الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ﴾، مَوْضِعُ ”إذْ“: نَصْبٌ، كَأنَّهُ قالَ: ”واذْكُرُوا إذْ نَجَّيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ“، و”آلِ فِرْعَوْنَ“: أتْباعِهِ، ومَن كانَ عَلى دِينِهِ، وكَذَلِكَ ”آلُ الأنْبِياءِ“ - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: مَن كانَ عَلى دِينِهِمْ، وكَذَلِكَ قَوْلُنا: ”صَلّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ“، مَعْنى ”آلِهِ“: مَنِ اتَّبَعَهُ مِن أهْلِ بَيْتِهِ، وغَيْرِهِمْ، ومَعْنى خِطابِهِمْ هَهُنا: تَذْكِيرُهم بِالنِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ في أسْلافِهِمْ، كَما وصَفْنا. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ﴾، مَعْنى ”يَسُومُونَكم“، في اللُّغَةِ: يُولُونَكُمْ، ومَعْنى ”سُوءَ العَذابِ“: شَدِيدَ العَذابِ، وإنْ كانَ العَذابُ كُلُّهُ سُوءًا، فَإنَّما نُكِّرَ في هَذا المَوْضِعِ لِأنَّهُ أبْلَغُ ما يُعامَلُ بِهِ مَرْعِيٌّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: ”سُوءَ العَذابِ“، أيْ: ما يَبْلُغُ في الإساءَةِ ما لا غايَةَ بَعْدَهُ، وفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يُذَبِّحُونَ أبْناءَكُمْ﴾، والقِراءَةُ المُجْمَعُ عَلَيْها: ”يُذَبِّحُونَ“، بِالتَّشْدِيدِ، ورِوايَةٌ شاذَّةٌ: ”يَذْبَحُونَ أبْناءَكم“، والقِراءَةُ المُجْمَعُ عَلَيْها أبْلَغُ، لِأنَّ ”يُذَبِّحُونَ“، لِلتَّكْثِيرِ، و”يَذْبَحُونَ“، يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ لِلْقَلِيلِ، ولِلْكَثِيرِ، فَمَعْنى التَّكْثِيرِ هَهُنا أبْلَغُ، و”أبْناءَكم“: جَمْعُ ”اِبْنٌ“، والأصْلُ كَأنَّهُ إنَّما جَمَعَ ”بَنَيٌ“، و”بَنَوٌ“، ويُقالُ: ”اِبْنٌ بَيِّنُ البُنُوَّةِ“، فَهي تَصْلُحُ أنْ تَكُونَ ”فَعَلٌ“، و”فِعْلٌ“، كَأنَّهُ أصْلُهُ ”بَنايَةٌ“، والَّذِينَ قالُوا: ”بَنُونَ“، كَأنَّهم جَمَعُوا ”بَنَيًا“: ”بَنُونَ“، فَـ”أبْناءُ“، جَمْعُ ”فَعَلٌ“، و”فِعْلٌ“ . و”بِنْتٌ“، يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَسْتَقِيمُ أنْ يَكُونَ ”فِعْلًا“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”فَعَلٌ“، نُقِلَتْ إلى ”فِعْلٌ“، كَما نُقِلَتْ ”أُخْتٌ“، مِن ”فَعَلٌ“، إلى ”فُعْلٌ“، فَأمّا ”بَناتٌ“، فَهو لَيْسَ بِجَمْعِ ”بِنْتٌ“، عَلى لَفْظِها، إنَّما رُدَّتْ إلى أصْلِها، فَجُمِعَتْ ”بَناتٌ“، عَلى أنَّ الأصْلَ في ”بِنْتٌ“: ”فِعْلَةٌ“، كَأنَّها مِمّا حُذِفَتْ لامُهُ، (p-١٣١)والأخْفَشُ يَخْتارُ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ مِن ”اِبْنٌ“: اَلْواوَ، قالَ: لِأنَّ أكْثَرَ ما تُحْذَفُ الواوُ بِثِقَلِها، والياءُ تُحْذَفُ أيْضًا لِلثِّقَلِ، قالَ أبُو إسْحاقَ: والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّ ”يَدًا“، قَدْ أجْمَعُوا عَلى أنَّ المَحْذُوفَ مِنهُ الياءُ، ولَهم دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلى الإجْماعِ، يُقالَ: ”يَدَيْتُ إلَيْهِ يَدًا“، و”دَمٌ“، مَحْذُوفٌ مِنهُ الياءُ، يُقالُ: ”دَمٌ“، و”دَمَيانِ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎فَلَوْ أنّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنا ∗∗∗ جَرى الدَّمَيانِ بِالخَبَرِ اليَقِينِ و”اَلْبُنُوَّةُ“، لَيْسَتْ بِشاهِدٍ قاطِعٍ في الواوِ، لِأنَّهم يَقُولُونَ: ”اَلْفُتُوَّةُ“، و”اَلْفَتَيانِ“، في التَّثْنِيَةِ، قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ﴾ [يوسف: ٣٦]، فَـ”اِبْنٌ“، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ مِنهُ الواوَ، أوِ الياءَ، وهُما عِنْدِي مُتَساوِيانِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَفِي ذَلِكم بَلاءٌ مِن رَبِّكم عَظِيمٌ﴾، (p-١٣٢)يَعْنِي: في النَّجاةِ مِن آلِ فِرْعَوْنَ، و”اَلْبَلاءُ“، هَهُنا: اَلنِّعْمَةُ، يُرْوى عَنِ الأحْنَفِ أنَّهُ قالَ: ”اَلْبَلاءُ، ثُمَّ الثَّناءُ“، أيْ: اَلْإنْعامُ، ثُمَّ الشُّكْرُ، قالَ زُهَيْرٌ: ؎جَزى اللَّهُ بِالإحْسانِ ما فَعَلا بِنا ∗∗∗ وأبْلاهُما خَيْرَ البَلاءِ الَّذِي يَبْلُو وَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنهُ بَلاءً حَسَنًا﴾ [الأنفال: ١٧]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب