الباحث القرآني

ولَمّا كانَ ذَلِكَ مِن أحْسَنِ المَواعِظِ لِقَوْمِ طُعْمَةَ الَّذِينَ اعْتَصَبُوا لَهُ؛ التَفَتَ إلَيْهِمْ؛ مُسْتَعْطِفًا؛ بِصِيغَةِ الإيمانِ؛ جائِيًا بِصِيغَةِ الأمْرِ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ غَيْرَهُمْ؛ قائِلًا ما هو كالنَّتِيجَةِ لِما مَضى مِنَ الأمْرِ بِالقِسْطِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ؛ إلى هُنا؛ عَلى وجْهٍ أكَّدَهُ؛ وحَثَّ عَلَيْهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيْ: أقَرُّوا بِالإيمانِ بِألْسِنَتِهِمْ؛ ﴿كُونُوا قَوّامِينَ﴾؛ أيْ: قائِمِينَ قِيامًا بَلِيغًا؛ مُواظَبًا عَلَيْهِ؛ مُجْتَهَدًا فِيهِ. ولَمّا كانَ أعْظَمُ مَبانِي هَذِهِ السُّورَةِ العَدْلَ؛ قَدَّمَهُ فَقالَ: ﴿بِالقِسْطِ﴾؛ بِخِلافِ ما يَأْتِي في ”المائِدَةِ“؛ فَإنَّ النَّظَرَ فِيها إلى الوَفاءِ؛ الَّذِي إنَّما يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلى المُوَفّى لَهُ؛ ﴿شُهَداءَ﴾؛ أيْ: حاضِرِينَ؛ مُتَيَقِّظِينَ؛ حُضُورَ المُحاسِبِ لِكُلِّ شَيْءٍ أرَدْتُمُ الدُّخُولَ فِيهِ؛ ﴿لِلَّهِ﴾؛ أيْ: لِوَجْهِ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ؛ لا لِشَيْءٍ غَيْرِهِ؛ ﴿ولَوْ﴾؛ كانَ ذَلِكَ القِسْطُ؛ ﴿عَلى أنْفُسِكُمْ﴾؛ أيْ: فَإنِّي لا أزِيدُكم بِذَلِكَ إلّا عِزًّا؛ وإلّا تَفْعَلُوا ذَلِكَ قَهَرْتُكم عَلى الشَّهادَةِ عَلى أنْفُسِكم عَلى (p-٤٣٢)رُؤُوسِ الأشْهادِ؛ فَفُضِحْتُمْ في يَوْمٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ؛ مِن جَمِيعِ العِبادِ. ولَمّا كانَ ذَكَرَ أعَزَّ ما عِنْدَ الإنْسانِ أتْبَعَهُ ما يَلِيهِ؛ وبَدَأ مِنهُ بِمَن جَمَعَ إلى ذَلِكَ الهَيْبَةَ؛ فَقالَ: ﴿أوِ﴾؛ أيْ: أوْ كانَ ذَلِكَ القِسْطُ عَلى ﴿الوالِدَيْنِ﴾؛ وأتْبَعَهُ ما يَعُمُّهُما وغَيْرَهُما؛ فَقالَ: ﴿والأقْرَبِينَ﴾؛ أيْ: مِنَ الأوْلادِ وغَيْرِهِمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ يَكُنْ﴾؛ أيْ: المَشْهُودُ لَهُ؛ أوْ عَلَيْهِ؛ ﴿غَنِيًّا﴾؛ أيْ: تَرَوْنَ الشَّهادَةَ لَهُ بِشَيْءٍ باطِلٍ دافِعَةً ضُرًّا مِنهُ لِلْغَيْرِ؛ مِنَ المَشْهُودِ عَلَيْهِ أوْ غَيْرِهِ؛ أوْ مانِعَةً فَسادًا أكْبَرَ مِنها؛ أوْ عَلَيْهِ بِما لَمْ يَكُنْ صَلاحًا؛ طَمَعًا في نَفْعِ الفَقِيرِ بِما لا يَضُرُّهُ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ ﴿أوْ فَقِيرًا﴾؛ فَيُخَيَّلُ إلَيْكم أنَّ الشَّهادَةَ لَهُ بِما لَيْسَ لَهُ نَفْعُهُ رَحْمَةٌ لَهُ؛ أوْ بِما لَيْسَ عَلَيْهِ لِمَن هو أقْوى مِنهُ تُسْكِنُ فِتْنَةً؛ ﴿فاللَّهُ﴾؛ أيْ: ذُو الجَلالِ والإكْرامِ؛ ﴿أوْلى بِهِما﴾؛ أيْ: بِنَوْعَيِ الغَنِيِّ؛ والفَقِيرِ؛ المُنْدَرِجِ فِيهِما هَذانِ المَشْهُودُ بِسَبَبِهِما مِنكُمْ؛ فَهو المَرْجُوُّ لِجَلْبِ النَّفْعِ؛ ودَفْعِ الضُّرِّ؛ بِغَيْرِ ما ظَنَنْتُمُوهُ؛ فالضَّمِيرُ مِنَ الِاسْتِخْدامِ؛ ولَوْ عادَ لِلْمَذْكُورِ لَوُحِّدَ الضَّمِيرُ؛ لِأنَّ المُحَدَّثَ عَنْهُ واحِدٌ مُبْهَمٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب