الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ الآية، معنى (ما) هاهنا: إيجاب [[في (ح): (لإيجاب).]] العذاب عليهم، ومخرجها مخرج الاستفهام، وهو أبلغ في معنى الإيجاب، أي: لا جواب لمن سأل عن مثل هذا يصح في نفي العذاب عنهم، والمعنى: لم لا يعذبهم الله وهذا فعلهم [[قال أبو حيان في "البحر المحيط" 4/ 490: الظاهر أن (ما) استفهامية، أي: أي شيء لهم في انتفاء العذاب، وهو استفهام معناه التقرير، أي: كيف لا يعذبهم وهم يتصفون بهذه الحالة، وقيل (ما) للنفي، فيكون إخبارًا، أي: وليس لهم أن لا يعذبهم الله، أي ليس ينتفي العذاب عنهم مع تلبسهم بهذه الحال.]]؟ وموضع (أن) في قوله: (ألا) نصب على معنى: أي شيء في ألاّ يعذبهم الله، إلا أنه لما حذف الجار عمل معنى الفعل. قال ابن عباس في رواية عطاء في قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ يريد المقيمين على الشرك حتى ماتوا أو قتلوا ببدر [[رواه بنحوه ابن أبي حاتم 5/ 1693، وانظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 339.]]، وكذلك قال عطية [[رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 328.]]، والضحاك [[رواه ابن جرير 9/ 234 - 235، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 383.]]، والكلبي [[لم أقف عليه.]]، وغيرهم [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 234 - 235]] قالوا: قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ يعني: المشركين خاصة بعد خروج من عنى بقوله: (وهم يستغفرون) من بينهم. واختلفوا في هذا العذاب، فقيل: لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر [[رواه ابن جرير 9/ 237، وابن أبي حاتم 5/ 1693، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 381، عن ابن عباس.]]، وقال ابن أبزى [[هو: سعيد بن عبد الرحمن. تقدمت ترجمته.]]: هذا العذاب لحقهم يوم فتح مكة [[رواه ابن جرير 9/ 234 ، وابن أبى حاتم 5/ 1693.]]، وقال ابن عباس: هذا عذاب الآخرة، والذي في الآية الأولى: عذاب الدنيا [[رواه ابن جرير 9/ 235.]] وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [قال أبو إسحاق: مفعول الصد محذوف، المعنى: وهم يصدون عن المسجد الحرام أولياءه [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 412، ولم يذكر أبو إسحاق الزجاج أن المفعول محذوف، بل ذكر المعنى مباشرة، فلعل الواحدي عبر عما فهمه من عبارة الزجاج، أو أن هناك سقطًا في بعض النسخ، ويرجح الأول أن ابن الجوزي نقل قول الزجاج في "زاد المسير" 3/ 352، ولم يذكر ما ذكره الواحدي.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (س).]]، وقال الكلبي: صدوا النبي ﷺ وأصحابه أن يطوفوا، قال ابن إسحاق: أي: إياك ومن آمن بك [["السيرة النبوية" 2/ 366، ونص قول ابن إسحاق: أي من آمن بالله وعبده، أي أنت ومن اتبعك.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾ قال الحسن: إن المشركين قالوا: نحن أولياء المسجد الحرام؛ فرد الله عليهم [[رواه البغوي 3/ 354، وانظر: "زاد المسير" 3/ 352، و"الوسيط" 2/ 458.]]، وقال الكلبي: وما كانت قريش أولياء المسجد الحرام، إن أولياء المسجد إلا [[ساقط من (م).]] المتقون الكفر والشرك والفواحش [[رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 181، عن الكلبي، عن ابن عباس، وهو في "تفسير السمرقندي" 2/ 16 مختصرًا.]]، وأوجز أبو علي القول في معنى الآيتين فقال في قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾: أي: عذاب الاستئصال؛ لأن أمم الأنبياء إذا أُهلكوا [[في (م) و (س): (هلكوا). وما أثبته موافق لما في "الحجة".]] لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ [الدخان: 21]، وقال: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ [هود: 81]، الآية، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلون، ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ أي: بالسيف في [[ساقط من (ح).]] صدهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن يكون لهم عليه [[في (س): (عليهم)، وكذلك هو في "الحجة"، وأثبت ما في (ح) و (م) لأنه أصح في المعنى ولأن به يستقيم معنى قول الواحدي: وهذا معنى قوله (وما كانوا أولياءه).]] ولاية [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 348.]] ، وهذا معنى قوله: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾ وهذا العذاب غير الأول، وإنما هو عذاب بالسيف، وليس بانتقام عام شامل كالأول. وقال عطاء عن ابن عباس: وما كانوا للنبي بأولياء [[سبق بيان وهاء هذه الرواية، وهذا القول لا يدل عليه السياق إذ ليس للنبي ﷺ ذكر في هذه الآيات بضمير الغائب، وللمفسرين في عود هاء الكناية في هذه الكلمة قولان: 1 - أنها ترجع إلى المسجد، وهو الراجح لأنه أقرب مذكور، وقد نسب ابن الجوزي 3/ 352 هذا القول إلى الجمهور، واختاره الثعلبي 6/ 58/ ب، والبغوي 3/ 354، والزمخشري 2/ 156، وابن كثير 2/ 339. والمعنى: وما كان المشركون أولياء المسجد الحرام وأهله، وإنما أولياؤه المتقون وهم النبي ﷺ ومن آمن به. 2 - أنها ترجع إلى الله تعالى، وهذا اختيار ابن جرير 9/ 239. والمعنى: وما كان المشركون أولياء الله.]]، ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ يريد: المهاجرين والأنصار، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يريد: غيب علمي، وما سبق في قضائي وقدرتي [[لم أجد أحدًا ذهب إلى هذا المعنى، ولا دلالة في الآية عليه، والذي عليه المفسرون أن المعنى: ولكن أكثرهم لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، أو لا يعلمون أن أولياء المسجد هم المتقون، انظر: " تفسير ابن جرير" 9/ 239، وابن الجوزي 3/ 352، وأبي السعود 4/ 20، وذهب السمرقندي 2/ 16 إلى أن المعنى: لا يعلمون توحيد الله.]]. وقول من قال: إن هذه الآية ناسخة للآية التي قبلها، ليس بشيء، وهذا يروى عن الحسن وعكرمة [[أخرجه عنهما ابن جرير 9/ 238، ورواه عن الحسن جمع من المفسرين منهم النحاس في: "الناسخ والمنسوخ" 2/ 381، والثعلبي 6/ 58 ب، والبغوي 3/ 354.]]، وقال أهل العلم وأصحاب المعاني: هذا غلط؛ لأن الخبر لا ينسخ [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 238، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 381، و"المحرر الوجيز" 6/ 286.]]. وذكر أبو إسحاق الزجاج معنى آخر لهذه الآية هو أليق بما قبلها وهو أنه قال في قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾: المعنى: وأي شيء لهم في ترك العذاب، أي في دفعه عنهم ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 412.]]. ومعنى هذا الكلام: وأي شيء لهم في ترك عذابهم، أي: إنا وإن تركنا عذابهم يكفيهم من الخسارة في حالتهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام، وأنهم حرموا موالاة محمد ﷺ ولو أراد الله بهم خيرًا ما فعلوا ذلك [[هذا فهم الواحدي لعبارة الزجاج، والذي أراه أن الزجاج لم يقصد هذا المعنى، وإنما مراده: وأي شيء يدفع عنهم العذاب وهم يصدون عن المسجد الحرام. ويدل على هذا المعنى كلامه اللاحق، فقد قال بعد تفسير الآية: فأعلم الله النبي ﷺ أنه لم يكن ليعذبهم بالعذاب الذي وقع بهم من القتل والسبي وهو بين أظهرهم، ولا ليوقع ذل العذاب بمن يؤول أمره إلى الإسلام منهم، وأعلمه أنه يدفع العذاب من جملتهم الذي أوقعه بهم. "معانى القرآن وإعرابه" 2/ 412، فالجملة الأخيرة تفسير لقوله السابق الذي ذكره الواحدي.]]. وشرح صاحب النظم المذهبين في قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ شرحًا شافيًا فقال: قوله [[ساقط من (س).]]: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ أصحاب العربية اختلفوا في معنى هذه الكلمة وفي قولهم: ما لزيد قائمًا؟ فزعم بعضهم أن قولك: مالك وما لزيد؟ استفهام عن حال أنكرتها، فإذا قلت: ما لزيد قائمًا؟ فكأنك قلت: ما له في القيام؟ أي: أي شيء [له فيه من نفع أو غيره؟ وهذا وجه قول الزجاج [[يعني قول الزجاج في تفسير الآية: المعنى: أي شيء لهم في ترك العذاب، و"معاني القرآن وإعرابه" 2/ 412.]]، قال: وقال بعضهم: إن قولك: (مالك)، مثل قولك: (لم)، وأصل (لم): (لما)، أي: لأي شيء] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح)]] كان هذا؟ إلا أنهم إذا جعلوا (ما) مع حرف الصفة في موضع الاستفهام حذفوا ألف (ما) مثل قوله عز وجل: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ: 1]، و ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ [النازعات: 43]، و ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2]. ثم إنهم قدموا (ما) وأخروا اللام، واللام [[ساقط من (س).]] لا تقوم بنفسها إلا مضافة إلى شيء، فلما تأخرت هاهنا أضافوها إلى [[ساقط من (ح).]] الاسم المستفهم عنه، فقالوا: مالك قائمًا؟ بمعنى: لم قمت؟ أو لم أنت قائم؟ واحتجوا بقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا﴾ [ص: 62] بمعنى: لم لا نرى رجالًا؟ فإذا أضفت اللام إلى المستفهم عنه لم يحتج إلى فعل لدلالة النعت بانتصابه على الفعل مثل قولك: مالك قائمًا؟ وإذا أضفت اللام إلى نفسك وأنت مستفهم فلابد من إظهار فعل يدل على الاستفهام مثل قولك: مالي أراك قائمًا؟، كما قال تعالى: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ [النمل: 20]، ولا يجوز: مالي قائمًا؟ وأنت تريد أن تستفهم عن غيرك، فإن أنت [[ساقط من (م) و (س).]] عنيت نفسك جاز، مثل قولك: مالي ضعيف؟ أي: لِمَ أنا ضعيف؟ فقوله عز وجل: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: 34] يكون معناه على ما رتبنا: لم لا يعذبهم الله؟ إلا أن اللام منقولة عن موضعها إلى غيره [[سبق قول أبي علي الجرجاني: ثم إنهم قدموا (ما) وأخروا اللام واللام لا تقوم بنفسها إلا مضافة إلى شيء اهـ، وهو يعني هنا: أن اللام في قوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ﴾ نقلت عن موضعها وأخرت عن (ما) إذا الأصل: لِمَ، ثم أضيفت اللام إلى الاسم المستفهم عنه فصارت الكلمة: مالهم، ثم زيدت (أنَ)، فإذا أعدنا الكلمة إلى أصلها، وحذفنا الزيادة، صارت الجملة: لم لا يعذبهم.]]، و (أن) في قوله: ﴿أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ زيادة مقحمة [[ذهب الأخفش في "معاني القرآن" 1/ 349 أيضًا إلى القول بزيادة (أن) وقد رد عليه النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 675 بقوله: لو كان كما قال لرفع (يعذبهم) و (أن) في موضع نصب، والمعنى: وما يمنعهم من أن يعذبوا، فدخلت (أن) لهذا المعنى اهـ. والجدير بالتنبيه أن قول بعض النحاة عن شيء في كتاب الله: زيادة مقحمة، مما ينافي الأدب مع القرآن إذ العبارة توحي بأن هذا اللفظ مما لا فائدة له، والحق أنه ما من لفظ في كتاب الله إلا جيء به لمعنى، كالتوكيد أو الإشارة إلى معنى خفى.]]، ألا ترى أنه قال في موضع آخر: ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الانشقاق: 20] بلا (أن)، وقال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ [الصافات: 104]، فزاد (أن)، ومنه قول الشاعر [[لم يتبين لي من هو، والرجز بلا نسبة في "تهذيب اللغة" (غرب) 3/ 3643. و"لسان العرب" (غرب) 6/ 3228.]]: مالك لا تذكر أم عمرو ... إلا لعينيك غروب تجري ولو قال: مالك أن لا تذكر كان (أن) زيادة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب