الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ أَيْ: عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُشَاقَّةِ وَالْعِنَادِ وَيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ، يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف، أَيْ: مِنْ كُفْرِهِمْ، وَذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أحْسَن فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، أخذ بالأول والآخر" [[صحيح البخاري برقم (٦٩٢١) وصحيح مسلم برقم (١٢٠) .]] وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ [[في ك، م: "ما كان قبله".]] وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا".
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾ أَيْ: يَسْتَمِرُّوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ﴾ أَيْ: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُنَا فِي الْأَوَّلِينَ أَنَّهُمْ إِذَا كَذَّبُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى عِنَادِهِمْ، أَنَّا نُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ وَالْعُقُوبَةِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ﴾ أَيْ: فِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَيْ: يَوْمَ بَدْرٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَيْوَة بْنُ شُرَيْح، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ الْآيَةَ [الْحُجُرَاتِ:٩] ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَلَّا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أُعَيَّر بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعَيَّر بِالْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ:: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ إِلَى آخِرِ [[في ك، م: "آخرها".]] الْآيَةِ [النِّسَاءِ:٩٣] ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا وَكَانَ الرَّجُلُ يُفتن فِي دِينِهِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ، وَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وخَتَنُه -وَأَشَارَ بِيَدِهِ -وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ: بِنْتُهُ -حَيْثُ تَرَوْنَ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا بَيَان أَنَّ وَبَرة حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا -أَوْ: إِلَيْنَا -ابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ بِقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.
هَذَا كُلُّهُ سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٥٠، ٤٦٥١) .]]
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا تَرَى، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عليَّ دَمَ أَخِي الْمُسْلِمِ. قَالُوا: أَوْ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ ؟ قَالَ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَكَذَا رَوَاهُ حمَّاد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّخْمِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [[في أ: "عمرو".]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ فَقَالَ [[في أ: "قال".]] ابْنُ عُمَرَ: قَاتَلْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي حَتَّى كَانَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَذَهَبَ الشِّرْكُ وَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَلَكِنَّكَ وَأَصْحَابَكَ تُقَاتِلُونَ حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. رَوَاهُمَا ابْنُ مَرْدُوَيه.
وَقَالَ أَبُو عَوَانة، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ذُو الْبُطَيْنِ -يَعْنِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -لَا أُقَاتِلُ رَجُلًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَبَدًا. قَالَ: فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُ رَجُلًا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَبَدًا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ ؟ فَقَالَا قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ يَعْنِي: [حَتَّى] [[زيادة من م.]] لَا يَكُونَ شِرْكٌ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ عَنْ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ، ومُقاتِل بْنُ حَيَّان، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا: ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُسْلِمٌ عَنْ دِينِهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: يُخْلِصُ التَّوْحِيدَ لِلَّهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْج: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَيَكُونَ التَّوْحِيدُ خَالِصًا لِلَّهِ، لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ، وَيَخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ لَا يَكُونُ مَعَ دِينِكُمْ كُفْرٌ.
وَيَشْهَدُ لَهُ [[في أ: "لهذا"]] مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٢٥) ومسلم في صحيحه برقم (٢٢) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.]] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِل رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّة، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: "من قاتل لتكون كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ" [[صحيح البخاري برقم (٢٨١٠) وصحيح مسلم برقم (١٩٠٤) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ أَيْ: بِقِتَالِكُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَكَفُّوا عَنْهُ [[في ك، م: "عنهم".]] وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا [[في ك، م: "إن كنتم لا تعلمون".]] بَوَاطِنَهُمْ، ﴿فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [[في ك، م: "تعملون".]] كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ:٥] ،وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التَّوْبَةِ:١١] .
وَقَالَ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ:١٩٣] .وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأُسَامَةَ -لَمَّا عَلَا ذَلِكَ الرَّجُلَ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -فَقَالَ لِأُسَامَةَ: "أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا. قَالَ: "هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ "، وَجَعَلَ يَقُولُ وَيُكَرِّرُ عَلَيْهِ: "مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ أُسَامَةُ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ [[في ك، م: "يومئذ".]] [[صحيح البخاري برقم (٤٢٦٩) وصحيح مسلم برقم (٩٦) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ أَيْ: وَإِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى خِلَافِكُمْ وَمُحَارَبَتِكُمْ، ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ﴾ سَيِّدُكُمْ وَنَاصِرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَة: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ: "سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ مُخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، وَسَأُخْبِرُكَ [[في م: "وسأحدثك".]] بِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. كَانَ مِنْ شَأْنِ مُخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ، فَنِعْم النَّبِيُّ، وَنِعْمَ السَّيِّدُ، وَنِعْمَ الْعَشِيرَةُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَعَرَّفَنَا وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَحْيَانَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَأَمَاتَنَا عَلَيْهَا، وَبَعَثَنَا عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ لِمَا بَعَثَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، لَمْ يَبْعُدُوا مِنْهُ أَوَّلَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَكَادُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ، حَتَّى ذَكَرَ طَوَاغِيتَهُمْ، وَقَدِمَ نَاسٌ مِنَ الطَّائِفِ مِنْ قُرَيْشٍ، لَهُمْ أَمْوَالٌ، أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِ وَكَرِهُوا مَا قَالَ، وَأَغْرَوْا بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ، فَانْصَفَقَ عَنْهُ عَامَّةُ النَّاسِ، فَتَرَكُوهُ إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، وَهُمْ قَلِيلٌ. فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بِأَنْ يَفْتِنُوا مَنِ اتَّبَعَهُ عَنْ دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، وَقَبَائِلِهِمْ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةُ الزِّلْزَالِ، فافتُتِن مَنِ افْتَتَنَ، وَعَصَمَ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا فُعِل ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ، أَمَرَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بِالْحَبَشَةِ مَلِكٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ: "النَّجَاشِيُّ"، لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ بِأَرْضِهِ، وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ أَرْضُ الْحَبَشَةِ مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ، يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَكَانَتْ مَسْكَنًا لِتُجَّارِهِمْ، يَجِدُونَ فِيهَا رَفَاغًا مِنَ الرِّزْقِ وَأَمْنًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا، فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ لَمَّا قُهِرُوا بِمَكَّةَ، وَخَافَ [[في أ: "وخافوا".]] عَلَيْهِمُ الْفِتَنَ. وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَحْ. فَمَكَثَ بِذَلِكَ سَنَوَاتٍ يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا، وَدَخَلَ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ. اسْتَرْخَوُا اسْتِرْخَاءَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبل أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَخَافَتَهَا، وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالزِّلْزَالِ، فَلَمَّا اسْتُرْخِيَ عَنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ، تُحُدِّثَ بِاسْتِرْخَائِهِمْ عَنْهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ: قَدِ اسْتُرْخِيَ عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ، وَكَادُوا يَأْمَنُونَ بِهَا، وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ. وَأَنَّهُ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَفَشَا بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَامُ، وَطَفِقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، تَآمَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ وَيَشْتَدُّوا، فَأَخَذُوهُمْ، فَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ، فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَكَانَتِ [[في م، أ: "وكانت".]] الْفِتْنَةُ الْأَخِيرَةُ، فَكَانَتْ فِتْنَتَانِ: فِتْنَةٌ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حِينَ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِهَا، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهَا -وَفِتْنَةٌ لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من المدينة سبعون نقيبًا، رؤوس الَّذِينَ أَسْلَمُوا، فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ، فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَأَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ عَلَى أَنَّا مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا، وَعَلَى أَنَّ [[في ك، م: "أنه".]] مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَوْ جِئْتَنَا، فَإِنَّا [[في أ: "فإنما".]] نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ قُرَيْشٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابَهُ، وَخَرَجَ هُوَ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيهَا: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [[تفسير الطبري (١٣/٥٣٩) .]]
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وهب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَاد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ -بِهَذَا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ [[تفسير الطبري (١٣/٥٤٢) .]] وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى عُرْوَةَ، رحمه الله.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["قُل لِّلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَنتَهُوا۟ یُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن یَعُودُوا۟ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ","وَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ"],"ayah":"قُل لِّلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَنتَهُوا۟ یُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن یَعُودُوا۟ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق