الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ أوِ الوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أنْ تَعْدِلُوا وإنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۝﴾ [النساء: ١٣٥]. في الآيةِ: دليلٌ على إقرارِ الإنسانِ على نفسِه، ولا خلافَ في صِحَّتِه. شهادةُ الوالد على ولدِهِ بعضهما على بعضٍ: وفيها: دليلٌ على صحَّةِ شهادةِ الوالِدِ على ولَدِه، والعَكْسِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِكَ، لأنّ التُّهَمةَ: في شهادةِ أحدِهما لصالِحِ الآخَرِ لا عليه، وإنْ كان هذا في الوالِدِ والولَدِ، فهي في غيرِهما مِن القَراباتِ مِن بابِ أوْلى، ما لم يَكُنْ هناكَ ظِنَّةٌ تَمنَعُ، وتُهَمَةٌ تُؤثِّرُ، كخصومةٍ ونِزاعٍ وحسَدٍ عُرِفُوا به. وذهَبَ بعضُ الشافعيَّةِ: إلى أنّ شهادةَ الولَدِ على والِدِهِ لا تُقبَلُ في القِصاصِ ولا في القَذفِ. وأمّا شهادةُ الوالِدِ لولَدِهِ، والعكسُ، فلا تصِحُّ عندَ عامَّةِ العُلَماءِ، وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، ورُوِيَ عن بعضِ السَّلَفِ صحَّتُها، رُوِيَ عن قلَّةٍ مِن التّابعينَ، وقال به إسحاقُ والمُزَنِيُّ. شهادةُ الإخوةِ والزوجَيْنِ بعضهم لبعضٍ: وجوَّزَ مالكٌ شهادةَ الأخِ لأخِيهِ إنْ كان عدلًا إلاَّ في النَّسَبِ، والجمهورُ على منعِ شهادةِ الزوجَيْنِ بعضِهما لبعضٍ، وجوَّزَها الشافعيُّ، وسببُ الخلافِ: تحَقُّقُ التهمةِ ومُوجِبِها، معَ قيامِ العَدالةِ والأمانةِ وقوَّتِها، وهذا يَرجعُ إلى الحالِ وقَرائنِها، ومواضعِ الشَّهادةِ ومحَلِّها، ومِقدارِ الحقِّ الضائعِ والمحفوظِ بتلكَ الشهادةِ أو عدَمِها، ووجودِ بيِّنةٍ غيرِها أو قرينةٍ تعضُدُها أو تُخالِفُها، فقد تَقْوى القرائنُ عندَ القاضي في قبولِ شهادةِ القريبِ لقريبِهِ إن جاءَتْ قرائنُ تُؤكِّدُ صِدْقَه، أو تَعظُمُ المَفسَدةُ على الناسِ برَدِّها ولا تُهَمةَ فيها. وقولُه تعالى: ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾، يَعني: لا تُحابوا غنيًّا لغِناه، ولا تَرحَموا مِسكينًا لِمَسْكَنَتِه، قاله ابنُ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٧/٥٨٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٤/١٠٨٨).]]. والمرادُ: أنّ اللهَ قَضى بين الجميعِ وهو أعلَمُ بالغنيِّ والفقيرِ مِنهم، وهو أحقُّ بمُعامَلتِهم بما يَعلَمُ حِكْمَتَهُ، وهذا في قولِه: ﴿فاللَّهُ أوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى أنْ تَعْدِلُوا﴾، ولا يجتمِعُ عَدْلٌ وهوًى، وكلَّما زاد الهَوى، مال بالعدلِ وانحَرَفَ. وقولُه: ﴿وإنْ تَلْوُوا أوْ تُعْرِضُوا﴾، لَوى اللِّسانَ: حرَفَهُ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿يَلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِالكِتابِ﴾ [آل عمران: ٧٨]، والمرادُ: حَرْفُ الحُجَّةِ بعدَمِ الإفصاحِ عنها وإبانتِها، أو بيانِ بعضِها وتركِ بعضٍ، كما يَفعَلُ اليهودُ في كتابِهم. والإعراضُ: هو تركُ الحقِّ كلِّه أو بعضِه، فتتأثَّرُ الحقوقُ بذلك، وفي هذا: وجوبُ الإتيانِ بالشهادةِ إنْ كان الحَقُّ لا يثبُتُ إلاَّ بها، ولو لم يُستَشهَدِ الإنسانُ عليها، وعلى هذا يُحمَلُ قولُ اللهِ تعالى: ﴿ومَن يَكْتُمْها فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، وقولُ النبيِّ ﷺ: (ألا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَداءِ؟! الَّذِي يَأْتِي بِشَهادَتِهِ قَبْلَ أنْ يُسْأَلَها)[[أخرجه مسلم (١٧١٩) (٣/١٣٤٤).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب