الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٧٠، ٧١].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء ١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٧٠، ٧١].
أما بعد أيها الإخوة، فلقد تكرمتم علينا بالمشاركة لكم في مثل هذه الأمسية لأجل اللقاء بكم، وإننا لنحمد الله عز وجل أن جعل في هذا البلد وفي غيره من بلاد هذه المملكة، بل وفي غيرها من بلاد الإسلام، جعل فيهم في هذا العهد القريب صحوة إسلامية شبابية، والشباب هم رجال المستقبل؛ هذه الصحوة- ولله الحمد- لا نشك في أن وجهتها وهدفها الوصول إلى تطبيق كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ تطبيقًا مترجمًا بعقيدة القلوب وأقوال الألسن وأعمال الجوارح، هذا الهدف الأسمى الذي سادت به هذه الأمة في صدرها جميع أمم العالم، هذا الهدف الذي أرسل الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب؛ فإن الله عز وجل يقول: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]، وبين الله عز وجل في آيتين من القرآن الكريم أن الله أرسل محمدًا ﷺ ﴿بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة ٣٣]، أتدرون ما الهدى؟ وما دين الحق؟
إن الهدى هو العلم النافع؛ لأن العلم النافع يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل، وأما دين الحق فإنه العمل الصالح، العمل الصالح الموافق لمرضات الله عز وجل؛ لأن الدين يُطلق على العمل، ويطلق على الجزاء على العمل؛ ففي قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]، الدين هنا هو العمل الذي يعمله الإنسان ليُدان به، وأما الدين في قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار ١٧ - ١٩] الدين في هذه الآيات يُراد به الجزاء على الأعمال، ومن الحكم المشهورة «كَمَا تَدِينُ تُدَانُ» »[[أخرجه معمر في الجامع (٢٠٢٦٢) من حديث أبي قلابة مرفوعًا رضي الله عنه.]].
أيها الإخوة، إنني أحمد الله وأشكره أن جعل في بلادنا هذه وفي بلاد عامة المسلمين تلك الصحوة الشبابية التي هدفها الوصول إلى تطبيق كتاب الله وسنة رسوله ﷺ في العقيدة وفي القول وفي العمل، وإنه يجب على العلماء أمام تلك العزمة من أولئك الشباب، يجب على العلماء الذين وفقهم الله عز وجل وهداهم بما بنوا عليه علمهم من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، يجب على العلماء أمام هذه الصحوة وأمام تلك العزيمة أن يكونوا قادة لهؤلاء الشباب يقودونهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم وإلى اتباع الحكمة، والحكمة هي العلم والصواب، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرًا.
إن العلم وحده بدون العمل لا يجدي شيئًا، وإن العلم وحده بدون الحكمة قد يكون الإنسان فيه إما متجاوزًا لحده في تقصير أو زيادة.
أيها الإخوة، وإن من نِعمة الله علينا في هذه البلاد أن يسّر الله لنا الوصول إلى ما نريده في أي مكان من ربوع هذه البلاد لسهولة المواصلات ولله الحمد، فينبغي بل يجب على أهل العلم أن يكونوا دائمًا مع هؤلاء الشباب حتى يكون في مسيرهم أو حتى يجتمع في مسيرهم حكمة الشيوخ ونشاط الشباب وقوتهم وعزمهم، ولقد كانت هذه المحاضرة، وأنا لا أعتقدها محاضرة، ولكني أسميها مقابَلة، حتى لا تُحسب عليَّ ولا عليكم، إنها مقابلة أريد أن أتكلم فيها على شيء عام ولم يكن في ذهني شيء إلا أنني أردت الآن أن أتكلم عن هذه الصلوات التي نصليها كل يوم، فرْضًا ونفلًا في المساجد وفي البيوت، لا أريد أن أتكلم عن حكمها فالحكم فيها بيِّن، وهي أحد أركان الإسلام العظيمة بل هي الركن العملي الوحيد الذي يكون تاركه كافرًا بالله تعالى كفرًا مخرجًا عن الملة؛ لأن أركان الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فالأركان الثلاثة الأخيرة: إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت اختلف العلماء -رحمهم الله- في حكم تاركها لا جحدًا لوجوبها ولكن تهاونًا بها، ولكن القول الراجح: أن تاركها لا يكفر، وأما الصلاة فإن الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما حُكي من إجماع الصحابة رضي الله عنهم يدل على أن تارك الصلاة كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وإن كان مُقرًّا بوجوبها، ولكني أريد أن أتكلم عن هذه الصلاة ماذا يُقال فيها؟ وماذا يُفعل فيها؟ وما الهدف منه؟ وكيف كانت صلةً بين الإنسان وبين ربه؟ ولماذا اعتنى الشارع فيها هذه العناية العظيمة؟
ذلك لأن الله -عز وجل- فرض على محمد ﷺ رسول الله فرض عليه هذه الصلاة من الله تعالى إلى رسوله ﷺ من غير واسطة، وفي أي مكان فرضها عليه؟ هل فرضها عليه ومحمد في الأرض؟
لا، فرضها عليه ومحمد ﷺ فوق السماوات السبع، وفي أي زمن فرضها عليه؟
فرضها عليه في أفضل ليلة كانت لرسول الله ﷺ؛ وهي ليلة المعراج، وكم فرضها عليه؟ ما هو العدد الذي فرضه الله على رسوله محمد ﷺ؟ فرض عليه أن يصلي في اليوم والليلة خمسين صلاة، من هذه الأمور الثلاثة: شرف المكان، وشرف الزمان، وكثرة العدد نأخذ منها أهمية الصلاة ومحبة الله عز وجل لها، ولكن من نعمة الله على هذه الأمة أن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام لما نزل النبي ﷺ من عند الله والتقى بموسى وهو في السماء السادسة «قال له: مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «فَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». قَالَ لَهُ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ؛ فَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَالَجْتُهُمْ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَمَا زَالَ النَّبِيُّ ﷺ يُرَاجِعُ رَبَّهُ حَتَّى جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَمْسًا بِالْفِعْلِ وَخَمْسِينَ فِي الْمِيزَانِ »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٢٠٧)، ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.]]. وليس هذا من باب جزاء الحسنة بعشر أمثالها؛ لأن كل العمل الصالح الحسنة بعشر أمثالها، ولكن هذه الخمس كأننا صلينا خمسين صلاة، ولكل صلاة عشر حسنات، اضرب خمسين في عشرة كم تبلغ؟ خمسين في عشرة بكم؟ خمس مئة حسنة في هذه الصلوات الخمس، والله يضاعف لمن يشاء.
إذن لا بد أن نعرف ما هي الحكمة في عناية الله عز وجل في هذه الصلاة، لننظر هذه الصلوات الخمس موقّتة بأوقات أفقية على مدار الشمس فعند إقبال الشمس على الأرض تكون صلاة الفجر؛ لأن هذا تغير عظيم أفقي ليس بالهين، مَن الذي يستطيع من الخلق أن يأتي بهذه الشمس لتنير للعالم؟ لا أحد.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾. لا إله إلا الله، لا أحد يأتي بضياء إلا الله عز وجل ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص ٧١].
ثم بعد ذلك يأتي وقت زوال الشمس وهو انحرافها من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية من الأفق، ومن الذي يستطيع أن يزحزح هذه الشمس العظيمة من شرق السماء إلى غربه؟ قل لي بالله عليك مَنْ؟ قولوا: لا إله إلا الله.
* الطلبة: لا إله إلا الله.
* الشيخ: لا أحد يستطيع أن ينقل هذه الشمس من شرق السماء إلى غربه إلا خالقها عز وجل، رب العالمين الذي يقول للشيء: كن، فيكون، وعند هذا التحول من شرق السماء إلى غربه تكون صلاة الظهر، ثم بعد ذلك تأتي صلاة العصر، إلى أن تصفرّ الشمس وتقرب من الغروب والضرورة إلى غروب الشمس، ثم بعد مغيب الشمس يتغير الجو، وما أعظم الأرض لو شاهدتها وأنت في الطائرة وقد غابت الشمس عن الأرض، والله إنك لتعرف الحكمة في قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشمس ٤]، إذا يغطيها.
أنا مرة قمت من المطار من القصيم قبل غروب الشمس بدقائق، وأقلعت الطائرة وغابت الشمس على أهل الأرض، ولكننا في السماء نشاهد الشمس، لكن سبحان الله الليل على الأرض كأنه ثوب أسود قد غطيت به الأرض، سبحان الله العظيم! وهذا يتبين لك عظمة قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾، عند هذا التغير العظيم فرض الله علينا صلاة وهي صلاة المغرب، ثم عند مغيب الشفق هناك تغيُّر أيضًا، فإن الشفق الأحمر بقية شعاع الشمس، تكون صلاة العشاء إلى متى؟ إلى نصف الليل، وبعد نصف الليل ينتهي وقت العشاء، ولا يبقى وقت للصلوات المفروضة، لكنه وقت لصلاة التطوع، كما سُئل النبي عليه الصلاة والسلام، بل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١١٣١)، ومسلم (١١٥٩ / ١٨٩) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]].
عند منتصف الليل ليس هناك وقت للفريضة، لكنه وقت للتطوع، ثم يدور فيأتي وقت الفجر عند تغيُّر الأفق وعند تهيئه لاستقبال الشمس، فبهذا نعرف حكمة الله عز وجل في فرض الصلاة في هذه الأوقات، ثم إن الصلاة يتقدمها -أيها الإخوة- التطهير؛ تطهير للقلب وتطهير للبدن، بماذا يكون تطهير البدن؟ بماذا؟ بالوضوء من الحدث الأصغر والغُسل من الحدث الأكبر، وتطهير البدن من النجاسات، وتطهير الثياب وتطهير البقعة، كل هذا تعظيمًا لشأنها، فما هو التطهير القلبي أو المعنوي الذي يتقدم هذه الصلاة؟
أولًا: التطهير البدني استمِع إليه في قول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة ٦].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ؛ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيَّتِهَا شَاءَ» »[[أخرجه الترمذي (٥٥) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]].
ما نوع هذا التطهير بالشهادتين العظيمتين؟ تطهير قلبي ولَّا لا؟ تطهير قلبي، فاجتمع في مقدمة هذه الصلوات التطهير البدني والتطهير القلبي، حتى يدخل الإنسان في صلاته ويقف بين يدي ربه وهو طاهر القلب طاهر البدن طاهر المكان، ماذا يدل عليه هذه العناية؟ على أهمية هذه الصلاة، ثم عند الإقبال على الله عز وجل والوقوف بين يديه تقول: الله أكبر، أكبر من كل شيء عظمة وكبرياءً جل وعلا، لا أحد أكبر من الله تعالى عظمة وكبرياءً، فهو أكبر من كل شيء، وسبحان الله العظيم ما أعظم حكمة الله! لماذا اختير التكبير هنا على التسبيح؟ لأن التكبير يدل على علو الشأن والارتفاع، ولهذا كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه أنهم «إذا علوا مرتفعًا وهم سائرون في السفر إِذَا عَلَوْا مُرْتَفِعًا يَقُولُونََ: اللَّهُ أَكْبَرُ، يُكَبِّرُونَ »[[أخرجه البخاري (٢٩٩٤) من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا. ]]، ما أدري أنت إذا ركبت الطائرة وأقلَّتك من الأرض تُكبر؟ سؤال لمن ركب الطائرة، إذا ركبت الطائرة واستقلت ارتفعت عن الأرض هل تكبر؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: على كل حال، من لم يكبر فليعلم أن هذا موضع تكبير؛ لأنك ارتفعت، وإذا نزلوا واديًا ماذا يصنعون؟ يُسبِّحون، إذا نزلت منهبطًا تقول: سبحان الله؛ لأن الإنسان إذا اعتلى قد يتعاظم في نفسه ويظن العلو فيقول: الله أكبر؛ حتى يحد من علوائه وغلوائه، لكن إذا نزل سَفُل فيقول: سبحان الله؛ أي تنزيها لله عز وجل عن السفول؛ فالسفول من صفة الآدمي بل من صفة المخلوق عامة، لكن العلو لله عز وجل فتقول: سبحان الله عند النزول تنزيهًا لله عز وجل عما أنت عليه الآن من السفول.
أقول: إن اختيار التكبير عند ابتداء الصلاة مناسب تمامًا لهذه الحكمة، ثم تستفتح الصلاة، وقد سأل أبو هريرة النبي ﷺ، وكان أبو هريرة من أحرص الناس على العلم؛ قال للنبي ﷺ يومًا: «من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ » شوف السؤال لأيش سأل؟ علشان يعلم من هو أسعد الناس؛ ليكون ذلك مستقِرًّا في ذهنه أو لأجل أن يعمل بما أرشد إليه الرسول؟ للأمرين جميعًا حتى يعرف من أسعد الناس بشفاعته فيقوم بالعمل بذلك، قال: «لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْهَا غَيْرُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لِمَا أَرَى مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْعِلْمِ؛ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» »[[أخرجه البخاري (٩٩).]].
أبو هريرة رضي الله عنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يكبر للصلاة ويسكت، فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٤٤)، ومسلم (٥٩٨ / ١٤٧). ]].
تستفتحون بهذا؟
السؤال للعموم، تستفتحون بهذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أكثر الناس لا يستفتح إلا بقوله: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ »[[أخرجه مسلم (٣٩٩ / ٥٢). ]] ونِعم الاستفتاح هو، لكن يجب أن نعرف السنة حتى نعمل بكلتا السنتين، «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» ». أعيدها للمرة الثالثة لأشوف من غيبها منكم.
«اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» »، ثلاث مرات قلتها، من منكم يعيدها عليَّ؟ تفضل لو تقف يسمعون الناس.
* طالب: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» ».
* الشيخ: أحسنت، طيب « بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ» » هذا قبل مباشرة الخطايا، اجعلها بعيدة عني حتى لا أباشرها بعد المباشرة نقّني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اجعلني نقيًّا منها، لماذا اختار الرسول ﷺ الثوب الأبيض؟ لماذا؟ لأن أدنى وَسَخ في الثوب الأبيض يظهر فيه، لكن الأسود أو الأحمر لا يظهر فيه أثر الوسخ إلا إذا كان وسخ ثقيل جدًّا. «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» » قد تقول: الماء الحار أبلغ في التنظيف، صح ولَّا لا؟ الماء الحار أبلغ في التنظيف ولَّا لا؟ عندما نغسل الثوب بالصابون نجيب ماء بارد ثلج ولّا نسخن الماء ونغسل؟
* طالب: التسخين.
* الشيخ: التسخين، فلماذا قال: «بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ واَلْبَرَدِ؟» ». قال العلماء: لأنه يقول: «اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ» »، ما هو من أوساخ حسية، والخطايا عقوبتها النار، فناسب أن يكون ما يزيل هذه الخطايا حارًّا ولَّا باردًا؟
* الطلبة: بارد.
* الشيخ: باردًا، باردًا هذه هي الحكمة.
وإن شئت فقل: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكُ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ». هذا صحيح؛ الأول حديث أبي هريرة أصح سندًا من هذا، لكن هذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستفتح به جهرًا ليعلمه الناس، فهل أجمع بينهما؟
لا، إن جمعت بينهما خالفت السنة، لكن تقول هذا مرة وهذا مرة، أحيانًا هذا وأحيانًا هذا لتعمل بالسنتين جميعًا، بعد هذا، بعد الاستفتاح -وعرفنا معنى الاستفتاح- «وجهت وجهي»[[أخرجه مسلم (٧٧1 / ٢01). ]]، هذا غالبًا في صلاة الليل، عرفنا الآن معنى الاستفتاح؛ أن الرسول ﷺ يقرؤه قبل قراءة الفاتحة بين التكبير وبين القراءة.
ثم إننا عند التكبير: ماذا نصنع بالعمل؟ هل هناك فعل يقارن التكبير ولَّا لا؟ هل هناك فعل يقارن التكبير أوْ لا؟
الجواب: نعم، هناك فعل يقارن التكبير، ما هو؟ أن ترفع يديك مضمومة الأصابع هكذا مبسوطة إلى حذو منكبيك، أو إلى فروع أذنيك، هكذا، لكن لا تمسح أذنيك بهما، بعض الناس نشوفه يرفع إيديه يقول كذا، هذا ما له أصل، ارفعها هكذا وكبِّر، وقد وردت أحاديث بعضها يدل على أن ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وبعضها يدل على أن التكبير بعد الرفع، وبعضها يدل على الرفع بعد التكبير، والأمر في هذا واسع، لكن الحكمة من رفع اليدين هكذا ما هي؟
قال العلماء: إشارة إلى تعظيم الرب عز وجل، وإلى رفع الحجاب بينك وبينه حتى تستحضر بأنك واقف بين يديه تناجيه، تناجي ربك مناجاة المخاطِب للمخاطَب، واستمع ما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام حديث أبي هريرة: قال النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه تبارك وتعالى: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» »[[أخرجه مسلم (٣٩٥ / ٣٨).]] «قسمت الصلاة» ويش الصلاة؟ الصلاة كلها، الصلاة: الفاتحة، وأطلق الله عليها اسم الصلاة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بها، ولهذا قال الله عز وجل ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء ٧٨] يعني وأقم قرآن الفجر، والحكمة في أنه يقول في الصلوات الأربع ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ وفي الفجر يقول: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾؛ لأن قرآن الفجر مشهود ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾؛ ولأنها تُطوَّل فيها القراءة، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه عنه نبيه محمد ﷺ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ: » ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ «قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» ». قال مَن؟ المصلي، من الذي يجيبه؟ الرب عز وجل فوق عرشه فوق سماواته يسمعه ولو كان خافتًا ويقول: «حَمِدَنِي عَبْدِي» » طيب المصلون قد يكونون ألف واحد في المسجد، واحد يقول: الحمد لله رب العالمين، والثاني يستفتح الآن ما بعد كمل، وواحد يقرأ آخر الفاتحة قد انتهى أو قرب من الانتهاء، كيف هذا؟ نقول: إن الله عز وجل وسع كل شيء رحمة وعلمًا، كل واحد لهم آلاف مؤلفة، ولو اختلفت أقوالهم، كل يجيبه «إذا قال: الحمد لله رب العالمين، يقول: حمدني عبدي»، سبحان الله العظيم! ما أوسع عظمة الرب عز وجل! يقول: «حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ » ». الآن زاد في الوصف، وصف الله عز وجل بأنه ذو رحمة واسعة بالغة تبلغ المرحوم، ففي قوله: (الرحمن) إشارة إلى سعة الرحمة، وفي قوله: (الرحيم) إشارة إلى بلوغها لمن رُحِم ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، إذا قالها الإنسان أجابه جل وعلا بقوله: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي» » «أثنى عليَّ» ويش معنى أثنى؟ يعني أعاد الحمد مرة ثانية؛ لأنه مأخوذ من الثني وهو الرجوع؛ يعني رجع مرة ثانية ليحمدني، «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ » » ماذا يقول الرب جل وعلا؟ يقول: «مَجَّدَنِي عَبْدِي» » يعني وصفني بالمجد وهو العظمة ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ،﴾ «فَإِذَا قَالَ: » ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ «قال الله: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» » أيش اللي بينه وبين عبده؟ ﴿إِيَّاكَ نَعْبَدُ﴾ لله، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لمن؟ للمخلوق، تستعين به على أمورك كلها؛ على العبادة، وعلى الأكل والشرب والنوم والخروج والذهاب وعلى كل شيء فهي لك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قال الله: «هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» » ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ كم قرأنا من آية؟ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ كم دول؟ كم دول يا جماعة؟ كم؟
* الطلبة: أربعة.
* الشيخ: كم؟ أربعة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ خمس ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ست ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ كم دول؟
* الطلبة: سبعة.
* الشيخ: سبع تمام، سورة الفاتحة سبع آيات ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر ٨٧] فسر النبي عليه الصلاة والسلام السبع المثاني بأنها الفاتحة[[أخرجه البخاري (٤٤٧٤) من حديث أبي سعيد بن المعلى ولفظه: «﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِّي أُوتِيتُهُ». ]]، وهي سبع آيات، ولكن قد يكون في أيدي بعضكم مصحف فتراجعه فإذا قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ إذا هي آية واحدة، فإذا جعلناها آية واحدة وقد ابتدأنا بالحمد كم تكون آياتها؟ تكون آياتها ستًّا وهذا مشكل.
والجواب على ذلك أن العدد الذي في المصاحف المطبوعة الآن مبني على أن البسملة من الفاتحة، ولهذا مكتوب في البسملة رقم واحد، و ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ رقم اثنين، ولكن الصواب -بلا شك- أن البسملة ليست من الفاتحة، وأنها آية تُبتدأ بها السور إلا سورة براءة؛ والدليل على ذلك هذا الحديث حديث أبي هريرة، وهو ثابت في الصحيح «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ » » ولم يقل: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. إذن ما أول الفاتحة؟ مش أول آية فيها، أولها ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أيضًا «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» » نجد أن الآية التي بين الله وبين عبده نصفين هي الآية التي تنصف الفاتحة تمامًا؛ لأن قبلها ثلاث آيات، وبعدها ثلاث آيات فتكون نصف الفاتحة، ويكون هذه الآية التي هي النصف أولها لله وآخرها للعبد، وأيضًا لو كان ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ لو كانت آيتين لكانت آية طويلة بالنسبة للآيات السابقة، لكن إذا قسمت الآية الأخيرة هذه نصفين ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ صارت الآيات الآن متناسبة في الطول؛ فالدلالة اللفظية والمعنوية والأثرية كلها تدل على أن أول الفاتحة ما هو؟ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وأن البسملة ليست منها، ولهذا كان الصواب أن الإنسان إذا قرأها -أي قرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية- يجهر بالفاتحة، إن غلطت فردوا عليَّ، ولهذا كان الصواب أن الإنسان إذا قرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية فإنه يجهر بالبسملة، صح ولَّا لا؟
* طالب: لا لا يا شيخ.
* الشيخ: يا إخواني، قلنا: البسملة ليست من الفاتحة. إذا كانت البسملة ليست من الفاتحة هل يجهر فيها؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ما يُجهر فيها، كما أننا لا نجهر بالاستفتاح لأنه خارج عن الفاتحة، فلا نجهر بالبسملة أيضًا، هذا هو الصواب؛ ولهذا قال أنس رضي الله عنه: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَخَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ». هذا في صحيح مسلم[[(٣٩٩ / ٥٠).]]، لكن المعنى لا يجهرون بها، تُحمل رواية مسلم هذه على أن المعنى لا يجهرون بها، وهو كذلك.
لنعد -يا إخواني- مرة ثانية على هذه السورة العظيمة التي جعلها النبي عليه الصلاة والسلام السبع المثاني، ولننظر ما فيها من المعاني التي احتوت عليها هذه السورة، وهي المعاني التي يدور عليها القرآن كله، شوف سبحان الله! هذه السورة القصيرة كل معاني القرآن تجتمع فيها، ولهذا لم يُوجب الله علينا أن نقرأ سورة في الصلاة إلا هذه السورة؛ لأنها قد حوت كل معاني القرآن، ففيها ذكر الربوبية والألوهية والأسماء والصفات والجزاء والعمل وأقسام الناس، إلى كم ينقسم الناس في سورة الفاتحة؟
* طالب: إلى ثلاثة.
* الشيخ: إلى ثلاثة أقسام ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ هذا الأول ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ هذا الثاني ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ الثالث، إذن نفهم أن أقسام الناس ثلاثة: أنعم الله عليهم؛ وهم الذين علموا الحق وعملوا به ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ مغضوب عليهم وهم الذين علموا الحق ولم يعملوا بت، وعلى رأسهم مَن؟
* طالب: اليهود والنصارى.
* الشيخ: لا، اليهود فقط، وضالُّون جهلوا الحق فعملوا بالباطل مَنْ؟
* الطلبة: النصارى.
* الشيخ: النصارى، ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله قال: «من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه من النصارى. »[[ذكره ابن كثير في التفسير (٤ / ١٣٨).]]
اللي يفسد من العلماء يكون قد علم بالحق وخالفه والعياذ بالله، نسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، والذين فسدوا من العُباد يحرصون على الخير ويبغون العبادة لكنهم جُهّال يعبدون الله على ضلالة، هؤلاء فيهم شبه ممن؟
* طالب: من النصارى.
* الشيخ: من النصارى، ما هو واجبك أيها المؤمن بالله ورسوله؟ واجبك أن تعلم لتعمل أن تعلم لتعمل، تعلم لتخرج من مشابهة مَن؟ أن تعلم لتخرج من مشابهة مَن؟ قولوا يا جماعة؟
* طالب: من مشابهة النصارى.
* الشيخ: من مشابهة النصارى، وتعمل لتخرج من مشابهة اليهود، يا ويل العلماء إذا لم يعملوا بما علموا، يا ويلهم، إنهم أشباه اليهود، إنهم أصل الضلال؛ لأن العامة تقتدي بمَن؟ بعلمائها، فإذا ضل العلماء أضلوا غيرهم، إذا ضل العلماء -والعياذ بالله- ولم يعملوا بالحق أضلوا غيرهم، نعوذ بالله من هذه الحال، أضلوا غيرهم، ولا تظنوا أن العالِم هو الذي يحمل شهادة الدكتوراه، أو الذي يتخرج من كلية، أو الذي يلزم ركب العلماء حتى يقال: فلان طالب علم، كل من علم مسألة فهو عالم بهذه المسألة؛ يعني لو تعلم مسألة واحدة فأنت عالم بها؛ ولهذا قال إمامنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ويش قال؟ قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» »[[أخرجه البخاري (٣٤٦١) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]] ولَّا قال: بلغوا عني إذا كنتم علماء فطاحل؟ أجيبوا يا جماعة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: قال «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» » واحدة، ولهذا من حفظ من دين الله مسألة واحدة قامت عليه الحجة بهذه المسألة ووجب عليه أن يعمل بها، ووجب عليه أن يبلغها «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» »، ولكن احرص على أن تفهم الحق كما هو لا تخطئ في الفهم؛ لأن كثيرًا من الناس قد يخطئون في الفهم بناء على ظنهم، حتى في الصحابة قد يخطئون في الفهم يا إخوان، الإنسان غير معصوم من الخطأ في الفهم.
لما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من غزوة الأحزاب ووضع لامة الحرب جاءه جبريل وأمره أن يخرج إلى بني قريظة، من هم بنو قريظة؟ قبيلة من اليهود غدرت وخانت النبي عليه الصلاة والسلام، أمره جبريل أن يخرج إلى بني قريظة، فندب النبي ﷺ أصحابه إلى الخروج وقال لهم: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» »[[أخرجه البخاري (٩٤٦) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.]] تظنون أن الصحابة رضي الله عنهم قال واحد منهم: (...) أتلين وأطلع بكرة، هل قالوا ذلك؟ لا، ما قالوا ذلك، أنا أشكر الذي يسكت إذا لم يكن عنده علم، لكن كلنا يعلم أن حال الصحابة ما يمكن تكون هكذا، لما قال «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» » خرجوا كلهم، أدركتهم صلاة العصر، اختلفوا على قسمين؛ قسم منهم اتبعوا النص حرفيًّا وقالوا: ما نصلى العصر إلا في بني قريظة ولو في وسط الليل، ما يمكن نصلي العصر إلا في بني قريظة؛ لأن الرسول ﷺ قال: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» » إذن ما نصلي، لو غابت الشمس ما نصلي، وقال آخرون: الرسول عليه الصلاة والسلام قال هكذا، ما قال: لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، يعني أخِّروا العصر، وإنما أراد منا أيش؟
* الطلبة: المسارعة.
* الشيخ: أن نبادر ونسارع حتى لا يأتي علينا العصر إلا ونحن في بني قريظة، وأظن هذا الأسلوب في الكلام موجود الآن، أنا إذا أردت أن أبعثك إلى بلد ما قلت: شوف لا يطلع الفجر إلا أنت في البلد الفلاني، أو لا تصلي الفجر إلا هناك، أيش المعنى؟
يعني يقعد ينم ولا تصلي الفجر إلا الظهر؟! لا، المعنى: أسرع.
الصحابة اختلفوا في الفهم يا إخوان، اختلفوا، والمصيب على القول الراجح من أقوال أهل العلم، المصيب من صلوا في الوقت.
آلى النبيُّ عليه الصلاة والسلام من أمهات المؤمنين شهرًا، آلى من زوجاته أمهات المؤمنين شهرًا أن لا يعاشرهن، ويش معنى آلى؟ معناه حلف، حلف عليه الصلاة والسلام أنه ما يعاشرهن شهرًا كاملًا، وهذا حدث هام في نظر الصحابة رضي الله عنهم، شاع الخبر أن الرسول ﷺ طلق زوجاته حتى جاء عمر دخل المسجد وجد أناسًا عند المنبر يقولون: الرسول ﷺ طلق زوجاته. ولكن عمر رضي الله عنه بعد ذلك استثبت ودخل على الرسول عليه الصلاة والسلام ووجد أن ما فيه طلاق، وإنما فيه اعتزال فقط؛ اعتزلهن شهرًا، هؤلاء الذين حدثوا عمر بأن الرسول طلق زوجاته معناه أنهم لم يفهموا القصة تمامًا ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أنا أقول عودًا على كلامي الأول: يجب على من علم مسألة أن يتحقق من فهمها حتى يُبلغ الناس، لا يأخذها سطحيًّا ثم يروح يبلغ، قد يبلغ خطأً، ولكن تحقق من المسألة من عالم أو إن كنت تستطيع أن تستخلصها من الكتب من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما يتعلق بهما من تفسير أو شرح، فإذا تحققت أنها حق فبلغ وادعُ الناس إليها.
أقول: أيها الإخوة، هذه السورة العظيمة (الفاتحة) اشتملت على كل معاني القرآن الكريم، ولهذا تسمى بتسمية النبي ﷺ لها أيش؟
* الطلبة: أم القرآن.
* الشيخ: تسمى أم القرآن، وأم الكتاب، وأم الشيء: مرجعه الذي يرجع إليه، كما قال الشاعر:
؎عَلَى رَأْسِهِ أُمٌّ لَنَا نَقْتَدِي بِهِ ∗∗∗ ................................
يعني علامة نتجه إليها ونقصدها، الفاتحة عندما تقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ويش معناها؟ مَن يجيبني على معنى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟ كلنا نقرؤها يا إخواني.
* طالب: الوصف.
* الشيخ: معناها الوصف الكامل بأكمل الصفات مستحق لمن؟
* الطلبة: لله عز وجل.
* الشيخ: لله عز وجل. ﴿لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ويش معنى رب العالمين؟ الرب هو الخالق المالك المدبر، والعالَم من هم؟ لو سمحت أعطنا عالم، أيش معنى العالم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هه اللي جنبه.
* طالب: (...).
* الشيخ: يا سبحان الله! العالم، ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟ لو قلت لك: رب الخلق، تعرف الخلق ويش هو؟
* طالب: مَن سوى الله.
* الشيخ: من سوى الله، إذن العالَم، ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يعني كل المخلوقات، كذا ولَّا لا؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: فهمنا رب العالمين؛ يعني أنني أصف الله بأكمل الأوصاف؛ لأنه رب العالمين جل وعلا.
طيب ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ويش معناها الرحمن الرحيم؟ قال العلماء: معنى الرحمن أي واسع الرحمة؛ الرحمن يعني واسع الرحمة؛ لأن كلمة (فعلان) تدل على الامتلاء والسعة، عندما نشوف واحد قد انتفخت أوداجه واحمرت عيناه وانفعل ويش نقول؟ نقول: غضبان؛ يعني ممتلئ غضبًا، شوف كلمة (فعلان) تدل على الامتلاء؛ أي أن الله عز وجل ذو رحمة واسعة.
﴿الرَّحِيمِ﴾ ويش معناها؟ الرحيم يعني الموصل الرحمة من يشاء.
﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١] فاجتمع في هذين الاسمين الكريمين وصف الله عز وجل بسعة الرحمة، وأن هذه الرحمة قد وصلت إلى عباده المؤمنين وغير المؤمنين؛ لأن الله تعالى يرحم من يشاء ويعذب من يشاء، والرحمة العامة التي هي رحمة الدنيا للمؤمنين وللكافرين؛ فالكافر مرحوم رزقه الله وأمده وأعده، لكن في الآخرة ليس له رحمة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف ١٥٦].
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ سؤال ما معنى؟ ما هو يوم الدين؟ كلكم تقرؤونها يا إخوان ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يعني مالك يوم القيامة الذي فيه الجزاء على الأعمال. والسؤال: هل الله ما يملك الدنيا؟
* طالب: يملك.
* الشيخ: يملك الدنيا والدين، كل شيء يملكه عز وجل، لكنه ذكر يوم الدين يوم القيامة؛ لأنه لا ملك لأحد في ذلك اليوم، كما قال الله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر ١٦] نحن في الدنيا لنا ملوك، أليس كذلك؟ لنا ملوك ولاهم الله علينا، ولكن في الآخرة ما فيه مالك إلا الله عز وجل، ما فيه من الخلق مالك أبدًا، ولهذا نقول: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾.﴾
تدرون ماذا يتضمن قولنا: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾؟ يتضمن الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالجزاء على الأعمال، وأن الذي يجازي على الأعمال مَنْ؟
* الطلبة: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: الله هو مالك يوم الدين.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.﴾
أولًا: أنا أسأل: ما هي العبادة؟ ولا أسمح لطلبة العلم أن يجيبوا عنها.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا لا، طالب العلم لا أسمح أنه يجيب عنها، (...) طالب علم، ويش العبادة؟ أجيبوا عنها بالمثال، قولوا: مثل كذا ما هو بالتعريف، نعيِّن اللي نبغي نقومه يجيب؟ العبادة مثل؟
* طالب: الصلاة.
* الشيخ: أحسنت، العبادة مثل الصلاة، الصلاة عبادة ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: طيب الزكاة؟
* الطلبة: عبادة.
* الشيخ: عبادة، الصيام، الحج، الوضوء، كله عبادة. إذن من هذه الأمثلة الكثيرة نستنتج أن كل ما أمر الله به لنتقرب به إليه فهو عبادة، إذن العبادة اسم جامع لكل ما أمر الله به للتقرب إليه، وكلمة للتقرب إليه؛ لأن الله قد يأمرنا بشيء لا للتقرب إليه ولكن لمصلحتنا الخاصة ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف ٣١] ﴿إِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة ٢] وما أشبه ذلك، الأصل في هذه الأوامر الإباحة، لكن مع ذلك ربما ينقلب الأكل والشرب عبادة، كيف يمكنك أن تجعل عشاءك الليلة عبادة يا أخ؟
* الطالب: إذا كان نويت به التقرب إلى.. التقوى به بجسمك إلى طاعة الله.
* الشيخ: الأكل والشرب يمكن يصير عبادة، كيف؟ عندما تأكل وأنت تريد امتثال أمر الله، تكون عبادة ولَّا لا؟
طيب عندما تأكل لتحفظ نفسك من الضرر تكون عبادة؟ لأن الله عز وجل يقول: ﴿لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء ٢٩] ولو الإنسان ما أكل حتى لمات جوعًا، عندما تأكل للتنعم بنعمة الله عليك عبادة؟ كيف عبادة؟! تنعم بنعمة الله عليك ويكون عبادة؟!
نعم، لأن الله إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه، ولأن الكريم إذا أُكلت مَكرمته أو تكرمته يحب ذلك ولَّا ما يحب؟
* الطلبة: يحب.
* الشيخ: لو واحد من الناس كريم قدم لكم طعام هل يحب أن تأكلوه ولا تبقوه؟
* الطلبة: نأكله.
* الشيخ: إي نعم، لكن لو واحد من الناس بخيل وقدم لكم خبز ما نقول يعنى ما نقول: يعني مرقوق، لكنه خبز، يمكن نقول: كل اثنين يأكلون واحدة فقط، علشان يرجع ببقية الخبز.
فالكريم يحب من الناس أن يتنعموا بكرمه فأنت الآن عندما تأكل تحب أن تتنعم بكرم الله عز وجل، وهذا لا شك أنه يقربك إلى الله.
رابعًا: إذا نويت بأكلك الاستعانة على طاعة الله أيش يكون؟
* الطلبة: عبادة.
* الشيخ: يكون عبادة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٩٢٣)، ومسلم (١٠٩٥ / ٤٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ]]
إذن العبادة يا إخوان نرجع إلى الآية الكريمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ما هي العبادة؟ كل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عز وجل من الأعمال. ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ويش معنى نستعين؟ ما معنى نستعين؟ أنت سيارتك غرّزت في النفوط، عندكم النفط قريب، غرزت السيارة في النفوط، شوفت اثنين يمشون أو ثلاثة أو أربعة قلت: تعالوا ساعدوني عليها، ويش هذا يسمى أيش؟
* الطلبة: استعانة.
الشيخ: استعانة. إذن ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ يعني نطلب العون منك على أي شيء؟ على العبادة وعلى جميع الأمور. ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي نطلب العون منك.
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ﴿اهْدِنَا﴾ الآية الكريمة يقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ﴾ ولم يقل: اهدنا إلى الصراط، وقد قال الله لنبيه: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى ٥٢] ولم يقل: وإنك لتهدي صراطًا مستقيمًا، لكنه قال لنبيه أيضًا ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح ٢].
ما الفرق بين (هداه إلى الصراط) و(هداه الصراط)؟ الفرق بينهما؛ (هداه إلى الصراط) دلَّه إليه فقط دلالة، و(هداه الصراط) أي: هداه إليه وفيه؛ ولهذا حُذف حرف الجر ليكون عامًّا.
فمعنى ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: دلنا عليه ووفقنا للعمل به، فتكون في هذا الدعاء سائلًا الله العلم النافع ويش بعد؟
* الطلبة: والعمل.
* الشيخ: والعمل الصالح. ثم ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾، ﴿الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، فيه الصراط المعوج؟ نعم، كل ما خرج عن دين الله فهو صراط معوج، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام ١٥٣] فكل ما خرج بك عن سبيل الله فهو من غير الصراط المستقيم.
متابعة المؤذن سنة مؤكدة أن تقول مثل ما يقول إلا في (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والمراد بــ(لا حول ولا قوة إلا بالله) الاستعانة بالله عز وجل؛ يعني أنك تتبرأ من الحول والقوة إلا بالله عز وجل، إذا لم يقوِّك الله عز وجل على طاعة الله ما تستطيع، والرجل المؤذن يقول (حيّ) بمعنى أيش؟
* طالب: أقبل.
* الشيخ: يعني أقبل، الإقبال على الطاعة لا بد له من معونة الرب عز وجل فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي قول المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) تقول: الصلاة خير من النوم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦١١)، ومسلم (٣٨٣ / ١٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ]] ولم ترد السنة بالاستثناء إلا في (حي على الصلاة)، (حي على الفلاح)، وأما قول بعض العلماء أنك تقول: صدقت وبررت، فلا وجه له، لا شك أنه صادق في قوله: (الصلاة خير من النوم) كما أنه صادق في قوله: (الله أكبر) ولكننا نقول: تقول مثل ما يقول (الصلاة خير من النوم).
إذا كنت في صلاة هل تجيب المؤذن؟
* طالب: لا (...).
* الشيخ: إي نعم، لا تجيب المؤذن؛ لأنك مشغول بصلاتك، لكن إذا انتهيت فقد قال العلماء: إن المصلي والمتخلي-المتخلي اللي في بيت الخلاء- يقضيانه؛ يقضيان متابعة المؤذن، فإذا فرغت تقول: «اللهم صلِّ على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد»[[أخرجه البخاري (٤٧١٩) والبيهقي في السنن الكبرى (١٩٣٣) واللفظ له بهذه الزيادة: «إنك لا تخلف الميعاد» من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.]].
هل تجيب المؤذن في حال الخطبة؟ في حال خطبة الصلاة يوم الجمعة؟ إن قلت: لا أخطأت، وإن قلت: نعم أخطأت، هل تجيب المؤذن والإمام يخطب يوم الجمعة؟
* طالب: ما يخالف.
* الشيخ: الجواب: ما فيه أذان يوم الجمعة والإمام يخطب.
* طالب: ما فيش أذان ساعة الجمعة. ما فيه أذان عند الخطبة.
* الشيخ: لكن ما فيه أذان والإمام يخطب إلا كان بمسجد آخر، أقول لكم: يمكن.
طيب إذا دخلت يوم الجمعة والمؤذن يؤذن هل تصلي تحية المسجد أو تجيب المؤذن وبعد الفراغ تصلي تحية المسجد؟
من العلماء من قال: تجيب المؤذن، وبعد الفراغ تصلي تحية المسجد، ومنهم من يقول: تصلي تحية المسجد وتستمع للخطبة؛ لأن استماع الخطبة أهم؛ حيث إن الاستماع للخطبة واجب، وإجابة المؤذن -على القول الراجح- ليست بواجبة، هذا من جهة، من جهة أخرى أنك إذا بادرت وأتيت بالركعتين وهو يؤذن كان أفضل؛ فالمبادرة بهما أفضل من التأخر، وعلى كل حال الذي أدعو نفسي وإياكم إليه أن لا نُفوت هذه الفرصة؛ نتابع المؤذن ونقول مثلما يقول، إلا في الحيعلتين، ثم نصلى على النبي ﷺ، ثم نقول: «اللهم رب هذه الدعوة التامة»، إلى آخره، فإن من فعل ذلك فما جزاؤه؟ يقول النبي ﷺ: «حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» »[[أخرجه البخاري (٦١٤) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.]] اللهم اجعلنا من هؤلاء.
نعود إلى الفاتحة وأنا حاسس إني بأكمل الصلاة، لكن ما أدري يمكن ما (...) نكمل كل أركان الصلاة.
يقول الله عز وجل: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾
من الذين أنعم الله عليهم؟ ممكن نسأل واحد يعرف قرأ القرآن، تمام.
* طالب: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء ٦٩].
* الشيخ: نعم، أخوكم يقول: إن الذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ منين؟ ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾.﴾
كم صنف؟ أربعة أصناف؛ القرآن يفسر بعضه بعضًا، فإذا سألك سائل: من الذين أنعم الله عيهم؟ اقرأ عليه الآية الثانية: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾. النبيون يدخل فيهم الرسل؛ لأن كل رسول فهو نبي، ولا عكس، الصديقون كأبي بكر، الشهداء كعمر وعثمان وعلي وغيرهم كثير، لكن هذا على سبيل التمثيل.
صعد النبي ﷺ جبل أحد، وكثير منكم يعرفون جبل أحد، أين يقع؟ في مكة؟
* الطلبة: في المدينة.
* الشيخ: في المدينة؟ نعم في المدينة، صعد النبي ﷺ عليه، ارتج الجبل بالرسول عليه الصلاة والسلام هو وأبو بكر وعمر وعثمان أربعة ارتج بهم الجبل، فقال النبي ﷺ: «اسْكُنْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» »[[أخرجه البخاري (٣٦٩٩) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.]] اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، الله أكبر، الجبل ارتج، يظهر لي -والله أعلم، والعلم عند الله- أنه ارتج فرحًا بهؤلاء الذين ركبوا على ظهره أو لإظهار آية من آيات الله، فقال: «اسْكُنْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» » أبو بكر الصديق، والشهيدان: عمر وعثمان؛ عمر رضي الله عنه شهيد الصلاة؛ طُعن وهو بين يدي ربه عز وجل، كان رضي الله عنه إذا دخل المسجد يسوي الصفوف كما كان إمامنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام يسوي الصفوف، أتدرون كيف يسويها الرسول عليه الصلاة والسلام؟ يسويها بيده؛ يمسح المناكب والصدور حتى تكون مستوية تمامًا، ولما كثر الناس أقام عمر وعثمان رجالًا ينظرون الصفوف، فإذا جاؤوا وقالوا: استوت الصفوف كبّر، أنتم قد تستغربون على بعض الأئمة إذا أبطأ يقول: استووا، ويسوي الصفوف، وهذا لا غرابة فيه، في رواية أبي داود يقول: «فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ »[[(٦٦٥) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.]]، لما تقدم وكبر لصلاة الفجر رضي الله عنه صرخ وقال: «أَكَلَنِي الْكَلْبُ »[[أخرجه البخاري (٣٧٠٠). ]]، مو هو بيعني الكلب البهيم هذا؛ يعني هذا الخبيث اللّي هو أخبث من الكلب؛ وهو أبو لؤلؤة المجوسي؛ لأن المجوس لا شك أن في صدورهم حنقًا على مَن؟
على شريعة الإسلام، وخصوصًا على عمر الذي أسقط الله على يديه إيوان كسرى، فطعن عمر بخنجر له وجهان وممساكة في الوسط؛ لأنه هو الخبيث يبغي عشان كل ما أحد جاء حوله قال هكذا وهكذا، ولكن الصحابة لحقوه، وطعن أكثر من عشرة، ولكنهم ألقوا عليه بساطًا حتى نحر نفسه والعياذ بالله، عمر شهيد الصلاة، عثمان شهيد المصحف، دخل عليه الخوارج وهو يقرأ فقتلوه في بيته، حتى ذكر بعض المؤرخين أن قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة ١٣٧].
«نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» » لكن قد تقول: كيف الرسول ﷺ وهو أعقل الناس يخاطب جمادًا يقول له: «اسْكُنْ» »؟ فالجواب: هذا الجماد يعقل؛ الدليل قال الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤] كل شيء يسبح الله بلسان الحال ولَّا بلسان المقال؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: بلسان الحال والمقال، إلا في الكفار من بني آدم ومن الجن فيسبحون الله بلسان الحال دون لسان المقال، وأيضًا الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٨٨٩)، ومسلم (١٣٦٥ / ٤٦٢) ولفظه: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».]] الله أكبر، حكمة عظيمة، هذا المكان لو كان في زمن المتأخرين يتخذونه شؤمًا؛ لأنه حصل بها أيش؟ حصل فيها ما حصل على المسلمين من الاستشهاد والقتل والجراحة والتعب والنصب. أقول: لو عند هؤلاء المتأخرين كان هذا المكان يكون مشؤمًا عندهم، لكن الرسول قال في أحد: «جَبَلٌ يُحِبُّنَا» » وليس بغريب أن يحب رسول الله والمؤمنين، لكن: «وَنُحِبُّهُ» » أثبت للجبل إرادة ولَّا لا؟ ويش هي؟ المحبة، جماد يحب النبي عيه الصلاة والسلام والمؤمنين. وأيضًا لعل بعضكم سمع قصة وقعت لموسى عليه الصلاة والسلام، موسى نبي الله، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى ﷺ لا يغتسل عريانًا أبدًا، ما يغتسل بحضرة أحد، ويش قال بنو إسرائيل؟ قالوا: موسى لولا أنه فيه بلاء ما راح يتستر عنا عند الاغتسال، إن موسى آدر، ويش معنى (آدر)؟ أي كبير الخصية، شوف والعياذ بالله بني إسرائيل يقولون لنبيهم ها الكلام!!
أراد الله عز وجل أمرًا ليس باختيار موسى، دخل موسى يومًا يغتسل ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه، هرب، الله أكبر!! فجعل موسى يتبعه يركض وراءه يقول: «ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٤٠٤)، ومسلم (٣٣٩ / ٧٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، يعني (...) ثوبه، يخاطب الحجر، كيف يخاطبه وهو حجر؛ لأن الحجر ركض بثوبه، هرب به حتى وصل إلى الملأ من بني إسرائيل وشاهدوا موسى فإذا موسى سليمًا بريئًا مما قالوا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب ٦٩]. فإذا موسى سليم عليه الصلاة والسلام، لما شاهد الناس وقف الحجر، فأخذ موسى ثوبه وجعل يضرب الحجر، كيف يضربه وهو حجر؛ لأنه في نظر موسى أساء إليه حيث هرب بثوبه وجعل بني إسرائيل ينظرون إلى عورته، ما أدري لما كنا صغار إن منا طحنا، نحن صغار إذا طحنا بحجر ولَّا شيء، جاءت الأم تضرب الحجر، تضربه تقول: اديني أدقه عشان تسكتنا، هل هذا من هذا القبيل ولَّا لا؟
* الشيخ: لا؛ لأن ذاك آية من آيات الله، لكن هذا ما نعرف أيش؟ مجهول لدينا.
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قد تقول: ألا يُكتفى بقوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾؛ لأن الذين أنعم الله عليهم هم الأصناف الأربع الذين علموا الحق وعملوا به، فكيف جاءت ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾؟ نقول: هذا من باب تأكيد كمال المثبت، ما هو المثبت؟ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾. حتى لا يكون في هذا الصراط ولا جزء يسير من صراط المغضوب عليهم والضالين، فهذا من باب تأكيد الكمال، وأظن كثيرًا من طلبة العلم يفهمون الآن أن صفات الله السلبية النفي تتضمن ثبوت كمال ضدها، فإذا قيل: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف ٤٩] فالمعنى أنه لكمال عدله ليس هناك ظلم في فعله ولا في حكمه.
إذن ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ تأتي لأجل كمال ذلك الإثبات في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ حتى لا يكون في هذه الهداية شيء من الضلال أو شيء من موجبات الغضب. وأرجو الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بما سمعنا من هذه السورة العظيمة المتضمنة لمعاني القرآن على سبيل العموم، وفي الحقيقة لو أن أحدًا من الناس تيسر له أن يقرأ هذه السورة عن تمعُّن ونظر ومراجعة لكلام أهل العلم فيها لوجد فيها معاني عظيمة جدًّا، ولهذا هي أم الكتاب التي لا بد من قراءتها في كل ركعة من الصلاة، ومع ذلك فهي رُقية عظيمة للمرء.
نزل الصحابة يومًا وهم في سرية بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام على قوم، نزلوا على قوم واستضافوهم الصحابة استضافوا الجماعة دول، لكنهم ما أعطوهم الضيافة، وهذا لؤم وبخل، العرب في جاهليتها تكرم الضيف، لكن هادولا ما أكرموا سرية رسول الله ﷺ التي بعثها الرسول، ليس معهم لكن بعثهم.
ماذا حصل؟ قدَّر العزيز الحكيم جل وعلا أن لُدِغ رئيسهم، لدغته حية، نظروا من يقرأ، قالوا: لعل هؤلاء الركب الذين جاؤوا لعل فيهم من يقرأ، ابعثوا بهم، ابعثوا إليهم، فجاؤوا إليهم، قالوا: فيكم أحد يقرأ؟ قالوا: نعم، فينا أحد يقرأ، قالوا: اقرؤوا على سيدنا أو صاحبنا. قالوا: ما نقرأ، أنتم أضعتم الواجب وفرطتم الواجب عليكم بالضيافة ما نقرأ إلا بجُعل. قالوا: جعل نعطيكم هذا الغنم، نعطيكم هذا القطيع من الغنم، قالوا: طيب إذن نقرأ، فذهب أحدهم إلى هذا اللديغ، وجعل يقرأ عليه الفاتحة؛ سورة الفاتحة، فقام هذا اللديغ الذي لدغته أيش؟ نملة صح نملة ولَّا لا؟ عقرب؟ زُنبور؟ حيّة حيّة، قام لما قرأ الفاتحة كأنما نُشط من عقال، ويش معنى (نشط من عقال)؟ يعني كأنه بعير فُك عقاله فقام، ما فيه إلا العافية، بس بقراءة الفاتحة، لكن الصحابة لورعهم قالوا: ما يمكن نأكل من هذا الغنم حتى نرجع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ونسأله، فسألوا النبي ﷺ فقال لهم: «خُذُوا» » أو قال: «كُلُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٢٧٦)، ومسلم (٢٢٠١ / ٦٦) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]] سبحان الله!! شوف قال: «اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» » لماذا؟ لأجل أن يطمئنوا؛ لأن المفتي إذا فعل ما يفتي به صار ذلك أبلغ طمأنينة في المفتَى، ولهذا يذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين حاصر التتار حاصروا دمشق في رمضان، العلماء قالوا: ما يمكن تفطرون، يقولوا للجند: ما يمكن تفطرون، لستم مرضى ولا على سفر، ما نرى لكم رخصة في الإفطار، قاتِلوا وأنتم صائمون، قالوا: يا جماعة نتعب، قالوا: قاتلوا، لا تفطروا، الله يقول: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة ١٨٤]، أنتم لا أنتم مرضى ولا على سفر، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: لا، أفطروا، أفطروا وكلوا، تستعينوا بذلك على القتال. واستنبط ذلك رحمه الله من غزوة الفتح، غزوة الفتح نعلم جميعًا أن الرسول خرج إليها متى؟ في رمضان، وصام الناس وأمرهم بالفطر، ثم لما دنوا من عدوهم قال: «إِنَّكُمْ لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا فَأَفْطِرُوا؛ فَإِنَّ الْفِطْرَ أَقْوَى لَكُمْ» »[[أخرجه مسلم (١١٢٠ / ١٠٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ؛ فَأَفْطِرُوا».]] ما قال: فإنكم مسافرون، الفطر أقوى «لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا فَأَفْطِرُوا؛ فَإِنَّ الْفِطْرَ أَقْوَى لَكُمْ» » فأفطر الصحابة. كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيرًا كان بين الجنود وهو رجل شجاع وعالم، كان بين الجنود يمشي في رمضان ومعه كِسرة خبزة يأكلها أمام الناس علشان أيش؟
لأجل أن يطمئنوا ويعلموا أن هذا الرجل أفتى عن قناعة، وهكذا الرسول ﷺ قال قبله، وهو إنما فعله اقتداء بالرسول ﷺ؛ قال: «اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» ». ثم قال للذي قرأ الفاتحة على هذا اللديغ قال: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» »[[تقدم تخريجه.]] أنها رقية، إذن فأحسن ما نقرأ على مرضانا وعلى من أُصيب منا في مثل هذه الأمور أيش نقرأ عليه؟
* الطلبة: الفاتحة.
* الشيخ: الفاتحة، لكن نسأل الله أن يرحم ضُعفنا، يمكن يجي واحد يقرأ الفاتحة عشرين مرة ما يستفيد المريض لماذا؟ هل لأن الفاتحة غير الفاتحة الأولى ولَّا لأن القارئ غير القارئ؟ القارئ غير القارئ.
والقراءة لا تنفع إلا بثلاثة شروط: قابلية المحل، وأهلية القارئ، وصلاحية القراءة، بثلاثة شروط، فلو قرأ الإنسان ما لا يصلح من هذه العزائم وما أشبه ذلك ما تنفع، ولو كان الإنسان المقروء عليه غير قابل -وهو ما نقول عنه: قابلية المحل- ما نفع؛ يعني لو قرأت على مريض والمريض بيشك، قال: والله ما أدري عن هذه القراءة، أروح المستشفى أحسن، ينتفع ولَّا ما ينتفع؟
ما ينتفع، ولو كان القارئ غير أهل ما نفعت أيضًا، فلا بد من أهلية القارئ وقابلية المحل وصلاحية المقروء بمعنى أنه ثبت به الشرع وإلا فإنه لا ينفع، لو قرأت ألف مرة وأنت في شك ما نفعك، وبالمناسبة أحب أن أبيِّن أن الرسول ﷺ أخبر بأن «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ» »[[أخرجه البخاري (٢٣١١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] فينبغي أن نقرأها كل ليلة لكن بإيمان، ما كل واحد يقول: أبغي أجرب دي تنفع ولَّا ما تنفع، اللي يقول: أبغي أجرب معناه الشك، يقرؤها الإنسان بإيمان؛ بأنه إذا قرأها لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، وآية الكرسي معروفة في أول الجزء الثالث من القرآن.
ولعل الشيخ عبد الله الآن كأنه في يده شيء من الأسئلة ولنقتصر على هذا، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يتوفانا على الإيمان، اللهم صلِّ وسلِّم على رسول الله.
* الطالب: جزى الله فضيلة الشيخ عنا كل خير، وأمد الله في حياته على عمل صالح، ونفعنا بما سمعنا، وجعل ما قال في موازين أعماله يوم يلقى الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: آمين.
* الطالب: أيها الأحباب، الأسئلة كثيرة جدًّا، والإخوة الذين فرزوا الأسئلة حرصوا على استيفاء أكثرها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الشيخ للإجابة على جميع ما فرز منها.
* الشيخ: وعلى الصواب.
* الطالب: وعلى الصواب إن شاء الله أن يهديه للصواب في القول.
* الطالب: هذه شابة تسأل تقول: في وجهي شامة في الجبهة وهي تُكلل الجبهة كلها، وأريد أن أزيلها بعملية جراحية، هل يسوغ ذلك أم لا؟
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الجواب: نعم، يجوز للإنسان إذا كان فيه عيب في الخِلقة أن يزيل ذلك العيب؛ فالشامة إذا كانت في الجبهة كما ذكرت السائلة وكانت قد عمت الجبهة أو أكثرها أو شوَّهت المنظر فإنه يجوز لها أن تزيلها بعملية جراحية بشرط أن لا يلحقها ضرر في بدنها، فإذا قال الأطباء: ممكن إزالة هذا بالعملية فلا حرج في ذلك، وهكذا لو كان في الإنسان أسنان متراكبة بعضها راكب لبعض وتؤذيه عند الأكل أو تشوه منظره فلا حرج عليه أن يزيل ذلك الراكب، وأما تجميل الأسنان بالوشر والتصغير؛ يصغرها فإن ذلك محرم، بل ومن كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ «لَعَنَ الْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ »[[أخرجه أحمد (٣٩٤٥) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (٢٩، ٨٤) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، واللفظ له.]] ففرق بين أن يتخذ الإنسان شيئًا يجمل أو أن يعمل شيئًا يزيل العيب، فإزالة العيب لا بأس بها، وأما زيادة التجميل فإنها لا تجوز وقد أذِن النبي ﷺ للرجل الذي قُطع أنفُهُ أن يتَّخذَ أنفًا من فضَّةٍ فأنتَنَ فاتَّخذَ بدَلَهُ أنفًا من ذسهَبٍ.[[أخرجه أبو داود (٤٢٣٢)، والترمذي (١٧٧٠) من حديث عرفجة بن أسعد.]]
* الطالب: جزاكم الله خيرًا. فضيلة الشيخ، كثر الكلام حول اللوحات التي كُتب عليها آيات قرآنية، هل يجوز بيعها وشراؤها، وإذا تورط المسلم فيها في شرائها، فهل يلزم من باعها بإعادتها إليه، أم يبيعها، أم ماذا يتصرف فيها؟ أفيدونا أثابكم الله.
* الشيخ: الإجابة على هذا السؤال؛ أولًا: الواقع أن هناك لوحات متعددة، وكل هذه اللوحات واردة علينا وجديدة في ديننا، ولم تكن في عهد الصحابة ولا مَن بعدهم من التابعين الذين هم خير القرون، وتعليقها على الجدر تزيينًا للجدار لا شك أن هذا ابتذال لكلام الله عز وجل، كيف تجعل كلام الله الذي هو أشرف الكلام تجعله نقوشًا في بيتك؟ وتعليقها للتبرك بها هذا أيضًا من البدع، الصحابة ما كانوا يتبركون بالقرآن على هذا النحو، وتعليقها لتحميك وتحفظك هذا أيضًا من البدع؛ فالصحابة ما كانوا يحتمون بما يعلقونه ببيوتهم، ثم إنه يصد الإنسان عن المشروع وهو أن يقرأ القرآن هو بنفسه يقول: بدل من أني أقرأ آية الكرسي كل ليلة أعلقها في الحجرة يكفي، ثم إن فيها امتهانًا للقرآن من جهة أخرى؛ فإن هذا المجلس قد يكون مجلس سوء، قد يكون فيه غيبة أو لعب محرم، أو ما أشبه ذلك، فيكون في هذا نوع من الاستهزاء بآيات الله عز وجل، وقد صدر فتوى من الهيئة الدائمة للبحوث العلمية بمنع مثل هذا الشيء، وأقبح من ذلك أنه يوجد أواني صغيرة مكتوب عليها آية الكرسي، منقورة نقر، هذا لا شك أن فيه امتهان للقرآن إناء يُلقى في الأرض، وربما يُضرب بالرجل، وربما يأخذه (...) الصغير، يكتب فيه آية من أعظم الآيات، بل هي أعظم آية في كتاب الله؛ آية الكرسي، فالذي أراه أنه لا ينبغي تعليقها إطلاقًا، وأن الإنسان إذا كان عنده شيء منها أن يحرقه، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أحرقوا نسخ القرآن التي اتفقوا على خلافها، وهي ما فيها اختلاف، لكن فيه بعض السور تقدم على بعض، وبعض اللهجات وما أشبه ذلك، وإذا كان الإنسان قد اشتراها من قبل أن يعلم بالحكم فالشراء صحيح؛ لأنه ما علم بأنها حرام، وظن أن ذلك من المباح، ولكنه كما قلت: يحرقها الآن، وإذا كان لا يمكن إحراقها فليطمسها بأن يرشها بالبوية حتى تزول الكتابة، وهناك شيء آخر يعلقه بعض الناس أيضًا، فيه بعض اللوحات مكتوب (الله) على اليمين، (محمد) على اليسار، موجود هذا ولَّا لا؟
* طالب: موجود.
* الشيخ: طيب الإنسان اللي يشاهد اللوحة هذه، يقول: إن الله ومحمدًا سواء، وأن محمدًا ند لله عز وجل، نسأل الله العافية، الله عز وجل لا نِدَّ له، ولهذا لما قال رجل للرسول عليه الصلاة والسلام: ما شاء الله وشئت. ماذا قال الرسول له؟ قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا!» ». والاستفهام هنا للإنكار، «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا! بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» »[[أخرجه أحمد (١٨٣٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه: «أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلًا؟! بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ».]] كيف يكون أمامنا (الله - محمد)، كما لو كُتب (الملك - ولي العهد)؟ ما هو صحيح هذا، هذا خطأ، لا يجوز تعليق هذا إطلاقًا، ويجب أن تزال وأن تُكسر؛ لأنها واضح أن فيها شركًا، ترضى أن تعلق في بيتك ما يتضمن الشرك بالله؟
ما أظن أحدًا يرضى بذلك، ثم لو فرض أنك علقت كلمة (الله) بس، الله، أنا أخشى أن تكون هذه الكلمة مأخوذة من الصوفية، الصوفية كيف ذكرهم لله؟
يقولون: الله الله الله الله الله، والغالي منهم ما يقول: الله، لا يصح تقول: الله، إذا قلت: الله أشركت أو عطلت، ويش أقول؟ قال: هو هو هو هو هو، هذا ذكرهم ويش معنى (هو هو) عندهم؟ يعني هو الكون كله؛ ولذلك الصوفية تؤدي بأصحابها إلى القول بوحدة الوجود نسأل الله العافية، وأن الكون شيء واحد؛ فالرب هو المربوب والخالق هو المخلوق؛ لهذا أقول أنا أولًا: إنكاري لهذه اللافتات إذا قرن الله بمحمد ﷺ، فإن هذا نوع من الشرك فيجب إزالته، إذا كُتب (الله) وحده فهذا ليس بمشروع، وهو بدعة، ويش معنى أنك تقول: (الله) بس؟ أو حتى لو قلت: الله جل جلاله، ويش معنى هذا؟
فلهذا كل هذه إنما جاءت من هؤلاء الجهَّال من الباكستانيين وغيرهم الذين اتخذوا مثل هذا الشيء سلعة لأجل أن عواطف المسلمين تحب الإسلام وتحب الله عز وجل، وتحب الرسول، وتحب أن تشاهد اسم الله واسم الرسول، لكن لا بد في العبادة من أن تكون مبنية على الاتباع لا على الابتداع؛ فالذي أنصح إخواني المسلمين به أن يدعوا ذلك كله، ولا تظنوا أنني حينما مثَّلت بأن هذه ترد من باكستان أن معناها أنها تختص بهؤلاء لا، تأتي من الباكستان ومن غير الباكستان؛ فهي قد تأتي من عدة جهات، ولا يهمنا أن تأتي من الجهة الفلانية أو الفلانية إنما يهمنا هل توافق الشرع أو لا توافقه.
* طالب: طيب بالنسبة لكتابة الآيات في المساجد؟
* الشيخ: الحكم في المساجد وغيرها سواء، فكتابة الآيات في المساجد صحيح أن المكان لا يمتهن في الغالب مع أنه قد يمتهن المسجد، يوجد ناس من الإخوان الطيبين اللي يتقدمون إلى المسجد يجلس بعضهم إلى بعض وهم ناس طيبون، ثم يتكلمون في أعراض الناس، هل هذا ما موجود؟ يمكن يوجد، ما أقول موجود مئة بالمئة، لكن يمكن يوجد، التكلم في أعراض الناس من كبائر الذنوب، كبيرة من كبائر الذنوب، ما تغفر إلا بتوبة، لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، ما تُكفر إلا بتوبة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ» من يعرف تكملة الحديث؟ «مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣ / ١٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]] والغِيبة من كبائر الذنوب، قال الله عز وجل: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ أكمل الآية ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات ١٢]. تصوَّرْ هذه الحالة: أخوك -إن شئت من الدين، وإن شئت من النسب- قُدّم لك ميتًا، هل يمكن تقطع لحمه وتاكله؟ قل لي: يمكن ولَّا ما يمكن؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا مستحيل، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾. والذي يغتاب أخاه كالذي يأكل لحمه ميتًا، لماذا لم يقل: أن يأكل لحم أخيه حيًّا؟ لأيش قال: ﴿مَيْتًا﴾؟
لأن المغتاب غير حاضر ما يدافع عن نفسه كما أن الميت لا يدافع عن نفسه، ولأجل المبالَغة في التنفير من هذه الخصلة الذميمة، ومع ذلك الله يهدينا جميعًا وينجينا من الناس وينجي الناس منا نجد أن كثيرًا من الناس أهل الخير والدين لا يهتمون بغِيبة الناس.
* الطالب: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، نسمع كثيرًا عن زرع الأعضاء وتبادلها وبيعها وإهدائها، فما حكم ذلك جزاكم الله خيرًا؟
* الشيخ: الحكم في ذلك صدر فيه فتوى من هيئة كبار العلماء فيما أظن، وأظنها نُشرت في مجلة البحوث، وأما علماء الحنابلة -رحمهم الله- فقد صرحوا بأن ذلك حرام، وقالوا: لا يجوز أن يقطع عضو من ميت ولو أوصى به، وقد ذكر ذلك صاحب الإقناع في كتاب الجنائز؛ لأن الإنسان محترم، والإنسان نفسه أمانة عنده، لو أن أحدًا قال: أنا جسمي لي أبغي أحرقه بالنار ويش يصير؟ حرام ولا حلال؟
* الطلبة: حرام حرام.
* الشيخ: حرام، لو قال: جسمي لي أبغي أذبحه، قلنا: افعل وستُعذب بما قتَلت به نفسك في نار جهنم، حرام عليك.
إذن ليس لك الحق في أن تتصرف في شيء من بدنك، ولو بعد موتك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»[[أخرجه أبو داود برقم (٣٢٠٧) وابن ماجه برقم ( ١٦١٦) من حديث عائشة.]] أخرجه أبو داود بسند صحيح، ولكن مع ذلك نحن نقول: ما دامت المسألة قد صدر فيها فتوى من أهل العلم في بلادنا فهذه مسائل اجتهادية، فمن تبيَّن له الحق فليتبعه ولا يماري بها بأحد خالفه اللهم إلا أن يكون في المسألة إجماع فإن إجماع الأمة معصوم.
* الطالب: أثابكم الله، فضيلة الشيخ، اعتاد الناس بعد صلاة العيد أن يعانق بعضهم بعضًا حتى ولو أتوا سويًّا، فما حكم ذلك؟
* الشيخ: هذا ليس من السنة، ولا أعلم في ذلك سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة، وأظن أن هذا من الأمور المعتادة، وليس من أمور التعبد، فإذا تعانق الناس بعضهم مع بعض أو تصافحوا وهنَّأ بعضهم بعضًا، فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس، وأما التقبيل فهذا لا أصل له وليس بمشهور، ولا يُشرع التقبيل إلا لسبب كقدوم من غيبة، أو رحمة بمريض أو ما أشبه ذلك، وأما بدون سبب فهذا ليس بمشروع ولهذا لا يشرع لك كلما لاقيت صاحبك قبلته، هذا غير مشروع.
* الطالب: وما حكم زيارة المقابر يوم العيد؟ وما حكم المعانقة داخل المقبرة؟ وما حكم؟
* الشيخ: داخل المقبرة يعني عند الدفن.
* الطالب: عند الدفن، وما حكم قول: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض بعد الإقامة؟
* الشيخ: زيارة المقابر في يوم العيد لا أصل له أبدًا، وليس بمشروع، ومن اعتقده سنة فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، ولهذا ينبغي أن ينصح بعضنا بعضًا في هذه المسألة، وإذا رأينا من يخرج إلى المقابر يوم العيد قلنا له: يا أخي، هذا ليس بمشروع ولا تفعله؛ لأنك إذا فعلت ذلك اعتقد الناس أنه سُنّة، وليس بسنة، والعادات في العبادات غير مقبولة مرفوضة؛ يعني العادات فيما يقصد به التعبد مرفوضة حتى يثبت أنه عبادة، وزيارة القبور من العبادات ولَّا من العادات المحضة؟
* الطالب: من العبادات.
* الشيخ: من العبادات؛ يعني الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بها، فإذا كانت من العبادات فلننظر هل كان من هدي النبي ﷺ أنه إذا كان يوم العيد خرج إلى المقابر يزورها؟
لا، ولا أمر بت، ولا أرشد الأمة إلى ذلك، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بزيارة القبور، ويخرج إليها يزورها حتى أحيانًا يزورها في الليل، فهذه أنا أرجو منكم بارك الله فيكم أن لا تخرجوا للمقابر يوم العيد لزيارتها، وأن ترشدوا من فعل ذلك وتقولوا: هذا يا أخي ليس بسنة، لا تتعب بدون فائدة أو بما فيه ضرر عليك، وأما المعانقة بعد الدفن فهذه أيضًا بدعة لا أصل لها ولا وجه لها إطلاقًا حتى إن في نفسي شيئًا من المصافحة عند التعزية؛ لأن الإنسان قد يكون جنبك ما راح تتلاقيه، أما لو لاقيت أخاك المؤمن صافحه، لكن أنت إلى جانبه، ثم إذا دُفن الميت ذهبت تصافحه، لا أعلم لها أصلًا، أما المعانقة والتقبيل فلا أصل لها إطلاقًا ويُنهى عنه، واعلم أن التعزية تكون قبل الدفن وبعد الدفن، خلافًا لمن ظن من العوام أنها لا تكون إلا بعد الدفن؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام عزّى ابنته قبل أن يموت طفلها، أرسلت إليه إحدى بناته إلى النبي ﷺ تطلبه أن يحضر؛ لأن طفلها- كان ابنًا أو بنتًا- كان في سياق الموت فجاء الرسول إلى النبي ﷺ يخبره بدعوة ابنه إليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرسول شوف ألفاظ التعزية العظيمة أحسن من اللي إحنا نقوله، قال النبي عليه الصلاة والسلام للرسول: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَبْقَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٧٣٧٧) ومسلم برقم (٩٣٢ / ١١) من حديث أسامة بن زيد.]] الله أكبر ما أعظم هذا الكلام! «فَلْتَصْبِرْ» تحبس نفسها عن التسخط، لا تشق الجيوب، ولا تلطم الخدود، ولا تنتف الشعور، ولا تتضجر «وَلْتَحْتَسِبْ» وأيش معنى تحتسب؟ يعني ترتقب الأجر من الله عز وجل ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠] شوف ها الكلمات «فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَبْقَى» صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، الكون لمن؟
* الطالب: لله.
* الشيخ: لله عز وجل، له ما أخذ وله ما أبقى، والمقادير التي تقع تقع عفوًا هكذا مصادفة؟ أجيبوا.
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، وكل شيء عنده بأجل مسمى، لا يتقدم ولا يتأخر.
وأنا أذكر لكم قصتين أُخبرت بهما ممن أثق به تدل على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، حدثني رجل؛ أحد الأئمة عندنا ثقة ثقة ثقة رحمة الله عليه قال: سافرنا إلى الحج على الإبل، ولما رجعنا من مكة مرضت أم واحد منا، يقول: فنزلنا بين الجبال في الريع، تعرفون الريع؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: بين الجبلين؛ يعني مجرى شعيب بين جبلين، نزلنا في آخر الليل ونمنا، ولما أصبح الصباح مشينا، هذا الرجل اشتغل بأمه يصلح الرحل لها ومشى الناس، الريعان تخفي الإنسان، لما أصلح الرحل لأمه أركبها على البعير وذهب يقود بها، أخطأ، ضل الطريق؛ لأن الناس في الريعان يختفوا عن بعض، ضل الطريق، فسلك طريقًا يظنه الطريق الذي يُوصل إلى أصحابه، سلكه مشى مشى حتى ارتفعت الشمس ما وجد أصحابه، فإذا خباء صغير عنده ناس ساكنين بدو من التعب نزل هو وأمه وسألهم عن الطريق، قالوا: الطريق وراءك، لكن استرح شوية أنت ويا المرأة اللي معك، يقول: لما أنزلتها على الأرض قبض الله روحها، الله أكبر! من يتصور أن هذا الرجل يأتي من القصيم ولا تموت أمه إلا في هذه الشعاب؟! لكن ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان ٣٤].
المثال الثاني: في أحد الأسواق أحد تقاطع الأسواق كان طالبانِ خرجا من المدرسة قبل ثلاث سنوات، وفيه سيارة تبّي تعبر، تعرفون طريق التقاطع، كل واحد منهم وقف، الطالبان اللذان عند الباب وقفا وصاحب السيارة وقف يريد كل واحد منهما أن يعبر الآخر، في ثانية أو ثانيتين تحرك الطالبان وفي نفس الوقت تحركت السيارة من الجانب الآخر، فصدمت السيارة الطالب المؤخر ومات في الحال، الله أكبر!!
يعني ثوانٍ لأجل أن يبقى هذا الإنسان حتى ينتهي أجله، فأقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٧٣٧٧ ) ومسلم برقم (٩٣٢ / ١١ ) من حديث أسامة بن زيد.]]. انتبه للتعزية المفيدة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كيف تقول عند العزى إذا أردت أن تعزي شخصًا تقول: اصبر واحتسب؛ فإن لله ما أخذ وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
فيه الآن عبارة عند الناس ذكرها الفقهاء رحمهم الله يقولون: أعْظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك. هذا طيب، لكن الألفاظ الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أطيب وأنفع وأنجى وأبلغ.
نحن نقول: إن التعزية نوع من العبادة في الواقع؛ لأن فيها إحسانًا إلى المصاب وتقوية له على تحمل المصيبة فلا تفعل فيها ولا تقل، فلا تفعل فيها إلا ما ورد به الشرع.
أما السؤال الثالث:
* الطالب: بعد الإقامة..
* الشيخ: أعطني السؤال الثالث قبل ما تنفد الأسئلة هذه.
* الطالب: هو نفسه أقامها الله وأدامها.
* الشيخ: إيه، ما حدن بيقول: وأقيموا الصلاة!
* الطالب: لا.
* الشيخ: أما قول الناس عند إقامة الصلاة (أقامها الله وأدامها)، هذا مبني على حديث ورد في ذلك، لكن ما فيه ما دامت السماوات والأرض، ومع ذلك فالحديث ضعيف، ولهذا الصواب أنك لا تجيب المقيم، تجيب المؤذن، ولا تجيب المقيم؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف والأعمال لا تُبنى على الأحاديث الضعيفة كما أن بعض العوام إذا قال الإمام: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥] يقولون: استعنا بالله، لا تقل هذا، هذا ما ورد فيه، ما كان الصحابة يقولون خلف نبيهم، ثم إن قراءة الإمام سوف تؤمِّن عليها أنت، فكأنك أنت قلت: إياك نستعين، وإياك نستعين أبلغ من استعنَّا بالله.
من اللي يعرف البلاغة علشان يبين لنا أنها أبلغ؟ إياك نستعين أبلغ من استعنا بالله، لأيش؟
أبلغ من وجهين أولًا: أن إياك ننستعين فيها تقديم المعمول (إياك) قال العلماء: وتقديم المعمول يدل على أيش؟ على الحصر والاختصاص كأنك قلت: لا نستعين إلا إياك.
الوجه الثاني: كلمة (استعنا بالله) فعل ماضٍ، لكن (نستعين) فعل مضارع يدل على الاستمرار، والإنسان مستعين بالله دائمًا وأبدًا، فلهذا لا حاجة أن تقول استعنا بالله، استمع لقراءة إمامك، ولا تتكلم بشيء أنت مأمور بالإنصات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فإذا قال ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قل: آمين.
* الطالب: هذا سائل يسأل ويقول: كثيرًا ما يقوم بعض المزارعين ببيع القمح قبل توريده للصوامع على أن يكون دخوله على الصوامع باسم البائع والثمن يقبضه المشتري، وبالتالي يدفع المشتري ثمن القمح سلفًا للبائع؟
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه العملية لا تجوز؛ لأنه لا يجوز أن يُقدم القمح ومالكه بشخص باسم شخص آخر؛ لأن في ذلك وقوعًا في كذب، فالقمح بعد أن بيع على فلان ليس ملكًا لفلان الآخر، وفيه أيضًا خيانة للدولة؛ لأنه أدخل عليها باسم شخص وهو لغيره، وفيه أكل للمال بالباطل؛ لأن الكسب الذي يحصله المشتري حصل بطريق محرَّم، وكل كسب بطريق محرم فإنه أكل للمال بالباطل، والرابع من المفاسد أن الشعب يكون إذا سلك هذه المسالك الملتوية يكون شعبًا حيوانيًّا، ليس له هم إلا المكسب الدنيوي فقط، لا يخشى الله عز وجل، ولا ينظر للآخرة، وكأنما خلق للمال، والحقيقة أن المال خُلق لنا، لم نُخلق له، فمن عذب نفسه بالمال تعذب، ومن سخر المال لمصالحه يسر الله له أمره، والله عز وجل يقول: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة ٢٩] ولم يقل: خلقكم لما في الأرض، وإنما خلقنا الله عز وجل لعبادته ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]. فأنا أحذر إخواني المسلمين من مثل هذه الأعمال التي يكتسبون بها المال عن طرق محرم لما في ذلك من الضرر عليهم في معاشهم ومعادهم.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يسأل ويقول: ما حكم التفريق بين تكبيرات الصلاة مدًّا وقصرًا بغية إفهام المأمومين بالفعل الذي يعقب التكبير؟
* الشيخ: حكم هذا لا أصل له في السنة، فلم يرد عن النبي ﷺ أنه يفرق بين التكبيرات، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بذلك، وغاية ما اطلعت عليه من كلام الفقهاء أن بعضهم قال: ينبغي أن يمد التكبيرة في الانحطاط من القيام إلى السجود، وفي القيام من السجود إلى النهوض إلى القيام، قالوا: لأن ما بين هذين الركنين طويل فيمد التكبير حتى يستوعب زمن النهوض وزمن الانحطاط، ومع ذلك فقد قالوا هذا عن غير برهان من السنة وإنما قالوه اجتهادًا، يعني يقول: إذا أردت تسجد تقول: (الله أكبر) علشان تبدأ بالتكبير أول ما تهوي وينتهي عند الوصول إلى الأرض، وإذا رفعت من السجود قل (الله أكبر) علشان تبدأ من السجود بالتكبير من وقت (...) السجود، وينتهي بانتهاء الوقوف، أو بالوصول إلى الوقوف، ولكنهم مع ذلك إنما قالوه اجتهادًا فقط، وما دام هذا الأمر قد جاءت به السنة؛ أي قد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يكبر ولم يُنقل عنه أنه كان يفرق بين التكبيرات فإن السنة عدم التفريق.
وفي عدم التفريق بين التكبيرات مصلحة عظيمة للمأموم؛ لأن المأموم يحط باله وينتبه للركعات، لكن إذا كان يتابع الإمام بحسب تكبيراته صار كالآلة الميكانيكية، يمشي وراء هذا التكبير والله ما يدري هي الأولى ولا الثانية، أما إذا صار الإمام لا يفرق تجد الواحد يحط باله تمامًا؛ لأنه يخشى أن يقوم في موضع الجلوس أو أن يجلس في موضع القيام أمام الناس فيفشل، ولهذا رأيت فيها فائدة، أنا كنت أول إمامتي أفرق بين التكبير جريًا على عادة الناس، ولكني نبَّهني بعض الإخوة جزاه الله خيرًا من الإخوة المعتنين بالحديث، وقال لي: يا أخي، وأيش دليلك على هذا؟ جب لي دليل ولَّا لا تفعل، فلما قال لي: هكذا الحقيقة أنه خصمني، ما استطعت أن أجيبه على ذلك، فقلت: جزاك الله خيرًا، أنا إن شاء الله لا أفرق بعد هذا، فلما صليت أول ما صليت ولم أُفرق سبّح بي المأمومون قالوا: سبحان الله! لأن من عادتهم أننا نفرق، لكن مرتين أو ثلاثًا زال هذا، وعرفوا أنه لا تفريق، وصار كل واحد يحاسب ألف حساب ليروح يسهو في صلاته حتى يخطئ بين الناس، وربما يُستدل لذلك بأن الرسول لا يفرق بين التكبيرات أنه لما صُنع المنبر له صار ﷺ يقوم على المنبر فيقرأ ويركع على المنبر، فإذا أراد أن يسجد نزل من المنبر وسجد في الأرض فقال ﷺ: «إِنّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٩١٧ ) ومسلم برقم (٥٤٤ / ٤٤ ) من حديث سهل بن سعد.]] أما قوله: «لِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي» فهذا نعم كلما ارتفع الإنسان وبان للمأمومين يتعلمون أكثر لكن «لِتَأْتَمُّوا بِي»؟ دليل على أنه لا يفرق بين التكبير وإلا لكان الائتمام بالتفريق بين التكبيرات، الله أعلم.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: بعض الناس يخصص يوم الجمعة لزيارة القبور، فهل لهذا أصل في الشرع؟
* الشيخ: أما تخصيص يوم الجمعة بزيارة القبور فلا أعلم له أصلًا من الشرع، لكن بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: ينبغي أن تكون الزيارة يوم الجمعة، وبعضهم قال أيضًا: يوم الجمعة قبل طلوع الشمس، لكنه لما لم يكن لهذا القول شيء من الأثر فإنه لا ينبغي أن يُعمل بت، وأن تكون زيارة القبور كل وقت، ولهذا كما أشرت إليه قبل الصلاة زار النبي عليه الصلاة والسلام المقبرة ليلًا كما في حديث عائشة الطويل[[أخرجه مسلم برقم (٩٧٤ / ١٠٣) من حديث عائشة.]].
* الطالب: شكر الله لكم، وهذا يقول: نسمع كثيرًا عن رفع اليدين بالدعاء بعد النافلة ومسح الوجه بعد الدعاء، فما حكم ذلك أثابكم الله؟
* الشيخ: أما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء سواء كان بعد النافلة أو في مكان آخر فهذا وردت فيه أحاديث، لكن هذه الأحاديث طرقها كلها ضعيفة، كلها ضعيفة، فمن أهل العلم من قال: إن مجموع هذه الطرق الضعيفة يُلحق الحديث بالحسن ويسميه أهل الحديث يسمونه حسنًا لغيره؛ يعني لا لذاته، وعلى هذا مشى ابن حجر كما في بلوغ المرام.
ومن العلماء من قال: إن هذه الأحاديث الضعيفة لا تنجبر بكثرة طرقها لشدة ضعفها، وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه لا يسن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. وهذا أولى أن لا تمسح؛ لأن هذا لو كان سنة لكان مشهورًا ومعروفًا، وأما رفع اليدين بالدعاء فهذا لا أصل له أيضًا بعد السنة ولا بعد الفريضة، وغاية ما ورد فيه أن النبي ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ»[[أخرجه الترمذي برقم (٣٤٩٩ ) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٩٨٥٦ ) من حديث أبي أمامة.]] وكلمة أدبار، هل المراد أدبارها آخرها، أو المراد أدبارها ما بعدها؟
فمن العلماء من يقول: إن أدبار الصلوات ما بعدها، ومنهم من يقول: إن أدبار الصلوات آخرها، ومع ذلك فإنه لم يرِد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه في الدعاء لا بعد الفريضة ولا بعد النافلة، ولو كان خيرًا لبينه النبي ﷺ لأمته إما بقوله أو بفعله أو يسَّر الله تعالى من يفعله من الصحابة في زمنه أو في حال رؤيته حتى تثبت مشروعيته، ولكن الذي يترجح عندي أن أدبار الصلوات إن كان المعلق بالأدبار ذكرًا فهو بعدها، وإن كان المعلق بالأدبار دعاء فهو قبل السلام؛ الدليل: لأن الذكر أمر الله به بعد الصلاة قال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [النساء ١٠٣] والدعاء أمر به النبي عليه الصلاة والسلام قبل السلام في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٨٣٥ ) ومسلم برقم (٤٠٢ / ٥٥) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُوهُ».]].
وعلى هذا فنقول: ما ورد من الدعاء مُقيدًا بأدبار الصلوات نحمله على ما قبل السلام؛ لأنه محل الدعاء، وما ورد من الذكر مُقيدًا بأدبار الصلوات نحمله على ما بعد السلام؛ لأن هذا هو الذي أمر الله به في قوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء ١٠٣]؛ ولأن المعنى يقتضي أن يكون الدعاء قبل السلام؛ لأن الإنسان قبل أن يُسلم لا زال بين يدي الله عز وجل، فإذا انصرف من صلاته انصرف، فهل الأولى أن تناجي ربك في الدعاء وأنت تناجيه في صلاتك أو بعد أن تنصرف؟
* الطالب: في الصلاة أولى.
* الشيخ: في الصلاة أولى، إي نعم.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: سمعنا أن فضيلتكم توصل إلى تصحيح تمام الدعاء بعد الأذان: «إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ»[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (١٩٣٣) من حديث جابر بن عبد الله.]] فهل ذلك صحيح؟
* الشيخ: نعم، صحيح، صححته أنا وغيري، أنا ما يعني، لا أقول صححته، لكن صححه غيري من أهل العلم الذين هم أعلم منا بالحديث، وقد نُوقش من قال إنه ضعيف نوقش أمامي، ولم يستطع أن يجيب عن النقاش؛ لأن الذي قال: إنه ضعيف اشتبه عليه أحد الرواة؛ ففيه راوٍ يُطلق أو فيه اسم راوٍ يطلق على رجلين أحدهما ضعيف والثاني ثقة، وهذا الذي ضعفه ظن أن الاسم يراد به الرجل الضعيف فضعفه من أجل ذلك، والذين صحَّحوه قالوا: إن هذا الرجل الذي توهمته ليس هو المقصود في السياق، ولهذا كانت هذه اللفظة الصحيحة.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: شخص باع نخله على شخص، وظن كل منهما أن الآخر زكَّى الثمرة وبعد عام تبين أنهما لم يُزكِّياه، فهل الزكاة على البائع أو المشتري؟ وهل يدفع نقودًا مكان الثمرة؟
* الشيخ: الزكاة على البائع؛ يعني الثمار إذا بِيعت وهي مما تجب فيه الزكاة فإن الزكاة على البائع؛ لأنه بدا الصلاح في ملكه، وإذا بدا صلاح الثمر وجبت الزكاة فيه، وعلى هذا فنقول في جواب هذا السؤال: يجب على البائع أن يُزكيه يزكي ثمر نخله الذي باعه، وكيف يزكيه؟ يُخرج نصف عُشره إذا كان يُسقى بالمكايل أو بالسواني، أظن أن السواني ما هي موجودة هنا.
* الطلبة: (...).
* الشيخ: إذن بالمكايل، يخرج نصف العشر، كم نصف العشر بالنسبة للمئة؟ أيها الحُسّاب، كم نصف العشر بالنسبة للمئة؟
* طالب: عشر الربع.
* الشيخ: لا يا شيخ، عشر الربع، خمسة فـي المئة، ربع العشر بالنسبة للمئة خمسة بالمئة. وإذا كان يسقى سيحًا أو من البعور التي تكون في (...) ولا غيرها؟
* طالب: عُشرها.
* الشيخ: كم يجب؟ العشر، كم العشر بالنسبة للمئة؟
* طالب: عشرة.
* الطلبة: عشرة في المئة.
* الشيخ: عشرة فـي المئة، فإذا كان قد باع بعشرة آلاف وهو مما يُسقى بالمكايل كم يخرج؟
* طالب: خمس مئة.
* الشيخ: خمس مئة، إذا باع بعشرة آلاف يخرج خمس مئة، إذا كان يُسقى بعلًا كم يخرج؟ يخرج ألفًا؛ لأنه العُشر.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: هل هناك سنة خاصة في زيارة القبور المعينة؛ كأن يزور المسلم المقبرة ويزور قبر أبيه أو أمه زيارة خاصة ويدعو له؟
* الشيخ: لا أعلم في هذا سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن عمل المسلمين ما زال مستمرًّا يزورون قبر النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبيه وهو من القبور الخاصة، ويزورون أقاربهم ويدعون لهم وهو من الأشياء من القبور الخاصة، أما الذي اشتهرت به السنة فهي زيارة القبور على سبيل العموم لتذكر الإنسان بالآخرة، كيف تذكره بالآخرة؟ هؤلاء الجماعة الذين تشاهدهم الآن تشاهد قبورهم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يمشون كما تمشي ويأكلون كما تأكل ويشربون كما تشرب، ويلبسون كما تلبس، ويتنعمون بأهلهم كما تتنعم وهم الآن أصبحوا رهنًا في قبورهم بأعمالهم ما يستطيع الواحد أن يزيد حسنة في حسناته، ولا أن ينقص سيئة من سيئاته، هؤلاء القوم كل واحد منهم حينما لا يظن أنه يموت إلا بعد مدة طويلة، ولكن يخونه الأمل أفلا يحصل لقلبك تذكرة بذلك؟
يحصل، كانوا بالأمس يمشون معك والآن في قبورهم لماذا تتذكر؟ لأجل أن تعمل لهذا اليوم الذي ستكون مثل هؤلاء، أنت اليوم تزورهم وغدًا يزورك الناس، فانتبه لهذا يا أخي واغتنم الفرصة ما دُمت باقيًا في زمن المهلة، واعلم أنه ثبت عن النبي ﷺ «أن الميت إذا ماتَ خَرَجَ معَهُ ثلاثَةٌ: مالُهُ، وأهلُهُ، وعملُهُ، فيَرجعُ اثنَانِ ويَبقَى واحدٌ؛ يرجعُ مَالُهُ وأهلُهُ ويَبقَى عملُهُ»[[حديث متفق عليه البخاري برقم: (٦٥١٤) ومسلم برقم: (٢٩٦٠ / ٥) من حديث أنس بن مالك بلفظ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ».]] فاستعد لذلك يا أخي، ثم مع هذا ادعُ لهؤلاء الإخوة: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يقول: هل نزل شيء من القرآن بغير واسطة جبريل عليه السلام، وما الموقف من الحديث الصحيح الذي معناه أن جبريل عند الرسول ﷺ فرأى بابًا في السماء انفتح فنزل منه ملك بأم الكتاب وخواتيم البقرة[[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (٥٢٥ ) من حديث معقل بن يسار بلفظ: «وَأُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ».]]؟
* الشيخ: هو الأصل أن الذي نزل بالقرآن جبريل عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل ١٠٢] وكما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٢ - ١٩٥] فإذا وردت أحاديث صحيحة أن بعض الآيات نزل بها غير جبريل فإنها تكون مُخصِّصة لهذا العموم، وتخصيص العمومات من الكتاب والسنة أمر وارد كما يعرفه من تتبعه وإلا فالأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام هو الذي نزل به على قلب النبي ﷺ: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٩٧].
* الطالب: أثابكم الله، وهذا سائل يسأل ويقول: كثير من الشباب يتساهل في حلق اللحية أو بعضها وتطويل الثياب، فما توجيهكم لأولئك لكي يُقلعوا عن هذه المخالفة التي ابتُلي بها كثير من المسلمين هداهم الله؟
* الشيخ: الحمد لله أن السائل لم يقل أكثر الشباب، وإنما قال كثير من الشباب، وفرق بين كثير وأكثر، وأنا معه في هذا؛ أن أكثر الشباب- ولله الحمد- ملتزم في أخلاقه وفي عباداته وفي عاداته أيضًا، وهؤلاء الذين أشار إليهم من الشباب هم الآن- ولله الحمد- قلة، ونسأل الله تعالى أن يهديهم حتى يتبعوا ما هو الحق وما ذلك على الله بعزيز، والإنسان إذا نظر إلى أين يذهب إذا خالف طريق النبي عليه الصلاة والسلام وما أرشد إليه فإلى أين يذهب؟ إلى طريق المغضوب عليهم والضالين؟! سبحان الله! حلق اللحية من أعمال مَن؟ المشركين والمجوس، إعفاء اللحية من هدي مَن؟ المرسلين والصديقين والشهداء والصالحين. «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ»[[أخرجه أحمد في المسند برقم (٦٨٤) من حديث علي بن أبي طالب.]] قد ملأت من هذا إلى هذا؛ نحره عليه الصلاة والسلام، وقال هارون لأخيه موسى ﴿يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ [طه ٩٤] ﴿لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي﴾ إذن له لحية ولَّا لا؟ نعم، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام «أن اللحية من الفطرة»[[أخرجه مسلم برقم (٢٦١ / ٥٦) من حديث عائشة بلفظ: «عَشْر من الْفطْرَة: قصّ الشَّارِب، وإعفاء اللِّحْيَة».]] التي فطر الله الخلق عليها، إذن فاللحية فطرة، اللحية سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللحية مخالِفة لسبيل مَن؟
* الطالب: سبيل المرسلين.
* الشيخ: اللحية مخالفة لسبيل من؟ اللحية مخالفة لسبيل من؟
* الطالب: لسبيل اليهود.
* الشيخ: المشركين والمجوس، اللحية تغيير لخلق الله غير مأذون فيه، حلق اللحية تغيير لخلق الله غير مأذون فيه، يكفي واحدة من هذا يحمل المؤمن على إعفاء لحيته من الذي قال: «خَالِفُوا الْمَجُوسَ؛ أَعْفُوا اللِّحَى وَحُفُّوا الشَّوَارِبَ».[[أخرجه مسلم برقم (٢٦٠ / ٥٥) من حديث أبي هريرة بلفظ: «جُزُّوا الشَّوَارِب وأَرْخُوا اللِّحَى؛ خَالِفُوا الْمَجُوس».]]؟
* الطالب: الرسول ﷺ.
* الشيخ: من الذي قال؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، قل لي بالله عليك لو كان محمد رسول الله أمامك الآن يقول: خالف المشركين، أعفِ اللحية وحُف الشارب، هل يمكنك أن تخرج أمامه حالقًا لحيتك بعد أن قال لك ذلك ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما دمت مؤمنًا به تمام الإيمان ما يمكن تفعل هذا أبدًا، تستحي على الأقل أن رسول رب العالمين وإمامك الذي ترجو الله أن تحشر في زمرته يوم القيامة يقول لك ها الكلام وتخرج مخالفًا له عاصيًا له، حلق اللحية اتباع غير سبيل المؤمنين وعصيان لأمر النبي ﷺ، ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء ١١٥] وهذه الآية وإن كانت نزلت في المشاقة التامة التي تؤدي إلى الكفر، لكن كل من خالف الرسول في أمر فله نصيب مما يستحقه من هذه الآية الكريمة، ولست أريد أن أطبق هذه الآية على حالق اللحية، لا تذهبوا غدًا تقولون: ابن عثيمين يقول: حالق اللحية يصلى جهنم، لكني أقول: أي إنسان يخالف الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين فله من هذه الآية نصيب، والله عز وجل أحكم الحاكمين يجازي كل إنسان بما يستحق، ثم إن حالق اللحية يمشي بين المؤمنين يقول للناس: اشهدوا على أنني عاصٍ للرسول. أقول: حالق اللحية يمشي بين الناس يقول: اشهدوا أني عاصٍ للرسول، قد تقول لي: أنا دائمًا يمر بي ناس حالقين لحاهم ما هم بيقولوا: اشهد إني عاص، صح ولَّا لا؟ ولكن هذا إشهاد بالفعل هم يُشهدونني على أنفسهم بماذا؟
* الطالب: بفعلهم.
* الشيخ: بفعلهم، صحيح ما يقولون: إني عاصٍ، لكن فعلهم هذا معناه شهادة أنهم مخالفون للرسول عليه الصلاة والسلام. الشهادة بالفعل ممكنة ولَّا لا؟ الشهادة تكون بالفعل وتكون بالقول؛ قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون ١]، هذا قول ولَّا فعل؟ هذا قول، ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء ١٦٦] هذا قول أيضًا، لكن تأييد الله للرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار دينه على الأديان كلها شهادة بماذا؟ بالفعل، شهادة بالفعل، شهد الله أن رسوله حق ودينه الحق؛ لأن الله أظهره. يقال: قد تكون الشهادة بالفعل في التأييد وقد تكون الشهادة بالفعل في التنديد والإبطال.
ذكر بعض المؤرخين أن مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إنه رسول الله، جاءه قوم من أتباعه وقالوا له كذبًا وزورًا: يا رسول الله، هذا الصبي عندنا رأسه بعضه محلوق، بعضه ما فيه شعر وبعضه فيه شعر، امسح عليه لعل الله أن ينبت شعر رأسه كله، فمسح على رأسه، فسقط الشعر الموجود، هذه شهادة بأيش بالتأييد ولا بالتنديد؟ تأييد أنه رسول ولا تكذيب؟
* طالب: تكذيب.
* الشيخ: تكذيب، هم جايبينه علشان إذا مسح رأسه يطلع الشعر اللي ما نبت، وهذا لما مسح رأسه سقط الموجود.
وفيه أيضًا قصة أخرى يقولون: إنه جاءه صاحب بئر وقال له: إن بئري قد نقص ماؤه، وكان قد سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاؤوه في صلح الحديبية وقالوا: إن البئر ناقصة فأخذ ماء فتمضمض به فمجه في البئر فصعد الماء؛ آية للرسول عليه الصلاة والسلام تأييد، مسيلمة الكذاب قال له: أنا آتيك، فجاء إليه فأخذ ماء فتمضمض به ومجه في البئر التي فيها ماء قليل، ولما مجه في البئر غار الماء كرامة ولا إهانة؟
* الطالب: إهانة.
* الشيخ: إهانة وتكذيب، هذه الشهادة وأيش نسويها بالفعل ولا بالقول؟
* الطالب: بالفعل.
* الشيخ: شهد الله بأنه كاذب بماذا؟
* طالب: بالفعل.
* الشيخ: بالفعل؛ لأن الله قدر شيئًا يدل على كذبه، أقول: إن حالق اللحية إذا مر بنا وقد حلق لحيته فإنه يُشهدنا بفعله على أيش؟ على أنه عاص للرسول عليه الصلاة والسلام، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
* الطالب: آمين يا رب.
* الشيخ: ثم ماذا يستفيد من حلق لحيته؟ يمكث ولد، ولَّا يبقى على شيخوخته؟ أجيبوا يا إخوان؟
* الطالب: يبقي على شيخوخته.
* الشيخ: لو كان الإنسان إذا حلق لحيته رجع شابًّا لكان قول الشاعر: ؎أَلَا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا ∗∗∗ فَأُخْبِرَهُ بِمَـــــــا فَعَـــــــلَالْمَشِيـــــــــبُ
ممكنا ولَّا غير ممكن؟ لكان ممكنًا؛ لأني قلت لواحد: احلق لحيتك وتصير شاب، وهذا لا يمكن، ولكنه يستفيد من ذلك مخالفة طريق الرسل وموافقة طريق المشركين والمجوس، ثم إنه ليأخذني العجب يا إخواني أن يظهر قوم على دينهم وعلى عاداتهم بما يسمى (الخنافس)، والحمد لله الناس دول الخنافس الحقيقية ما هي موجودة في الدور الآن، لكن هؤلاء وُجدوا بيننا الخنافس، يخلي الإنسان رأسه ويخلي عوارضه والله ما أدري كله ولا بعضه.
* الطالب: ما يخلي، بسيط..
* الشيخ: ما يخلي العوارض والباقي يحلقه، خرجوا عن أيش؟ عن عادات الناس وعن السنة، ولم يبالوا بذلك مع أنهم قلة؛ يعني هم عندهم عزم أكثر من عزم من يريد السنة في إبقاء اللحية، كيف هذا يكون عنده عزم في باطل خرج به عن السنة وعن العادات وأنت أيها المؤمن الشاب ما يكون عندك عزم على موافقة الرسول عليه الصلاة والسلام؟
ولكني أبشركم- والحمد لله- أن هؤلاء القوم الآن أصبحوا قلة، أصبحوا قلة ولله الحمد؛ لأنهم عرفوا إلى أين يتجهون، فصار الناس الآن بين حالق للحيته كلية وبين حالق لأكثرها ولم يُبقِ منها إلا الذقن، وبين متمسك بالسنة لم يصبها بسوء، ولكنه سمع النبي ﷺ يقول: «أَعْفُوا اللِّحَى»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٥٨٩٣) ومسلم برقم (٢٥٩ / ٥٢) من حديث عبد الله بن عمر.]] فقال: سمعًا وطاعة لرسول رب العالمين وإمام المتقين.
* الطالب: أثابك الله، وهذا يطلب من الشيخ مطلبًا ونحن أيضًا نطالبه به جزاه الله خيرًا يقول.
* الشيخ: هذا فرق بين الطلب والمطالبة يا أخي، أموافق السائل ولا نشوفلك دعوة جديدة؟
* الطالب: يقول: فضيلة الشيخ، نشهد الله على محبتك، ونأمل من فضيلتكم تكرار الزيارة، وأن تعطونا موعدًا من الآن نسأل الله لنا ولكم العون والتوفيق.
* الشيخ: نعم، أقول له: أحبه الله الذي أحبني فيه، وجعلني وإياكم من أحبابه وأوليائه، ومن الذين أنعم الله عليهم، وأنا الحقيقة أني مسرور من مجيئي إلى هذا المكان وانتفاعي وما يحصل به من النفع.
* الطالب: كثرة الحضور ما..
* الشيخ: ولكن فيكم أو منكم رجل رشيد، وهو محل الثقة عندي وعندكم قرر لي أن لا آتي إلا في آخر ليلة جمعة من شعبان يقول لي: آخر ليلة من شعبان هي لأهل الزلفي فقط، لا تحط فيها موعد فأجبته إلى ذلك راضيًا ومسلمًا، وأرجو أن يكون هذا- إن شاء الله- محل موافقة منكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
* الطالب: لا، نريد قبلها مرتين يا شيخ (...) هذا طلب جديد يا شيخ.
* الشيخ: طيب نشوف بعدين.
* الطالب: هذا سائل يقول:
* الشيخ: الله يحينا وإياكم حياة طيبة.
* الطالب: ورد في الحديث أن الشمس تسجد عند العرش وتستأذن.
* الشيخ: تحت العرش.
* الطالب: كاتب عند، تسجد تحت العرش وتستأذن علمًا أن المشاهَد الآن أنها لا تغيب عن الأرض حين تغيب عن جزء وتظهر على جزء، وهذا يجرنا للسؤال عن كسوفها وخسوف القمر ما سببه؟
* الشيخ: أما كونها- أي الشمس- تدور حول الأرض فهذا صحيح، لا شك أنها تدور حول الأرض، وبهذا يحصل الليل والنهار قال الله تعالى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ، وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف ١٧] هذه أربعة أفعال، إذا طلعت تزاور، إذا غربت تقرضهم، الأفعال نُسبت للشمس إذن فهي الفاعل، وعلى هذا فهي التي تدور على الأرض ويحصل بذلك الليل والنهار، وقال الله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ﴾ [ص ٣٢] الفاعل ما؟ الشمس فالفعل نسب لها هي اللي توارت، ما هو نحن نتوارى عنها هي توارت عنا، هذه خمسة أفعال ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس ٣٨] تجري الفعل مضاف إلى أيش؟
* الطالب: إلى الشمس.
* الشيخ: إلى الشمس، هذه ستة أفعال قالها من؟ قالها الخلَّاق العليم الذي يعلم من خلق ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك ١٤] فيجب علينا أن نأخذ بظواهر هذه النصوص، وأن لا نعارضها بأي نظرية مهما كانت النظرية؛ لأن النظريات من إدراك البشر، وهذا من إخبار خالق البشر، فعلينا أن نأخذ بهذا الظاهر حتى يتبين لنا مثل الشمس أن الواقع خلافه، أما مجرد أن يقولوا: إن الليل والنهار يحصل بدوران الأرض فإننا لا نُسلّم به ولا نوافق، ولو اجتمع علينا من بأقطارها إلا بدليل محسوس يكون لنا عذرًا أمام الله يوم القيامة إذا نحن خالفنا ظاهر كلامه، أما أن نخالف ظاهر كلام ربنا لمجرد رأي أقوام ما لمسناه بأيدينا ولا رأيناه بأعيننا، ولا شممناه بآنافنا، ولا ذقناه بألسنتنا، وإنما سمعناه بآذاننا من غير أن يكون هناك برهان، فلا يجوز لنا أن نخالف ظاهر كلام الله بمثل هذه الآراء أبدًا، إذا كان كذلك فإن الشمس تدور على الأرض، وإذا غربت كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: «تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ».[[حديث متفق عليه البخاري برقم ( ٣١٩٩) ومسلم برقم (١٥٩ / ٢٥٠) من حديث أبي ذر الغفاري.]] ولكن هل تظن أن سجودها كسجودنا؟ إن كانت الأرض كأجسامنا فإنها كسجودنا، ولكن أقصد إن كانت الشمس كأجسامنا فإن سجودها كسجودنا، ولكني أظن أنها ليست كأجسامنا، التعبير ده صحيح ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لا يا أخي ما هو بصحيح، أنا قلت: أظن أنها ليست كأجسامنا، صحيح هذا التعبير؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: وأيش أقول؟ أجزم بأنها ليست كأجسامنا إلا إذا أردت بالظن العلم مثل: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة ٤٦] على كل حال نحن نعلم علم اليقين أن الشمس ليست كأجسامنا، واضح؟ إذن سجودها ليس كسجودنا، وقد قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج ١٨] هل أنت تشاهد سجود البعير لله قل لي؟ ما تشاهدوه غير (...) إن تسجد؟ لا، لكن سجودها لا نعلمه يجب أن نؤمن به بأنها تسجد، ولكن ما نعلم كيفيته، فإن قلت: المراد بالسجود السجود للحكم الكوني وهو الخضوع الكوني، قلنا: هذا تمنعه الآية؛ لأن الله يقول: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ والسجود الكوني هل هو لكثير من الناس ولا لجميع الناس؟ قولوا أيها الطلبة، السجود الكوني لجميع الناس كل الناس ساجدون لله أوْ لا؟
إذا كان كذلك فإن سجود الشمس لله تعالى إذا غابت تحت العرش، سجود الشمس تحت العرش إذا غابت أمر لا يعلم كيفيته إلا الله.
وماذا علينا تجاه هذا الموضوع؟ وأيش علينا؟ أن نؤمن ونسلم ونقول: الكيفية عند خالق السماوات والأرض، ما نعلمها.
* الطالب: أثابكم الله، وهذا تتمة للسؤال يقول: مما لا شك فيه أن خسوف القمر وكسوف الشمس من آيات الله لتخويف عباده، فكيف يُرد على من قال: إذا كانت تخويفًا فكيف يعلم العباد بتخويف الله لهم قبل وقوع ذلك؟
* الشيخ: علم الله سبحانه، لا شك أن خسوف القمر وكسوف الشمس بإرادة الله عز وجل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولا شك أن النبي ﷺ صادق فيما أخبر به من قوله: «إِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ»[[أخرجه البخاري برقم (١٠٤٨ ) من حديث أبي بكرة.]] هذان أمران ثابتان لا شك فيهما كما لا نشك في أنفسنا لا نشك في هذا، إذا كان الأمر كذلك فالله عز وجل يحدث الكسوف بأسباب طبيعية لحكمة شرعية، الأسباب الطبيعية معروفة، وهي أن القمر خسوفه سببه حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، الأرض تحول بين الشمس والقمر فيكسف، ولهذا ما يمكن يصير خسوف للقمر إلا في ليالي الإبدار؛ ليالي البدر؛ يعني ليلة اثنين وليلة ثلاثة وليلة أربع، صح؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لا يمكن الخسوف إلا ليالي الإبدار؛ ليلة الثاني من الشهر والثالث من الشهر والرابع من الشهر صح ولا خطأ؟
* الطالب: خطأ.
* الشيخ: متى ليالي الإبدار؟
* الطالب: أيام البيض.
* الشيخ: ثلاثة عشر، أربعة عشر، خمسة عشر، لا يمكن يوجد والغالب بين أربعة عشر وخمسة عشر؛ لأن القمر يكون مقابل للشمس تمامًا، ونور القمر بإذن الله مستمد من نور الشمس؛ قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء ١٢] وسواء أريد النهار بذاته والليل بذاته أو أُريد علامة الليل وعلامة النهار؛ وهي القمر والشمس، المهم أن القمر جرمه مظلم، يكتسب النور من أين؟
* الطالب: من الشمس.
* الشيخ: من الشمس، فإذا كان مقابلًا لها وجاءت الأرض حالت بينه وبين الشمس حصل الخسوف، ولهذا لو تأملت الخسوف ما يمكن يجي من الجهة التي تلي الشمس أبدًا، إنما يأتي من الأسفل أو من اليمين أو من الشمال بخلاف الهلال ليلة الواحد والاثنين والثلاثة يكون نوره من جهة الشمس، أما هذا، إذا كان كليًّا يمكن يأتي من كل الجهات لكن جزئيًّا- في الغالب- ما يكون من الجهة التي تلي الشمس، على كل حال هذا معلوم.
كسوف الشمس من أين يأتي؟ السبب الطبيعي له أن القمر يحول بين الشمس وبين الأرض؛ ولذلك ما يمكن تكسف الشمس إلا في ليالي الاستسرار؛ يعني إلا في يوم (١٨) أو يوم (١٩) أو يوم (٢٠) صح؟
* الطالب: خطأ.
* الشيخ: خطأ؛ ليالي الاستسرار هي الليالي التي يختفي فيها القمر؛ (٢٨)، (٢٩)، (٣٠) يعني لو قال لك أحد: إن الشمس كسفت يوم عشرين قل له: هذا محال، ما يمكن إلا في (٢٨)، (٢٩)، (٣٠)، ولذلك الذين قالوا من المؤرخين: إن موت إبراهيم ابن النبي ﷺ كان في العاشر من ربيع الأول قولهم هذا خطأ بلا شك مئة بالمئة، وإنما كان موت إبراهيم يوم تسع وعشرين من شوال السنة العاشرة من الهجرة، يوم تسع وعشرين هو من ليالي الاستسرار ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: من ليالي الاستسرار؛ لأن القمر- بإذن الله- يحول بين الشمس وبين الأرض، أيهم أعلى القمر ولَّا الشمس؟
* الطلبة: الشمس.
* الشيخ: متأكدين؟ إي نعم، الشمس أعلى، فإذا جاء القمر في آخر الشهر يداري الشمس، إذا أراد الله عز وجل الكسوف صار القمر مثلًا إذا قدرنا هذا الأرض صار القمر هكذا بين الشمس وبين الأرض، فحجب نور الشمس، من الذي يستطيع أن يجعل الأرض في مدار أو في مكان على الأصح؛ في مكان تحول بين ضوء الشمس وبين القمر؟ من يستطيع؟
ما أحد يستطيع، وكذلك العكس، إذن فالخسوف آية من آيات الله؛ أي علامة على قدرته عز وجل، وأما كونه تخويفًا فظاهر؛ فإن اختلاف مسار الشمس والقمر حتى يحصل ذلك لا شك أنه تخويف وإنذار وليس هو عذاب بنفسه، ما هو عذاب بنفسه، لكنه منذر بعذاب انعقدت أسبابه، ولهذا أمرنا رسول الله ﷺ أن نفزع إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره والصلاة والصدقة والعتق، كل هذا أمر به الرسول، وهذه الأمور من أسباب دفع البلاء، فإذا فعلنا ذلك اندفع البلاء الذي انعقدت أسبابه، وصار الكسوف علامة أيش عليه؟ على هذا البلاء وهذا العذاب، والله عز وجل إذا رجع عباده إليه وفزعوا إليه فهو أرحم الراحمين يرفع عنهم البلاء والعذاب، ولهذا أنا أميل إلى القول بوجوب صلاة الكسوف، وأنها ليست من السنن بل من الواجبات؛ لأن الرسول ﷺ خرج فزعًا حتى إنه لُحق بردائه؛ ترك رداءه عليه الصلاة والسلام خرج بالإزار فقط من شدة فزعه حتى لُحق بردائه ولبسه أو ألبس إياه حتى جعل يجره ﷺ، وفزع، وفي هذا المقام العظيم عُرضت عليه الجنة والنار حتى تقدم إلى الجنة ليأخذ عنقودًا منها قال: «فَلَوْ أَخَذْتُهُ لَبَقِيَ فِيكُمْ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ»[[حديث متفق عليه البخاري برقم: (٥١٩٧ ) ومسلم برقم: (٩٠٧ / ١٧) من حديث عبد الله بن عباس بلفظ: «وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا».]] هذا الحديث أو معناه وتأخر؛ لأنه عرضت عليه النار فخاف من لفحها، ورأى في النار امرأة تعذَّب في هرة حبستها، هرة يعني؟ وأيش الهرة؟
* الطالب: قطة.
* الشيخ: ما هي الهرة يا إخوان؟
* الطالب: القطة.
* الشيخ: القطة وما هي القطة؟ نفس الإجابة يقولون الناس يعني فائدة لغوية يقولون الناس: (بِس) قال في القاموس: الصواب: (بَس) والعامة -هذا كلام القاموس- والعامة تكسره. يعني يقولون: (بِس)، والصواب في اللغة العربية (بَس)، لكن لا تحسبه فنجان شاي يصب تقول: بَس.
الآن نقول الرسول ﷺ رأى المرأة التي تعذب في هذه الهرة، ورأى عمرو بن لحي الخزاعي يجر أمعاءه في النار، وكان هذا الرجل- والعياذ بالله- أول من أدخل الشرك في العرب وأول من سيب السوائب، ورأى صاحب المحجن الذي يسرق الحجاج بمحجنه، هذا رجل لص سارق معه محجان؛ يعني عصا محنية الرأس إذا مر الحجاج إذا مر مع الحجاج دخل المحجان وجرّ المتاع إن فطن له الحاج قال: والله هذا المحجن بلاني الله به ما أدري عليه، على كل حال يقول: هذا المحجان هو اللي جر متاعي غصبًا عني، وإن لم يفطن به الحاج وأيش يسوي؟
* الطالب: أخذه.
* الشيخ: أخذ المتاع وراح، رآه النبي عليه الصلاة والسلام يعذب في النار على أخذه أمتعة الحجاج، وهذا يدل على عظم صلاة الكسوف؛ ولهذا لما فرغ النبي عليه الصلاة والسلام خطب خطبة عظيمة وقال فيها من جملة ما قال: «وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»[[أخرجه البخاري برقم (٦٤٨٥ ) من حديث أبي هريرة.]] وأمر بالفزع إليها، ولهذا كانت هذه الصلاة صلاة غير مألوفة غير معتادة؛ لأن هذا الذي وقع السبب هذا غير مألوف ولا معتاد، فصار من الحكمة أن تكون العبادة له أيضًا غير أيش؟ غير معتادة، هل في الصلوات صلاة مثل صلاة الكسوف؟ لا، وهل في احتجاب الشمس عنا مثل احتجابها في الكسوف؟ لا، إنما تغيب في الأفق وكذلك القمر.
كيف صلاة الكسوف؟ يكبر الإنسان ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة طويلة طويلة بقدر سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلًا جدًّا، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة طويلة لكن دون الأولى، ثم يركع ويطيل الركوع ولكن دون الأول، ثم يرفع ويدعو بما دعا به نحوًا من ركوعه، ثم يسجد ويطيل السجود نحوًا من ركوعه، ثم يجلس بين السجدتين نحو سجوده، ثم يسجد سجودًا طويلًا، ثم يقوم للركعة الثانية ويفعل فيها كالركعة الأولى لكن دونها في كل ما يُفعل، وإذا فرغ فإنه يخطب الناس خطبة بليغة يعظهم فيها ويذكرهم كما فعل النبي ﷺ.
ويقرأ فيها جهرًا ولَّا سرًّا؟ ما صليتم صلاة الكسوف؟
* الطلبة: جهرًا.
* الشيخ: جهرًا، في الليل ولَّا في النهار؟
* الطلبة: في الليل والنهار.
* الشيخ: ليلًا ونهارًا حتى لو كان كسوف الشمس يقرأ جهرًا، لماذا؟
لأن الناس مجتمعون، وكل صلاة يُشرع فيها اجتماع أهل البلد جميعًا يشرع فيها الجهر بالقراءة، أرأيتم صلاة الجمعة؟ يجهر فيها بالقراءة، صلاة العيد يجهر فيها بالقراءة، صلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، صلاة الكسوف يجهر فيها بالقراءة؛ لأن الأفضل أن يصلي الناس جميعًا في الجوامع لا في كل مسجد، السنة- كما قال أهل العلم- أن تصلى صلاة الكسوف في المساجد الجوامع؛ لأن اجتماع الناس مبتهلين إلى الله عز وجل متضرعين إليه أبلغ، ولهذا كان أعظم جمع وأحقه إجابة جمع الناس يوم عرفة؛ لأنهم أكثر ما يكونون جمعًا؛ فاجتماع الناس على العبادة والدعاء له مكانة عند الله عز وجل، ولكن بعض الناس الآن ومن قديم يصلون صلاة الكسوف كل في مسجده؛ لأنهم يزعمون أنهم لو صلوا في الجوامع لتأخر الناس ولا أحد راح للجامع، ولكن يا حبذا لو أن الناس فعلوا هذا الأمر المستحب وخصوا صلاة الناس في الجوامع، وخرج الناس ولهم جمع كثير وخشوع وتأمين، ولا بأس أيضًا أن يحضر النساء في صلاة الكسوف كما حضر النساء في عهد النبي ﷺ.
* الطالب: شكر الله لكم، وهذا يقول: لو تكرمت يا فضيلة الشيخ وأعطيتنا نبذة عن حياتك العلمية والعملية جزاك الله خيرًا؟
* الشيخ: أقول للسائل: لو تكرم السائل وأعفاني عن جواب هذا السؤال فجزاه الله خيرًا.
* الطالب: بارك الله، وهذا سائل يقول: فضيلة الشيخ، هناك قائل: الفرق بين صلاة الجماعة وصلاة الفرد أفضلية سبع وعشرين أو خمس وعشرين درجة، وأنا لا أريد هذا الفرق وأؤديها في منزلي فما حكم مثل هذا؟
وقائل: أن صلاة الجماعة غير واجبة وجوب عين بدليل الذين جاؤوا إلى الرسول ﷺ في منى والصلاة لم تُقم فقال: لماذا لم تُصليا؟ فقالا: صلينا في رحالنا فلم يؤنبهما ولم يأمرهما بالإعادة مع الجماعة؟ والحديث أورده مدرس بالجامعة أمام طلابه، كما يقول السائل.
* الشيخ: جوابي على هذا السؤال أولًا: أوجه نصيحتي لهذا الأخ الذي قال: أنا لا أريد هذا الفضل -ما يخليهم- هل هذا الرجل مستغنٍ عن رحمة الله؟ والله ليمرن به يوم من الأيام يتمنى أن في حسناته حسنة واحدة ما هو سبع وعشرين حسنة، حسنة واحدة فليتقِ الله في نفسه وليتُب إلى الله تعالى من ذنبه، وليفرح بنعمة الله عليه بكثرة الثواب في صلاة الجماعة، هذا الرجل المدرس أنا أعتقد لو قيل له: نحن سنضعك في مدرسة راتبك الآن ثلاثة آلاف بنعطيك في المدرسة الثانية خمسة آلاف لكنها أبعد من هذه بكيلو يمشي ولَّا ما يمشي؟
* الطالب: يمشي.
* الشيخ: يمشي ولو على أهدابه ما هو على أقدامه يمشي، ما يقول: أنا ما أبغي هذا الفضل مع أن الله عز وجل يقول في كتابه: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى ١٦] وبعده ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٧] كيف يمكن لعاقل أن يختار فضل الدنيا مع أنه زائل هذا الرجل الذي نال الفضل أو الفضل نفسه ولا يختار فضل الآخرة، والله إن هذا لسفه، وهذا الحقيقة هذه الكلمة تجرح الشعور، وإن كان الأمور الندبية الإنسان مخير فيها والحمد لله؛ يعني ما هي بواجبة، لكن كونه يقول: بهذه الصراحة أنا ما أبي هذا الفضل!! شيء عظيم يعني! شيء يخشى الإنسان يقوله! فأرجو من هذا الرجل المدرس أن يتقي الله في نفسه وفي أبنائه التلاميذ وأن لا يبلغ به الأمر إلى هذا التهوين في فضائل الأعمال حتى يقول: أنا ما أبي الفضل، من الذي يتجرأ على أن يقول أنا لا أريد ثواب الله ولا فضل الله؟! صعبة دي يا إخوان! وأرجو أن يكون ما أقوله الآن يبلغه، وأما بالنسبة إلى كونه ليس فرض عين، والاستدلال بحديث الرجلين فإن هذين الرجلين صلَّيا في رحالهما، وهي قضية عين قد يكون هذان الرجلان لا يعلمان أن صلاة الجماعة واجبة وهذا وارد؛ ولذلك جهلا أن يصليا مع الرسول عليه الصلاة والسلام والمشروع إذا جئت إلى جماعة أن تصلي معهم، وقد يكون هذان الرجلان يظنان أن النبي ﷺ قد صلى بأصحابه وانتهى، فالقضية قضية عين وليست قولًا له عموم حتى نأخذ بعمومه وما دام فيه احتمال فالعلماء يقولون: إذا حصل الاحتمال بطل الاستدلال، فلا دليل فيها أبدًا.
وحينئذٍ يبقى أن بعض الناس يقول: إذا كانت أفضل فأفضل اسم تفضيل معناه ما هي بواجبة؛ لأن الأفضلية ما تقال في الواجب، نقول لهؤلاء الإخوان: بارك الله فيكم، ورزقنا وإياكم الفهم الصحيح؛ قولكم: إن الخيرية أو الأفضلية لا تكون في الواجب خطأ؛ الخيرية قد تكون في أوجب الواجبات، استمع إلى قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [الصف ١٠، ١١] أقف لتكملوها أنتم ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [الصف ١١] ما المشار إليه في الآية؟ الإيمان باللهن والإيمان بالرسول، الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.
هل الإيمان بالله والرسول من الواجبات ولَّا من المستحبات؟
* الطلبة: من الواجبات.
* الشيخ: أوجب الواجبات، هذا في العقيدة، خذوا في الأعمال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ أكمل ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة ٩].
هل يستطيع هذا الأخ أن يقول: إن صلاة الجمعة غير واجبة؛ لأن الله قال: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وخير اسم تفضيل ولَّا ما يستطيع؟
هل يستطيع أن يقول إن الإيمان خير من الكفر وهو على سبيل التفضيل لا على سبيل الوجوب؟ الجواب؟
* الطالب: لا يستطيع.
* الشيخ: لا يستطيع، إذن فتفضيل عمل على عمل لا يدل على أن الفاضل ليس بواجب، وأما وجوب صلاة الجماعة فأدلتها من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وعمل الصحابة رضي الله عنهم أمر معلوم، استمع إلى قول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء ١٠٢] الأمر بالصلاة هنا في حال الأمن والاستقرار والطمأنينة صحيح؟ الأمر هنا في حال أيش؟
* الطلبة: الخوف.
* الشيخ: في حال الخوف والحرب، وهل يوجب الله على العباد أن يصلوا هذه الصلاة اللي فيها تغيير للصلاة؛ لأن صلاة الخوف- كما تعرفون- فيها تغيير للصلاة ومخالفة لبعض الأركان أو الواجبات، هل يسقط الله هذه الواجبات وهذه الأركان من أجل أمر مستحب؟ وهل يُلزم الله به العباد أن يفعلوه في حال الجهاد وهو أمر مستحب؟
لا، وفي قوله: ﴿فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا﴾ [النساء ١٠٢] فيها إبطال لقول من يقول: إن صلاة الجماعة فرض كفاية؛ لأنها لو كانت فرض كفاية لاكتفى بالطائفة الأولى؛ فهي إذن فرض عين، واستمع إلى السنة قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»[[أخرجه أبو داود برقم ( ٥٥١) وابن ماجه برقم ( ٧٩٣) وابن حبان في صحيحه برقم: (٢٠٦٤) من حديث ابن عباس واللفظ لابن حبان.]] واستأذنه رجل في ترك صلاة الجماعة فقال: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟». قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: «فَأَجِبْ»[[أخرجه مسلم برقم (٦٥٣ / ٢٥٥) من حديث أبي هريرة.]] وكان الرجل أعمى، وقال فيما صح عنه: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».[[حديث متفق عليه البخاري برقم (٢٤٢٠ ) ومسلم برقم (٦٥١ / ٢٥١ ) من حديث أبي هريرة.]] القائل هذا وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم هل يمكن (...) إن شاء الإنسان فعله وإن شاء تركه؟ لأ، ولكن قد تقول: الرسول قال: «هممت» ولم يفعل، فالهم شيء والفعل شيء آخر، نقول: طيب هل قالها الرسول عليه الصلاة والسلام على سبيل التحذير ولَّا قالها على سبيل الترغيب في الصلاة فقط ومن لم يُصلِّ فإنه لا يهم بإحراقه؟ لا شك أنه قاله على سبيل التحذير؛ إذ مثل هذا القول ما يمكن يقال على أمر مخير فيه، وأما الصحابة فاستمع إلى قول ابن مسعود رضي الله عنه فيما صح عنه في مسلم:« لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ الصَّفُّ»[[أخرجه مسلم برقم (٦٥٤ / ٢٥٧) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، هذا عمل مَن؟
* الطلبة: الصحابة.
* الشيخ: الصحابة، كتاب الله، وسنة رسوله، وعمل الصحابة، ومثل هذا التفتير عن صلاة الجماعة أو التزهيد في ثواب الآخرة هو الذي جعلنا نتأخر إلى الوراء، وجعل أصحاب رسول الله ﷺ يتقدمون إلى الأمام ويملكون بدينهم مشارق الأرض ومغاربها، وإنني لأرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن هذا الأستاذ ما قام به وما حدث به أبناءه، وإني لأوجه رجائي له أن يعود مرة أخرى وأن يكون عالِمًا ربانيًّا مربيًا قبل أن يكون معلمًا؛ لأنه ليس قيادة الأمة بالعلم فقط بل بالعلم أيش بعد؟ وبالتربية.
الرسول ﷺ ربَّى أولئك القوم بأخلاقه وبأعماله وبتوجيهاته الرشيدة، ما أمر بأمر إلا كان أول الفاعلين له، ولا نهى عن شيء إلا كان أبعد الناس عنه، وهكذا يجب على العلماء إذا أرادوا أن يكونوا حقًّا ورثة الأنبياء فليربوا الناس بما علمهم الله حتى يكونوا من الهداة المهتدين، وأظن أن الليل قد سرى.
* الطالب: أيها الأحبة في الله، في ختام هذه المحاضرة لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر لفضيلة الشيخ على تكبُّده السفر لإفادتنا بهذه التوجيهات الطيبة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في موازين أعماله يوم يلقاه، كما نطلب منه- جزاه الله خيرًا- أن لا يطول بزيارتنا فيزورنا كل حين وما يجعلها زيارة قليلة.
* الشيخ: لا، إن شاء الله بنعودها، إن شاء الله نحرص على ما فيه الخير إن شاء الله.
* الطالب: ونريد أن يكون كل واحد منكم وسيلة إعلام في مثل هذه المجالس جزاكم الله خيرًا يدعو إخوانه وأحبابه وفَّق الله الجميع لما فيه الخير.
* الشيخ: نشكركم جميعًا على هذا اللقاء المبارك، ونسأل الله تعالى أن يجعله نافعًا لنا ولكم، وأنا أضم صوتي إلى صوت الأخ في الحرص على حضور المحاضرات؛ لأن أقل ما فيها أنها مجالس ذِكر، ومجالس الذكر هي رياض الجنة، «وَإِذَا أَتَيْتُمْ رِيَاضَ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا»[[أخرجه الترمذي في سننه برقم (٣٥٠٩) من حديث أبي هريرة بلفظ: «مَرَرْتُمْ».]]، كلها خير وكلها بركة، يستفيد الإنسان أو يفيد، قد يسأل الإنسان سؤالًا هو عارف بت، لكن الناس محتاجون إليه فيكون هو المعلم؛ يعني لو سألت المحاضر سؤالًا أنت تعرفه لكن علشان يعرفونه الناس صرت أنت المعلم أنت المعلم وأيش الدليل؟
الدليل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه« لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ وَالسَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا، قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟». قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»[[أخرجه مسلم برقم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]]. من الذي كان يجيب؟
الرسول ﷺ والسائل جبريل، وجعله النبي عليه الصلاة والسلام معلمًا؛ لأنه كان سببًا في التعليم وإلا فالمعلم المباشر رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن لما كان هذا سببًا هو السبب الباعث جعله النبي ﷺ معلمًا، ومن هنا أخذ العلماء مسألة تفيد في باب القصاص والجنايات قالوا: إن المتسبب يلحقه الضمان كالمباشر، لكن بشروط؛ بمعنى إن الضمان يكون بالمباشرة ويكون بالسبب؛ فالمتسبب فاعل، لكن على كل حال إذا اجتمع متسبِّب ومباشر في باب الجنايات قُدم المباشر إذا كان يمكن إحالة الضمان عليه بالشروط المعروفة لا أطيل بذكرها.
ولكني أكرر رجائي إلى حضوركم أيها الإخوة ولا سيما الشباب منكم والشيوخ؛ لأن الشيوخ اللي يحضرون هنا هم شباب العزيمة عزيمتهم عزيمة شاب، وكِبر السن ما يضر ينفع، والشباب إن شاء الله المتجهون لهم خير ونرجو لهم الخير إن شاء الله للجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ","ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ","مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ","إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ","ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ","صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ"],"ayah":"ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ"}