الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَنا سُبْحانَهُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ عَلى أبِينا ضَمَّ إلَيْها الإنْعامَ بِإسْجادِ المَلائِكَةِ لَهُ ونَحْنُ في ظَهْرِهِ فَقالَ عاطِفًا عَلى ”إذْ“ الأُولى وعَدَلَ عَنِ الغَيْبَةِ إلى التَّكَلُّمِ ثُمَّ إلى كَوْنِهِ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ إعْلامًا بِأنَّهُ أمْرٌ فَصْلٌ لا فُسْحَةَ في المُراجَعَةِ فِيهِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا أنْبَأ تَعالى بِأمْرِ مُفاوَضَةِ المَلائِكَةِ وما كانَ مِنِ ادِّعائِهِمْ وتَسْلِيمِهِمُ الأمْرَ لِلَّهِ ولِمَن عَلَّمَهُ اللَّهُ وهو (p-٢٥٥)آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ نَظَمَ بِذَلِكَ نَبَأ انْقِيادِهِمْ لِآدَمَ فِعْلًا كَما انْقادُوا لَهُ عِلْمًا تَمامًا لِكَمالِ حالِهِمْ في التَّسْلِيمِ عِلْمًا وعَمَلًا فَقالَ تَعالى - انْتَهى.
﴿وإذْ قُلْنا﴾ أيْ عَلى عَظَمَتِنا ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ أيِ الَّذِينَ أكْرَمْناهم بِقُرْبِنا ﴿اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ عَبْدِنا اعْتِرافًا بِفَضْلِهِ لِتَفْضِيلِنا لَهُ.
قالَ الحَرالِّيُّ: فَجَعَلَهُ بابًا إلَيْهِ وكَعْبَةً يُجِلُّونَهُ بِجَلالِهِ تَعالى ومِحْرابًا وقِبْلَةً، يَكُونُ سُجُودُهم لَهُ سُجُودًا لِلَّهِ تُجاهَ آدَمَ كَسُجُودِ آدَمَ تُجاهَ الكَعْبَةِ، وظَهَرَ بِذَلِكَ سُوءُ إباءِ إبْلِيسَ عَنِ السُّجُودِ حِينَ خالَفَهم في طِينَةِ الكِيانُ، لِأنَّ المَلائِكَةَ خُلِقَتْ مِن نُورٍ والنُّورُ طَوْعٌ لا يَحُوزُهُ أيْنَ ولا يَخْتَصُّهُ جِهَةٌ، ولِأنَّ الجانَّ خُلِقَتْ مِن نارٍ وهي مِمّا يَحُوزُهُ أيْنَ وتَخْتَصُّهُ جِهَةٌ (p-٢٥٦)لا يَرْجِعُ عَنْها إلّا بِقَهْرٍ وقَسْرٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ رُتْبَةِ قِيامِهِ في جِبِلَّتِهِ لِمَخْلُوقِ الطِّينِ حَيْثُ لَمْ يَشْعُرُ بِإحاطَةِ خَلْقِ آدَمَ كَما تَلَقَّتْهُ المَلائِكَةُ. انْتَهى. فَبادَرُوا الِامْتِثالَ ﴿فَسَجَدُوا﴾ أيْ كُلُّهم لَهُ كَما أمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى ﴿إلا إبْلِيسَ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: مِنَ الإبْلاسِ وهو انْقِطاعُ سَبَبِ الرَّجاءِ الَّذِي يَكُونُ عَنْهُ اليَأْسُ مِن حَيْثُ قَطْعُ ذَلِكَ السَّبَبِ. انْتَهى.
فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما فَعَلَ ؟ فَقِيلَ: ﴿أبى﴾ مِنَ الإباءِ وهو امْتِناعٌ عَمّا حَقُّهُ الإجابَةُ فِيهِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ.
﴿واسْتَكْبَرَ﴾ عَنِ السُّجُودِ لَهُ، مِنَ الِاسْتِكْبارِ وهو اسْتِجْلابُ (p-٢٥٧)الكِبْرِ، والكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْصُ النّاسِ وغَمْطُهم، ومُوجَبُ ذَلِكَ اسْتِحْقارُ الغَيْرِ مِن وجْهٍ واسْتِكْمالُ النَّفْسِ مِن ذَلِكَ الوَجْهِ، قالَهُ الحَرالِّيُّ. ”وكانَ“ أيْ في أصْلِ جِبِلَّتِهِ بِما أفْهَمَهُ الِاسْتِكْبارُ مِن نِسْبَتِنا إلى تَرْكِ الحِكْمَةِ إمّا جَهْلًا أوْ جَوْرًا في أمْرِنا بِسُجُودِهِ لِآدَمَ وهو عَلى زَعْمِهِ خَيْرٌ مِنهُ ”مَن“ وهي كَلِمَةٌ تُفْهِمُ اقْتِباسَ الشَّيْءِ مِمّا جُعِلَ مِنهُ، قالَهُ الحَرالِّيُّ.
﴿الكافِرِينَ﴾ أيِ الَّذِينَ سَبَقَ عِلْمُنا بِشَقاوَتِهِمْ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَنا بِذَلِكَ عِلْمُ ما لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُهُ.
(p-٢٥٨)وفِي الآياتِ الثَّلاثِ ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] و﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨] و﴿إذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ﴾ [ص: ٧١] أيْضًا إشارَةٌ إلى اخْتِلافِ الحالِ في الخِطابِ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الخُلَّصِ ومَعَ مَن دُونَهم وفي الخِطابِ بِأوْصافِ الذّاتِ، وذَلِكَ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ الضّالِّينَ في حُسْنِ أمْثالِهِ هُمُ الخاسِرُونَ عَجِبَ مِمَّنْ يَكْفُرُ بِهِ إشارَةً إلى شِدَّةِ ظُهُورِهِ وانْتِشارِ نُورِهِ في أمْثالِهِ وجَمِيعِ أقْوالِهِ وأفْعالِهِ وأنَّ شُهُودَهُ في كُلِّ اعْتِبارٍ أوْضَحُ مِن ضِياءِ النَّهارِ، لِأنَّهُ ما ثَمَّ إلّا ذاتُهُ وأفْعالُهُ وصِفاتُهُ:
؎وفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ واحِدُ
مُتَجَلِّيًا عَلَيْهِمْ بِاسْمِ الإلَهِيَّةِ في أفْعالِهِ الَّتِي هم لَها ناظِرُونَ وبِها عارِفُونَ، فَقالَ: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] إلى أنْ قالَ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكم ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] الآيَةَ، وأدْرَجَ في ذَلِكَ أمْرَ البَعْثِ بِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] تَنْبِيهًا عَلى مُشارَكَتِهِ لِبَقِيَّةِ ما في الآيَةِ مِنَ الظُّهُورِ، لِما قَدَّمَ مِنَ الِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِ بِإخْراجِ الثَّمَراتِ حِينَ تَعَرَّفَ إلَيْهِمْ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ (p-٢٥٩)النّاظِرِ إلى العَطْفِ والِامْتِنانِ والتَّرْبِيَةِ والإحْسانِ في مِثْلِ ما هُنا مِن أفْعالِهِ الظّاهِرَةِ وآثارِهِ الباهِرَةِ فَقالَ: ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١] إلى آخِرِها؛ وخَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِوَصْفِ العِلْمِ الشّامِلِ لِما قامَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلِيلِ ضِمْنَ هَذا التَّعْجِيبِ إشارَةً إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى كَمالِ الأمْثالِ وتَحْدِيدًا لِمَن يَسْتَمِرُّ عَلى الكُفْرانِ بَعْدَ هَذا البَيانِ بِأنَّهُ بِمَرْأًى مِنهُ ومَسْمَعٍ في كُلِّ حالٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِن خِطابِهِمْ بِالأُمُورِ الظّاهِرَةِ عَلى قَدْرِ فُهُومِهِمْ ومَبْلَغِ عُلُومِهِمْ رَقِيَ الخِطابُ إلى رُتْبَةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِتَرْقِيَةِ البَيانِ إلى غَيْبِ مُقاوَلَتِهِ لِمَلائِكَتِهِ فَقالَ: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ﴾ [البقرة: ٣٠] الآيَةَ فَلِكُلِّ مَقامٍ مَقالٌ، ولِكُلِّ مُخاطَبٍ حَدٌّ في الفَهْمِ وحالٌ.
(p-٢٦٠)قالَ الأُسْتاذُ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ في المِفْتاحِ: البابُ السّابِعُ: في إضافَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ونَعْتِ الإلَهِيَّةِ في القُرْآنِ: اعْلَمْ أنَّ الرُّبُوبِيَّةَ إقامَةُ المَرْبُوبِ بِما خُلِقَ لَهُ وأُرِيدُ لَهُ، فَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيمُهُ بِحَسَبَ ما أبْداهُ وُجُودُهُ، فَرَبُّ المُؤْمِنِ رَبَّهُ ورَبّاهُ لِلْإيمانِ، ورَبُّ الكافِرِ رَبَّهَ ورَبّاهُ لِلْكُفْرانِ، ورَبُّ مُحَمَّدٍ رَبَّهُ ورَبّاهُ لِلْحَمْدِ، «أدَّبَنِي رَبِّي فَأحْسَنَ تَأْدِيبِي»، ورَبُّ العالَمِينَ رَبّى كُلَّ عالَمٍ لِما خُلِقَ لَهُ ﴿أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ [طه: ٥٠]؛ فَلِلرُّبُوبِيَّةِ بَيانٌ في كُلِّ رُتْبَةٍ بِحَسَبَ ما أظْهَرَتْهُ آيَةُ مَرْبُوبِهِ، مَن عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ [الأعلى: ١] ﴿فَأرادَ رَبُّكَ أنْ يَبْلُغا أشُدَّهُما ويَسْتَخْرِجا كَنْـزَهُما رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٨٢] ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١] ﴿لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢]
وقالَ في البابِ الَّذِي بَعْدَهُ: فَخِطابُ الإقْبالِ عَلى النَّبِيِّ ﷺ أعْظَمُ إفْهامٍ في القُرْآنِ ﴿ألَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥] (p-٢٦١)الآيَةَ ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباسًا﴾ [الفرقان: ٤٧] الآيَةَ، تَفاوُتُ الخِطابَيْنِ بِحَسَبَ تَفاوُتِ المُخاطَبِينَ وكَما يَتَّضِحُ لِأهْلِ التَّعَرُّفِ رُتَبُ البَيانِ بِحَسَبِ إضافَةِ اسْمِ الرَّبِّ فَكَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ لِأهْلِ الفَهْمِ وُجُوهُ إحاطاتِ البَيانِ بِحَسَبِ النُّعُوتِ والتِّبْيانِ في اسْمِ اللَّهِ غَيْبًا في مُتَجَلّى الآياتِ لِلْمُؤْمِنِ، وعَيْنًا لِلْكامِلِ المُوقِنِ، وجَمْعًا وإحاطَةً عَنْ بادِئِ الدَّوامِ لِلْمُحَقِّقِ الواحِدِ اللَّهِ الصَّمَدِ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ ﴿وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آياتُ اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١] ﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]؛ والتَّفَطُّنُ في رُتَبِ البَيانِ في مَوارِدِ هَذا النَّحْوِ مِنَ الخِطابِ في القُرْآنِ مِن مَفاتِيحِ الفَهْمِ وبَوادِئِ مَزِيدِ العِلْمِ. انْتَهى.
وقَدْ أوْقَعَ سُبْحانَهُ ذِكْرَ ابْتِداءِ الخَلْقِ عَلى تَرْتِيبِ إيجادِهِ لَهُ فَقَدْ رَوى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ والنَّسائِيُّ في التَّفْسِيرِ مَن سُنَنِهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (p-٢٦٢)قالَ: «أخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَقالَ: ”خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وخَلَقَ فِيها الجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ، وخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثاءِ، وخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، وبَثَّ فِيها الدَّوابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ العَصْرِ مِن يَوْمِ الجُمْعَةِ في آخِرِ الخَلْقِ في آخِرِ ساعَةٍ مِن ساعاتِ الجُمْعَةِ فِيما بَيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ“» وقالَ المِزِّيُّ في ”الأطْرافِ“ قالَ البُخارِيُّ في التّارِيخِ: وقالَ بَعْضُهم: أبُو هُرَيْرَةَ عَنْ كَعْبٍ وهو أصَحُّ. انْتَهى.
وما يُقالُ مِن أنَّهُ كانَ قَبْلَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ في الأرْضِ خَلْقٌ (p-٢٦٣)يَعْصُونَ قاسَ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ حالَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَلامٌ لا أصْلَ لَهُ، والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ هَذا كَما تَرى أنَّهُ أوَّلُ ساكِنِي الأرْضِ؛ والَّذِي يَلُوحُ مِنِ اسْمِهِ في بَدْئِهِ بِالهَمْزَةِ الَّتِي هي أوَّلُ الحُرُوفِ وخَتْمُهُ بِالمِيمِ الَّتِي هي آخِرُها وخِتامُها أنَّهُ أوَّلُ ساكِنِيها بِنَفْسِهِ، كَما أنَّهُ خاتَمُهم بِأوْلادِهِ، عَلَيْهِمْ تَقُومُ السّاعَةُ. ورَأيْتُ في تَرْجَمَةٍ لِلتَّوْراةِ وهو أوَّلُها: خَلَقَ اللَّهُ ذاتَ السَّماءِ وذاتَ الأرْضِ وكانَتِ الظُّلْمَةُ فَقالَ اللَّهُ: (p-٢٦٤)لِيَكُنِ النُّورُ، فَكانَ النُّورُ، فَأرادَ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ النُّورِ والحِنْدِسِ فَسَمّى النُّورَ نَهارًا والحِنْدِسَ مَساءً؛ ثُمَّ قالَ: لِيَكُنْ جَلَدٌ وسَطَ الماءِ ويُمَيِّزْ بَيْنَ الماءِ الأعْلى والماءِ الأسْفَلِ.
وفِي نُسْخَةٍ: لِيَكُنْ سَقْفٌ بَيْنَ المِياهِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الماءِ والماءِ، فَكانَ كَذَلِكَ فَخَلَقَ اللَّهُ سَقْفًا وفَصَلَ بِهِ بَيْنَ الماءِ الَّذِي تَحْتَ الجَلَدِ والماءِ الَّذِي فَوْقَ الجَلَدِ وسَمّى اللَّهُ الجَلَدَ سَماءً؛ وقالَ اللَّهُ: لِتَجْتَمِعِ المِياهُ الَّتِي تَحْتَ (p-٢٦٥)السَّماءِ إلى مَكانٍ واحِدٍ ولْتَظْهَرِ اليابِسَةُ، فَكانَ كَذَلِكَ فَسَمّى اللَّهُ اليابِسَةَ أرْضًا وسَمّى مَجامِعَ المِياهِ بُحُورًا؛ وقالَ: لِتُخْرِجِ الأرْضُ نَبَتَ عُشْبٍ يُزْرَعُ مِنهُ زَرْعٌ لِجِنْسِهِ وشَجَرٌ ذاتُ ثِمارٍ تُثْمِرُ لِجِنْسِها يُغْرَسُ مِنهُ غَرْسٌ عَلى الأرْضِ، فَأيْنَعَتِ الأرْضُ نَبْتًا عُشْبًا يُزْرَعُ مِنهُ زَرْعٌ لِجَوْهَرِهِ وشَجَرٌ ذاتُ ثِمارٍ لِجَوْهَرِها؛ فَقالَ اللَّهُ: لِيَكُنْ نَجْمانِ في جَلَدِ السَّماءِ لِيُضِيئا عَلى الأرْضِ ولْيُمَيِّزا بَيْنَ النَّهارِ واللَّيْلِ ولْيَكُونا لِلْآياتِ والأزْمانِ والعَدَدِ والأيّامِ والسِّنِينَ، فَخَلَقَ اللَّهُ نُورَيْنِ عَظِيمَيْنِ: المِصْباحُ الأكْبَرُ لِسُلْطانِ النَّهارِ والمِصْباحُ الأصْغَرُ لِسُلْطانِ اللَّيْلِ وخَلَقَ النُّجُومَ، وكانَ المَساءُ والصَّباحُ مِنَ اليَوْمِ الرّابِعِ؛ فَقالَ اللَّهُ: لِيَحُتَّ الماءُ حِيتانًا ذاتَ أنْفُسٍ حَيَّةٍ، ولْيَطِرِ الطَّيْرُ فَوْقَ الأرْضِ في جَوِّ السَّماءِ، فَكانَ كَذَلِكَ؛ وخَلَقَ تَنانِينَ عَظِيمَةً وكُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ في الماءِ لِأجْناسِها وكُلَّ طُيُورٍ ذاتِ أجْنِحَةٍ (p-٢٦٦)لِأصْنافِها وبارَكَها وقالَ: انْمُوا واكْثُرُوا وامْلُؤُوا مِياهَ البُحُورِ ولْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلى وجْهِ الأرْضِ؛ وقالَ اللَّهُ: لِتُخْرِجِ الأرْضُ أنْفُسًا حَيَّةً لِجِنْسِها دَوابُّ وسِباعُ الأرْضِ لِأجْناسِها، فَكانَ كَذَلِكَ؛ وخَلَقَ اللَّهُ سِباعَ الأرْضِ لِأجْناسِها والدَّوابَّ لِأصْنافِها وجَمِيعَ هَوامِّ الأرْضِ لِجَواهِرِها.
فَأرادَ اللَّهُ أنْ يَخْلُقَ خَلْقًا يَتَسَلَّطُ عَلى حِيتانِ البَحْرِ وطَيْرِ السَّماءِ وعَلى الدَّوابِّ وجَمِيعِ السِّباعِ وعَلى الحَشَرَةِ الَّتِي تَدِبُّ عَلى الأرْضِ فَخَلَقَ آدَمَ بِصُورَتِهِ ذَكَرًا وأُنْثى وبارَكَ عَلَيْهِما وقالَ لَهُما: انْمَيا وأكْثِرا وتَسَلَّطا عَلى حِيتانِ البَحْرِ وطَيْرِ السَّماءِ والدَّوابِّ وجَمِيعِ السِّباعِ؛ وقالَ: ها أنا ذا (p-٢٦٧)قَدْ أعْطَيْتُكُما جَمِيعَ العُشْبِ الَّذِي يُزْرَعُ عَلى وجْهِ الأرْضِ كُلِّها، وكُلَّ شَجَرٍ ذاتِ ثِمارٍ تُغْرَسُ فِيها لِيَكُونَ لَكُما مَأْكَلًا ولِجَمِيعِ سِباعِ البَرِّ وطُيُورِ السَّماءِ ولِكُلِّ ما يَدِبُّ عَلى الأرْضِ فِيهِ نَفْسٌ حَيَّةٌ، فَكانَ كَذَلِكَ؛ وكَمَلَتِ السَّماءُ والأرْضُ وجَمِيعُ ما فِيهِما في اليَوْمِ السّادِسِ، ولَمْ يَكُنْ ظَهَرَ عَلى الأرْضِ شَيْءٌ مِن عُشْبِ الأرْضِ، لِأنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ أهْبَطَ المَطَرَ عَلى وجْهِ الأرْضِ بَعْدُ، وذَلِكَ لِأنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ خُلِقَ بَعْدُ لِيَعْمَلَ في الأرْضِ، وكانَ يَنْبُوعٌ يَظْهَرُ في قَعْرِ عَدَنَ فَيَسْقِي جَمِيعَ وجْهِ الأرْضِ.
فَجَبَلَ اللَّهُ الرَّبُّ آدَمَ مِن تُرْبَةِ الأرْضِ ونَفَخَ في وجْهِهِ نِسْمَةَ الحَياةِ فَصارَ آدَمُ ذا نَفْسٍ حَيَّةٍ وغَرَسَ اللَّهُ الرَّبُّ فِرْدَوْسًا بَعَدَنَ مِن قَبْلُ وأسْكَنَهُ آدَمَ، وأنْبَتَ اللَّهُ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَةِ المَنظَرِ شَهِيَّةِ المَأْكَلِ، وشَجَرَةَ الحَياةِ وسَطَ الفِرْدَوْسِ، وشَجَرَةَ عِلْمِ الخَيْرِ والشَّرِّ، وكانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِن عَدَنَ فَيَسْقِي الفِرْدَوْسَ وكانَ يَنْفَصِلُ مِن هُناكَ ويَنْفَرِقُ عَلى أرْبَعَةِ أطْرافٍ: اسْمُ أحَدِها سَيْحُونُ الَّذِي يُحِيطُ بِجَمِيعِ أرْضِ الهِنْدِ وتِلْكَ البِلادِ الكَثِيرَةِ، وذَهَبُ تِلْكَ الأرْضِ جَيِّدٌ جِدًّا، هُنالِكَ المَها وحَجَرُ البِلُّورِ، واسْمُ النَّهْرِ الثّانِي جَيْحُونُ الَّذِي يُحِيطُ بِجَمِيعِ أرْضِ الحَبَشَةِ، (p-٢٦٨)واسْمُ النَّهْرِ الثّالِثِ دِجْلَةُ الَّذِي يَخْرُجُ قُبالَةَ المَوْصِلِ، والنَّهْرُ الرّابِعُ الفُراتُ؛ فَتَقَدَّمَ الرَّبُّ إلى آدَمَ وقالَ لَهُ: كُلْ مِن جَمِيعِ أشْجارِ الفِرْدَوْسِ، فَأمّا شَجَرَةُ عِلْمِ الخَيْرِ والشَّرِّ فَلا تَأْكُلْ مِنها، لِأنَّكَ في اليَوْمِ الَّذِي تَأْكُلُ مِنها تَمُوتُ مَوْتًا.
وقالَ اللَّهُ: لا يَحْسُنُ أنْ يَكُونَ آدَمُ وحْدَهُ فَلْنَخْلُقْ لَهُ عَوْنًا مِثْلَهُ، فَجَمَعَ الرَّبُّ مِنَ الأرْضِ جَمِيعَ سِباعِ البَرِّ، وطَيْرَ السَّماءِ، وأقْبَلَ بِها إلى آدَمَ لِيَرى ما يُسَمِّيها، وكُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ سَمّاها آدَمُ فَذَلِكَ اسْمُها فَسَمّى الجَمِيعَ، فَألْقى اللَّهُ عَلى آدَمَ سُباتًا فَرَقَدَ، فَنَزَعَ ضِلْعًا مِن أضْلاعِهِ وأخْلَفَ لَهُ بَدَلَهُ لَحْمًا، فَخَلَقَ اللَّهُ مِنَ الضِّلْعِ الَّذِي أخَذَ مِن آدَمَ امْرَأةً، فَأقْبَلَ بِها إلى آدَمَ، فَقالَ: هَذِهِ الآنَ الَّتِي قُرِنَتْ إلَيَّ ! وفي هَذِهِ عَظْمٌ مِن عِظامِي ولَحْمٌ (p-٢٦٩)مِن لَحْمِي ! فَلْتُدْعَ امْرَأةً لِأنَّها أُخِذَتْ مِنَ الرَّجُلِ، ولِذَلِكَ يَدَعُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويَلْحَقُ بِامْرَأتِهِ ويَكُونانِ كِلاهُما جَسَدًا واحِدًا؛ وكانا كِلاهُما عُرْيانَيْنِ آدَمُ وامْرَأتُهُ ولا يَسْتَحْيِيانِ.
وكانَتِ الحَيَّةُ أعَزَّ دَوابِّ البَرِّ كُلِّها فَقالَتِ الحَيَّةُ لِلْمَرْأةِ: أحَقٌّ أنَّ اللَّهَ قالَ لَكُما: لا تَأْكُلا مِن جَمِيعِ شَجَرِ الجَنَّةِ ؟ فَقالَتِ المَرْأةُ: إنّا لَنَأْكُلُ مِن كُلِّ ثَمَرِ الجَنَّةِ، فَأمّا مِن ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الَّتِي في وسَطِ الجَنَّةِ فَإنَّ اللَّهَ قالَ لَنا: لا تَأْكُلا مِنها ولا تَقْرَباها لِكَيْلا تَمُوتا؛ قالَتِ الحَيَّةُ: لَسْتُما تَمُوتانِ، ولَكِنَّ اللَّهَ عَلِمَ أنَّكُما إنْ تَأْكُلا مِنها تَنْفَتِحْ أعْيُنُكُما وتَكُونا كالإلَهِ تَعْلَمانِ الخَيْرَ والشَّرَّ. فَرَأتِ المَرْأةُ الشَّجَرَةَ طَيِّبَةَ المَأْكَلِ شَهِيَّةً في العَيْنِ (p-٢٧٠)فَأخَذَتْ مِن ثَمَرَتِها فَأكَلَتْ وأعْطَتْ بَعْلَها فَأكَلَ، فانْفَتَحَتْ أبْصارُهُما وعَلِما أنَّهُما عُرْيانانِ، فَوَصَلا مِن ورَقِ التِّينِ وصَنَعا مَآزِرَ.
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ اللَّهَ تَعالى سَألَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ آدَمُ: المَرْأةُ الَّتِي قَرَنْتَها مَعِي هي أطْعَمَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ، فَأكَلْتُ، فَقالَ اللَّهُ الرَّبُّ لِلْمَرْأةِ: ما هَذا الَّذِي فَعَلْتِ ؟ فَقالَتِ المَرْأةُ: إنَّ الحَيَّةَ أعْطَتْنِي فَأكَلْتُ، فَقالَ لِلْحَيَّةِ: مَلْعُونَةً تَكُونِينَ مِن جَمِيعِ الدَّوابِّ ومِن كُلِّ ماشِيَةِ البَرِّ، وعَلى بَطْنِكِ تَمْشِينَ، والتُّرابَ تَأْكُلِينَ كُلَّ أيّامِ حَياتِكِ، وأغْرى العَداوَةَ بَيْنَكِ وبَيْنَ المَرْأةِ وبَيْنَ ولَدِها، ووَلَدُها يَطَأُ رَأْسَكِ وأنْتِ تَلْدَغِينَهم بِأعْقابِهِمْ ! وقالَ لِلْمَرْأةِ: أُكَثِّرُ أوْجاعَكِ وإحْبالَكِ وبِالوَجَعِ تَلِدِينَ البَنِينَ، وإلى (p-٢٧١)بَعْلِكِ تُرَدِّينَ وهو مُسَلَّطٌ عَلَيْكِ ! وقالَ لِآدَمَ: مِن أجْلِ طاعَتِكَ امْرَأتَكَ وأكْلِكَ الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْها مَلْعُونَةٌ الأرْضُ مِن أجْلِكَ بِالشَّقاءِ تَأْكُلُ مِنها كُلَّ أيّامِ حَياتِكَ أُجاجًا وشَوْكًا تُنْبِتُ لَكَ، وتَأْكُلُ عُشْبَ الأرْضِ، وبِرَشْحِ جَبِينِكَ تَأْكُلُ طَعامَكَ حَتّى تَعُودَ في الأرْضِ الَّتِي مِنها أُخِذْتَ مِن أجْلِ أنَّكَ تُرابٌ وإلى التُّرابِ تَعُودُ.
فَدَعا آدَمُ اسْمَ امْرَأتِهِ حَوّاءَ مِن أجْلِ أنَّها كانَتْ أُمَّ كُلِّ حَيٍّ، وصَنَعَ اللَّهُ الرَّبُّ لِآدَمَ وامْرَأتِهِ سَرابِيلَ مِنَ الجُلُودِ وألْبَسَهُما، فَأرْسَلَهُ مِن جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَحْرُثَ الأرْضَ الَّتِي مِنها أُخِذَ، فَأخْرَجَهُ اللَّهُ رَبُّنا وأحاطَ مِن مَشْرِقِ عَدْنٍ مَلِكًا مِنَ الكَرُوبِيِّينَ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ يَطُوفُ بِها لِيَحْرُسَ طَرِيقَ شَجَرَةِ الحَياةِ. ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَكانَ جَمِيعُ حَياةِ آدَمَ تِسْعُمِائَةٍ وثَلاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هَذا نَصُّ التَّوْراةِ. والكَرُوبُ بِوَزْنِ زَبُورٍ (p-٢٧٢)بِلُغَةِ العِبْرانِيِّينَ: الشَّخْصُ الصَّغِيرُ، فَكانَ الكَرُوبِيُّونَ المَلائِكَةَ المَنسُوبِينَ إلى مُخالَطَةِ النّاسِ بِالوَحْيِ أخْذًا مِنَ الكَرُوبَيْنِ تَثْنِيَةِ كَرُوبٍ وهُما شَخْصانِ في قُبَّةِ الزَّمانِ كانَ يُسْمَعُ كَلامُ اللَّهِ مِن بَيْنِهِما، كَما يَأْتِي قَرِيبًا.
فَإنْ أنْكَرَ مُنْكِرٌ الِاسْتِشْهادَ بِالتَّوْراةِ أوْ بِالإنْجِيلِ وعَمِيَ عَنْ أنَّ الأحْسَنَ في بابِ النَّظَرِ أنْ يُرَدَّ عَلى الإنْسانِ بِما يَعْتَقِدُ تَلَوْتُ عَلَيْهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعالى اسْتِشْهادًا عَلى كَذِبِ اليَهُودِ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فاتْلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأنْـزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] في آياتٍ مِن أمْثالِ ذَلِكَ كَثِيرَةٍ؛ وذَكَّرْتُهُ بِاسْتِشْهادِ النَّبِيِّ ﷺ التَّوْراةَ في قِصَّةِ الزّانِي كَما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ المائِدَةِ مُسْتَوْفًى. ورَوى الشَّيْخانِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «تَكُونُ الأرْضُ (p-٢٧٣)يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً نُزُلًا لِأهْلِ الجَنَّةِ، فَأتى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقالَ: بارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يا أبا القاسِمِ ! ألا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيامَةِ ؟ قالَ: بَلى. قالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً [ واحِدَةً ] كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ» . وقَرِيبٌ مِن ذَلِكَ حَدِيثُ الجَسّاسَةِ في أشْباهِهِ. هَذا فِيما يُصَدِّقُهُ كِتابُنا.
وأمّا ما لا يُصَدِّقُهُ ولا يُكَذِّبُهُ فَقَدْ رَوى البُخارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ ولا حَرَجَ» ورَواهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو مَعْنى ما في الصَّحِيحِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: (p-٢٧٤)«كانَ أهْلُ الكِتابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْراةَ بِالعِبْرانِيَّةِ ويُفَسِّرُونَها بِالعَرَبِيَّةِ لِأهْلِ الإسْلامِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ ولا تُكَذِّبُوهم، وقُولُوا: ﴿آمَنّا بِالَّذِي أُنْـزِلَ إلَيْنا وأُنْـزِلَ إلَيْكُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦]“ الآيَةَ»، فَإنَّ دَلالَةَ هَذا عَلى سُنِّيَّةِ ذِكْرِ مِثْلِ ذَلِكَ أقْرَبُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى غَيْرِها، ولِذا أخَذَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم عَنْ أهْلِ الكِتابِ.
فَإنْ فَهِمَ أحَدٌ مِنَ الشّافِعِيَّةِ مَنعَ أئِمَّتِهِمْ مِن قِراءَةِ شَيْءٍ مِنَ الكُتُبِ القَدِيمَةِ مُسْتَنِدًا إلى قَوْلِ الإمامِ أبِي القاسِمِ الرّافِعِيِّ في شَرْحِهِ: وكُتُبُ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ مِمّا لا يَحِلُّ الِانْتِفاعُ بِهِ، لِأنَّهم بَدَّلُوا وغَيَّرُوا، وكَذا قالَ غَيْرُهُ مِنَ الأصْحابِ؛ قِيلَ لَهُ: هَذا مَخْصُوصٌ بِما عُلِمَ تَبْدِيلُهُ، بِدَلِيلِ أنَّ كُلَّ مَن قالَ ذَلِكَ عَلَّلَ [ بِالتَّبْدِيلِ ]، فَدارَ الحُكْمُ مَعَهُ، ونَصُّ الشّافِعِيِّ ظاهِرٌ في ذَلِكَ، قالَ المُزَنِيُّ في مُخْتَصَرِهِ في بابِ جامِعِ السَّيْرِ: وما كانَ مِن كُتُبِهِمْ - أيِ الكُفّارِ - فِيهِ طِبٌّ وما لا مَكْرُوهَ فِيهِ؛ بِيعَ، وما (p-٢٧٥)كانَ فِيهِ شِرْكٌ؛ أُبْطِلَ، وانْتُفِعَ بِأوْعِيَتِهِ. وقالَ في الأُمِّ في سَيْرِ الواقِدَيِّ في بابِ تَرْجَمَتِهِ كُتُبَ الأعاجِمِ قالَ الشّافِعِيُّ: وما وُجِدَ مِن كُتُبِهِمْ فَهو مَغْنَمٌ كُلُّهُ، ويَنْبَغِي لِلْإمامِ أنْ يَدْعُوَ مَن يُتَرْجِمُهُ، فَإنْ كانَ عِلْمًا مِن طِبٍّ أوْ غَيْرِهِ لا مَكْرُوهَ فِيهِ باعَهُ كَما يَبِيعُ ما سِواهُ مِنَ المَغانِمِ، وإنْ كانَ كِتابَ شِرْكٍ شَقُّوا الكِتابَ فانْتَفَعُوا بِأوْعِيَتِهِ وأداتِهِ فَباعَها، ولا وجْهَ لِتَحْرِيقِهِ ولا دَفْنِهِ قَبْلَ أنْ يَعْلَمَ ما هو. انْتَهى. فَقَوْلُهُ في ”الأُمِّ“: كِتابُ شِرْكٍ، مُفْهِمٌ لِأنَّهُ كُلَّهُ شِرْكٌ، ولِهَذا عَبَّرَ المُزْنِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وما كانَ فِيهِ شِرْكٌ، أيْ في أبْوابِ الكِتابِ وفُصُولِهِ، وأدَلُّ مِن ذَلِكَ قَوْلُهم في بابِ الأحْداثِ: إنَّ حُكْمَها في مَسِّ المُحْدِثِ حُكْمُ ما نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ مِنَ القُرْآنِ في أصَحِّ الوَجْهَيْنِ، والتَّعْبِيرُ بِالأصَحِّ عَلى ما اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الوَجْهَ القائِلَ بِحُرْمَةِ مَسِّ المُحْدِثِ وحَمْلِهِ لَها قَوِيٌّ، وأدَلُّ مِن ذَلِكَ ما ذَكَرَهُ مُحَرِّرُ المَذْهَبِ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّواوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في مَسائِلَ ألْحَقَها في آخِرِ بابِ الأحْداثِ مِن شَرْحِ المُهَذَّبِ وأقَرَّهُ أنَّ المُتَوَلِّيَ قالَ: فَإنْ ظَنَّ أنَّ فِيها شَيْئًا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ. انْتَهى. فَكَراهَةَ المَسِّ لِلِاحْتِرامِ، والِاحْتِرامُ فَرْعُ جَوازِ الإبْقاءِ والِانْتِفاعِ بِالقِراءَةِ، وأصْرَحُ مِن ذَلِكَ (p-٢٧٦)كُلِّهِ قَوْلُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ ما لا مَكْرُوهَ فِيهِ يُباعُ، وكَذا قَوْلُ البَغَوِيِّ في تَهْذِيبِهِ في آخِرِ بابِ الوُضُوءِ: وكَذَلِكَ لَوْ تَكَلَّمَ - أيِ الجُنُبُ - بِكَلِمَةٍ تُوافِقُ نَظْمَ القُرْآنِ أوْ قَرَأ آيَةً نُسِخَتْ قِراءَتُها أوْ قَرَأ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ أوْ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحانَهُ أوْ صَلّى عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَجائِزٌ، قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلى كُلِّ أحْيانِهِ» فَإنَّهُ لا يُتَخَيَّلُ أنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ ما لا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ، بَلْ كُلُّ ما جازَ لِلْجُنُبِ قِراءَتُهُ مِن غَيْرِ أمْرٍ مُلْجِئٍ جازَ لِلْمُحْدِثِ ولا عَكْسَ، وتَعْلِيلُهُ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها دالٌّ عَلى أنَّ ذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى، ولا يَجُوزُ الحَمْلُ عَلى العُمُومِ لا سِيَّما إذا لُوحِظَ قَوْلُ القاضِي الحُسَيْنِ: إنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنْجاءُ بِهِما، لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى الوَجْهِ القائِلِ بِأنَّ الكُلَّ مُبَدَّلٌ؛ وهو ضَعِيفٌ أوْ مَحْمُولٌ عَلى المُبَدَّلِ مِنهُما، لِأنَّهُ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ أنَّ مُسْلِمًا فَضْلًا عَنْ عالِمٍ لا يَقُولُ: إنَّهُ يَسْتَنْجِي بِنَحْوِ قَوْلِهِ في العَشْرِ الكَلِماتِ الَّتِي صُدِّرَتْ بِها الألْواحُ قالَ اللَّهُ جَمِيعَ هَذِهِ الآياتِ كُلِّها: أنا الرَّبُّ إلَهُكَ الَّذِي أصَعَدْتُكَ مِن أرْضِ مِصْرَ مِنَ العُبُودِيَّةِ والرِّقِّ، لا تَكُونَنَّ لَكَ آلِهَةٌ غَيْرِي، لا تَعْمَلَنَّ شَيْئًا مِنَ الأصْنامِ والتَّماثِيلِ الَّتِي مِمّا في السَّماءِ فَوْقُ وفي (p-٢٧٧)الأرْضِ مِن تَحْتُ ومِمّا في الماءِ أسْفَلَ الأرْضِ، لا تَسْجُدَنَّ لَها ولا تَعْبُدَنَّها، لِأنِّي أنا الرَّبُّ إلَهُكَ إلَهٌ غَيُورٌ، لا تُقْسِمْ بِالرَّبِّ إلَهِكَ كَذِبًا، لِأنَّ الرَّبَّ لا يُزَكِّي مَن حَلَفَ بِاسْمِهِ كَذِبًا، أكْرِمْ أباكَ وأُمَّكَ لِيَطُولَ عُمْرُكَ في الأرْضِ الَّتِي يُعْطِيكُها الرَّبُّ إلَهُكَ، لا تَقْتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسْرِقْ، لا تَشْهَدْ عَلى صاحِبِكَ شَهادَةَ زُورٍ.
وقَدْ أشْبَعَ الكَلامَ في المَسْألَةِ شَيْخُنا حافِظُ عَصْرِهِ أبُو الفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ في آخِرِ شَرْحِهِ لِلْبُخارِيِّ. وآخِرُ ما حَطَّ عَلَيْهِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَن رَسَخَ قَدَمُهُ في العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ - فَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ في ذَلِكَ، فَإنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مِنهُ ما يَنْتَفِعُ بِهِ المُهْتَدُونَ - وبَيْنَ غَيْرِهِ فَلا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وأيَّدَهُ بِنَظَرِ الأئِمَّةِ فِيهِما قَدِيمًا وحَدِيثًا والرَّدِّ عَلى أهْلِ الكِتابَيْنِ بِما يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنهُما؛ فَلَوْلا جَوازُ ذَلِكَ ما أقْدَمُوا عَلَيْهِ - واللَّهُ المُوَفِّقُ وقَدْ حَرَّرْتُ المَسْألَةَ في فَنِّ المَرْفُوعِ مِن حاشِيَتِي عَلى شَرْحِ ألْفِيَّةِ الشَّيْخِ زَيْنِ الدَّيْنِ العِراقِيِّ فَراجِعْهُ إنْ شِئْتَ - واللَّهُ الهادِي؛ ثُمَّ صَنَّفْتُ في ذَلِكَ تَصْنِيفًا حَسَنًا سَمَّيْتُهُ ”الأقْوالَ القَوِيمَةَ في حُكْمِ النَّقْلِ مِنَ الكُتُبِ القَدِيمَةِ“ .
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أنَّ التَّوْراةَ ثَلاثُ نُسَخٍ مُخْتَلِفَةِ اللَّفْظِ مُتَقارِبَةِ المَعْنى إلّا يَسِيرًا: إحْداها تُسَمّى تَوْراةَ السَّبْعِينَ، وهي الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْها اثْنانِ (p-٢٧٨)وسَبْعُونَ حَبْرًا مِن أحْبارِهِمْ؛ وذَلِكَ أنَّ بَعْضَ اليُونانِ مِن مُلُوكِ مِصْرَ سَألَ بَعْضَ مُلُوكِ اليَهُودِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ أنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ عَدَدًا مِن حُفّاظِ التَّوْراةِ، فَأرْسَلَ إلَيْهِ اثْنَيْنِ وسَبْعِينَ حَبْرًا، فَأخْلى كُلَّ اثْنَيْنِ مِنهم في بَيْتٍ ووَكَّلَ بِهِمْ كُتّابًا وتَراجِمَةً، فَكَتَبُوا التَّوْراةَ بِلِسانِ اليُونانِ، ثُمَّ قابَلَ بَيْنَ نُسَخِهِمُ السِّتَّةِ والثَّلاثِينَ فَكانَتْ مُخْتَلِفَةَ اللَّفْظِ مُتَّحِدَةَ المَعْنى، فَعَلِمَ أنَّهم صَدَقُوا ونَصَحُوا، وهَذِهِ النُّسْخَةُ تُرْجِمَتْ بَعْدُ بِالسُّرْيانِيِّ ثُمَّ بِالعَرَبِيِّ وهي في أيْدِي النَّصارى؛ والنُّسْخَةُ الثّانِيَةُ نُسْخَةُ اليَهُودِ مِنَ الرَّبّانِيِّينَ والقَرّائِينَ، والنُّسْخَةُ الثّالِثَةُ نُسْخَةُ السّامِرَةِ؛ وقَدْ نَبَّهَ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ الإمامُ السَّمَرْقَنْدِيُّ في الصَّحائِفِ واسْتَشْهَدَ بِكَثِيرٍ مِن نُصُوصِ التَّوْراةِ عَلى كَثِيرٍ مِن مَسائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وكَذا الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتازانِيُّ في شَرْحِ المَقاصِدِ، والقاضِي عِياضٌ في كِتابِ الشِّفاءِ وغَيْرُهم.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ أكْثَرَ ما ذَكَرْتُهُ في كِتابِي هَذا مِن نُسْخَةٍ وقَعَتْ لِي لَمْ أدْرِ اسْمَ مُتَرْجِمِها. عَلى حَواشِي فُصُولِها الأوْقاتُ الَّتِي تُقْرَأُ فِيها، فالظّاهِرُ أنَّها نُسْخَةُ اليَهُودِ وهي قَدِيمَةٌ جِدًّا، فَكانَ في الوَرَقَةِ الأُولى مِنها مَحْوٌ في أطْرافِ الأسْطُرِ فَكَمَّلْتُهُ مِن نُسْخَةِ السَّبْعِينَ، ثُمَّ قابَلْتُ نُسْخَتِي كُلَّها مَعَ (p-٢٧٩)بَعْضِ اليَهُودِ الرَّبّانِيِّينَ عَلى تَرْجَمَةِ سَعِيدٍ الفَيُّومِيِّ وهي عِنْدَهم أحْسَنُ التَّراجِمِ لَوْ كانَ هو القارِئَ، فَوَجَدْتُ نُسْخَتِي أقْرَبَ إلى حَقائِقِ لَفْظِ العِبْرانِيِّ ومُتَرْجِمُها أقْعَدُ مِن سَعِيدٍ في لُغَةِ العَرَبِ، هَذا وظاهِرُ القُرْآنِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩] أنَّ الأمْرَ بِالسُّجُودِ لَهُ كانَ قَبْلَ إتْمامِ خَلْقِهِ وأنَّ السُّجُودَ كانَ عَقِبَ النَّفْخِ، وبِهِ صَرَّحَ البَغَوِيُّ في تَفْسِيرِهِ، وأجابَ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ الأعْرافِ ﴿ولَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكم ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ [الأعراف: ١١] بِأجْوِبَةٍ، مِنها: أنَّ الخَلْقَ والتَّصْوِيرَ لِآدَمَ وحْدَهُ، وذَكَرَهَ بِضَمِيرِ الجَمْعِ لِأنَّهُ أبُو البَشَرِ فَخَلْقُهُ خَلْقُهم وتَصْوِيرُهُ تَصْوِيرُهم؛ ومِنها: أنَّ ”ثُمَّ“ بِمَعْنى الواوِ لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ. انْتَهى. والتَّصْوِيرُ شَقُّ السَّمْعِ والبَصَرِ والأصابِعِ، قالَهُ يِمانٌ، والتَّسْوِيَةُ تَعْدِيلُ الخَلْقِ وإتْمامُهُ وتَهْيِئَتُهُ لِنَفْخِ الرُّوحِ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ ”خَلَقْناكم“ وما بَعْدَهُ بِمَعْنى قَدَّرْنا ذَلِكَ تَقْدِيرًا قَرِيبًا مِنَ الإخْراجِ مِنَ (p-٢٨٠)العَدَمِ؛ وبِذَلِكَ يَتَّضِحُ قَوْلُهُ في التَّوْراةِ: فَخَلَقَ آدَمَ بِصُورَتِهِ ذَكَرًا وأُنْثى، ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لِأنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ خُلِقَ بَعْدُ، ثُمَّ حَكى خَلْقَهُ وخَلْقَ زَوْجِهِ مِنهُ؛ فَهَذا خَلْقٌ بِمَعْنى الإيجادِ، وذَلِكَ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ القَرِيبِ مِنهُ - والتَّهْيِئَةُ لِقَبُولِ الغاياتِ - واللَّهُ أعْلَمُ. ومَشى البَيْضاوِيُّ عَلى أنَّ الأمْرَ بِالسُّجُودِ كانَ بَعْدَ الإنْباءِ بِالأسْماءِ ولَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا يَصْرِفُ عَنْ هَذا الظّاهِرِ عَلى أنَّ المَشْيَ عَلَيْهِ أوْلى مِن جِهَةِ المَعْنى، لِأنَّ سُجُودَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَبْلُ يَكُونُ إيمانًا بِالغَيْبِ عَلى قاعِدَةِ التَّكالِيفِ، وأمّا بَعْدَ إظْهارِ فَضِيلَةِ العِلْمِ فَقَدْ كُشِفَ الغِطاءُ وصارَ وجْهُ الفَضْلِ مِن بابِ عَيْنِ اليَقِينِ؛ وأمّا التَّرْتِيبُ في الذِّكْرِ هُنا عَلى هَذا الوَجْهِ وهو جَعْلُ السُّجُودِ بَعْدَ الإنْباءِ فَهو لِنُكْتَةٍ بَدِيعَةٍ وهي أنَّهُ تَعالى لَمّا كانَ في بَيانِ النِّعَمِ الَّتِي أوْجَبَتْ شُكْرَهُ بِاخْتِصاصِهِ بِالعِبادَةِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا فَبَيَّنَ أوَّلًا نِعْمَتَهُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ في خاصَّتِها بِخَلْقِها وإفاضَةِ الرِّزْقِ عَلَيْها.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق