الباحث القرآني

﴿وَإذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ أيِ: اخْضَعُوا لَهُ، وأقِرُّوا بِالفَضْلِ لَهُ. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: كانَ ذَلِكَ انْحِناءً، ولَمْ يَكُنْ خُرُورًا عَلى الذَقَنِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ المَأْمُورَ بِهِ وضْعُ الوَجْهِ عَلى الأرْضِ. وكانَ السُجُودُ تَحِيَّةً لِآدَمَ -عَلَيْهِ السَلامُ- في الصَحِيحِ، إذْ لَوْ كانَ لِلَّهِ تَعالى لَما امْتَنَعَ عَنْهُ إبْلِيسُ. وكانَ سُجُودُ التَحِيَّةِ جائِزًا فِيما مَضى، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ ﷺ لِسَلْمانَ حِينَ أرادَ أنْ يَسْجُدَ لَهُ: « "لا يَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ أنْ يَسْجُدَ لِأحَدٍ إلّا لِلَّهِ تَعالى". »﴿فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ﴾ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ، لِأنَّهُ كانَ مِنَ المَلائِكَةِ، كَذا قالَهُ عَلِيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- ولِأنَّ الأصْلَ أنَّ الِاسْتِثْناءَ يَكُونُ مِن جِنْسِ المُسْتَثْنى مِنهُ. ولِهَذا قالَ: ﴿ما مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ﴾ [الأعْرافُ: ١٢] وقَوْلُهُ: ﴿كانَ مِنَ الجِنِّ﴾ [الكَهْفُ: ٥٠] مَعْناهُ: صارَ مِنَ الجِنِّ كَقَوْلِهِ: ﴿فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾ [هُودٌ: ٤٣] وقِيلَ: الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ المَلائِكَةِ، بَلْ كانَ مِنَ الجِنِّ بِالنَصِّ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ وقَتادَةَ، ولِأنَّهُ خُلِقَ مِن نارٍ، والمَلائِكَةُ خُلِقُوا مِنَ النُورِ، ولِأنَّهُ أبى، وعَصى، واسْتَكْبَرَ، والمَلائِكَةُ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أمَرَهُمْ، ولا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ، ولِأنَّهُ قالَ: ﴿أفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أوْلِياءَ مِن دُونِي﴾ [الكَهْفُ: ٥٠] ولا نَسْلَ لِلْمَلائِكَةِ. وعَنِ الجاحِظِ أنَّ الجِنَّ والمَلائِكَةَ جِنْسٌ واحِدٌ، فَمَن طَهُرَ مِنهم فَهو مَلَكٌ، ومَن خَبُثَ فَهو شَيْطانٌ، ومَن كانَ بَيْنَ بَيْنٍ فَهو جِنٌّ ﴿أبى﴾ امْتَنَعَ مِمّا أمَرَ بِهِ ﴿واسْتَكْبَرَ﴾ تَكَبَّرَ عَنْهُ ﴿وَكانَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ وصارَ مِنَ الكافِرِينَ بِإبائِهِ، واسْتِكْبارِهِ، ورَدِّهِ الأمْرَ، لا بِتَرْكِ العَمَلِ بِالأمْرِ، لِأنَّ تَرْكَ السُجُودِ لا يَخْرُجُ مِنَ الإيمانِ، ولا يَكُونُ كُفْرًا عِنْدَ أهْلِ السُنَّةِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ والخَوارِجِ، أوْ كانَ مِنَ الكافِرِينَ في عِلْمِ اللهِ، أيْ: وكانَ في عِلْمِ اللهِ أنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَ إيمانِهِ، لا لِأنَّهُ كانَ (p-٨١)كافِرًا أبَدًا في عِلْمِ اللهِ. وهي مَسْألَةُ المُوافاةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب