(واخْتَلَفُوا) فِي: ضَمَّ تاءِ ﴿لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا﴾ حَيْثُ جاءَ، وذَلِكَ في خَمْسَةِ مَواضِعَ هَذا أوَّلُها. والثانِي في الأعْرافِ، والثالِثُ في سُبْحانَ، والرابِعُ في الكَهْفِ، والخامِسُ في طه. فَقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ مِن رِوايَةِ ابْنِ جَمّازٍ، ومِن غَيْرِ طَرِيقِ هِبَةِ اللَهِ، وغَيْرِهِ عَنْ عِيسى بْنِ ورْدانَ بِضَمِّ التاءِ حالَةَ الوَصْلِ اتِّباعًا. ورَوى هِبَةُ اللَهِ، وغَيْرُهُ عَنْ عِيسى عَنْهُ إشْمامَ كَسْرَتِها الضَمَّ، والوَجْهانِ صَحِيحانِ عَنِ ابْنِ ورْدانَ نَصَّ عَلَيْهِما غَيْرُ واحِدٍ.
وَوَجْهُ الإشْمامِ أنَّهُ أشارَ إلى الضَمِّ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الهَمْزَةَ المَحْذُوفَةَ الَّتِي هي هَمْزَةُ الوَصْلِ مَضْمُومَةٌ حالَةَ الِابْتِداءِ. ووَجْهُ الضَمِّ أنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا الِانْتِقالَ مِنَ الكَسْرَةِ إلى الضَمَّةِ إجْراءً لِلْكَسْرَةِ اللازِمَةِ مُجْرى العارِضَةِ، وذَلِكَ لُغَةُ أزْدِ شَنُوءَةَ عَلَّلَها أبُو البَقاءِ أنَّهُ نَوى الوَقْفَ عَلى التاءِ فَسَكَّنَها ثُمَّ حَرَّكَها بِالضَمِّ اتِّباعًا لِضَمَّةِ الجِيمِ، وهَذا مِن إجْراءِ الوَصْلِ مُجْرى الوَقْفِ. ومِثْلُهُ ما حُكِيَ عَنِ امْرَأةٍ رَأتْ نِساءً مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَقالَتْ: أفِي سَوْءَةٍ أتَيْنَهُ بِفَتْحِ التاءِ كَأنَّها نَوَتِ الوَقْفَ عَلى التاءِ، ثُمَّ ألْقَتْ عَلَيْها حَرَكَةَ الهَمْزَةِ وقِيلَ: إنَّ التاءَ تُشْبِهُ ألِفَ الوَصْلِ لِأنَّ الهَمْزَةَ تَسْقُطُ في الدَرْجِ لِأنَّها لَيْسَتْ بِأصْلٍ وتاءُ ﴿المَلائِكَةِ﴾ [البقرة: ٣١] تَسْقُطُ أيْضًا لِأنَّها لَيْسَتْ بِأصْلٍ، وقَدْ ورَدَ المَلائِكُ بِغَيْرِ تاءٍ فَلَمّا أشْبَهَتْها ضُمَّتْ كَما تُضَمُّ هَمْزَةُ الوَصْلِ، ولا التِفاتَ إلى قَوْلِ الزَجّاجِ، ولا إلى قَوْلِ الزَمَخْشَرِيِّ إنَّما تُسْتَهْلَكُ حَرَكَةُ الإعْرابِ بِحَرَكَةِ الِاتِّباعِ إلّا في لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ كَقَوْلِهِمُ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: ٢]: لِأنَّ أبا جَعْفَرٍ إمامٌ كَبِيرٌ أخَذَ قِراءَتَهُ عَنْ مِثْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، وغَيْرِهِ كَما تَقَدَّمَ، وهو لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ القِراءَةِ، بَلْ قَدْ قَرَأ بِها غَيْرُهُ مِنَ السَلَفِ ورَوَيْناها عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ (p-٢١١)الكِسائِيِّ مِن طَرِيقِ أبِي خالِدٍ، وقَرَأ بِها أيْضًا الأعْمَشُ، وقَرَأْنا لَهُ بِها مِن كِتابِ المُبْهِجِ، وغَيْرِهِ، وإذا ثَبَتَ مِثْلُهُ في لُغَةِ العَرَبِ فَكَيْفَ يُنْكَرُ ؟، وقَرَأ الباقُونَ بِإخْلاصِ كَسْرِ التاءِ في المَواضِعِ المَذْكُورَةِ.
وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُ أبِي عَمْرٍو في إدْغامِ ﴿حَيْثُ شِئْتُما﴾ [البقرة: ٣٥] في بابِ الإدْغامِ الكَبِيرِ وأنَّ الإدْغامَ يَمْتَنِعُ لَهُ مَعَ الهَمْزِ وأنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ، وفي نَحْوِهِ الإشْمامُ والرَوْمُ وتَرْكُهُما، والمَدُّ والقَصْرُ في حَرْفِ اللِينِ قَبْلُ وأنَّ الإظْهارَ يُقْرَأُ مَعَ الهَمْزِ والإبْدالِ كُلُّ ذَلِكَ في بابِ الإدْغامِ الكَبِيرِ.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}