الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكم أوِ الوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أنْ تَعْدِلُوا وإنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ .
انْتِقالٌ مِنَ الأمْرِ بِالعَدْلِ في أحْوالٍ مُعَيَّنَةٍ مِن مُعامَلاتِ اليَتامى والنِّساءِ إلى الأمْرِ بِالعَدْلِ الَّذِي يَعُمُّ الأحْوالَ كُلَّها، وما يُقارِنُهُ مِنَ الشَّهادَةِ الصّادِقَةِ، فَإنَّ العَدْلَ في الحُكْمِ، وأداءَ الشَّهادَةِ بِالحَقِّ هو قِوامُ صَلاحِ المُجْتَمَعِ الإسْلامِيِّ، والِانْحِرافُ عَنْ ذَلِكَ ولَوْ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ يَجُرُّ إلى فَسادٍ مُتَسَلْسِلٍ.
وصِيغَةُ ”قَوّامِينَ“ دالَّةٌ عَلى الكَثْرَةِ المُرادِ لازِمُها، وهو عَدَمُ الإخْلالِ بِهَذا القِيامِ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ.
(p-٢٢٥)والقِسْطُ العَدْلُ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قائِمًا بِالقِسْطِ﴾ [آل عمران: ١٨] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وعَدَلَ عَنْ لَفْظِ العَدْلِ إلى كَلِمَةِ القِسْطِ لِأنَّ القِسْطَ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ أُدْخِلَتْ في كَلامِ العَرَبِ لِدَلالَتِها في اللُّغَةِ المَنقُولَةِ مِنها عَلى العَدْلِ في الحُكْمِ، وأمّا لَفْظُ العَدْلِ فَأعَمُّ مِن ذَلِكَ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ ﴿شُهَداءَ لِلَّهِ﴾ فَإنَّ الشَّهادَةَ مِن عَلائِقِ القَضاءِ والحُكْمِ.
و”لِلَّهِ“ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حالٌ مِن ضَمِيرِ ”شُهَداءَ“ أيْ لِأجْلِ اللَّهِ، ولَيْسَتْ لامَ تَعْدِيَةِ ”شُهَداءَ“ إلى مَفْعُولِهِ، ولَمْ يُذْكَرْ تَعَلُّقَ المَشْهُودِ لَهُ بِمُتَعَلَّقِهِ وهو وصْفُ ”شُهَداءَ“ لِإشْعارِ الوَصْفِ بِتَعْيِينِهِ، أيِ المَشْهُودِ لَهُ بِحَقٍّ. وقَدْ جَمَعَتِ الآيَةُ أصْلَيِ التَّحاكُمِ، وهُما القَضاءُ والشَّهادَةُ.
وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ حالِيَّةٌ، و”لَوْ“ فِيها وصْلِيَّةٌ، وقَدْ مَضى القَوْلُ في تَحْقِيقِ مَوْقِعِ (لَوْ) الوَصْلِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِن أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
ويَتَعَلَّقُ عَلى أنْفُسِكم بِكُلٍّ مِن ”قَوّامِينَ“ و”شُهَداءَ“ لِيَشْمَلَ القَضاءَ والشَّهادَةَ.
والأنْفُسُ: جَمْعُ نَفْسٍ؛ وأصْلُها أنْ تُطْلَقَ عَلى الذّاتِ، ويُطْلِقُها العَرَبُ أيْضًا عَلى صَمِيمِ القَبِيلَةِ، فَيَقُولُونَ: هو مِن بَنِي فُلانٍ مِن أنْفُسِهِمْ.
فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”أنْفُسِكم“ هُنا بِالمَعْنى المُسْتَعْمَلِ بِهِ غالِبًا، أيْ: قُومُوا بِالعَدْلِ عَلى أنْفُسِكم، واشْهَدُوا لِلَّهِ عَلى أنْفُسِكم، أيْ قَضاءً غالِبًا لِأنْفُسِكم وشَهادَةً غالِبَةً لِأنْفُسِكم، لِأنَّ حَرْفَ (عَلى) مُؤْذِنٌ بِأنَّ مُتَعَلِّقَهُ شَدِيدٌ فِيهِ كُلْفَةٌ عَلى المَجْرُورِ بِعَلى، أيْ ولَوْ كانَ قَضاءُ القاضِي مِنكم وشَهادَةُ الشّاهِدِ مِنكم بِما فِيهِ ضُرٌّ وكَراهَةٌ لِلْقاضِي والشّاهِدِ.
وهَذا أقْصى ما يُبالِغُ عَلَيْهِ في الشِّدَّةِ والأذى، لِأنَّ أشَقَّ شَيْءٍ عَلى المَرْءِ ما يَنالُهُ مِن أذًى وضُرٍّ في ذاتِهِ، ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ لِأنَّ أقْضِيَةَ القاضِي وشَهادَةَ الشّاهِدِ فِيما يُلْحِقُ ضُرًّا ومَشَقَّةً بِوالِدَيْهِ وقَرابَتَهُ أكْثَرُ مِن قَضائِهِ وشَهادَتِهِ فِيما يَؤُولُ بِذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ: ولَوْ عَلى قَبِيلَتِكم أوْ والِدَيْكم وقَرابَتِكم. ومَوْقِعُ المُبالَغَةِ المُسْتَفادَةِ مِن (لَوْ) الوَصْلِيَّةِ أنَّهُ كانَ مِن عادَةِ العَرَبِ أنْ يَنْتَصِرُوا بِمَوالِيهِمْ مِنَ القَبائِلِ ويَدْفَعُوا عَنْهم (p-٢٢٦)ما يَكْرَهُونَهُ، ويَرَوْنَ ذَلِكَ مِن إباءِ الضَّيْمِ، ويَرَوْنَ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِمْ، ويَعُدُّونَ التَّقْصِيرَ في ذَلِكَ مَسَبَّةً وعارًا يُقْضى مِنهُ العَجَبُ. قالَ مُرَّةُ بْنُ عَدّاءٍ الفَقْسِيُّ:
؎رَأيْتُ مَوالِيَّ الأُلى يَخْذُلُونَنِي عَلى حَدَثانِ الدَّهْرِ إذْ يَتَقَلَّبُ
.
ويَعُدُّونَ الِاهْتِمامَ بِالآباءِ والأبْناءِ في الدَّرَجَةِ الثّانِيَةِ، حَتّى يَقُولُونَ في الدُّعاءِ: فِداكَ أبِي وأُمِّي، فَكانَتِ الآيَةُ تُبْطِلُ هَذِهِ الحَمِيَّةَ وتَبْعَثُ المُسْلِمِينَ عَلى الِانْتِصارِ لِلْحَقِّ والدِّفاعِ عَنِ المَظْلُومِ.
فَإنْ أبَيْتَ إلّا جَعْلَ الأنْفُسِ بِمَعْنى ذَواتِ الشّاهِدِينَ فاجْعَلْ عَطْفَ ﴿الوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ﴾ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِراسِ لِئَلّا يَظُنَّ أحَدٌ أنَّهُ يَشْهَدُ بِالحَقِّ عَلى نَفْسِهِ لِأنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ، فَهو أمِيرُ نَفْسِهِ فِيهِ، وأنَّهُ لا يَصْلُحُ لَهُ أنْ يَشْهَدَ عَلى والِدَيْهِ أوْ أقارِبِهِ لِما في ذَلِكَ مِنَ المَسَبَّةِ والمَعَرَّةِ أوِ التَّأثُّمِ، وعَلى هَذا تَكُونُ الشَّهادَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ في مَعْنًى مُشْتَرِكٍ بَيْنَ الإقْرارِ والشَّهادَةِ، كَقَوْلِهِ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هو والمَلائِكَةُ وأُولُو العِلْمِ قائِمًا بِالقِسْطِ﴾ [آل عمران: ١٨] .
وقَوْلُهُ ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا﴾ اسْتِئْنافٌ واقِعٌ مَوْقِعَ العِلَّةِ لِمَجْمُوعِ جُمْلَةِ ﴿كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ﴾: أيْ إنْ يَكُنِ المُقْسَطُ في حَقِّهِ، أوِ المَشْهُودُ لَهُ، غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا، فَلا يَكُنْ غِناهُ ولا فَقْرُهُ سَبَبًا لِلْقَضاءِ لَهُ أوْ عَلَيْهِ والشَّهادَةِ لَهُ أوْ عَلَيْهِ.
والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ التَّحْذِيرُ مِنَ التَّأثُّرِ بِأحْوالٍ يَلْتَبِسُ فِيها الباطِلُ بِالحَقِّ لِما يَحُفُّ بِها مِن عَوارِضَ يُتَوَهَّمُ أنَّ رَعْيَها ضَرْبٌ مِن إقامَةِ المَصالِحِ، وحِراسَةِ العَدالَةِ، فَلَمّا أبْطَلَتِ الآيَةُ الَّتِي قَبْلَها التَّأثُّرَ لِلَحْمِيَّةِ أُعْقِبَتْ بِهَذِهِ الآيَةِ لِإبْطالِ التَّأثُّرِ بِالمَظاهِرِ الَّتِي تَسْتَجْلِبُ النُّفُوسَ إلى مُراعاتِها فَيَتَمَحَّضُ نَظَرُها إلَيْها، وتُغْضِي بِسَبَبِها عَنْ تَمْيِيزِ الحَقِّ مِنَ الباطِلِ، وتَذْهَلُ عَنْهُ، فَمِنَ النُّفُوسِ مَن يَتَوَهَّمُ أنَّ الغِنى يَرْبَأُ بِصاحِبِهِ عَنْ أخْذِ حَقِّ غَيْرِهِ، يَقُولُ في نَفْسِهِ: هَذا في غُنْيَةٍ عَنْ أكْلِ حَقِّ غَيْرِهِ، وقَدْ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الحاجَةِ.
ومِنَ النّاسِ مَن يَمِيلُ إلى الفَقِيرِ رِقَّةً لَهُ، فَيَحْسَبُهُ مَظْلُومًا، أوْ يَحْسَبُ أنَّ القَضاءَ لَهُ بِمالِ الغَنِيِّ لا يَضُرُّ الغَنِيَّ شَيْئًا؛ فَنَهاهُمُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ التَّأْثِيراتِ بِكَلِمَةٍ جامِعَةٍ وهي قَوْلُهُ ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾ . وهَذا التَّرْدِيدُ صالِحٌ لِكُلٍّ مِن أصْحابِ هَذَيْنِ التَّوَهُّمَيْنِ، فالَّذِي يُعَظِّمُ الغَنِيَّ يَدْحَضُ لِأجْلِهِ حَقَّ الفَقِيرِ، والَّذِي يَرِقُّ لِلْفَقِيرِ يَدْحَضُ لِأجْلِهِ حَقَّ الغَنِيِّ، وكِلا ذَلِكَ باطِلٌ، فَإنَّ الَّذِي يُراعِي حالَ الغَنِيِّ والفَقِيرِ ويُقَدِّرُ إصْلاحَ حالِ الفَرِيقَيْنِ هو اللَّهُ تَعالى.
(p-٢٢٧)فَقَوْلُهُ ﴿فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾ لَيْسَ هو الجَوابُ، ولَكِنَّهُ دَلِيلُهُ وعِلَّتُهُ، والتَّقْدِيرُ: فَلا يُهِمُّكم أمْرُهُما عِنْدَ التَّقاضِي، فاللَّهُ أوْلى بِالنَّظَرِ في شَأْنِهِما، وإنَّما عَلَيْكُمُ النَّظَرُ في الحَقِّ.
ولِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ﴿فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أنْ تَعْدِلُوا﴾ فَجَعَلَ المَيْلَ نَحْوَ المَوالِي والأقارِبِ مِنَ الهَوى، والنَّظَرَ إلى الفَقْرِ والغِنى مِنَ الهَوى.
والغَنِيُّ: ضِدُّ الفَقِيرِ، فالغِنى هو عَدَمٌ إلى الِاحْتِياجِ إلى شَيْءٍ، وهو مَقُولٌ عَلَيْهِ بِالتَّفاوُتِ، فَيُعْرَفُ بِالمُتَعَلِّقِ كَقَوْلِهِ
؎كِلانا غَنِيٌّ عَنْ أخِيهِ حَياتَهُ، ويُعْرَفُ بِالعُرْفِ يُقالُ: فُلانٌ غَنِيٌّ، بِمَعْنى لَهُ ثَرْوَةٌ يَسْتَطِيعُ بِها تَحْصِيلَ حاجاتِهِ مِن غَيْرِ فَضْلٍ لِأحَدٍ عَلَيْهِ، فَوِجْدانُ أُجُورِ الأُجَراءِ غِنًى، وإنْ كانَ المُسْتَأْجِرُ مُحْتاجًا إلى الأُجَراءِ، لِأنَّ وِجْدانَ الأُجُورِ يَجْعَلُهُ كَغَيْرِ المُحْتاجِ، والغِنى المُطْلَقُ لا يَكُونُ إلّا لِلَّهِ تَعالى.
والفَقِيرُ: هو المُحْتاجُ، إلّا أنَّهُ يُقالُ: افْتَقَرَ إلى كَذا، بِالتَّخْصِيصِ، فَإذا قِيلَ: هو فَقِيرٌ، فَمَعْناهُ في العُرْفِ أنَّهُ كَثِيرُ الِاحْتِياجِ إلى فَضْلِ النّاسِ، أوْ إلى الصَّبْرِ عَلى الحاجَةِ لِقِلَّةِ ثَرْوَتِهِ، وكُلُّ مَخْلُوقٍ فَقِيرٌ فَقْرًا نِسْبِيًّا، قالَ تَعالى ﴿واللَّهُ الغَنِيُّ وأنْتُمُ الفُقَراءُ﴾ [محمد: ٣٨] .
واسْمُ يَكُنْ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عائِدٌ إلى مَعْلُومٍ مِنَ السِّياقِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ﴾ مِن مَعْنى التَّخاصُمِ والتَّقاضِي. والتَّقْدِيرُ: إنْ يَكُنْ أحَدُ الخَصْمَيْنِ مِن أهْلِ هَذا الوَصْفِ أوْ هَذا الوَصْفِ، والمُرادُ الجِنْسانِ، و”أوْ“ لِلتَّقْسِيمِ، وتَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ ﴿فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾ لِأنَّهُ عائِدٌ إلى ”غَنِيًّا وفَقِيرًا“ بِاعْتِبارِ الجِنْسِ، إذْ لَيْسَ القَصْدُ إلى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ ذِي غِنًى، ولا إلى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ ذِي فَقْرٍ، بَلْ فَرْدٍ شائِعٍ في هَذا الجِنْسِ وفي ذَلِكَ الجِنْسِ.
وقَوْلُهُ أنْ تَعْدِلُوا مَحْذُوفٌ مِنهُ حَرْفُ الجَرِّ، كَما هو الشَّأْنُ مَعَ أنِ المَصْدَرِيَّةِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ لامَ التَّعْلِيلِ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِلنَّهْيِ، أيْ لا تَتَّبِعُوا الهَوى لِتَعْدِلُوا، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ (عَنْ)، أيْ ﴿فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى﴾ عَنِ العَدْلِ، أيْ مُعْرِضِينَ عَنْهُ.
وقَدْ عَرَفْتُ قاضِيًا لا مَطْعَنَ في ثِقَتِهِ وتَنَزُّهِهِ، ولَكِنَّهُ كانَ مُبْتَلًى بِاعْتِقادِ أنَّ مَظِنَّةَ القُدْرَةِ والسُّلْطانِ لَيْسُوا إلّا ظَلَمَةً: مِن أغْنِياءَ أوْ رِجالٍ. فَكانَ يَعْتَبِرُ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مَحْقُوقَيْنِ فَلا يَسْتَوْفِي التَّأمُّلَ مِن حُجَجِهِما.
(p-٢٢٨)وبَعْدَ أنْ أمَرَ اللَّهُ تَعالى ونَهى وحَذَّرَ، عَقَّبَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالتَّهْدِيدِ فَقالَ ﴿وإنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ .
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”تَلْوُوا“ بِلامٍ ساكِنَةٍ وواوَيْنِ بَعْدَها، أُولاهُما مَضْمُومَةٌ فَهو مُضارِعُ لَوى. واللَّيُّ: الفَتْلُ والثَّنْيُ. وتَفَرَّعَتْ مِن هَذا المَعْنى الحَقِيقِيِّ مَعانٍ شاعَتْ فَساوَتِ الحَقِيقَةَ، مِنها: عُدُولٌ عَنْ جانِبٍ وإقْبالٌ عَلى جانِبٍ آخَرَ، فَإذا عُدِّيَ بِعَنْ فَهو انْصِرافٌ عَنِ المَجْرُورِ بِعَنْ، وإذا عُدِّيَ بِإلى فَهو انْصِرافٌ عَنْ جانِبٍ كانَ فِيهِ، وإقْبالٌ عَلى المَجْرُورِ بِعَلى، قالَ تَعالى ﴿ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ﴾ [آل عمران: ١٥٣] أيْ لا تَعْطِفُونَ عَلى أحَدٍ.
ومِن مَعانِيهِ: لَوى عَنِ الأمْرِ تَثاقَلَ، ولَوى أمْرَهُ عَنِّي أخْفاهُ، ومِنها: لَيُّ اللِّسانِ، أيْ تَحْرِيفُ الكَلامِ في النُّطْقِ بِهِ أوْ في مَعانِيهِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يَلْوُونَ ألْسِنَتَهم بِالكِتابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، وقَوْلِهِ ﴿لَيًّا بِألْسِنَتِهِمْ﴾ [النساء: ٤٦] في هَذِهِ السُّورَةِ.
فَمَوْقِعُ فِعْلِ ”تَلْوُوا“ هُنا مَوْقِعٌ بَلِيغٌ لِأنَّهُ صالِحٌ لِتَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِهِ المَحْذُوفِ مَجْرُورًا بِحَرْفِ (عَنْ) أوْ مَجْرُورًا بِحَرْفِ (عَلى) فَيَشْمَلُ مَعانِيَ العُدُولِ عَنِ الحَقِّ في الحُكْمِ، والعُدُولِ عَنِ الصِّدْقِ في الشَّهادَةِ، أوِ التَّثاقُلِ في تَمْكِينِ المُحِقِّ مِن حَقِّهِ وأداءِ الشَّهادَةِ لِطالِبِها، أوِ المِيلِ في أحَدِ الخَصْمَيْنِ في القَضاءِ والشَّهادَةِ. وأمّا الإعْراضُ فَهو الِامْتِناعُ مِنَ القَضاءِ ومِن أداءِ الشَّهادَةِ والمُماطَلَةُ في الحُكْمِ مَعَ ظُهُورِ الحَقِّ، وهو غَيْرُ اللَّيِّ كَما رَأيْتَ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وخَلَفٌ: وإنْ تَلُوا، بِلامٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَها واوٌ ساكِنَةٌ فَقِيلَ: هو مُضارِعُ ولِيَ الأمْرَ، أيْ باشَرَهُ. فالمَعْنى: وإنْ تَلُوا القَضاءَ بَيْنَ الخُصُومِ، فَيَكُونُ راجِعًا إلى قَوْلِهِ ”أنْ تَعْدِلُوا“ ولا يَتَّجِهُ رُجُوعُهُ إلى الشَّهادَةِ، إذْ لَيْسَ أداءُ الشَّهادَةِ بِوِلايَةٍ. والوَجْهُ أنَّ هَذِهِ القِراءَةَ تَخْفِيفُ تَلْوُوا نُقِلَتْ حَرَكَةُ الواوِ إلى السّاكِنِ قَبْلَها فالتَقى واوانِ ساكِنانِ فَحُذِفَ أحَدُهُما، ويَكُونُ مَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدًا.
وقَوْلُهُ ﴿فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ كِنايَةٌ عَنْ وعِيدٍ، لِأنَّ الخَبِيرَ بِفاعِلِ السُّوءِ، وهو قَدِيرٌ، لا يُعْوِزُهُ أنْ يُعَذِّبَهُ عَلى ذَلِكَ، وأُكِّدَتِ الجُمْلَةُ بِـ ”إنَّ“ وبِـ ”كانَ“ .
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ إِن یَكُنۡ غَنِیًّا أَوۡ فَقِیرࣰا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدِلُوا۟ۚ وَإِن تَلۡوُۥۤا۟ أَوۡ تُعۡرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق