الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ يُذَبِّحُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكم وفي ذَلِكم بَلاءٌ مِن رَبِّكم عَظِيمٌ﴾ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرُوا إذْ نَجَّيْناكم، وهَذِهِ النِّعَمُ عَلى آَبائِهِمْ كانَتْ. وفي آَلِ فِرْعَوْنَ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم أهْلُ مِصْرَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: أهْلُ بَيْتِهِ خاصَّةً، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. والثّالِثُ: أتْباعُهُ عَلى دِينِهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. وهَلِ الآَلُ والأهْلُ بِمَعْنًى، أوْ يَخْتَلِفانِ؟ فِيهِ قَوْلانِ: وقَدْ شَرَحْتُ مَعْنى الآَلِ في كِتابِ "النَّظائِرِ" وفِرْعَوْنُ: اسْمٌ أعْجَمِيٌّ، وقِيلَ: هو لَقَبُهُ. وفي اسْمِهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: الوَلِيدُ بْنُ (p-٧٨)مُصْعَبٍ، قالَهُ الأكْثَرُونَ. والثّانِي: فَيَطُوسُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: مُصْعَبُ بْنُ الرَّيّانِ، حَكاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ. والرّابِعُ: مُغِيثٌ، ذَكَرَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ أيْ: يُوَلُّونَكم. يُقالُ: فَلانٌ يَسُومُكَ خَسْفًا، أيْ: يُوَلِّيكَ ذُلًّا واسْتِخْفافًا. وسُوءُ العَذابِ: شَدِيدُهُ. وكانَ الزَّجّاجُ يَرى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿يُذَبِّحُونَ أبْناءَكُمْ﴾ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: ﴿يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ﴾، وأبى هَذا بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، فَقالَ: قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُما في مَوْضِعٍ آَخَرَ، فَقالَ: ﴿يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ ويُذَبِّحُونَ أبْناءَكُمْ﴾ [ إبْراهِيمَ: ٦ ] وإنَّما سُوءُ العَذابِ: اسْتِخْدامُهم في أصْعَبِ الأعْمالِ، وقالَ: الفَرّاءُ: المَوْضِعُ الَّذِي طُرِحَتْ فِيهِ الواوُ، تَفْسِيرٌ لِصِفاتِ العَذابِ، والمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ الواوُ، يُبَيِّنُ أنَّهُ قَدْ مَسَّهم مِنَ العَذابِ غَيْرُ الذَّبْحِ، فَكَأنَّهُ قالَ: يُعَذِّبُونَكم بِغَيْرِ الذَّبْحِ وبِالذَّبْحِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ﴾ أيْ: يَسْتَبِقُونَ نِساءَكم، أيْ: بَناتَكم. وإنَّما اسْتَبَقُوا نِساءَهم لِلِاسْتِذْلالِ والخِدْمَةِ. وَفِي البَلاءِ هَهُنا قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ بِمَعْنى النِّعْمَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وأبُو مالِكٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ. والثّانِي: أنَّهُ النِّقْمَةُ، رَواهُ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ. فَعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ "ذا" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكُمْ﴾ عائِدًا عَلى سَوْمِهِمْ سُوءَ العَذابِ، وذَبْحِ أبْنائِهِمْ واسْتِحْياءِ نِسائِهِمْ، وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يُعُودُ عَلى النَّجاةِ مِن آَلِ فِرْعَوْنَ. قالَ أبُو العالِيَةِ: وكانَ السَّبَبُ في ذَبْحِ الأبْناءِ، أنَّ الكَهَنَةَ قالَتْ لِفِرْعَوْنَ: سَيُولَدُ العامُ بِمِصْرَ غُلامٌ يَكُونُ هَلاكُكَ عَلى يَدَيْهِ، فَقَتَلَ الأبْناءَ. قالَ الزَّجّاجُ: فالعَجَبُ مِن حُمْقِ فِرْعَوْنَ، إنْ كانَ الكاهِنُ عِنْدَهُ صادِقًا، فَما يَنْفَعُ القَتْلُ؟! وإنْ كانَ كاذِبًا؛ فَما مَعْنى القَتْلِ؟!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب