الباحث القرآني
﴿قُلْ﴾ لَهم بِطَرِيقِ الإلْجاءِ (p-115)والتَّبْكِيتِ.
﴿لِمَن ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِنَ العُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ؛ أيْ: لِمَنِ الكائِناتُ جَمِيعًا خَلْقًا ومُلْكًا وتَصَرُّفًا.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ تَقْرِيرٌ لَهم وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ المُتَعَيَّنُ لِلْجَوابِ بِالِاتِّفاقِ، بِحَيْثُ لا يَتَأتّى لِأحَدٍ أنْ يُجِيبَ بِغَيْرِهِ، كَما نَطَقَ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ .
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ داخِلَةٌ تَحْتَ الأمْرِ، ناطِقَةٌ بِشُمُولِ رَحْمَتِهِ الواسِعَةِ لِجَمِيعِ الخَلْقِ، شُمُولَ مُلْكِهِ وقدرته لِلْكُلِّ، مَسُوقَةٌ لِبَيانِ أنَّهُ تَعالى رَءُوفٌ بِعِبادِهِ لا يُعَجِّلُ عَلَيْهِمْ بِالعُقُوبَةِ، ويَقْبَلُ مِنهُمُ التَّوْبَةَ والإنابَةَ.
وَأنَّ ما سَبَقَ ذِكْرُهُ وما لَحِقَ مِن أحْكامِ الغَضَبِ لَيْسَ مِن مُقْتَضَياتِ ذاتِهِ تَعالى، بَلْ مِن جِهَةِ الخَلْقِ، كَيْفَ لا ومِن رَحْمَتِهِ أنْ خَلَقَهم عَلى الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وهَداهم إلى مَعْرِفَتِهِ وتَوْحِيدِهِ بِنَصْبِ الآياتِ الأنْفُسِيَّةِ والآفاقِيَّةِ، وإرْسالِ الرُّسُلِ، وإنْزالِ الكُتُبِ المَشْحُونَةِ بِالدَّعْوَةِ إلى مُوجِباتِ رِضْوانِهِ، والتَّحْذِيرِ عَنْ مُقْتَضَياتِ سُخْطِهِ، وقَدْ بَدَّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وأعْرَضُوا عَنِ الآياتِ بِالمَرَّةِ، وكَذَّبُوا بِالكُتُبِ، واسْتَهْزَءُوا بِالرُّسُلِ، وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ.
وَلَوْلا شُمُولُ رَحْمَتِهِ لِسَلَكَ بِهَؤُلاءِ أيْضًا مَسْلَكَ الغابِرِينَ، ومَعْنى كَتَبَ الرَّحْمَةَ عَلى نَفْسِهِ: أنَّهُ تَعالى قَضاها وأوْجَبَها بِطَرِيقِ التَّفَضُّلِ والإحْسانِ عَلى ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ بِالذّاتِ، لا بِتَوَسُّطِ شَيْءٍ أصْلًا.
وَقِيلَ: ما رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: " لَمّا قَضى اللَّهُ تَعالى الخَلْقَ كَتَبَ في كِتابٍ، فَهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي "» .
وَعَنْهُ في رِوايَةٍ أنَّهُ ﷺ قالَ: " «لَمّا قَضى اللَّهُ تَعالى الخَلْقَ كَتَبَ كِتابًا، فَهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» " .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِكَعْبٍ: " ما أوَّلُ شَيْءٍ ابْتَدَأهُ اللَّهُ تَعالى مِن خَلْقِهِ "، فَقالَ كَعْبٌ: كَتَبَ اللَّهُ كِتابًا لَمْ يَكْتُبْهُ بِقَلَمٍ ولا مِدادٍ، كِتابَةَ الزَّبَرْجَدِ واللُّؤْلُؤِ والياقُوتِ: إنِّي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا، سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» .
وَمَعْنى سَبْقِ الرَّحْمَةِ وغَلَبَتِها: أنَّها أقْدَمُ تَعَلُّقًا بِالخَلْقِ وأكْثَرُ وُصُولًا إلَيْهِمْ، مَعَ أنَّها مِن مُقْتَضَياتِ الذّاتِ المُفِيضَةِ لِلْخَيْرِ، وفي التَّعْبِيرِ عَنِ الذّاتِ بِالنَّفْسِ حُجَّةٌ عَلى مَنِ ادَّعى أنَّ لَفْظَ النَّفْسِ لا يُطْلَقُ عَلى اللَّهِ تَعالى وإنْ أُرِيدَ بِهِ الذّاتُ، إلّا مُشاكَلَةً لِما تَرى مِنِ انْتِفاءِ المُشاكَلَةِ هَهُنا بِنَوْعَيْها.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِلْوَعِيدِ عَلى إشْراكِهِمْ وإغْفالِهِمُ النَّظَرَ؛ أيْ: واللَّهِ لَيَجْمَعَنَّكم في القُبُورِ مَبْعُوثِينَ، أوْ مَحْشُورِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَيُجازِيكم عَلى شِرْكِكم وسائِرِ مَعاصِيكم، وإنْ أمْهَلَكم بِمُوجَبِ رَحْمَتِهِ ولَمْ يُعاجِلْكم بِالعُقُوبَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. /0 وقِيلَ: إلى بِمَعْنى اللّامِ؛ أيْ: لَيَجْمَعَنَّكم لِيَوْمِ القِيامَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ . وقِيلَ: هي بِمَعْنى في؛ أيْ: لَيَجْمَعَنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ.
﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾؛ أيْ: في اليَوْمِ، أوْ في الجَمْعِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ﴾؛ أيْ: بِتَضْيِيعِ رَأْسِ مالِهِمْ، وهو الفِطْرَةُ الأصْلِيَّةُ، والعَقْلُ السَّلِيمُ، والِاسْتِعْدادُ القَرِيبُ الحاصِلُ مِن مُشاهَدَةِ الرَّسُولِ ﷺ، واسْتِماعِ الوَحْيِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن آثارِ الرَّحْمَةِ في مَوْضِعِ النَّصْبِ، أوِ الرَّفْعِ عَلى الذَّمِّ؛ أيْ: أعْنِي: الَّذِينَ ... إلَخْ.
أوْ" هو " مُبْتَدَأٌ، والخَبَرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ والفاءُ لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ مَعْنى الشَّرْطِ، والإشْعارُ بِأنَّ عَدَمَ إيمانِهِمْ بِسَبَبِ خُسْرانِهِمْ، فَإنَّ إبْطالَ العَقْلِ بِاتِّباعِ الحَواسِّ والوَهَمِ، والِانْهِماكِ في التَّقْلِيدِ وإغْفالِ النَّظَرِ، أدّى بِهِمْ إلى الإصْرارِ عَلى الكُفْرِ والِامْتِناعِ مِنَ الإيمانِ. والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ مَسُوقٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى لَهم؛ لِتَقْبِيحِ ما غَيْرُ داخِلٍ (p-116)تَحْتَ الأمْرِ
{"ayah":"قُل لِّمَن مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَیَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا رَیۡبَ فِیهِۚ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق