الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال أهل المعاني: (هذا أمر من الله تعالى لنبيه ﷺ بسؤال قومه، وذلك أن السؤال يبعث النفس على طلب الجواب وتبين ما سئل عنه) [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 154، و"الرازي" 12/ 164.]]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ قال صاحب النظم: (جاء السؤال والجواب من جهة واحدة، وهو محمول على أنه لما أنزل: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قيل لهم ذلك كما أمر به وأنهم أجابوا وقالوا: فلمن هو؟ فجاء الجواب: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾، فهذا جواب عن سؤال مضمر دل عليه الكلام) [[ذكره الكرماني في "غرائب التفسير" 1/ 354، والسمين في "الدر" 4/ 549، عن صاحب النظم، وهو قول أحمد بن فارس في "الصاحبي" ص 391، وقال السمين: (هذا قول بعيد؛ لأنهم لم يكونوا يشكون في أنه هو الله، وإنما هذا سؤال تبكيت وتوسخ، ولو أجابوا لم يسعهم أن يجيبوا إلا بذلك) ا. هـ وأكثرهم على أن ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ أمر بالجواب عقيب السؤال نيابة عنهم تقريرا لهم وتنبيهًا على أن الجواب متعين بالاتفاق، ولأنه أبلغ في التأثير، وآكد في الحجة. انظر: الطبري في "تفسيره" 7/ 154، والبغوي في "تفسيره" 3/ 130، والزمخشري في "تفسيره" 2/ 7، وابن == عطية في "تفسيره" 5/ 136، والرازي في "تفسيره" 12/ 164، و"البحر" 4/ 81.]]. وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ قال ابن عباس: (قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 14، وابن الجوزي 3/ 9.]]. وقال أهل المعاني: (8) أخبر عن عظم ملكه بأن له ما في السموات والأرض ذكر أنه أوجب على نفسه الرحمة؛ تلطفًا في الاستدعاء إلى الإنابة، واستعطافًا للمتولين عنه إلى الإقبال إليه). [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 155، و"معاني القرآن" للزجاج 2/ 231، و"تفسير البغوي" 3/ 130.]] وقوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، الأكثرون على أن هذا ابتداء كلام، واللام فيه لام قسم مضمر، كأنه: والله ليجمعنكم [[أي جواب قسم محذوف، والجملة لا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلقت به من حيث المعنى، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 7/ 157، وابن عطية 5/ 139، والسمين في "الدر" 4/ 550، وابن هشام في "المغني" 2/ 407.]]، وجعل الزجاج ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ متصلًا بما قبل فقال في معنى قوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: (الله عز وجل تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم به وإقدامهم على كبائر ما نهى عنه، بأن أنظرهم وعمَّرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كتبه على نفسه الرحمة) [["معاني الزجاج" 2/ 231 - 232.]]. وعلى هذا قوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ يكون موضعه [نصبا] [[لفظ: (نصبا)، ساقط من (أ).]] بدلاً من ﴿الرَّحْمَةَ﴾، وذلك أنه مفسر للرحمة بالإمهال ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. وذكر الفراء المذهبين [["معاني الفراء" 1/ 328، ونحوه قال الزجاج 2/ 232، وانظر: "إعراب النحاس" 1/ 538، و"التبيان" 1/ 325، و"الفريد" 2/ 125.]] جميعًا فقال: (إن شئت جعلت ﴿الرَّحْمَةَ﴾ غاية الكلام ثم استأنفت بعدها ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، وإن شئت [جعلته] [[(جعلته)، ساقط من (ش).]] في موضع نصب كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ﴾ الآية [الأنعام: 54]. وعلى هذا يكون قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ جوابًا لقوله: ﴿كُتِبَ﴾؛ لأنه بمعنى أوجب، والقسم يوجب كما يوجب ﴿كُتِبَ﴾، فلما كان معنى قوله: ﴿كُتِبَ﴾، مثل معنى القسم حمل الجواب على معنى القسم، قاله الجرجاني [[لم أقف عليه، وهذا القول هو ظاهر كلام الأخفش في "معانيه" 2/ 261، وابن الأنباري في "البيان" 1/ 315، وانظر: "المشكل" 1/ 246، والرازي في "تفسيره" 12/ 165، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 395، و"البحر" 4/ 82.]]. وقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [قال الزجاج] [[(قال الزجاج): ساقط من (ش).]]: (معناه: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول: قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي: ضممت بينهم في الجمع) [["معاني الزجاج" 2/ 232.]]. وقال صاحب النظم: (التأويل: ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة، وقوله: ﴿إِلَى﴾ دليل على معنى التأخير في الجمع إلى هذا اليوم) [[لم أقف عليه. و (إلى) لها عدة معانٍ، كما في "حروف المعاني" للزجاجي ص 65، و"معاني الحروف" للرماني ص 115، و"المغني" لابن هشام 1/ 74، والأظهر هنا قول الجمهور أنها على بابها للغاية، أي: ليجمعنكم منتهين إلى يوم القيامة. وقيل: هي بمعنى في، وقيل: بمعنى اللام، وقيل: زائدة. انظر: البغوي في "تفسيره" 3/ 131، وابن عطية في "تفسيره" 5/ 139، والرازي في "تفسيره" 12/ 166، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 395، و"البحر" 4/ 82، و"الدر المصون" 4/ 550.]]، وهذا القول غير ما قال الزجاج في ﴿إِلَى﴾. وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: بالشرك بالله أوبقوا أنفسهم، وكانوا كمن خسر شيئًا يهلكه. واختلفوا في إعراب ﴿الَّذِينَ﴾، فزعم الأخفش [["معاني الأخفش" 2/ 269، وهو قول الطبري في "تفسيره" 11/ 281.]]: (أن موضعه نصب على البدل من الضمير في: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، والمعنى: ليجمعن هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾) [[هنا وقع اضطراب في نسخة (أ) ص 102 حيث جاء باقي التفسير في 103 ب.]]. قال أبو إسحاق: (والذي عندي أن قوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في موضع رفع على الابتداء، وخبره: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ لأن قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على الجميع، على ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ وغيرهم [["معاني الزجاج" 2/ 232، وهو اختيار أكثرهم. انظر: "إعراب النحاس" 1/ 538، و"المشكل" 1/ 247، و"غرائب الكرماني" 1/ 354، و"البيان" 1/ 315، و"التبيان" 1/ 325. وقال الهمداني في "الفريد" 2/ 126: (هذا فيه تأخير السبب وتقديم المسبب، فالأحسن كونه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، والفاء على هذا للعطف) ا. هـ. بتصرف. وأكثرهم ضعف الوجه الأول؛ لأن القاعدة العامة عند النحاة ألا يبدل مظهر من مضمر بدل كل من غير إحاطة وشمول، وقوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على سائر الخلق الذين خسروا أنفسهم، فلا وجه لاختصاصه بهم، ولا يقال: رأيتك زيدًا على البدل؛ لأن ضمير المخاطب في غاية الوضوح، فلا حاجة إلى البدل منه، أفاده الهمداني في "الفريد" 2/ 126، و"السمين" 4/ 551. وانظر: "الكتاب" 2/ 385 - 389، و"المقتضب" 4/ 295 - 298، و"الأصول" 2/ 304 - 305، و"المقرب" 1/ 242، و"البحر" 4/ 82.]]. والفاء في قوله ﴿فَهُمْ﴾ [[ذكر هذا القول كل من رجح قول الزجاج. وانظر: "تفسير ابن عطية" 6/ 13، والرازي 12/ 166.]] تضمن [[في (ش): (يتضمن).]] معنى الشرط والجزاء كقولهم: الذي يكرمني فله درهم، دخلت الفاء؛ لأن الدرهم وجب بالإكرام، فكأن الإكرام شرطًا والدرهم، جزاء، كما تقول: من يأتني فله درهم [[الفاء تربط شبه الجواب بشبه الشرط، فيجوز دخول الفاء في خبر الموصول. انظر: "معاني الأخفش" 1/ 187، و"الأصول" 2/ 272، و"المغني" 1/ 165.]]. ويجوز أن يقال: إن الفاء زائدة، فإنها تزاد في مواضع، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم [[انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية 171 ب و1/ 223 أ.]]. من ذلك قولهم: زيدًا فاضرب، وقوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾ [المدثر:4: 5]، الفاء هاهنا زائدة [[هذا قول ابن جني في "سر صناعة الإعراب" 1/ 258 - 260، بتصرف واختصار، وأكثرهم على أن الفاء في ﴿فَهُمْ﴾ رابطة وليست زائدة، وقد اختلف في زيادة الفاء فأجازه الرماني في "معاني الحروف" ص 43 - 47 وابن هشام في "المغني" 1/ 165 - 166. وقال ابن هشام في "الإعراب عن قواعد الإعراب" ص 198 - 109: (وينبغي أن يتجنب المعرب أن يقول في حرف في كتاب الله تعالى إنه زائد؛ لأنه يسبق إلى الأذهان أن الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام الله سبحانه منزه عن ذلك، والزائد عند النحويين معناه الذي لم يؤت به إلا لمجرد التقوية والتوكيد لا المهمل، وكثير من المتقدمين يسمون الزائد صلة، وبعضهم يسميه لغوًا، لكن اجتناب هذه العبارة في التنزيل واجب) ا. هـ. وانظر: "البرهان" للزركشي 1/ 305، و"الدر المصون" 5/ 263، و"موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب" لخالد الأزهري ص 167 - 170.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب