الباحث القرآني
﴿وَإذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ﴾: تَذْكِيرٌ لِتَفاصِيلِ ما أُجْمِلَ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾؛ مِن فُنُونِ النَّعْماءِ؛ وصُنُوفِ الآلاءِ؛ أيْ: واذْكُرُوا وقْتَ تَنْجِيَتِنا إيّاكُمْ؛ أيْ: آباءَكُمْ؛ فَإنَّ تَنْجِيَتَهم تَنْجِيَةٌ لِأعْقابِهِمْ؛ وقُرِئَ: "أنْجَيْتُكُمْ"؛ وأصْلُ "آلٌ": "أهْلٌ"؛ لِأنَّ تَصْغِيرَهُ "أُهَيْلٌ"؛ وخُصَّ بِالإضافَةِ إلى أُولِي الأخْطارِ؛ كالأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ والمُلُوكِ. و"فِرْعَوْنُ": لَقَبٌ لِمَن مَلَكَ العَمالِقَةَ؛ كَـ "كِسْرى"؛ لِمَلِكِ الفُرْسِ؛ و"قَيْصَرُ"؛ لِمَلِكِ الرُّومِ؛ و"خاقانُ"؛ لِمَلِكِ التُّرْكِ. ولِعُتُوِّهِ اشْتُقَّ مِنهُ "تَفَرْعَنَ الرَّجُلُ"؛ إذا عَتا وتَمَرَّدَ؛ وكانَ فِرْعَوْنُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُصْعَبَ بْنَ رَيّانَ؛ وقِيلَ: ابْنَهُ ولِيدًا؛ مِن بَقايا عادٍ؛ وقِيلَ: إنَّهُ كانَ عَطّارًا أصْفَهانِيًّا؛ رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ؛ فَأفْلَسَ؛ فاضْطُرَّ إلى الخُرُوجِ؛ فَلَحِقَ بِالشّامِ؛ فَلَمْ يَتَسَنَّ لَهُ المُقامُ بِهِ؛ فَدَخَلَ مِصْرَ؛ فَرَأى في ظاهِرِهِ حِمْلًا مِنَ البِطِّيخِ بِدِرْهَمٍ؛ وفي نَفْسِهِ بِطِّيخًا بِدِرْهَمٍ؛ فَقالَ في نَفْسِهِ: إنْ تَيَسَّرَ لِي أداءُ الدَّيْنِ فَهَذا طَرِيقُهُ؛ فَخَرَجَ إلى السَّوادِ فاشْتَرى حِمْلًا (p-100)
بِدِرْهَمٍ؛ فَتَوَجَّهَ بِهِ إلى السُّوقِ؛ فَكُلُّ مَن لَقِيَهُ مِنَ المَكّاسِينَ أخَذُوا مِنهُ بِطِّيخًا؛ فَدَخَلَ البَلَدَ وما مَعَهُ إلّا بِطِّيخَةٌ فَذَّةٌ؛ فَباعَها بِدِرْهَمٍ؛ ومَضى لِوَجْهِهِ؛ ورَأى أهْلَ البَلَدِ مَتْرُوكِينَ سُدًى؛ لا يَتَعاطى أحَدٌ سِياسَتَهُمْ؛ وكانَ قَدْ وقَعَ بِهِمْ وباءٌ عَظِيمٌ؛ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ المَقابِرِ؛ فَرَأى مَيْتًا يُدْفَنُ؛ فَتَعَرَّضَ لِأوْلِيائِهِ؛ فَقالَ: أنا أمِينُ المَقابِرِ؛ فَلا أدَعُكم تَدْفِنُونَهُ حَتّى تُعْطُونِي خَمْسَةَ دَراهِمَ؛ فَدَفَعُوها إلَيْهِ؛ ومَضى لِآخَرَ؛ وآخَرَ؛ حَتّى جَمَعَ في مِقْدارِ ثَلاثَةِ أشْهُرٍ مالًا عَظِيمًا؛ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أحَدٌ قَطُّ؛ إلى أنْ تَعَرَّضَ يَوْمًا لِأوْلِياءِ مَيْتٍ فَطَلَبَ مِنهم ما كانَ يَطْلُبُ مِن غَيْرِهِمْ؛ فَأبَوْا ذَلِكَ؛ فَقالُوا: مَن نَصَّبَكَ هَذا المَنصِبَ؟ فَذَهَبُوا بِهِ إلى فِرْعَوْنَ؛ فَقالَ: مَن أنْتَ؟ ومَن أقامَكَ بِهَذا المُقامِ؟ قالَ: لَمْ يُقِمْنِي أحَدٌ؛ وإنَّما فَعَلْتُ ما فَعَلْتُ لِيُحْضِرَنِي أحَدٌ إلى مَجْلِسِكَ؛ فَأُنَبِّهَكَ عَلى اخْتِلالِ قَوْمِكَ؛ وقَدْ جَمَعْتُ بِهَذا الطَّرِيقِ هَذا المِقْدارَ مِنَ المالِ؛ فَأحْضَرَهُ؛ ودَفَعَهُ إلى فِرْعَوْنَ؛ فَقالَ: ولِّنِي أُمُورَكَ؛ تَرَنِي أمِينًا كافِيًا؛ فَوَلّاهُ إيّاها؛ فَسارَ بِهِمْ سِيرَةً حَسَنَةً؛ فانْتَظَمَتْ مَصالِحُ العَسْكَرِ؛ واسْتَقامَتْ أحْوالُ الرَّعِيَّةِ؛ ولَبِثَ فِيهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا؛ وتَرامى أمْرُهُ في العَدْلِ والصَّلاحِ؛ فَلَمّا ماتَ فِرْعَوْنُ أقامُوهُ مَقامَهُ؛ فَكانَ مِن أمْرِهِ ما كانَ. وكانَ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ: رَيّانُ؛ وكانَ بَيْنَهُما أكْثَرُ مِن أرْبَعِمائَةِ سَنَةٍ.
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾: أيْ: يَبْغُونَكُمْ؛ مِن "سامَهُ خَسْفًا"؛ إذا أوْلاهُ ظُلْمًا؛ وأصْلُهُ: "الذَّهابُ في طَلَبِ الشَّيْءِ"؛ ﴿سُوءَ العَذابِ﴾: أيْ: أفْظَعَهُ؛ وأقْبَحَهُ بِالنِّسْبَةِ إلى سائِرِهِ؛ و"السُّوءُ": مَصْدَرٌ مِن "ساءَ؛ يَسُوءُ"؛ ونَصْبُهُ عَلى المَفْعُولِيَّةِ لِـ "يَسُومُونَكُمْ"؛ والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في "نَجَّيْناكُمْ"؛ أوْ مِن "آلِ فِرْعَوْنَ"؛ أوْ مِنهُما جَمِيعًا؛ لِاشْتِمالِها عَلى ضَمِيرَيْهِما.
﴿يُذَبِّحُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ﴾: بَيانٌ لِـ "يَسُومُونَكُمْ"؛ ولِذَلِكَ تُرِكَ العَطْفُ بَيْنَهُما؛ وقُرِئَ: "يَذْبَحُونَ"؛ بِالتَّخْفِيفِ؛ وإنَّما فَعَلُوا بِهِمْ ما فَعَلُوا لِما أنَّ فِرْعَوْنَ رَأى في المَنامِ؛ أوْ أخْبَرَهُ الكَهَنَةُ أنَّهُ سَيُولَدُ مِنهم مَن يَذْهَبُ بِمُلْكِهِ؛ فَلَمْ يَرُدَّ اجْتِهادُهم مِن قَضاءِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - شَيْئًا؛ قِيلَ: قَتَلُوا بِتِلْكَ الطَّرِيقَةِ تِسْعَمائَةِ ألْفِ مَوْلُودٍ؛ وتِسْعِينَ ألْفًا؛ وقَدْ أعْطى اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - نَفْسَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ القُوَّةِ عَلى التَّصَرُّفِ ما كانَ يُعْطِيهِ أُولَئِكَ المَقْتُولِينَ؛ لَوْ كانُوا أحْياءً؛ ولِذَلِكَ كانَتْ مُعْجِزاتُهُ ظاهِرَةً؛ باهِرَةً.
﴿وَفِي ذَلِكُمْ﴾:إشارَةٌ إلى ما ذُكِرَ مِنَ التَّذْبِيحِ؛ والِاسْتِحْياءِ؛ أوْ إلى الإنْجاءِ مِنهُ؛ وجَمْعُ الضَّمِيرِ لِلْمُخاطَبِينَ؛ فَعَلى الأوَّلِ مَعْنى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿بَلاءٌ﴾: مِحْنَةٌ؛ وبَلِيَّةٌ؛ وكَوْنُ اسْتِحْياءِ نِسائِهِمْ؛ أيِ اسْتِبْقائِهِنَّ عَلى الحَياةِ؛ مِحْنَةً - مَعَ أنَّهُ عَفْوٌ وتَرْكٌ لِلْعَذابِ - لِما أنَّ ذَلِكَ كانَ لِلِاسْتِعْمالِ في الأعْمالِ الشّاقَّةِ؛ وعَلى الثّانِي: نِعْمَةٌ؛ وأصْلُ "البَلاءُ": الِاخْتِبارُ؛ ولَكِنْ لَمّا كانَ ذَلِكَ في حَقِّهِ - سُبْحانَهُ - مُحالًا؛ وكانَ ما يُجْرى مُجْرى الِاخْتِبارِ لِعِبادِهِ؛ تارَةً بِالمِحْنَةِ؛ وأُخْرى بِالمِنحَةِ؛ أُطْلِقَ عَلَيْهِما. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُشارَ بِـ "ذَلِكُمْ" إلى الجُمْلَةِ؛ ويُرادُ بِالبَلاءِ القَدْرُ المُشْتَرَكُ الشّامِلُ لَهُما.
﴿عَظِيمٌ﴾: صِفَةٌ لِـ "بَلاءٌ"؛ وتَنْكِيرُهُما لِلتَّفْخِيمِ؛ وفي الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ ما يُصِيبُ العَبْدَ مِنَ السَّرّاءِ والضَّرّاءِ مِن قَبِيلِ الِاخْتِبارِ؛ فَعَلَيْهِ الشُّكْرُ في المَسارِّ؛ والصَّبْرُ عَلى المَضارِّ.
{"ayah":"وَإِذۡ نَجَّیۡنَـٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ یُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰلِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











