الباحث القرآني
* بابُ ما يَجِبُ عَلى الحاكِمِ مِنَ العَدْلِ بَيْنَ الخُصُومِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ الآيَةَ؛ رَوى قابُوسٌ عَنْ أبِي ظَبْيانَ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ﴾ قالَ: " هو الرَّجُلانِ يَجْلِسانِ إلى القاضِي فَيَكُونُ لَيُّ القاضِي وإعْراضُهُ عَنِ الآخَرِ " .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرانَ الدِّينَوَرِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قالَ: حَدَّثَنا زُهَيْرٌ قالَ: حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ كَثِيرٍ بْنِ أبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالقَضاءِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهم في لَحْظِهِ وإشارَتِهِ ومَقْعَدِهِ ولا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلى أحَدِ الخَصْمَيْنِ ما لَمْ يَرْفَعْ عَلى الآخَرِ»
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ﴾ قَدْ (p-٢٧٢)أفادَ الأمْرَ بِالقِيامِ بِالحَقِّ والعَدْلِ، وذَلِكَ مُوجِبٌ عَلى كُلِّ أحَدٍ إنْصافَ النّاسِ مِن نَفْسِهِ فِيما يَلْزَمُهُ لَهم وإنْصافَ المَظْلُومِ مِن ظالِمِهِ ومَنعَ الظّالِمِ مِن ظُلْمِهِ؛ لِأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ القِيامِ بِالقِسْطِ، ثُمَّ أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿شُهَداءَ لِلَّهِ﴾ يَعْنِي واَللَّهُ أعْلَمُ: فِيما إذا كانَ الوُصُولُ إلى القِسْطِ مِن طَرِيقِ الشَّهادَةِ؛ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الأمْرَ بِإقامَةِ الشَّهادَةِ عَلى الظّالِمِ المانِعِ مِنَ الحَقِّ لِلْمَظْلُومِ صاحِبِ الحَقِّ لِاسْتِخْراجِ حَقِّهِ مِنهُ وإيصالِهِ إلَيْهِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ومَن يَكْتُمْها فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وتَضَمَّنَ أيْضًا الأمْرَ بِالِاعْتِرافِ والإقْرارِ لِصاحِبِ الحَقِّ بِحَقِّهِ، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ لِأنَّ شَهادَتَهُ عَلى نَفْسِهِ هو إقْرارُهُ بِما عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى جَوازِ إقْرارِ المُقِرِّ عَلى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وأنَّهُ واجِبٌ عَلَيْهِ أنْ يُقِرَّ إذا طالَبَهُ صاحِبُ الحَقِّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوِ الوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ﴾ فِيهِ أمْرٌ بِإقامَةِ الشَّهادَةِ عَلى الوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ ودَلَّ عَلى جَوازِ شَهادَةِ الإنْسانِ عَلى والِدَيْهِ وعَلى سائِرِ أقْرِبائِهِ؛ لِأنَّهم والأجْنَبِيِّينَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَنزِلَةٍ، وإنْ كانَ الوالِدانِ إذا شَهِدَ عَلَيْهِما أوْلادُهُما رُبَّما أوْجَبَ ذَلِكَ حَبْسُهُما، وأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُقُوقٍ ولا يَجِبُ أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الشَّهادَةِ عَلَيْهِما لِكَراهَتِهِما لِذَلِكَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَنعٌ لَهُما مِنَ الظُّلْمِ وهو نُصْرَةٌ لَهُما كَما قالَ ﷺ: «اُنْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظالِمًا ؟ قالَ: تَرُدُّهُ عَنِ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرٌ مِنكَ إيّاهُ»، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ ﷺ: «لا طاعَةَ لَمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالِقِ» .
وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ إنَّما تَجِبُ عَلَيْهِ طاعَةُ الأبَوَيْنِ فِيما يَحِلُّ ويَجُوزُ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يُطِيعَهُما في مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ اللَّهَ قَدْ أمَرَهُ بِإقامَةِ الشَّهادَةِ عَلَيْهِما مَعَ كَراهَتِهِما لِذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾ أمْرٌ لَنا بِأنْ لا نَنْظُرَ إلى فَقْرِ المَشْهُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إشْفاقًا مِنّا عَلَيْهِ، فَإنَّ اللَّهَ أوْلى بِحُسْنِ النَّظَرِ لِكُلِّ أحَدٍ مِنَ الأغْنِياءِ والفُقَراءِ وأعْلَمُ بِمَصالِحِ الجَمِيعِ، فَعَلَيْكم إقامَةَ الشَّهادَةِ عَلَيْهِمْ بِما عِنْدَكم.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أنْ تَعْدِلُوا﴾ يَعْنِي لا تَتْرُكُوا العَدْلَ اتِّباعًا لِلْهَوى والمَيْلِ إلى الأقْرِباءِ، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ فاحْكم بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوى﴾ [ص: ٢٦] وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ عَلى الشّاهِدِ إقامَةَ الشَّهادَةِ عَلى الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وإنْ كانَ عالِمًا بِفَقْرِهِ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ الِامْتِناعُ مِن إقامَتِها خَوْفًا مِن أنْ يَحْبِسَهُ القاضِي لِفَقْدِ عِلْمِهِ بِعَدَمِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوا﴾ فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " أنَّهُ في القاضِي يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ الخَصْمانِ فَيَكُونُ (p-٢٧٣)لَيُّهُ وإعْراضُهُ عَلى أحَدِهِما " . واللَّيُّ هو الدَّفْعُ ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ: «لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعُقُوبَتَهُ»، يَعْنِي مَطْلَهُ ودَفْعَ الطّالِبِ عَنْ حَقِّهِ. فَإذا أُرِيدَ بِهِ القاضِي كانَ مَعْناهُ دَفْعُهُ الخَصْمَ عَمّا يَجِبُ لَهُ مِنَ العَدْلِ والتَّسْوِيَةِ ويَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ الشّاهِدَ في أنَّهُ مَأْمُورٌ بِإقامَةِ الشَّهادَةِ وأنْ لا يَدْفَعَ صاحِبَ الحَقِّ عَنْها ويُمْطِلَهُ بِها ويَعْرِضَ عَنْهُ إذا طالَبَهُ بِإقامَتِها، ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ أمْرًا لِلْحاكِمِ والشّاهِدِ جَمِيعًا لِاحْتِمالِ اللَّفْظِ لَهُما، فَيُفِيدُ ذَلِكَ الأمْرَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الخُصُومِ في المَجْلِسِ والنَّظَرِ والكَلامِ وتَرْكِ إسْرارِ أحَدِهِما والخَلْوَةِ بِهِ، كَما رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ قالَ: «نَهانا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ نُضَيِّفَ أحَدَ الخَصْمَيْنِ دُونَ الآخَرِ» .
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ إِن یَكُنۡ غَنِیًّا أَوۡ فَقِیرࣰا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدِلُوا۟ۚ وَإِن تَلۡوُۥۤا۟ أَوۡ تُعۡرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق