الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾
القسط: العدل [[انظر: الطبري 5/ 320، و"معاني الزجاج" 2/ 117، و"زاد المسير" 2/ 222.]]، ومضى الكلام فيه [[انظر تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: 3].]].
وقوّام مبالغة من قائم، كأنه قيل: كونوا قائمين بالقسط [[انظر: الطبري 5/ 321، و"زاد المسير" 2/ 222.]].
والقائم بالشيء معناه الكفيل به الذي يأتي به على وجهه.
قال ابن عباس: معناه: كونوا قوَّالين بالعدل في الشهادة، على من كانت، ولو على أنفسكم [[من "الكشف والبيان" 4/ 131، والأثر بمعناه في تفسير ابن عباس ص 161، وأخرجه الطبري 5/ 322، من طريق علي بن أبي طلحة أيضًا.]].
وانتصب قوله: ﴿شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ على الحال من ﴿قَوَّامِينَ﴾، ويجوز أن يكون خبر ﴿كُونُوا﴾، على أن لها خبرين بمنزلة خبر واحد، ونحو هذا: حلو حامض، وجائز أن يكون صفة لقوامين [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 460، و"الدر المصون" 4/ 113، وقد رجح كل منهما القول الأول.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، قال عطاء: يريد وقولوا الحق، ولو على أنفسكم، وإن كان فيه مضرة عليكم [[لم أقف عليه.]].
وشهادة الإنسان على نفسه: هو إقراره بما عليه من الحق [["النكت والعيون" 1/ 534، وانظر: "زاد المسير" 2/ 222.]]، وذلك الإقرار شهادة منه على نفسه، فكأنه قيل: ولو كان لأحد عليكم حق فأقروا به على أنفسكم.
وقال أبو إسحاق: المعنى: قوموا بالعدل واشهدوا الله [[في "معاني الزجاج": لله ، وهو الأظهر.]] بالحق، وإن كان الحق على نفس الشاهد، أو على والديه، أو أقربيه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 118، وانظر: "زاد المسير" 2/ 222.]].
وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾ اسم كان مضمر، على تقدير: إن يكن المشهود عليه ومن يخاصم غنيًا أو فقيرًا [[انظر: الطبري 5/ 323، و"معاني الزجاج" 2/ 118، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 460، و"زاد المسير" 2/ 222.]].
قال ابن عباس: يقول: لا تُحابوا غنيًا لغناه، ولا ترحموا فقيرًا لفقره [["الكشف والبيان" 4/ 131 ب.]].
قال عطاء: يريد يكونون عندكم سواء، لا تحيفوا على الفقير، ولا تُعظِّموا الغني، وتمسكوا عن القول فيه [[انظر: "زاد المسير" 2/ 222.]].
يريد: يكون شأنكم العدل والصدق في القريب والبعيد، والغني والفقير.
وقوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ ولم يقل به وكان الغنى والفقر صفة مشهود عليه واحد، لأن المعنى: فالله أولى بكل واحد منهما.
قال الزجاج: أي: إن يكن المشهود عليه غنيًّا فالله أولى به، وكذلك إن يكن المشهود عليه فقيرًا فالله أولى به [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 118، وانظر: "زاد المسير" 2/ 222.]]. فجمعهما في الكناية لهذا المعنى.
ومعنى: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ أي: أعلم بهما منكم؛ لأنه يتولى علم أحوالهما من الغنى والفقر.
وهذا معنى قول الحسن: الله أعلم بغناهم وفقرهم [[انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" 1/ 430، و"معالم التنزيل" 2/ 298.]].
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾، أكثر المفسرين على أن هذا من العدول الذي هو الميل والجور، على معنى: واتقوا أن تعدلوا [[دعوى أن أكثر المفسرين على هذا القول فيها نظر، فلم أجد من ذهب إلى ذلك غير الطبري مع أنه أشار إليه إشارة في "تفسير الطبري" 5/ 323، وقد عزاه في "زاد المسير" 2/ 222، إلى مقاتل، وانظر: "الدر المصون" 4/ 117.]]، فحذف؛ لأن في النهي عن اتباع الهوى دليلًا على الأمر بالتقوى.
وهذا معنى قول مقاتل، لأنه قال: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾ في الشهادة، واتقوا الله ﴿أَنْ تَعْدِلُوا﴾ عن الحق إلى الهوى [["تفسيره" 1/ 414، وانظر: و"زاد المسير" 2/ 222.]].
وقال ابن عباس: يريد أن تميلوا عن العدل، وهو قول الكلبي أيضًا [[لم أقف عليهما.]].
وعند الفراء والزجاج: يجوز أن يكون ﴿تَعْدِلُوا﴾ من العدل على معنى: ولا تتبعوا الهوى لتعدلوا، كما تقول: لا تتبعن هواك لترضي ربك، أي: أنهاك عن هذا كيما [[في المخطوط "كما"، وهو تصحيف ظاهر، انظر: "معاني الفراء" 1/ 291.]] ترضي ربك. قاله الفراء [["معاني القرآن" 1/ 291، وانظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 118.]].
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ يجوز أن يكون من لوي بمعنى المدافعة [[انظر: الطبري 5/ 325، و"معاني الزجاج" 2/ 118.]]، ويجوز أن يكون من لوى الشيء إذا قتله [[انظر: "اللسان" 7/ 4107 (لوى).]]، وكلاهما قريب.
قال مجاهد: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ تبدِّلوا الشهادة ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ تكتموها فلا تقيموها [["تفسيره" 1/ 178، وأخرجه الطبري 5/ 323 من طرق، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 414 إلى البيهقي.]].
وهذا من ليّ اللسان، كأنه لواها من الحق إلى الباطل. ونحو ذلك قال السدي: اللي: الدفع والإعراض: الجحود [[أخرجه بمعناه الطبري 5/ 424، وانظر: "زاد المسير" 2/ 223.]]. وهو من قولهم: [لوى] [[ما بين المعقوفين في المخطوط: "لوا" وهو خطأ في "الإملاء".]] حقه، إذا مطله ودفعه [[انظر: الطبري 5/ 425، و"معاني الزجاج" 2/ 118، و"الكشف والبيان" 4/ 131 ب، و"النكت والعيون" 1/ 534.]].
وقال مقاتل: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ يعني التحريف للشهادة، يلجلج بها لسانه فلا يقيمها ليبطل شهادته، ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ عنها فلا تشهدوا بها [["تفسيره" 1/ 414.]].
وقال عطية العوفي: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ "تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها، ﴿تُعْرِضُوا﴾ بتركها" [[أخرجه الطبري 5/ 324.]].
وفي قوله: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ قراءتان: إحداهما - بواوين. والأخرى تلُوا اللام [[هكذا في المخطوط، ولعل في الكلام سقطًا، فإن استقامة الكلام: "بواو واحدة وضم اللام" انظر: "الحجة" 3/ 185، وهذِه القراءة لحمزة وابن عامر، والقراءة الأولى للباقين. انظر: "السبعة" ص 239، و"الحجة" 3/ 185، و"المبسوط" ص 159، و"تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة" ص 106.]].
فمن قرأ بواوين فحجته: ما رُوي عن ابن عباس أنه فسر هذا بأنه القاضي، ليُّهُ وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر [["الحجة" 3/ 185، والأثر عن ابن عباس أخرجه الطبري 5/ 323، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 132 أ، و"زاد المسير" 2/ 223]].
قال الزجاج: وجاء في التفسير أن لوى الحاكم في قضيته: أو أعرض [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 118 لكن فيه: "أنَّ" لوى الحاكم في قضيته: "أعرض". فلعل الصواب. أي أعرض.]].
﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 135] قال [[أي: الزجاج.]]: ويقال: لويت فلانًا حقه، إذا دافعته به ومطلته.
وكذلك جميع ما حكينا عن المفسرين في هذا الحرف يدل على صحة هذه القراءة.
قال الزجاج: وهذا هو الأشبه على ما جاء في التفسير [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 118.]].
وحجة من قرأ: ﴿تلوا﴾ بواو واحدة أن يقول: إن ﴿تلوا﴾ في هذا الموضع حسن، لأن ولاية الشيء إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، فالمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا، فلا تلوا، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه [["الحجة" 3/ 185، وانظر: "إعراب القراءات السبع" لابن خالويه 1/ 138.]].
وقال المبرد: إن للولاية ههنا وجهًا حسنًا، يقول: إن تلوا إقامتها أو تعرضوا عن إقامتها [[لم أقف عليه.]].
وقال قطرب: (إن تلوا) من الولاية، يريد: إن تلوا القيام بالحق وتتولوه، أو تعرضوا عنه فلا تقوموا به [[لم أقف عليه.]].
وذكر أبو إسحاق والفراء جميعًا لهذه القراءة وجهًا آخر: وهو أنه يجوز أن يكون (تلُوا) أصله: تَلْوُوا، فأبدل من الواو المضمومة همزة، ثم طرحت الهمزة، ونقلت حركتها إلى اللام، فصار تلوا، كما قيل في أدؤُرٍ: أدوُرٍ، ثم طرحت الهمزة فصار آدرُ [[من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 118، وانظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 291.]]. والوجه الأول أجمعا عليه أيضًا.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ إِن یَكُنۡ غَنِیًّا أَوۡ فَقِیرࣰا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدِلُوا۟ۚ وَإِن تَلۡوُۥۤا۟ أَوۡ تُعۡرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق