الباحث القرآني

ولَمّا كانَ هَذا لَيْسَ نَصًّا في اسْتِحْقاقِهِمُ العَذابَ، قالَ تَعالى عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ولَيُعَذِّبَنَّهُمُ اللَّهُ إذْ هاجَرْتَ عَنْهم ولَمْ يُؤْمِنُوا فَيَسْتَغْفِرُوا: ﴿وما لَهُمْ﴾ قالَ أبُو حَيّانَ: الظّاهِرُ أنَّ ”ما“ اسْتِفْهامِيَّةٌ، أيْ: أيُّ شَيْءٍ لَهم في انْتِفاءِ العَذابِ، وهو اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّقْرِيرُ، أيْ: كَيْفَ لا يُعَذَّبُونَ وهم مُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْعَذابِ وهي صَدُّهُمُ المُؤْمِنِينَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ ولَيْسُوا بِوُلاةِ البَيْتِ. انْتَهى. وتَقْدِيرُ الكَلامِ: وأيُّ حَظٍّ لَهم في ﴿ألا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ كَمالُ العِزِّ والعَظَمَةِ عَلى (p-٢٧٣)الظّالِمِ والإكْرامُ والرِّفْقُ بِالطّائِعِ عاجِلًا ﴿وهُمْ﴾ أيْ: والحالُ أنَّهم مُسْتَحِقُّونَ لِلْعَذابِ فَهو واقِعٌ بِهِمْ لا مَحالَةَ وإنْ تَأخَّرَ مُدَّةُ إبّانِهِ وأبْطَأ عَنْهم أوانُهُ وُقُوعًا يُنْسِيهِمْ ما نالُوهُ مِنَ اللَّذّاتِ وإنْ عَظُمَ عِنْدَهم شَأْنُها وامْتَدَّ طَوِيلًا زَمانُها؛ لِأنَّهم ﴿يَصُدُّونَ﴾ أيْ: يُوجِدُونَ الصَّدَّ ﴿عَنِ المَسْجِدِ﴾ أيْ: مَن أرادَ تَعْظِيمَهُ بِالصَّلاةِ الَّتِي وُضِعَ المَسْجِدُ لَها وغَيْرِها ﴿الحَرامِ﴾ أيِ: العَظِيمِ حُرْمَتُهُ عِنْدَ كُلِّ أحَدٍ فَلا اخْتِصاصَ بِهِ لِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ، أيْ: شَأْنُهم فِعْلُ حَقِيقَةِ الصَّدِّ في الماضِي والحالِ والمَآلِ، لا يَنْفَكُّونَ عَنْ ذَلِكَ، كَما كانُوا يَمْنَعُونَ مَن شاؤُوا مِن دُخُولِ البَيْتِ ويَقُولُونَ: نَحْنُ وُلاتُهُ، نَفْعَلُ ما نَشاءُ، ويَصُدُّونَ المُؤْمِنِينَ عَنِ الطَّوافِ بِهِ بِالتَّعْذِيبِ والفِتْنَةِ وصَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ومَن مَعَهُ بِالإخْراجِ ثُمَّ صَدُّوهم عامَ الحُدَيْبِيَةِ عَنِ الوُصُولِ إلى البَيْتِ وعامَ عُمْرَةِ القَضِيَّةِ عَنِ الإقامَةِ بَعْدَ الثَّلاثَةِ الأيّامِ ﴿وما﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهم ذَلِكَ لِأنَّهم ما ﴿كانُوا أوْلِياءَهُ﴾ أيْ: أهْلًا لِوِلايَتِهِ بِحَيْثُ إنَّ صَدَّهم رُبَّما يَقَعُ مَوْقِعَهُ؛ رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ «عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ أبُو جَهْلٍ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] فَنَزَلَتْ: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] إلى ﴿عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾» . ولَمّا نَفى عَنْهُمُ الوِلايَةَ. ذَكَرَ أهْلَها فَقالَ. ﴿إنْ﴾ أيْ: ما ﴿أوْلِياؤُهُ﴾ أيْ: بِالِاسْتِحْقاقِ ﴿إلا المُتَّقُونَ﴾ أيِ: العَرِيقُونَ في هَذا الوَصْفِ بِما يَجْعَلُونَ (p-٢٧٤)بَيْنَهم وبَيْنَ سَخَطِ اللَّهِ مِن وقاياتِ الطّاعاتِ، لا كُلُّ مَن آمَنَ بَلْ خاصَّةُ المُؤْمِنِينَ، وهم لَيْسُوا كَذَلِكَ لِتَلَبُّسِهِمُ الآنَ بِالكُفْرِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: لَيْسَ لَهم عِلْمٌ بِالأُمُورِ لِيُمَيِّزُوا بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ والمُتَّقِي والفاسِقِ وحُسْنِ العَواقِبِ وسَيِّئِها، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالأكْثَرِ إعْلامًا بِأنَّ فِيهِمُ المُعانِدَ، ولِأنَّهُ كانَ مِنهم مَن آمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصارَ مِن أُولِي العِلْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب