الباحث القرآني

﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ﴾ يَعْنِي: أَسْلَافَكُمْ وَأَجْدَادَكُمْ فَاعْتَدَّهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِنَجَاتِهِمْ ﴿مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، وَفِرْعَوْنُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ وَكَانَ مِنَ الْقِبْطِ الْعَمَالِيقِ وَعُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يُكَلِّفُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ، ﴿سُوءَ الْعَذَابِ﴾ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَأَسْوَأَهُ وَقِيلَ: يَصْرِفُونَكُمْ فِي الْعَذَابِ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا كَالْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ جَعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدَمًا وَخَوَلًا [[هم حشم الرجل وأتباعه، واحدهم خائل: وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل من الرعاية.]] وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ، وَصِنْفٌ يَخْدِمُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عَمَلٍ وَضَعَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانُوا أَصْنَافًا فِي أَعْمَالِ فِرْعَوْنَ، فَذَوُو الْقُوَّةِ يَنْحِتُونَ السَّوَارِيَ [[الاسطوانات.]] مِنَ الْجِبَالِ حَتَّى قُرِحَتْ [[جرحت.]] أَعْنَاقُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَدَبِرَتْ [[دبرت ظهورهم، مأخوذ من دبرت الدابة: قرحت ظهرها.]] ظُهُورُهُمْ مِنْ قَطْعِهَا وَنَقْلِهَا، وَطَائِفَةٌ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، وَطَائِفَةٌ يَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُونَ اللَّبِنَ وَيَطْبُخُونَ الْآجُرَّ، وَطَائِفَةٌ نَجَّارُونَ وَحَدَّادُونَ، وَالضَّعَفَةُ مِنْهُمْ يَضْرِبُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ ضَرِيبَةً يُؤَدُّونَهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ضَرِيبَتَهُ غُلَّتْ يَمِينُهُ إِلَى عُنُقِهِ شَهْرًا، وَالنِّسَاءُ يَغْزِلْنَ الْكَتَّانَ وَيَنْسِجْنَ، وقيل: تفسيره ذكرما بَعْدَهُ: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ -يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ عَنْ رُؤْيَاهُ؟ فَقَالُوا: يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَمَعَ الْقَوَابِلَ فَقَالَ لَهُنَّ: لَا يُسْقَطَنَّ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا قُتِلَ وَلَا جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، وَوَكَّلَ بِالْقَوَابِلِ، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ قَتَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ صَبِيٍّ فِي طَلَبِ مُوسَى. وَقَالَ وَهْبٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تِسْعِينَ أَلْفَ وَلِيدٍ. قَالُوا: وَأَسْرَعَ الْمَوْتُ فِي =مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَخْلَ رُءُوسُ الْقِبْطِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ وَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَفَتَذْبَحُ صِغَارَهُمْ وَيَمُوتُ كِبَارُهُمْ فَيُوشِكُ أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا؟ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً وَيَتْرُكُوا سَنَةً، فَوُلِدَ هَارُونُ فِي السَّنَةِ الَّتِي لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا، وَمُوسَى فِي السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا. ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ قِيلَ: الْبَلَاءُ الْمِحْنَةُ، أَيْ فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ النِّعْمَةُ أَيْ فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وَعَلَى الشِّدَّةِ بِالصَّبْرِ وَقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (٣٥-الْأَنْبِيَاءِ) . ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرَقْنَا لَكُمْ وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ وَسُمِّيَ الْبَحْرُ بَحْرًا لِاتِّسَاعِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: بَحْرٌ إِذَا اتَّسَعَ فِي جَرْيِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا هَلَاكُ فِرْعَوْنَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُسْرِيَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يُسْرِجُوا فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى الصُّبْحِ، وَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي الْقِبْطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِمْ، وَكُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي بني إسرائيل ١١/أمِنَ الْقِبْطِ إِلَى الْقِبْطِ حَتَّى رَجَعَ كُلٌّ إِلَى أَبِيهِ، وَأَلْقَى اللَّهُ الْمَوْتَ عَلَى الْقِبْطِ فَمَاتَ كُلُّ بِكْرٍ لَهُمْ وَاشْتَغَلُوا بِدَفْنِهِمْ حَتَّى أَصْبَحُوا وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، لَا يَعُدُّونَ ابْنَ الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ، وَلَا ابْنَ السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ، وَكَانُوا يَوْمَ دَخَلُوا مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ إِنْسَانًا مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُوسَى سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا [[نقل ابن خلدون في مقدمة تاريخه أن المسعودي وكثيرا من المؤرخين ذكروا أن موسى عليه السلام أحصى بني إسرائيل في التيه، بعد أن أجاز من يطيق حمل السلاح خاصة، من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف ويزيدون. ثم فند ذلك لجملة أسباب: أ- إن في ذلك ذهولا عن تقدير مصر والشام واتساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش، لكل مملكة من الممالك حصة من الحامية تتسع لها وتقوم بوظائفها وتضيق عما فوقها، تشهد بذلك العوائد المعروفة والأحوال المألوفة. ب- ثم إن مثل هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال لضيق ساحة الأرض عنها، وبعدها، إذا اصطفت، عن مدى البصر مرتين أو ثلاثا أو أزيد، فكيف يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصفين؟ وشيء من جوانبه لا يشعر بالجانب الآخر؟. ح- وأيضا: فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لا تسع نطاق ملكهم وانفسخ مدى دولتهم. د- وأيضا فالذي بين موسى وإسرائيل إنما هو أربعة آباء على ما ذكره المحققون، والمدة بينهما على ما نقله المسعودي مائتان وعشرين سنة، ويبعد أن يتشعب النسل في أربعة =أجيال مثل هذا العدد. انظر: مقدمة ابن خلدون، ١ / ١٣-١٦، طبعة دار الكتاب العربي.]] . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ فَلَمَّا أَرَادُوا السَّيْرَ ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ فَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَذْهَبُونَ فَدَعَا مُوسَى =مَشْيَخَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَى إِخْوَتِهِ عَهْدًا أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى يُخْرِجُوهُ مَعَهُمْ فَلِذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْنَا الطَّرِيقُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا فَقَامَ مُوسَى يُنَادِي: أُنْشِدُ اللَّهَ كُلَّ مَنْ يَعْلَمُ أَيْنَ مَوْضِعُ قَبْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا أَخْبَرَنِي بِهِ؟ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَصُمَّتْ أُذُنَاهُ عَنْ قَوْلِي! وَكَانَ يَمُرُّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُنَادِي فَلَا يَسْمَعَانِ صَوْتَهُ حَتَّى سَمِعَتْهُ عَجُوزٌ لَهُمْ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى قَبْرِهِ أَتُعْطِينِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ؟ فَأَبَى عَلَيْهَا وَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي (فَأَمَرَهُ) [[في الأصل: فأمر.]] اللَّهُ تَعَالَى بِإِيتَائِهَا سُؤْلَهَا فَقَالَتْ: إِنِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَاحْمِلْنِي وَأَخْرِجْنِي مِنْ مِصْرَ، هَذَا فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَنْزِلَ غُرْفَةً مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا نَزَلْتُهَا مَعَكَ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إِنَّهُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ فِي النِّيلِ فَادْعُ اللَّهَ حَتَّى يَحْسِرَ عَنْهُ الْمَاءَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَحَسِرَ عَنْهُ الْمَاءَ، وَدَعَا أَنْ يُؤَخِّرَ طُلُوعَ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَفَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَاسْتَخْرَجَهُ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ مَرْمَرٍ، وَحِمَلَهُ حَتَّى دَفَنَهُ بِالشَّامِ، فَفُتِحَ لَهُمُ الطَّرِيقُ فَسَارُوا وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سَاقَتِهِمْ [[على مؤخرتهم: أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعا.]] وَهَارُونُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِمْ، وَنَذَرَ [[أي: علم.]] بِهِمْ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجُوا فِي طَلَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَصِيحَ الدِّيكُ، فَوَاللَّهِ مَا صَاحَ دِيكٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَخَرَجَ فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ هَامَانُ فِي أَلْفِ أَلْفِ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ دُهْمِ الْخَيْلِ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ [[جمع الشية: وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس.]] [وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ فِي عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ مِائَةُ أَلْفِ حِصَانٍ أَدْهَمَ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ [[هذه الأخبار من الإسرائيليات، لا يعتمد عليها في تفسير كتاب الله تعالى، ولا يتوقف فهمه عليها، والأولى أن نضرب عنها صفحا.]] ] [[ساقطة من (أ) .]] وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَكُونُ فِي الدُّهْمِ [[هو العدد الكثير، وهو أيضا: الخيل السوداء.]] وَقِيلَ: كَانَ فِرْعَوْنُ فِي سَبْعَةِ آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةُ أَلْفِ نَاشِبٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ حِرَابٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ الْأَعْمِدَةِ، فَسَارَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْبَحْرِ وَالْمَاءُ فِي غَايَةِ الزِّيَادَةِ فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ بِفِرْعَوْنَ حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ فَبَقُوا مُتَحَيِّرِينَ فَقَالُوا: يَا مُوسَى كَيْفَ نَصْنَعُ؟ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا؟ هَذَا فِرْعَوْنُ خَلْفَنَا إِنْ أَدْرَكَنَا قَتَلَنَا! وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا إِنْ دَخَلْنَاهُ غَرِقْنَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لمدركون قال موسى كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (٦١-٦٢ الشُّعَرَاءِ) . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَضَرَبَهُ فَلَمْ يُطِعْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ كَنِّهِ فَضَرَبَهُ وَقَالَ: انْفَلِقْ يَا أَبَا خَالِدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَظَهَرَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ وَارْتَفَعَ الْمَاءُ بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ كَالْجَبَلِ وَأَرْسَلَ اللَّهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَعْرِ الْبَحْرِ حَتَّى صَارَ يَبِسَا فَخَاضَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ، وَعَنْ جَانِبَيْهِمُ الْمَاءُ كَالْجَبَلِ الضَّخْمِ وَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَخَافُوا وَقَالَ كُلُّ سِبْطٍ: قَدْ قُتِلَ إِخْوَانُنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جِبَالِ الْمَاءِ: أَنْ تَشَبَّكِي، فَصَارَ الْمَاءُ شَبَكَاتٍ كَالطَّبَقَاتِ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْمَعُ بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ حَتَّى عَبَرُوا الْبَحْرَ سَالِمِينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾. ﴿فَأَنْجَيْنَاكُمْ﴾ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالْغَرَقِ ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لِمَا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ فَرَآهُ مُنْغَلِقًا قَالَ لِقَوْمِهِ: انْظُرُوا إِلَى الْبَحْرِ انْفَلَقَ مِنْ هَيْبَتِي حَتَّى أُدْرِكَ عَبِيدِي الَّذِينَ أَبَقُوا ادْخُلُوا الْبَحْرَ فَهَابَ قَوْمُهُ أَنْ يَدْخُلُوهُ وَقِيلَ: قَالُوا لَهُ إِنْ كُنْتَ رَبًّا فَادْخُلِ الْبَحْرَ كَمَا دَخَلَ مُوسَى، وَكَانَ فِرْعَوْنُ عَلَى حِصَانٍ أَدْهَمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي خيل فرعون فرسى أُنْثَى فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى وَدِيقٍ [[فرس وديق: مريدة للفحل، تشتهيه. وقد أورد الطبري في تفسيره هذه الرواية وفي تاريخه أيضا.]] فَتَقَدَّمَهُمْ وَخَاضَ الْبَحْرَ فَلَمَّا شَمَّ أَدْهَمُ فِرْعَوْنَ رِيحَهَا اقْتَحَمَ الْبَحْرَ فِي أَثَرِهَا وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ فِرْعَوْنُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَرَى فَرَسَ جِبْرِيلَ وَاقْتَحَمَتِ الْخُيُولُ جُمْلَةً خَلْفَهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَاءَ مِيكَائِيلُ عَلَى فَرَسٍ خَلْفَ الْقَوْمِ يَشْحَذُهُمْ وَيَسُوقُهُمْ حَتَّى لَا يَشِذَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَيَقُولَ لَهُمُ: الْحَقُوا بِأَصْحَابِكُمْ حَتَّى خَاضُوا كُلُّهُمُ الْبَحْرَ، وَخَرَجَ جِبْرِيلُ مِنَ الْبَحْرِ، وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَحْرَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ فَالْتَطَمَ عَلَيْهِمْ وَغَرَّقَهُمْ أَجْمَعِينَ، وَكَانَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْبَحْرِ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَهُوَ بَحْرُ قُلْزُمَ، طَرَفٌ مِنْ بَحْرِ فَارِسَ، قَالَ قَتَادَةُ: بَحْرٌ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ إِسَافٌ، وَذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ إِلَى مَصَارِعِهِمْ وَقِيلَ: إِلَى إِهْلَاكِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب