الباحث القرآني
قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالصَّادِّ. وَقُرِئَ: "السِّرَاطَ" وَقُرِئَ بِالزَّايِ، قَالَ الْفَرَّاءَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عُذْرَةَ وَبَلْقَيْنِ [[في أ: "بلقيس".]] وَبَنِي كلب.
لما تقدم الثناء على المسؤول، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، نَاسَبَ أَنْ يُعَقَّبَ بِالسُّؤَالِ؛ كَمَا قَالَ: "فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ" وَهَذَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ السَّائِلِ، أَنْ يَمْدَحَ مسؤوله، ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ [وَحَاجَةَ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿اهْدِنَا﴾ ] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] ، لِأَنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ وَأَنْجَعُ لِلْإِجَابَةِ، وَلِهَذَا أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ، وَقَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ السَّائِلِ وَاحْتِيَاجِهِ، كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [الْقَصَصِ: ٢٤] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كَقَوْلِ ذِي النُّونِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] وَقَدْ يكون بمجرد الثناء
على المسؤول، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
وَالْهِدَايَةُ هَاهُنَا: الْإِرْشَادُ وَالتَّوْفِيقُ، وَقَدْ تَعَدَّى الْهِدَايَةُ بِنَفْسِهَا كَمَا هُنَا [[في جـ، ط، ب: "كما هاهنا".]] ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فَتَضَمَّنُ مَعْنَى أَلْهِمْنَا، أَوْ وَفِّقْنَا، أَوِ ارْزُقْنَا، أَوِ اعْطِنَا؛ ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [الْبَلَدِ: ١٠] أَيْ: بَيَّنَّا لَهُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَقَدْ تَعَدَّى بِإِلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النَّحْلِ: ١٢١] ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٢٣] وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْإِرْشَادِ وَالدَّلَالَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشُّورَى: ٥٢] وَقَدْ تَعَدَّى بِاللَّامِ، كَقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الْأَعْرَافِ: ٤٣] أَيْ وَفَّقَنَا لِهَذَا وَجَعَلَنَا لَهُ أَهْلًا [[في ط: "وجعلنا أهلا له".]] . وَأَمَّا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ "الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ الخَطَفي:
أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِراطٍ ... إِذَا اعْوَجَّ الموارِدُ مُسْتَقيمِ
قَالَ: وَالشَّوَاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، قَالَ: ثُمَّ تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ الصِّرَاطَ فَتَسْتَعْمِلُهُ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوِ اعْوِجَاجٍ، فَتَصِفُ الْمُسْتَقِيمَ بِاسْتِقَامَتِهِ، وَالْمُعْوَجَّ بِاعْوِجَاجِهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي تَفْسِيرِ الصِّرَاطِ، وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ؛ فَرُوِيَ أَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ سَعْدٍ، وَهُوَ أَبُو [[في أ، و: "ابن".]] الْمُخْتَارِ الطَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ" [[تفسير ابن أبي حاتم (١/٢٠) .]] . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ، وَقَدْ [تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فِيمَا] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: "وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المستقيم" [[سنن الترمذي برقم (٢٩٠٦) .]] .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَشْبَهُ [[رواه موقوفا الطبري في تفسيره (١/١٧٢) وقد سبق الكلام على هذا الحديث في فضائل القرآن.]] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. كِتَابُ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِسْلَامُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ جِبْرِيلُ لِمُحَمَّدٍ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: قُلْ: يَا مُحَمَّدُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. يَقُولُ: اهْدِنَا [[في جـ، ط، ب، أ، و: "وألهمنا".]] الطَّرِيقَ الْهَادِيَ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ.
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالَ: ذَاكَ الْإِسْلَامُ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالُوا: هُوَ الْإِسْلَامُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالَ: الْإِسْلَامُ، قَالَ: هُوَ أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالَ هُوَ دِينُ اللَّهِ، الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، قَالَ: هُوَ الْإِسْلَامُ.
وَفِي [مَعْنَى] [[زيادة من جـ، ط.]] هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تُعَوِّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ، لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ. فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ [[المسند (٤/١٨٢) وتفسير ابن أبي حاتم (١/٢١) وتفسير الطبري (١/١٧٦) .]] . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ بُجَيْر [[في و: "يحيى".]] بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَان، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، به [[سنن الترمذي برقم (٢٨٦٣) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٢٣٣) .]] .
وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ، قَالَ: الْحَقُّ. وَهَذَا أَشْمَلُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ؛ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ ﷺ، وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ عَاصِمٌ: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلْحَسَنِ، فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصَحَ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَاقْتَدَى بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ المِصِّيصي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي تَرَكَنَا عَلَيْهِ رسولُ اللَّهِ ﷺ [[المعجم الكبير (١٠/٢٤٥) .]] . وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدِي -أَعْنِي ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ -أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ، مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ مَن وُفِّقَ لِمَا وُفق لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [[في ط، ب: "عليه".]] مِن النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَقَدْ وُفق لِلْإِسْلَامِ، وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ، وَاتِّبَاعِ مِنْهَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمِنْهَاجِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَكُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ [[في ط، ب: "فكيف".]] يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ [[في جـ، ب: "وهل".]] هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟
فَالْجَوَابُ: أَنْ لَا وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سُؤَالِ الْهِدَايَةِ لَمَا أَرْشَدَهُ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَرُسُوخِهِ فِيهَا، وَتَبَصُّرِهِ، وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا، وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِسُؤَالِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ، وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ﴾ الْآيَةَ [النِّسَاءِ: ١٣٦] ، فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ تَعَالَى آمِرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ وَقَدْ كَانَ الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سِرًّا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ اسْتَمِرَّ بِنَا عَلَيْهِ ولا تعدل بنا إلى غيره.
{"ayah":"ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق