الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وإنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الأنفال: ٣٨].
مِن رحمةِ اللهِ بالكفّارِ: عدمُ مؤاخَذَتِهم بما سلَفَ منهم مِن حقِّ اللهِ وحقِّ المخلوقِين، فاللهُ يُسقِطُ ذلك عنهم بعَفْوِه، تَشَوُّفًا لاتِّباعِهم الحقَّ وعودتِهم إلى فِطْرتِهم، ولو أُخِذُوا بما سلَفَ منهم مِن حقِّ اللهِ، مِن سَبِّ اللهِ والتعدِّي على دِينِهِ ونبيِّه، ومِن حقِّ المخلوقينَ، مِن قتلِ المُسلِمينَ وسَلْبِ أموالِهم وسَفْكِ دمائِهم ـ: لَما أقبَلَ منهم أحدٌ إلاَّ ما رحِم اللهُ.
الكافرُ والمُرْتَدُّ والحقوقُ التي عليهما:
والكافرُ إذا دخَلَ الإسلامَ، فعلى حالتَيْنِ:
الحالةُ الأُولى: إنْ كان كافرًا أصليًّا، فيسقُطُ كلُّ حقٍّ عليه للهِ وللعبادِ، مِن دمٍ أو مالٍ أو عِرْضٍ بالإجماعِ، لظاهِرِ هذه الآيةِ، ولاستفاضةِ عملِ النبيِّ ﷺ مع الداخِلينَ في الإسلامِ ممَّن قاتَلَهُ واعتَدى عليه بنفسِهِ وعلى أصحابِه، فما أخَذَ على قريشٍ وأهلِ الطائفِ طَرْدَهم وضَرْبَهم له، ولا على مَن قاتَلَهُ في بدرٍ وأُحُدٍ وحُنَيْنٍ وغيرِها، لمّا دخَلَ الإسلامَ، إذْ لم يُؤاخِذْهم بشيءٍ، حتى لمّا دخَلَ وحْشِيٌّ الإسلامَ وكان قد قتَلَ حمزةَ، وهو أعظَمُ مُصابٍ للنبيِّ ﷺ، لم يُؤاخِذْه النبيُّ بذلك.
ولا يُؤخَذُ منهم المالُ الذي سَلَبُوهُ، ولا يُقادُونَ بدمٍ أراقُوه، ولا بعِرْضٍ انتهَكُوه.
وفي هذا كلِّه دَلالةٌ على أنّ غايةَ المُسلِمينَ إخضاعُ الناسِ لعِبادةِ اللهِ، وليس الانتصافَ لأنفُسِهم مِن عدوِّهم، وتَشَفِّيَهم منه، وعُلُوَّهم في الدُّنيا عليه.
وكلُّ ما أخَذَهُ الكافرُ الداخلُ في الإسلامِ مِن المُسلِمينَ قبلَ إسلامِه، فليس لهم مُطالبتُهُمْ به، فإنّما أُخِذَ للهِ، فعلى اللهِ أجرُهم وثوابُهم، ولا يجوزُ لهم أنْ يَنتقِمُوا لأنفُسِهم ممَّن دخَلَ الإسلامَ بعدَ كُفْرِهِ الأصليِّ، مهما بلَغَتْ آلامُهم وحقوقُهم عندَهُ، ففي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيٍّ، أنَّ المِقْدادَ بْنَ عَمْرٍو الكِنْدِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ، حَدَّثَهُ، وكانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي لَقِيتُ كافِرًا فاقْتَتَلْنا، فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، وقالَ: أسْلَمْتُ لِلَّهِ، آقْتُلُهُ بَعْدَ أنْ قالَها؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (لا تَقْتُلْهُ)، قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، فَإنَّهُ طَرَحَ إحْدى يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ ذَلِكَ بَعْدَما قَطَعَها! آقْتُلُهُ؟ قالَ: (لا تَقْتُلْهُ، فَإنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وأَنْتَ بِمَنزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قالَ) [[أخرجه البخاري (٦٨٦٥)، ومسلم (٩٥).]].
الحالةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ مرتدًّا، فكان على الإسلامِ ثمَّ ترَكَهُ وارتَدَّ وقاتَلَ المُسلِمينَ، وأصابَ منهم دمًا ومالًا وعِرْضًا، فقد اختلَفَ العلماءُ في مُؤاخَذَتِه في الحقوقِ التي عليه للآدميِّينَ زمنَ رِدَّتِه:
ذهَبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ: إلى أنّ حقوقَ الآدميِّينَ لا تسقُطُ عن المُرتدِّ، ولو سقَطَتْ حقوقُ الآدميِّينَ عن المرتدِّ بعدَ معرفتِهِ للحقِّ ودخولِهِ إليه ومعرفتِهِ لثُغُورِه ومَحارِمِ أهلِه مِن دمٍ ومالٍ وعِرْضٍ، لاتُّخِذَ ذلك ذريعةً إلى استباحةِ تلك الأموالِ والأعراضِ والدِّماءِ بالرِّدَّةِ، ثمَّ العودةِ إلى الإسلامِ.
وهذه الآيةُ ـ وهي قولُه تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ﴾ ـ نزَلتْ في الكفّارِ الأصليِّينَ بالاتِّفاقِ.
وذهَبَ بعضُ الفُقَهاءِ مِن المالكيَّةِ وغيرِهم إلى سقوطِ كلِّ شيءٍ عنه، وأنّه كالكافرِ الأصليِّ.
وأمّا حقوقُ اللهِ على المرتدِّ حالَ رِدَّتِهِ:
فأكثرُ العلماءِ على سقوطِها عنه، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ في المشهورِ عنه، سواءٌ كانتْ عبادةً أو زكاةَ مالٍ، أو طلاقًا أو قَسَمًا ويمينًا ونحوَ ذلك.
وقال الشافعيُّ وأحمدُ في روايةٍ أُخرى: إنّه يَقضي ما عليه مِن حقِّ اللهِ.
والأظهَرُ: سقوطُ حقِّ اللهِ عنهم، فقد ارتَدَّ ناسٌ زمنَ النبيِّ ﷺ وعادُوا، ولم يأمُرْهم النبيُّ ﷺ بقضاءِ شيءٍ مِن حقِّ اللهِ الذي ترَكُوهُ زمنَ رِدَّتِهم، كابنِ أبي السَّرْحِ، وكالذين اتَّبَعُوا الأَسْوَدَ العَنْسِيَّ مُدَّعِيَ النبوَّةِ في زمنِهِ ﷺ، ولمّا قُتِلَ، عادُوا إلى الإسلامِ، ولم يُؤمَرُوا بشيءٍ.
وقد ارتدَّتْ قبائلُ وجماعاتٌ زمنَ الخلفاءِ والصحابةِ، ولم يثبُتْ أنّهم أمَرُوهم بقضاءِ شيءٍ مِن حقِّ اللهِ تعالى، وقد جاءَ الوحيُ بإسقاطِ الحقِّ عن كلِّ مَن تحوَّلَ مِن كفرٍ إلى إسلامٍ، كما في «الصحيحِ»، مِن قولِهِ ﷺ: (إنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ) [[أخرجه مسلم (١٢١).]].
وأمّا الذِّمِّيُّ والكافرُ الحَربيُّ الذي يدخُلُ بُلْدانَ المُسلِمينَ بأمانٍ فيَقذِفُ ويُصِيبُ حَدًّا، فإنّه يُقامُ عليه الحَدُّ، ويُعاقَبُ ويُؤاخَذُ بما جَنى، لأنّ لازِمَ عهدِهِ وأمانِهِ وذِمَّتِهِ حِفْظُ حقوقِ المُسلِمينَ.
{"ayah":"قُل لِّلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَنتَهُوا۟ یُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن یَعُودُوا۟ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق