الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ "لِلْمَلَائِكَةُ اسْجُدُوا" بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى جِوَارِ أَلِفِ اسْجُدُوا وَكَذَلِكَ قَرَأَ ﴿قُلْ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ (١١٢-الْأَنْبِيَاءِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَضَعَّفَهُ النُّحَاةُ جِدًّا وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَلَطِ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ أَيِّ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ مَعَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ (٣٠-الْحِجْرِ) وَقَوْلُهُ: ﴿اسْجُدُوا﴾ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وَتَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، كَسُجُودِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (١٠٠-يُوسُفَ) وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إِنَّمَا كَانَ الِانْحِنَاءُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿اسْجُدُوا لَآدَمَ﴾ أَيْ إِلَى آدَمَ فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً، وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ﴿فَسَجَدُوا﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ: الْحَارِثُ، فَلَمَّا عَصَى غُيِّرَ اسْمُهُ وَصُورَتُهُ فَقِيلَ: إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يَئِسَ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ (٥٠-الْكَهْفِ) فَهُوَ أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَالْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ، وَلِأَنَّ لَهُ ذُرِّيَّةً وَلَا ذُرِّيَّةَ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ [[انظر الطبري: ١ / ٥٠٢-٥٠٨ والوسيط في تفسير القرآن للواحدي ١ / ٨٢.]] لِأَنَّ خِطَابَ السُّجُودِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَوْلُهُ ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ: قَوْمٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَصُوغُونَ حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِرْقَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ خُلِقُوا مِنَ النَّارِ سُمُّوا جِنًّا لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَإِبْلِيسُ كَانَ مِنْهُمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ (١٥٨-الصَّافَّاتِ) وَهُوَ قولهم: الملائكة ٩/ب بَنَاتُ اللَّهِ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُعِلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ. قَوْلُهُ: ﴿أَبَى﴾ أَيِ امْتَنَعَ فَلَمْ يَسْجُدْ ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ أَيْ تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ ﴿لِآدَمَ﴾ [[زيادة من ب.]] ﴿وَكَانَ﴾ أَيْ: صَارَ ﴿مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: وَكَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ وَجَبَتْ لَهُمُ الشَّقَاوَةُ. أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ أنا ابن الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا وَيْلَهْ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ" [[أخرجه مسلم في الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (١٣٣) ١ / ٨٧ وأخرجه المصنف في شرح السنة: ٣ / ١٤٧.]] قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ مَنْ يُجَانِسُهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَخَلَقَ اللَّهُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ مِنْ قُصَيْرَاءِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَسُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ، خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَحَسَّ بِهِ آدَمُ وَلَا وَجَدَ لَهُ أَلَمًا، وَلَوْ وَجَدَ لَمَا عَطَفَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ قَطُّ فَلَمَّا هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ رَآهَا جَالِسَةً عِنْدَ رَأْسِهِ (كَأَحْسَنِ مَا فِي) [[في ب: كأحسن ما خلقها الله.]] خَلْقِ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ زَوْجَتُكَ خَلَقَنِي اللَّهُ لَكَ تَسْكُنُ إِلَيَّ وَأَسْكُنُ إِلَيْكَ [[تذكر معظم كتب التفسير هذه القصة عند تفسير هذه الآية، ويقول أبو حيان في البحر المحيط: ١ / ١٥٦ "وفي هذه القصة زيادات ذكرها المفسرون، لا نطول بذكرها، لأنها ليست مما يتوقف عليها مدلول الآية ولا تفسيرها". ونلحظ أن هذه الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها وحجبها عنا، ليس بين أيدينا ما يدل عليها من النصوص الصحيحة.. فأين كان هذا الذي كان؟ وما الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه حينا من الزمان؟ ومن هم الملائكة؟ ومن هو إبليس؟ كيف قال الله تعالى لهم ذلك؟ وكيف أجابوه؟ وكيف تم خلق حواء؟ .. إلخ.. إلخ هذا كله يحتاج إلى نص ثابت. وغالب ما يروى من آثار حولها لا يخلو من مقال أو هو من الإسرائيليات، فحسبنا ما جاءت به النصوص، ونكل علم ما رآها إلى الله سبحانه. وانظر: في ظلال القرآن: ١ / ٥٩.]] ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا﴾ وَاسِعًا كَثِيرًا ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ كَيْفَ شِئْتُمَا وَمَتَى شِئْتُمَا وَأَيْنَ شِئْتُمَا ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ يَعْنِي لِلْأَكْلِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الشَّجَرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ السُّنْبُلَةُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ شَجَرَةُ الْعِنَبِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: شَجَرَةُ التِّينِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: شَجَرَةُ الْعِلْمِ وَفِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: شَجَرَةُ الْكَافُورِ [[قال ابن جرير الطبري في التفسير: "الصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة. فأنى يأتي ذلك؟ وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم، إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به"، وكذلك رجح الإبهام الرازي في تفسيره وغيره من المفسرين وهو الصواب. انظر: تفسير الطبري بتحقيق محمود شاكر: ١ / ٥٢٠-٥٢١، تفسير ابن كثير: ١ / ١٤٦.]] ﴿فَتَكُونَا﴾ فَتَصِيرَا ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أَيِ الضَّارِّينَ بِأَنْفُسِكُمَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ، وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ اسْتَزَلَّ ﴿الشَّيْطَانُ﴾ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَيْ دَعَاهُمَا إِلَى الزَّلَّةِ: وَقَرَأَ حَمْزَةُ: فَأَزَالُهُمَا، أَيْ نَحَّاهُمَا "الشَّيْطَانُ" فَيْعَالُ مِنْ شَطَنَ، أَيْ: بَعُدَ، سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ عَنِ الْخَيْرِ وَعَنِ الرَّحْمَةِ، ﴿عَنْهَا﴾ عَنِ الْجَنَّةِ ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ النَّعِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ لِيُوَسْوِسَ ﴿إِلَى﴾ [[زيادة من (ب) .]] آدَمَ وَحَوَّاءَ فَمَنَعَتْهُ الْخَزَنَةُ فَأَتَى الْحَيَّةَ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لِإِبْلِيسَ وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الدَّوَابِّ، لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ كَقَوَائِمِ الْبَعِيرِ، وَكَانَتْ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ فَسَأَلَهَا إِبْلِيسُ أَنْ تُدْخِلَهُ فَمَهَا فَأَدْخَلَتْهُ وَمَرَّتْ بِهِ عَلَى الْخَزَنَةِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا رَآهُمَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ آدَمُ حِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ قَالَ: لَوْ أَنَّ خُلْدًا، فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِ الْخُلْدِ فَلَمَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ إِبْلِيسُ فَبَكَى وَنَاحَ نِيَاحَةً أَحْزَنَتْهُمَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ فَقَالَا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَيْكُمَا تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ. فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا فَاغْتَمَّا وَمَضَى إِبْلِيسُ ثُمَّ أَتَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ؟ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، وَقَاسَمَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُ لَهُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَاغْتَرَّا وَمَا ظَنَّا أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا، فَبَادَرَتْ حَوَّاءُ إِلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَاوَلَتْ آدَمَ حَتَّى أَكَلَهَا. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ وَلَكِنْ حَوَّاءُ سَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى إِذَا سَكِرَ قَادَتْهُ إِلَيْهَا فَأَكَلَ [[هذا الخلاف في كيفية وسبب أكل آدم من الشجرة المنهي عنها، والذي أكثر المفسرون من القصص حوله، لم يثبت فيه خبر صحيح، وهو من علم الغيب الذي يحتاج إلى نقل ثابت بشأنه، ولعل هذه القصص مأخوذة من الإسرائيليات، وكون آدم شرب الخمر فكان في غير عقله، غير صحيح، لأن خمر الجنة لا غول فيها، والصحيح أنه نسي وأكل كما أخبر الله تعالى عنه، انظر: أحكام القرآن لابن العربي: ١ / ١٩ والمحرر الوجيز لابن عطية: ١ / ٢٥٤-٤٥٦، والبحر المحيط لأبي حبان: ١ / ١٦١، وقد فند الشيخ محمد أبو شهبة الروايات الإسرائيلية في تفسير هذه الآية "فأزلهما الشيطان" انظر كتابه: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير: ٢٥٠-٢٥١.]] . قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: أَوْرَثَتْنَا تِلْكَ الْأَكْلَةُ حُزْنًا طَوِيلًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِآدَمَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَبَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا، قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ لَا تَنَالُ الْعَيْشَ إِلَّا كَدًّا فَأُهْبِطَا مِنَ الْجَنَّةِ وَكَانَا يَأْكُلَانِ فِيهَا رَغَدًا فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ، وَأُمِرَ بِالْحَرْثِ فَحَرَثَ فِيهَا وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَصَدَ ثُمَّ دَاسَهُ ثُمَّ ذَرَاهُ ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَلَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ قَالَ: فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا وَدَمَيْتُهَا [[في ب: أدميتها.]] فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَرَنَّتْ [[صوتت.]] حَوَّاءُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى بَنَاتِكِ [[أخرجه عن ابن عباس: الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٨١ وذكره الواحدي في الوسيط بسنده عن ابن عباس: ١ / ٨٥-٨٦، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ١ / ١٣٢ لابن منيع وابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن المنذر وأبي الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس.]] فَلَمَّا أَكَلَا ﴿تَهَافَتَتْ﴾ [[في ب سقطت.]] عَنْهُمَا ثِيَابُهُمَا وَبَدَتْ سَوْآتُهُمَا وَأُخْرِجَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا﴾ أَيِ انْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ، فَهَبَطَ آدَمُ بِسَرَنْدِيبَ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ نُودٌ، وَحَوَّاءُ بِجُدَّةَ وَإِبْلِيسُ بِالْأَيْلَةِ وَالْحَيَّةُ بِأَصْفَهَانَ [[في ذلك آثار عن السدي والحسن بأسانيد لا تثبت. انظر: تفسير ابن كثير: ١ / ١٤٧ بتخريج الوادعي.]] ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ أَرَادَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي بَيْنَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَالْحَيَّةِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (٢٢-الْأَعْرَافِ) . أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ عِكْرِمَةُ: لَا أَعْلَمَهُ إِلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَقَالَ: مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ فَلَيْسَ مِنَّا [[أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب قول الله تعالى: "وبث فيهما من كل دابة": ٦ / ٣٤٧ ومسلم في الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب ... برقم (١١٩٨) عن ابن عمرو بروايات مختلفة: ٢ / ٨٥٦.]] وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْحَدِيثِ: مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ [وَرُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، =رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" [[أخرجه مسلم في السلام - باب قتل الحيات وغيرها، برقم (٢٢٣٦) : ٤ / ١٧٥٦ عن أبي سعيد بلفظ: "إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا، فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا، فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان".]] ] [[زيادة من ب.]] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ مَوْضِعُ قَرَارٍ ﴿وَمَتَاعٌ﴾ بُلْغَةٌ وَمُسْتَمْتَعٌ ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إِلَى انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ ﴿فَتَلَقَّى﴾ تَلَقَّى وَالتَّلَقِّي: هُوَ قَبُولٌ عَنْ فِطْنَةٍ وَفَهْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ التَّعَلُّمُ ﴿آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: آدَمُ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَكَلِمَاتٍ بِخَفْضِ التَّاءِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: آدَمَ بِالنَّصْبِ، كَلِمَاتٌ بِرَفْعِ التَّاءِ يَعْنِي جَاءَتِ الْكَلِمَاتُ آدَمَ مِنْ رَبِّهِ، وَكَانَتْ سَبَبَ تَوْبَتِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: هِيَ قَوْلُهُ "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا" الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: هِيَ قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ ﴿التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [[في ب الغفور.]] . لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [[قال ابن جرير الطبري، رحمه الله، بعد أن ساق الأقوال ونسبها لقائليها: "وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه، وإن كانت مختلفة الألفاظ، فإن معانيها متفقة في أن الله جل ثناؤه لقى آدم كلمات، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن، وتاب، =بقيله إياهن وعمله بهن، إلى الله من خطيئته، معترفا بذنبه متنصلا إلى ربه من خطيئته، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره، فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه، وندمه على ما سالف الذنب منه. والذي يدل عليه كتاب الله: أن الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه، هن الكلمات التي أخبر الله عنه أنه قالها متنصلا بقيلها إلى ربه، معترفا بذنبه، وهو قوله "ربنا ظلمنا أنفسنا" وليس ما قاله من خالف قولنا هذا - من الأقوال التي حكيناها - بمدفوع قوله، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها، فيجوز لنا إضافته إلى آدم، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه" تفسير الطبري: ١ / ٥٤٦، وانظر: التفسير الوسيط للواحدي ١ / ٨٧، ابن كثير: ١ / ١٤٩. الإسرائيليات والموضوعات للشيخ محمد أبو شهبة ص٢٥٤.]] وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هِيَ أَنَّ آدَمَ قَالَ يَا رَبِّ أَرَأَيْتَ مَا أَتَيْتُ أَشَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي أَمْ شَيْءٌ قَدَّرْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَلْ شَيْءٌ قُدَّرْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ. قَالَ يَا رَبِّ فَكَمَا قَدَّرْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي فَاغْفِرْ لِي [[انظر: تفسير ابن كثير: ١ / ١٤٩، الطبري: ١ / ٥٤٥، الوسيط للواحدي: ١ / ٨٧.]] . وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْحَيَاءُ وَالدُّعَاءُ وَالْبُكَاءُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَكَى آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَى مَا فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَلَمْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يقرب آدم ١٠/أحَوَّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ، وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالُوا: لَوْ أَنَّ دُمُوعَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ ﴿لَكَانَتْ﴾ [[في (أ) لكان.]] دُمُوعُ دَاوُدَ أَكْثَرَ حَيْثُ أَصَابَ الْخَطِيئَةَ وَلَوْ أَنَّ دُمُوعَ دَاوُدَ وَدُمُوعَ أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ آدَمَ أَكْثَرَ حَيْثُ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ آدَمَ لَمَّا ﴿هَبَطَ﴾ [[في (ب) أهبط.]] إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى [[انظر: الدر المنثور: ١ / ١٤١-١٤٢.]] قَوْلُهُ: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ﴾ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ ﴿الرَّحِيمُ﴾ بِخَلْقِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب