الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾
وهذا تقدُّم من الله تعالى ذكره إلى عباده المؤمنين به وبرسوله [[يقال: "تقدم إليه في كذا" أي أمره بأمر أو نهي، وأراد هنا معنى النهي.]] أن يفعلوا فعل الذين سَعَوا إلى رسول الله ﷺ في أمر بني أبيرقٍ أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه، وذَبَّهم عنهم، وتحسينَهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر. يقول الله لهم:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط"، يقول: ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط [[انظر تفسير"القسط" فيما سلف ٦: ٧٧، ٢٧٠ / ٧: ٥٤١.]] =يعني: بالعدل="شهداء لله".
* * *
= و"الشهداء" جمع"شهيد". [[انظر تفسير"شهيد" و"شهداء" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
* * *
ونصبت"الشهداء" على القطع مما في قوله:"قوامين" من ذكر"الذين آمنوا"، [["القطع"، باب من الحال، انظر ما سلف في فهارس المصطلحات.]] ومعناه: قوموا بالقسط لله عند شهادتكم= أو: حين شهادتكم.
="ولو على أنفسكم"، يقول: ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والدين لكم أو أقربيكم، [[في المطبوعة: "أو على والديكم"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحّتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغنيٍّ لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غنيّ، فتجوروا. فإن الله الذي سوَّى بين حكم الغنيّ والفقير فيما ألزمكم، أيها الناس، من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل="أولى بهما"، وأحق منكم، [[انظر تفسير"أولى" فيما سلف ٦: ٤٩٧.]] لأنه مالكهما وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كلّ واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليهما="فلا تتبعوا الهوى أن تَعْدِلوا"، يقول: فلا تتبعوا أهواءَ أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها -لغني على فقير، أو لفقير على غني- إلا أحد الفريقين، فتقولوا غير الحق، ولكن قوموا فيه بالقسط، وأدُّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها، بالعدل لمن شهدتم له وعليه.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهدُ بالقسط؟ وهل يشهد الشاهد على نفسه؟ [[في المطبوعة: "وهل يشهد الشاهد"، وفي المخطوطة: "وبما يشهد".
وأرجح أن ما في المطبوعة هو الصواب، لقوله في جوابه"نعم"، وكدت أقرؤها: "وبم يشهد الشاهد"، لولا أن جواب أبي جعفر دل على غير ذلك.]]
قيل: نعم، وذلك أن يكون عليه حق لغيره فيقرّ له به، فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الآية عندي تأديبٌ من الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذَروا بني أبيرق= في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا ممن ذكرنا قبل [[في المطبوعة: "وخيانتهم ما خانوا من ذكر ما قيل عند رسول الله ... "، وهو كلام فاسد، غير ما في المخطوطة، وهو كما أثبت، إلا أنه كتب"من ذكرنا قبل" ووضع فتحة على الميم من"من"، وهو خطأ في نسخ الناسخ ونقله، إنما هذه الفتحة ميم أخرى في"ممن" أساء قراءتها، فأساء نقلها. وقد مضى مثل هذا في مثل هذا الحرف، مرارًا فيما سلف ونبهت إليه.]] = عند رسول الله ﷺ، وشهادتهم لهم عنده بالصلاح. فقال لهم: إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقولوا فيها بالعدل، [[في المطبوعة: "فقوموا فيها بالعدل"، والذي في المخطوطة صواب محض.]] ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، ولا يحملنكم غِنَى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورَحِمُه منكم، [[في المطبوعة"فلا يحملنكم"، والجيد ما أثبت من المخطوطة.]] على الشهادة له بالزور، ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها.
* * *
وقد قيل إنها نزلت تأديبًا لرسول الله ﷺ.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٦٧٨- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله"، قال: نزلت في النبيّ ﷺ، واختصم إليه رجلان: غنيٌّ وفقير، وكان ضِلَعه مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنيَّ، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير فقال:"إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، الآية.
* * *
وقال آخرون: في ذلك نحو قولنا: إنها نزلت في الشهادة، أمرًا من الله المؤمنين أن يسوُّوا -في قيامهم بشهاداتهم- لمن قاموا بها، [[في المطبوعة: "لمن قاموا له بها" زاد"له"، وهي مفسدة للكلام، غمض عليه السياق. وإنما سياق الكلام: أمرًا من الله المؤمنين ... لمن قاموا بها" أي: لمن قام من المؤمنين بالشهادة، وذكرها معترضة في كلام آخر، وهو قوله: "في قيامهم بشهاداتهم".]] بين الغني والفقير.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٦٧٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"، قال: أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحقَّ ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم، ولا يحابوا غنيًّا لغناه، ولا يرحموا مسكينًا لمسكنته، وذلك قوله:"إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، فتذروا الحق، فتجوروا.
١٠٦٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب في شهادة الوالد لولده وذي القرابة قال: كان ذلك فيما مضى من السُّنة في سلف المسلمين، وكانوا يتأولون في ذلك قول الله:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما" الآية، فلم يكن يُتَّهَمُ سلفُ المسلمين الصالحُ في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الرجل لامرأته، ثم دَخِلَ الناسُ بعد ذلك، [["دخل" على وزن"فرح"، يقالك: "دخل أمره دخلا (بفتحتين) ": أي فسد، و"الدخل" (بفتحتين) : الغش والفساد. و"فلان مدخول الإسلام"، إذا كان فيه غش وفساد، وهو النفاق.]] فظهرت منهم أمور حملت الولاةَ على اتهامهم، فتركت شهادةُ من يتهم، إذا كانت من أقربائهم. وصار ذلك من الولد والوالد، والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان. [[فليت شعري ما كان يقول ابن شهاب لو أدرك زماننا الذي نحن فيه!! نسأل السلامة، ونستهديه في القيام بما أمرنا به في كتابه.]]
١٠٦٨١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" إلى آخر الآية، قال: لا يحملك فقرُ هذا على أن ترحَمه فلا تقيم عليه الشهادة. قال: يقول هذا للشاهد.
١٠٦٨٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن آدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوي قرابتك، أو شَرَفِ قومك. [[في المطبوعة: "أو أشراف قومك"، كأنه ظن"شرفًا" خطأ، وهو محض صواب، يجمع"شريف" على"أشراف" و"شرفاء" و"شرف" (بفتح الشين والراء) . كما قالوا: "رجل كريم" و"قوم كرم". ولو قيل: وهو وصف بالمصدر مثل"عدل" لكان صوابًا.]] فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزانُ الله في الأرض، به يردُّ الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق. وبالعدل يصدِّق الصادقَ، ويكذِّب الكاذبَ، ويردُّ المعتدي ويُرَنِّخُه، [[في المطبوعة: "ويوبخه" والتوبيخ لا معنى له هنا. وفي المخطوطة غير منقوطة. وصواب قراءتها ما أثبت. يقال: "رنخ الرجل": ذلَّله. ولو قرئت"يريخه" بالياء لكان صوابًا، يقال: "ضربوا فلانًا حتى ريخوه"، أي أوهنوه وأذلوه. هذا وقتادة السدوسي، كان يكثر في كلامه غريب اللغة.]] تعالى ربنا وتبارك. وبالعدل يصلح الناس، يا ابن آدم="إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما"، يقول: أولى بغنيكم وفقيركم. قال: وذكر لنا أن نبيَّ الله موسى عليه السلام قال:"يا ربِّ، أي شيء وضعت في الأرض أقلّ؟ "، قال:"العدلُ أقلُّ ما وضعت في الأرض". فلا يمنعك غِنى غنيّ ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم، فإن ذلك عليك من الحق، وقال جل ثناؤه:"فالله أولى بهما".
* * *
وقد قيل:"إن يكن غنيًّا أو فقيرًا"، الآية، أريد: فالله أولى بغنى الغني وفقر الفقير. لأن ذلك منه لا من غيره، فلذلك قال:"بهما"، ولم يقل"به".
* * *
وقال آخرون: إنما قيل:"بهما"، لأنه قال:"إن يكن غنيًّا أو فقيرًا"، فلم يقصد فقيرًا بعينه ولا غنيًّا بعينه، وهو مجهول. وإذا كان مجهولا جاز الردُّ منه بالتوحيد والتثنية والجمع. [[في المطبوعة: "الرد عليه بالتوحيد ... "، والذي أثبت من المخطوطة هو محض الصواب.]]
* * *
وذكر قائلو هذا القول، أنه في قراءة أبيّ: ﴿فالله أولى بهم﴾ .
* * *
وقال آخرون:"أو" بمعنى"الواو" في هذا الموضع. [[انظر "أو" بمعنى"الواو" فيما سلف ١: ٣٣٦، ٣٣٧ / ٢: ٢٣٧.]]
* * *
وقال آخرون: جاز تثنية قوله:"بهما"، لأنهما قد ذكرا، كما قيل.
﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا﴾ [سورة النساء: ١٢] .
* * *
وقيل: جاز، لأنه أضمر فيه"مَن"، كأنه قيل: إن يكن مَن خاصم غنيًّا أو فقيرًا= بمعنى: غنيين أو فقيرين="فالله أولى بهما".
* * *
وتأويل قوله:"فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، أي: عن الحق، فتجوزوا بترك إقامة الشهادة بالحق. ولو وُجِّه إلى أن معناه: فلا تتَّبعوا أهواء أنفسكم هربًا من أن تعدلوا عن الحق في إقامة الشهادة بالقسط، لكان وجهًا. [[في المطبوعة: "كان وجها"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
وقد قيل: معنى ذلك: فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا= كما يقال:"لا تتبع هواك لترضيَ ربك"، بمعنى: أنهاك عنه، كما ترضي ربّك بتركه. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٩١.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: عنى:"وإن تلووا"، أيها الحكام، في الحكم لأحد الخصمين على الآخر="أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا".
ووجهوا معنى الآية إلى أنها نزلت في الحكام، على نحو القول الذي ذكرنا عن السدِّي من قوله: إن الآية نزلت في رسول الله ﷺ على ما ذكرنا قبل. [[هو الأثر السالف رقم: ١٠٦٧٨.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٠٦٨٣- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس في قول الله:"وإن تلووا أو تعرضوا"، قال: هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي، فيكون لَيُّ القاضي وإعراضُه لأحدهما على الآخر. [[الأثر: ١٠٦٨٣ -"قابوس بن أبي ظبيان الجنبي"، روى عن أبيه"حصين بن جندب" وآخرين. قال ابن معين: "ثقة، ضعيف الحديث". وقال ابن حبان: "ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل، وأسند الموقوف. وأبوه ثقة". وانظر ما سلف رقم: ٩٧٤٥.
وأبوه: "أبو ظبيان"، هو: "حصين بن جندب". روى عن عمر، وعلي، وابن مسعود. ثقة، انظر ما سلف رقم: ٩٧٤٥.]]
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن تلووا، أيها الشهداء، في شهاداتكم فتحرِّفوها ولا تقيموها= أو تعرضوا عنها فتتركوها.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٦٨٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن تلووا أو تعرضوا"، يقول: إن تلووا بألسنتكم بالشهادة، أو تعرضوا عنها.
١٠٦٨٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" إلى قوله:"وإن تلووا أو تعرضوا"، يقول: تلوي لسانك بغير الحق، وهي اللَّجلجة، فلا تقيم الشهادة على وجهها. و"الإعراض"، الترك.
١٠٦٨٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإن تلووا"، أي تبدّلوا الشهادة="أو تعرضوا"، قال: تكتموها.
١٠٦٨٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن تلووا"، قال: بتبديل الشهادة، و"الإعراض" كتمانها.
١٠٦٨٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن تلووا أو تعرضوا"، قال: إن تحرفوا أو تتركوا.
١٠٦٨٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإن تلووا أو تعرضوا"، قال: تلجلجوا، أو تكتموا. وهذا في الشهادة.
١٠٦٩٠- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن تلووا أو تعرضوا"، أما"تلووا"، فتلوي للشهادة فتحرفها حتى لا تقيمها= وأما"تعرضوا" فتعرض عنها فتكتمها، وتقول: ليس عندي شهادة!
١٠٦٩١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"وإن تلووا"، فتكتموا الشهادة، يلوى ببعض منها [[في المطبوعة: "تلوى تنقص منها"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب جيد. من قولهم: "لوى عنه الخبر"، إذا طواه، أو أخبره به على غير وجهه.
وكان سياق الكلام في المطبوعة بالتاء على معنى الخطاب، "تلوى""تعرض" الخ، فأثبت ما هو في المخطوطة منقوطًا كذلك.]] = أو يُعرض عنها فيكتمها، فيأبى أن يَشهد عليه، يقول: أكتم عنه لأنه مسكين أرحَمُه! فيقول: لا أقيم الشهادة عليه. ويقول: هذا غنيٌّ أبقّيه وأرجو ما قِبَله، فلا أشهد عليه! فذلك قوله:"إن يكن غنيًّا أو فقيرًا".
١٠٦٩٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن تلووا"، تحرّفوا="أو تعرضوا"، تتركوا. [[في المخطوطة: "تحرفوا أو تحرفوا" مكررة، لا أظنه تحريفًا.]]
١٠٦٩٣- حدثنا محمد بن عمارة قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية في قوله:"وإن تلووا"، قال: إن تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها="أو تعرضوا"، قال: تتركوها. [[في المطبوعة: "فتتركوها"، والجيد ما في المخطوطة.]]
١٠٦٩٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"وإن تلووا أو تعرضوا"، قال: إن تلووا في الشهادة، أن لا تقيمها على وجهها [[في المطبوعة: "أن لا تقيموها" بالجمع، والذي في المخطوطة حسن جيد.]] ="أو تعرضوا"، قال: تكتموا الشهادة.
١٠٦٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا شيبان، عن قتادة: أنه كان يقول:"وإن تلووا أو تعرضوا"، يعني: تلجلجوا="أو تعرضوا"، قال: تدعها فلا تشهد.
١٠٦٩٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن تلووا أو تعرضوا"، أما"تلووا"، فهو أن يلوي الرجل لسانَه بغير الحق. يعني: في الشهادة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويلُ من تأوله، أنه لَيُّ الشاهد شهادته لمن يشهد له وعليه، وذلك تحريفه إياها بلسانه، [[في المطبوعة: "لسانه" بغير باء، والصواب من المخطوطة.]] وتركه إقامتها، ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له، وعمن شهد عليه. [[انظر تفسير"اللي" فيما سلف ٦: ٥٣٥-٥٣٧ / ٨: ٤٣٥.]]
وأما إعراضه عنها، فإنه تركه أداءَها والقيام بها، فلا يشهد بها. [[انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص: ٢٦٨، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]]
وإنما قلنا: هذا التأويل أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه قال:"كونوا قوامين بالقسط شهداء الله"، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء. وأظهر معاني"الشهداء"، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"وإن تلووا".
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى الكوفة: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ بواوين، من:"لواني الرجل حقي، والقوم يلوونني دَيْني"= وذلك إذا مطلوه="ليًّا".
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: ﴿وإن تلوا﴾ بواو واحدة.
* * *
ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان:
أحدهما: أن يكون قارئها أراد همز"الواو" لانضمامها، ثم أسقط الهمز، فصار إعراب الهمز في اللام إذْ أسقطه، وبقيت واو واحدة. كأنه أراد:"تَلْؤُوا" ثم حذف الهمز. وإذا عني هذا الوجه، كان معناه معنى من قرأ:"وإن تلووا"، بواوين، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب. وذلك أن"الواو" الثانية من قوله:"تلووا" واو جمع، وهي علم لمعنى، فلا يصح همزها، ثم حذفها بعد همزها، فيبطل علَم المعنى الذي له أدخلت"الواو" المحذوفة. [[هذا موضع وهم غريب من مثل أبي جعفر، فإن الهمز في"تلؤوا" على واو الفعل، وهي عين الفعل"لوى"، والحذف بعد طرح الهمزة، واقع بواو الفعل لا بواو الجماعة، وهي أصل، لم تدخل لمعنى. فكيف أخطأ أبو جعفر فظنها واو الجماعة!! وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٩١.]]
والوجه الآخر: أن يكون قارئها كذلك، أراد: أن"تلوا" من"الولاية"، فيكون معناه: وأن تلوا أمور الناس وتتركوا. وهذا معنى= إذا وجّه القارئ قراءته على ما وصفنا، إليه= خارج عن معاني أهل التأويل، وما وجّه إليه أصحاب رسول الله ﷺ والتابعون، تأويلَ الآية.
* * *
قال أبو جعفر: فإذْ كان فساد ذلك واضحًا من كلا وجهيه، فالصواب من القراءة الذي لا يصلح غيره أن يقرأ به عندنا: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ ، بمعنى:"اللي" الذي هو مطل.
* * *
فيكون تأويل الكلام: وإن تدفعوا القيام بالشهادة على وجهها لمن لزمكم القيامُ له بها، فتغيروها وتبدلوا، أو تعرضوا عنها فتتركوا القيام له بها، كما يلوي الرجل دينَ الرجل فيدافعه بأدائه إليه على ما أوجب عليه له مطلا منه له، [[انظر مراجع تفسير"اللي" فيما سلف ص: ٣٠٩، تعليق: ٥ وفي المطبوعة"على ما أوجب عليه"، والصواب من المخطوطة.]] كما قال الأعشى:
يَلْوِينَني دَيْنِي النَّهارَ، وأَقْتَضِي ... دَيْنِي إذَا وَقَذَ النُّعَاسُ الرُّقَّدَا [[ديوانه: ١٥١، واللسان (لوى) و (وقذ) ، من أبيات، جياد أولها فيما قبله: وَأَرَى الغَوَانِي حِينَ شِبْتُ هَجَرْنَنِي ... أَنْ لا أَكُونَ لَهُنّ مِثْلِيَ أَمْرَدَا
إنَّ الغَوَانِي لا يُوَاصِلْنَ امْرَءًا ... فَقَدَ الشَّبَابَ، وَقَدْ يَصِلْنَ الأَمْرَدَا
بَلْ لَيْتَ شِعْرِي! هَلْ أَعُودَنْ نَاشِئًا ... مِثْلِي زُمَيْنَ أَحُلُّ بُرْقَةَ أَنْقَدَا
إذْ لِمَّتِي سَوْدَاءُ أَتْبَعُ ظِلَّهَا ... دَدَنًا قُعُودَ غَوَايَةٍ أَجْرِي دَدَا
يَلْوِينَنِي دَيْنِي............... ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هذا، ورواية الديوان: "وأجتزى ديني"، يقال: "اجتزى دينه" أي: تقاضاه، ومثله"تجازى دينه". و"وقذه": ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. و"وقذه النعاس" مجاز منه، أي صاروا كأنهم سكارى قد استرخوا وهمدوا من النعاس.]]
* * *
وأما تأويل قوله:"فإن الله كان بما تعملون خبيرًا"، فإنه أراد:"فإن الله كان بما تعملون"، من إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها، وإعراضكم عنها بكتمانكموها="خبيرًا"، يعني ذا خبرة وعلم به، يحفظ ذلك منكم عليكم، حتى يجازيكم به جزاءكم في الآخرة، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته. يقول: فاتقوا ربكم في ذلك. [[انظر تفسير"الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ إِن یَكُنۡ غَنِیًّا أَوۡ فَقِیرࣰا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدِلُوا۟ۚ وَإِن تَلۡوُۥۤا۟ أَوۡ تُعۡرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق