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾، يعني: اذكر إذ، ومثل هذا التعبير يتكرر كثيرًا في القرآن، والعلماء يقدِّرون لفظ: اذكر، وهم بحاجة إلى هذا التقدير؛ لأن (إذ) ظرفية، والظرف لا بد له من شيء يتعلق به إما مذكورًا وإما محذوفًا، لا بد من هذا، وفي نظم الجُمَل:
؎لَا بــــــُدَّ لِلْجَــــارِ مِنَ التَّعَلُّقِ ∗∗∗ بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْو مُرْتَقِي ومثله الظرف، وعلى هذا فنقدر: اذكر إذ، ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، وسبق الكلام على ذكر الملائكة ومن أين اشتق هذا اللفظ، أليس كذلك؟ نعم، ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾، ﴿اسْجُدُوا﴾، السجود هو السجود على الأرض بأن يضع الإنسان أعلى جسمه على الأرض خضوعًا وخشوعًا، وليس المراد مجرد الركوع؛ لأن الله فرق بين الركوع وبين السجود، ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [الفتح ٢٩]، ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ من غير تأخير، فالفاء هنا للترتيب والتعقيب، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، والعياذ بالله، إبليس هو الشيطان، وسمي إبليسًا؛ لأنه أبلس من رحمة الله، أي أيس منها يأسًا لا رجاء بعده.
وقوله: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾، قد يقول قائل: هذه الآية تدل على أن إبليس من الملائكة؟ وقد تقرر أن الملائكة خُلِقوا من أيش؟ من النور، وإبليس؟ من نار، والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: إن إبليس كان من الملائكة ظاهرًا؛ لأنه يأتي ويجتمع ويعبد الله كما تعبده الملائكة حتى ظهر الدفين -والعياذ بالله- في قلبه، وتبين أنه كافر، يقول: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، هذه الجملة ترد في القرآن على ثلاثة أوجه: تارة يُذْكَر الإباء دون الاستكبار، وتارة يُذكر الاستكبار دون الإباء، وتارة يذكر الإباء والاستكبار، ففي أي سورة ذُكر الإباء والاستكبار؟ هنا في سورة البقرة، وفي أي سورة ذكر الإباء دون الاستكبار؟
* طالب: في الكهف.
* الشيخ: في الكهف؟ لا، في الحجر ﴿أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر ٣١]، وفي أي سورة ذكر الاستكبار دون الإباء؟
* طالب: غافر.
* الشيخ: لا.
* طالب: ص.
* الشيخ: ص، ذُكر الاستكبار دون الإباء، فهل المعنى أن الشيطان يوصف مرة بهذا ومرة بهذا ومرة بهذا؟ أو نقول: هو موصوف بالاثنين جميعًا، لكن لا مانع من أن يوصف الموصوف بإحدى الصفتين في موضع، وبالصفتين جميعًا في موضع آخر؛ لأنه لا منافاة؟
﴿أَبَى﴾ يعني امتنع، ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ أي صار ذا كِبر، ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، زعم بعض العلماء أن المراد كان من الكافرين في علم الله، بناء على أن (كان) فعل ماضي، والمضي يدل علي شيء سابق فيكون معنى ﴿كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، أي في علم الله، لكن هناك تخريجًا أحسن من هذا، أن نقول: إن (كان) تأتي أحيانًا مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقق اتصاف الموصوف بهذه الصفة، ومن ذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء ١٥٨]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء ١٣٤] وما أشبهها، هذه ليس المعنى أنه كان فيما مضى، بل لا يزال، فتكون (كان) هنا مسلوبة الزمان، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملة، وهذا هو الأقرب، وليس فيه تأويل، ويُجرى الكلام على ظاهره، ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾؛ لأنه ليس هو كل الكافرين لكنه منهم.
في هذه الآية الكريمة بيان فضل آدم على الملائكة، وجهه؟
* طالب: يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾.
* الشيخ: هذه الآية، لكن ما وجه الدلالة من الآية؟
* الطالب: لأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم.
* الشيخ: لأن الله أمر الملائكة أن يسجدوا له، ومعلوم أن الساجد إذا سجد لغيره فهو في مرتبة دونه، أدنى منه.
وفي الآية إشكال، وهو أن الله أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، والسجود لغيره تعالى شرك، فكيف يأمرهم بالشرك والله عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾؟
* طالب: شيخ بارك الله فيكم، هذا سجود تحية كسجود إخوة يوسف ليوسف.
* الشيخ: نعم، وليس سجودًا حقيقيًّا، ما الدليل على صرفه؟
* الطالب: ما علم (...) من دين الإسلام.
* الشيخ: من دين الإسلام.
* طالب: إقرار يوسف عليه السلام إخوته على فعلتهم؟
* الشيخ: لا تنقلونا يا ناس إلى مكان آخر، أجيبوا عن هذا المكان.
* طالب: أمر الله عز وجل في حد ذاته بذلك الذي نهى عنه من الشرك عُلِم أنه ليس شرك.
* الشيخ: يعني إذن تقول كما قال الأخ إن السجود تحية خضوع بالرأس هكذا؟
* الطالب: لا، سجود حقيقي، حقيقي وتحية.
* الشيخ: إي.
* الطالب: لكن امتنع الآن أن يكون حتى أن معاذ بن جبل سجد للنبي؟[[وهو حديث عن معاذ بن جبل: أنه لما رجع من اليمن، قال: يا رسول الله، رأيت رجالًا باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لو كنت آمرًا بشرًا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» أخرجه أحمد (٢١٩٨٦).]] وقال له النبي ﷺ.
* الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
* طالب: شيخ، نقول: هذا وقع بأمر الله.
* الشيخ: نعم، وإذا وقع بأمر الله صار عبادة ولو كان لغير الله، السجود حق الله عز وجل، فإذا أمر به أن يُسجد لغيره فمن الذي يمنعه؟ أليس قتل النفس المعصومة من أكبر الكبائر؟ ومع ذلك صار قتل إبراهيم الذي أُمر أن يقتل ولده صار من الطاعات الجليلة، فقتل النفس حرام لا شك ومعصية، لا سيما إذا كان يقتل الإنسان ولده أو يقتل أباه أو قريبه، لكن لما كان بأمر الله صار طاعة لله، ولهذا تفسَّر العبادة بأنها التذلل لله عز وجل، بماذا؟ بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فالصواب أن نأخذ القرآن بظاهره، ونقول: هو سجود حقيقي، لكن لما أمر الله به صار ذلك من حقه وصار امتثاله عبادة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من انتسب إلى أحد ظاهرًا عومل معاملته، من أين يؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟ وجه الدلالة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لكن ما وجه الدلالة أنه انتسب إلى الملائكة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن الخطاب الموجه إليهم صار شاملًا له، ولذلك عامل النبي ﷺ المنافقين معاملة المسلمين، واستؤذن أن يقتلهم مع أنه يعرف بعضهم بأعيانهم فقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» »[[متفق عليه. البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم (٢٥٨٤/٦٣) من حديث جابر بن عبد الله.]]، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» »[[أخرجه أبو داود (١٦٥٠)، والترمذي (٦٥٧)، والنسائي (٢٦١٢)، وأحمد (١٨٩٩٢) من حديث أبي رافع، واللفظ للنسائي وأحمد.]]، مع أنه ليس من نسبهم.
ومن فوائد هذه الآية: أن المتظاهر بالخير إذا كان قلبه منطويًا على الشر فلا بد أن يتضح أمره.
* طالب: (...) أبى واستكبر هذا يدل على أنه ليس منهم.
* الشيخ: أن في قلبه مرض خبيث، نعم، هذا ننطلق منه إلى تربية الإنسان نفسَه، وأن ينظر الإنسان في قلبه، هل فيه سر خبيث فليحذر منه؛ لأن الإنسان قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، طهر قلبك، تطهير القلب أهم من تطهير البدن، والخضوع لله بالقلب أهم من الخضوع بالرأس، وسجود القلب لله أهم من سجود البدن - نسأل الله أن يعيننا على ذلك - احرصوا على هذا، احرصوا على إصلاح القلب، لا تحملوا رياء ولا شركًا، ولا غلًّا للمؤمنين، ولا حقدًا ولا حسدًا، طهروا القلوب، حتى لا يُختم لكم بسوء الخاتمة، «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٩٨)، ومسلم (١١٢/١٧٩) من حديث سهل بن سعد الساعدي.]] . اللهم إنا نعوذ بعظمتك من ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن إبليس - والعياذ بالله- جمع صفات الذم كلها؛ الإباء عن الأمر، والاستكبار على الحق وعلى الخلق، والثالث الكفر، إبليس استكبر عن الحق؛ لأنه لم يمتثل أمر الله، واستكبر على الخلق؛ لأنه قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف 12]، فاستكبر في نفسه، وأذل غيره، والكبر بطر الحق وغمط الناس.
* طالب: شيخ، قلنا: لا بد لمن كانت طويته سيئة أن يظهر ذلك؟ لا بد؟
* الشيخ: نعم، قال الحسن رحمه الله: «مَا أَسَرَّ رَجُلٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ ».
* الطالب: قول الله عز وجل للنبي ﷺ عن المنافقين: وَمِنْهُمْ من..، قال له: بعضهم لا يعرفهم، اللي ماتوا على أنهم مؤمنين ولم يعلم النبي ﷺ؟
* الشيخ: الله قال: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد ٣٠].
* الطالب: والآية هذه؟
* الشيخ: أي آية؟
* الطالب: التي يقول فيها أن بعض المنافقين لا يعرفهم النبي ﷺ؟
* الشيخ: لكن لا بد أن يبين نفاقهم، لا بد أن يبين.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق