الباحث القرآني

(وإذ نجيناكم من آل فرعون) أي واذكروا إذ خلصنا أسلافكم وأجدادكم، فاعتده نعمة ومنة عليهم، لأنهم نجوا بنجاة أسلافهم، وهذا شروع في تفصيل نعم الله عليهم، وفصلت بعشرة أمور تنتهي بقوله: (وإذ استسقى موسى) والنجاة النجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها، ثم سمى كل فائز وخارج من ضيق إلى سعة ناجياً وإن لم يلق على نجوة " وآل فرعون " قومه والآل يضاف إلى ذوي الخطر ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة، وجوزه الأخفش، واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق. وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه، وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة أولاد عمليق بن لاوز بن أرم بن سام بن نوح كما يسمى من ملك الفرس كسرى، ومن ملك الروم قيصر، ومن ملك الحبشة النجاشي، وقيل فرعون اسم علم لمن كان يملك مصر من القبط والعماليق، واسم فرعون موسى المذكور هنا قابوس في قول أهل الكتاب، وقال وهب اسمه الوليد بن مصعب بن الريان، وعَمّر أكثر من أربعمائة سنة، وعاش موسى مائة وعشرين سنة، قال السعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية، وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون، وقد تفرعن، وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر، وقال في الكشاف تفرعن فلان إذا عتى وتجبر. (يسومونكم) أي يكلفونكم ويولونكم قاله أبو عبيدة، وقيل يذوقونكم ويلزمونكم إياه، وأصل السوم الدوام، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي، وفي الكشاف أصله في سام السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبيعونكم سوء العذاب ويريدونكم عليه، انتهى. (سوء العذاب) أي أشده وأسوأه وأفظعه، وإن كان كله سيئاً، والسوء كل ما يغم الإنسان من أمر دنيوي أو أخروي. (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) الذبح في الأصل الشق وهو فري أوداج المذبوح، قيل ذبحوا منهم أثني عشر ألفا، وقيل سبعين ألفا، وهل نساء جمع نسوة أو جمع امرأة من حيث المعنى قولان، والمراد يتركون نساءكم أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن، وأنما أمر بذبح الأبناء واستحياء النساء لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق عليهن، وقالت طائفة أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله نساءكم والأول أصح بشهادة السبب، ولا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من انزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار. والإشارة بقوله (وفي ذلكم) إلى جملة الأمر من الإنجاء والذبح، قاله ابن عطية. (بلاء من ربكم عظيم) أي اختيار وامتحان، والبلاء يطلق تارة على الخير وتارة على الشر، فإن أريد به هنا الشر، كانت الإشارة إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه، وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين، وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة فرجح الجمهور الأول ورجح الآخرون الآخر، قال ابن كيسان أبلاه وبلاه في الخير والشر، وقيل الأكثر في الخير أبليته وفي الشر بلوته، وفي الاختبار ابتليته وبلوته قاله النحاس، استدل به بعض من يقول بالتناسخ وقال إن القوم كانوا هم بأعيانهم، فلما تطاولت عليهم مدة التلاشي والبلى نسوا فذكروا، قال الكرماني وهذا محال وجهل بكلام العرب، فإن العرب تخاطب بمثل هذا وتعني الجد الأعلى والأب الأبعد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب