الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ الآية. قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد: الطَّول: الغنى والسعة [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 15. والأثر عن ابن عباس في "تفسيره" من طريق علي بن أبي طلحة ص 142، وعن مجاهد في "تفسيره" 1/ 152، وانظر: "زاد المسير" 2/ 55، "الدر المنثور" 2/ 253 - 254.]].
وقال الفراء: الطّول: الفضل، يقال: طال عليه يطول طَولًا في الإفضال. ولفلان على فلان طَول، أي: فضل [[لم أجده في "معاني القرآن" للفراء، فلعله في كتابه "المصادر" وهو مفقود، وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2156.]].
وقال ابن المظفر والزجاج: الطول: القُدرة [["العين" 7/ 450 (طول)، "معاني الزجاج" 2/ 40، وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2156.]]. يقال: فلان ذو طول، أي: ذو قدرة في ماله [[في "العين" 7/ 450 دون لفظ: ماله.]]، وقيل في تفسير قوله: ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ [غافر: 3] ذي القدرة. وهذه الأقوال كلها في المعنى واحد.
وُيراد بالقدرة ههنا القدرة على المهر [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 40، و"تهذيب اللغة" 3/ 2156.]]، وأصل الطَّول من الطُّول خِلاف القِصَر [[انظر: "العين" 7/ 450 (طول)، والطبري 5/ 15 - 16.]]، وذلك أن الغني يُنال به معاني الأمور، كالطول في أنه يُنال به ما لا ينال بالقِصَر. واشتقاق الطائل من الطول، يقال للشيء إذا لم يكن ذا مَنٍّ يُرغب فيه: هذا شيء غير طائل [[انظر: "العين" 7/ 450، و"تهذيب اللغة" 3/ 2156.]].
ومنه: لقد زادني حبًّا لنفسيَ أَنَّني ... بغيضٌ إلى كُلِّ امرئ غيرِ طائلِ [[البيت للطرماح في "ديوانه" ص 100، و"الأغاني" 12/ 50، و"الحيوان" 3/ 112، و"الشعر والشعراء" ص 585، و"ديوان الحماسة" 1/ 76، و"عيون الأخبار" 3/ 112، و"الوساطة" ص 247، و"المثل السائر" 2/ 353، و"الكشاف" 1/ 531، و"البحر" 3/ 204.]]
وقوله تعالى:. ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ قال ابن عباس وغيره: يريد الحرائر [["تفسير ابن عباس" ص 143، وأخرجه الطبري 5/ 17.]].
فمن فتح الصاد [[أي من: المحصنات، وهذه قراءة الجمهور.]] أراد أنهن أُحصِنّ لحريتهن، ولم تُبتذل كالأَمَة، فهن محصَنات، ومن كسر الصاد [[قراءة الكسائي.]] أراد أنهن أحصن أنفسهن لحريتهن، ولم يبرُزن بروزَ الأمة، فهن مُحصِنات [[في توجيه القراءتين ينظر الطبري 5/ 17 - 18.]].
وتقييد المحصنات ههنا بالمؤمنات، ووصفهن بالإيمان يفيد عند من يقول بالمفهوم أن من وجد طول حرة كتابية لم يكن ممنوعًا عن نكاح الأمَة [[أي: المؤمنة.]]، وإنما يُمنع إذا وجد طَول حرة مؤمنة كما ذكر الله تعالى. هذا مذهب أكثر أصحابنا [[انظر "المجموع شرح المهذب" 17/ 344، وقد رجح هذا القول ابن العربي من المالكية في تفسيره "أحكام القرآن" 1/ 393، وانظر: القرطبي 5/ 138.]].
ومنهم من يقول: إذا قدر على طَول حرّة كتابية منع من نكاح الأَمَة، كما لو قدر على طول حرة مؤمنة [[هذا ما رجحه الشيرازي، انظر: "المجموع" 17/ 344، والقرطبي 5/ 138.]].
ويُحتمل هذا التقييد على غالب الحال؛ لأنّ الغالب من نكاح المسلمين مناكحة المسلمات، والخطاب ربما يأتي مقيدًا بغالب الحال، فلا يكون له مفهوم يُخالف المنظوم، كقوله: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ﴾ [النساء: 101]، ثم لم يكن الخوف مشروطًا في جواز القصر، ولكنه نزل على الغالب، وكان الغالب من أسفارهم الخوف، ولهذا نظائر [[هذا الاحتمال يرجح القول الأول.]].
وقوله تعالى: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. أي: فليتزوج مما ملكت أيمانكم. قال ابن عباس: يريد جارية أخيك في الإسلام [[بمعناه في "تفسير ابن عباس" ص143، وأخرجه الطبري 5/ 19 - 20، وانظر "الدر المنثور" 2/ 253.]].
ولا يجوز للإنسان أن يتزوج جاريةَ نفسِه بالإجماع [[انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 139.]]، ومعنى قوله: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ هو أن يتزوج الرجل ما يملك غيره ممّن يكون على مثل حاله من الإسلام. فأباح أن ينكح بعضنا فتاة بعض، كما فسره ابن عباس.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾. الفتيات: المملوكات والإماء. جمع فتاة، تقول العرب للأَمَة: فتاة، وللعبد: فتى [["معاني الزجاج" 2/ 40.]].
ورُوي عن النبي ﷺ أنه قال: "لا يقولن أحُدكم: عبدي، ولكن لِيَقُل: فتاي وفتاتي" [[أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (2249) كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب، حكم إطلاق لفظة العبد.]].
وقال ابن السكيت: يقال: (تفتّت) [[في النسختين: لفتت، والتصويب من "تهذيب اللغة" 3/ 2730 ("فتح الوهاب" للأنصاري).]] الجارية، إذا راهقت فخُدِرت [[أي: ألزمت الخِدر وسُتِرت في البيت. حاشية 2 من "تهذيب اللغة" 3/ 2730 (فتا).]] ومُنِعت من اللعب مع الصبيان. وقد فتيت تفتيةً.
ويقال للجارية الحَدثة: فتاة، وللغلام: فتى [["تهذيب اللغة" 3/ 2730 (فتا).]].
أبو عبيد: الفتاء ممدود مصدر الفِتيّ في السن. وأنشد:
إذا عاش الفتى مائتين عامًا ... فقد ذهب اللذاذة والفَتَاء [["غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 333، "تهذيب اللغة" 3/ 2730 (فتا)، والبيت للربيع بن ضبع الفزاري كما عند سيبويه 1/ 208، "اللسان" 6/ 3347 (فتا)؛ ونسبه سيبويه مرة أخرى إلى يزيد بن ضبة. انظر: "الكتاب" 2/ 162.]]
فالفتاة الشابة، والفتاة الأمَة، عجوزًا كانت أو شابة [[انظر: الطبري 5/ 18.]]؛ لأنها كالشابة في أنه لا تُوقر توقير الكبير.
وقوله تعالى: ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أفاد هذا التقييد أنه لا يجوز التزوّج بالأَمَة الكِتابية، سواءٌ كان الزوج حرًا أو عبدًا. وهذا قول مجاهد [["تفسيره" 1/ 152، والطبري 5/ 18.]]، وسعيد [[لم أقف عليه.]]، والحسن [[أورد الأثر عنه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 254، وعزاه لابن أبي شيبة.]]، ومذهب مالك [[خرج قوله الطبري 5/ 18، وانظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 195، "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 140.]]، والشافعي [["الأم" 5/ 6، وانظر: "أحكام القرآن" للهراسي 2/ 289، "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 140.]].
ومذهب أهل العراق أنه يجوز التزّوج بالأمَة الكِتابية [[انظر: الطبري 5/ 18، والقرطبي 5/ 140.]]. والآية حجة عليهم [[انظر: الطبري 5/ 18 - 19.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ﴾. قال الزجاج: أي: اعملوا على الظاهر في الإيمان فإنكم متعبدون بما ظهر، (والله يتولى السرائر والحقائق) [["معاني الزجاج" 2/ 40، وما بين القوسين زيادة على ما فيه.]].
وقوله تعالى: ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾. ذكر أهل المعاني الزجاج وابن الأنباري وغيرهما، فيه وجهين:
أحدهما: كلكم بنو آدم وولده، فلا يتداخلنكم شموخ وأنفَة من تزّوج الإماء عند الضرورة، فإنكم تتساوون في أنكم بنو آدم. فعلى هذا قوله: ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ أي: في النسَب [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 41، "زاد المسير" 2/ 75.]].
والثاني: أن المعنى: بعضكم يوالي بعضًا، ويُلابس بعضًا في ظاهر الحكم، من حيث شملكم الإسلام، فاجتمعتم فيه، وصرتم متكافئين متماثلين بجمع الإسلام لكم، واستوائكم في حكمه. قال الراعي:
فقُلت ما أنا مِمَّن لا يواصِلُني ... ولا ثَوائِي إلا ريثَ أَحْتَمِلَ [["ديوانه" ص 197، "أساس البلاغة" ص 186 (ريث)، وقافيته في الأساس: أرتحل. ومعنى يواصلني: يوافقنى.]]
أي: لا ألابس من لا يواصلني ولا أواليه. والمعنى: دينكم واحد فأنتم متساوون في هذه الجهة، فمتى وقع لأحدكم الضرورة جاز له تزّوج الأمَة [[انظر: "معانى الزجاج" 2/ 41]].
قال الزجاج: ويُقَوِّي هذا الوجه أنه ذكر ههنا المؤمنات من العبيد [["معاني الزجاج" 2/ 41، دون لفظ: ويقوي هذا الوجه.]]
والى هذا أشار ابن عباس في تفسير هذه الآية، فقال: يريد: المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض [[لم أقف عليه.]].
قالوا: وإنما قيل لهم ذلك؛ لأن العرب كانت تطعن في الأنساب، وتفتخر بالأحساب، وتُعَيِّر بالهُجنة، وتُسمي ابن الأَمَة الهَجِين، فأعلمَ الله أن أمر العبيد وغيرهم مستوي [[هكذا في النسختين، ولعل الصواب: مستوٍ بحذف الياء.]] في باب الإيمان.
وإنما حرم التزّوج بالأمة إذا وُجد إلى الحرة سبيل لمعنيين:
أحدهما: أن ولد الحُرّ من المملوك [[هكذا في (أ)، ولعل الصواب: المملوكة.]] مملوك لسيدها، فلا يجوز له إرقاق ولده ما دام مستغنيًا.
والثاني: أنّ الأَمَة مُستَخدمةٌ في الحاجات، مُمتهنة بكثَرة عِشرة الرجال وذلك شاق على الزوج [[من قوله: (قالوا: ..) من "معاني الزجاج" 2/ 41 بتصرف يسير.]].
وقوله تعالى: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾: أي: مهورهن [[الطبري 5/ 19، "الكشف والبيان" 4/ 40 أ.]].
﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾: من غير مَطْل وضِرَار [["الكشف والبيان" 4/ 40 أ.]]. والإجماع على أن المهر إنما يدفع إلى مولاها؛ لأنه ملكه، وإنما أضيف الإيتاء إليهن؛ لأنه ثمن بُضعهن، وإذا آتى المولى فقد آتاها؛ لأنه وإن آتاها كان لمولاها انتزاعه منها.
وقوله تعالى: ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ قال ابن عباس وغيره: يريد عفائف [[من أثر في "تفسير ابن عباس" ص 143، وأخرجه الطبري 5/ 20.]].
وهو الحال من قوله: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ﴾ [[أي: من الهاء والنون هن. انظر: "مشكل إعراب القرآن" 1/ 195.]]. وظاهر هذا يوجب أن نكاح الزواني من الإماء حرام.
واختلف الناس في نكاح الزواني من الحرائر، وسنذكر ذلك عند قوله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ [النور: 3] والأكثرون على أنه يجوز نكاح الزانية، وأن قوله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ [النور: 3]، منسوخ بقوله. ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: 32] [[ممن قال بالنسخ سعيد بن المسيب من التابعين. انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 100.]]. والذي في هذه الآية محمول على الندب والاستحباب.
وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُسَافِحَات﴾ أي: غير زواني [[انظر: الطبري 5/ 19، "الكشف والبيان" 4/ 40 أ.]].
﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ جمع خِدْن، والخِدنْ والخَدِين الذي يُخادنك يكون معك في كل أمر ظاهر وباطن، وخِدْن الجارية مُخَدَّنها [["العين" 4/ 232، "تهذيب اللغة" 1/ 996 (خدن)، وآخر كلمة جاءت فيهما: مُحدثها، ولعله هو الصواب.]].
قال قتادة والضحاك وأهل التفسير: المُسافِحة التي تؤاجر نفسها مُعلِنَةً بالزنا. يزنين بمن لقيهن من غير ميعاد، ويَسفحن [[في (د): (يسفح).]] مياههن. والتي تتخذ الخِدْن هي التي تزني سرًّا [[هذا نحو قول قتادة والضحاك، وقد أخرج الأثرين عنهما الطبري 5/ 20، وانظر: ابن كثير: 1/ 518 - 99.]].
وكانت العرب في الجاهلية يعيبون الزنا العلانية، ولا يكادون يعيبون اتخاذ الأخدان فجاء الله بالإسلام فهدم ذلك، وقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [[هذا معنى قول لابن عباس أخرجه الطبري 5/ 19 - 20، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 254.]] [الأعراف: 33]، وقال: ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾.
وقال الشعبي: الزنا على نحوين خبيثين، أحدهما أخبث من الآخر، فأما الذي هو أخبثهما فالسفاح، وهو الفجور بمن أتاها، والثاني: اتخاذ الخدن، وهو الزنا في السر [[أخرجه الطبري بنحوه 5/ 20، وانظر: ابن كثير 1/ 518.]].
قال قتادة: ونهى الله عن نكاح المُسَافِحة وذات الخِدْن [[بمعناه عن قتادة، وهو جزء من الأثر المتقدم عنه، وقد أخرجه الطبري 5/ 20.]].
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾. قرئ بالوجهين؛ فمن ضم الألف [[هذه القراءة لابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم، وأبي جعفر ويعقوب. انظر "السبعة" ص 231، "الحجة" 3/ 151، "المبسوط" ص 156.]] فمعناه: أُحصنّ بالأزواج، على معنى: تَزوجْن [[انظر: الطبري 5/ 21، "الحجة" 3/ 148، 151.]]. قاله ابن عباس، وسعيد ابن جبير والحسن ومجاهد وقتادة [[أخرج أقوالهم الطبري 5/ 23 - 24، وابن كثير 1/ 519، وقد رجح ابن كثير هذا المعنى.]].
ومن فتح الألف [[هذه القراءة لحمزة والكسائي وخلف. انظر: "السبعة" / 231، "الحجة" 3/ 151، "المبسوط" ص 156.]] فمعناه: أَسلَمْن [[انظر: الطبري 5/ 21، "الحجة" 3/ 148.]].
كذلك قال عمر، وابن مسعود، والشعبي وإبراهيم والسدي [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 22 - 23.]].
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ يريد: زنا [[الطبري 5/ 24، "الكشف والبيان" 4/ 40 أ.]].
﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أي: عليهن نصف الحدّ [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 123، والطبري 5/ 24.]].
والمحصنات ههنا الأبكار اللاتي أحصنهن العفاف [[لعل قصد المؤلف: الأبكار الحرائر. انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 124، والطبري 5/ 24، "معاني الزجاج" 2/ 41، والثعلبي 4/ 40 أ.]]، وحَدُّهن مائة، ويتنصف ذلك في حق الأمَة إذا زنَت [[انظر: الطبري 5/ 24، والثعلبي 4/ 40 أ.]]. وإن حملنا المحصنات على فوات الزوج لم يَسْهُل؛ لأن حدّهن الرجم، ولا يتنصف الرجم، ولا مدخل له في هذا العبيد [[انظر "معاني الزجاج" 2/ 41]]. ويقال لم شرط الإحصان في حد الإماء، والإحصان في قوله: ﴿أُحْصِنَّ﴾، و ﴿أَحصنَّ﴾ على اختلاف القراءتين فُسر بالتزوج والإسلام وليس واحد منهما شرطًا في وجوب الحد على الأَمَة إذا زنت؛ فإن الكافرة إذا زنت كان حدها خمسين جلدة، وكذلك الخالية عن الزوج؟
والجواب: أن من فسر الإحصان ههنا بالإسلام قال: إنها إذا كانت كافرة لم يكن عليها سبيل، إلا بأن ترضى بحكمنا. وإذا كانت مسلمة أقمنا عليها الحد، ففائدة ذكر الإسلام راجعة إلى أصل إقامة الحد مع بيان قَدرِه.
ومن فسر الإحصان بالتزوّج قال: فائدة ذكره ههنا أن الحرة المحصنة بالزوج حدها الرجم، فقيد الله تعالى حكم الأَمَة عند ذكر الحد بالإحصان، إذ لو نص على غير حالة الإحصان بالنكاح لم يبعد أن يَتوهّم مُتوهِّم وجوب الرجم عليها إذا زنت وهي متزوجة، من حيث لم يكن للرجم نصف، كما استوت الحُرّة والأَمَة في قطع السرقة لَمّا لم يكن للقطع نصف [[انظر: "زاد المسير" 2/ 58.]].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾. الإشارة تعود إلى نكاح الأمَة عند عدم الطول [[انظر: الطبري 5/ 24، "معاني الزجاج" 2/ 42، والثعلبي 4/ 40 ب.]].
وذكرنا معنى العنت والإعنات في اللغة عند قوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: 220] وقوله: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: 118]. وفسر العنت ههنا: الزنا في قول ابن عباس وسعيد بن جبير وعطية والضحاك وابن زيد [[الأثر عن ابن عباس في "تفسيره" ص 143، وأخرجه عنه وعن الباقين إلا ابن زيد الطبري 5/ 24 - 25، وانظر: "زاد المسير" 2/ 58، وقد ذكر أن هذا قول ابن زيد.]]. وبيان هذا ما ذكره المُبرَّد: ذلك لمن خاف أن يحمله شدة الشبَق، والغُلمة على الزنا، فيلقى العذاب العظيم في الآخرة، والحد في الدنيا [[الظاهر أن هذا الكلام ليس للمبرد، فقد قال الزجاج في "معانيه" 2/ 42: قال أبو العباس -وهو المبرد-: (العنت) ههنا الهلاك، وقال غيره: معناه: ذلك لمن خشى أن تحمله الشهوة .. إلخ نحو ما ذكره المؤلف هنا. والله أعلم. انظر. "تهذيب اللغة" 3/ 2585 (عنت).]]. وإنما سمي الزنا العَنَت من المشقة في الدنيا والآخرة.
وقال عطاء: العَنَت المشقة في شدة الغُربة [[هكذا هذه الكلمة في (أ)، (د) بالغين المعجمة والراء، وقد تكون: العُزبة، بالعين المهملة والزاي. انظر "تهذيب اللغة" 3/ 2585 (عنت).]]. وهذا اختيار الزجاج، قال: العنت في اللغة المشقة الشديدة، يقال: أَكَمةٌ عنوت، إذا كانت شاقّة المَصعد [["معاني الزجاج" 2/ 42، إلا أنه ليس فيه كلمة (المصعد)، وقد أثبتها الأزهري في "التهذيب" 3/ 2585 (عنت)، فقد يكون الواحدي أخذ عن الأزهري، ويؤيده ما بعده.]].
قال الأزهري: وهذا الذي قاله أبو إسحاق صحيح، فإذا شقّ على الرجل الغربة [[هكذا هذه الكلمة في (أ)، (د) بالغين المعجمة والراء، وقد تكون: العُزبة، بالحين المهملة والزاي. انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2585 (عنت).]] وغلبته الغُلمة، ولم يجد ما يتزوج به حرة، فله أن ينكح أَمَة؛ لأن غلبة الشهوة واجتماع الماء في صُلب الرجل ربما آذى [[في (د) أدى. لعل في الكلام سقطًا أو حذفًا، فالظاهر أنه لم يتم الكلام، وفي "تهذيب اللغة" 3/ 2585 (عنت) -والكلام للأزهرى- ربما أدى إلى العلة الصعبة.]].
وحكى أبو إسحاق، عن بعضهم: قال: معناه أن يعشق الأمَة. قال [[أي: أبو إسحاق الزجاج.]]: وليس في الآية ذكر العشق، ولكن ذا العشق يلقى عنتًا [["معاني الزجاج" 2/ 42.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾. أباح الله تعالى نكاح الأمَة بشرطين: أحدهما: في أول الآية، وهو عدم الطَّول.
والثاني: في آخرها، وهو خوف العنت. ثم قال مع ذلك: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا﴾ يريد: عن تزوج الإماء. قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة [[أخرج الآثار عنهم الطبري 5/ 25 - 26، وانظر: "زاد المسير" 2/ 59، "الدر المنثور" 2/ 256.]].
﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ألا يصير الولد عبدًا [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 42.]].
{"ayah":"وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَیۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتࣲ وَلَا مُتَّخِذَ ٰتِ أَخۡدَانࣲۚ فَإِذَاۤ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَیۡنَ بِفَـٰحِشَةࣲ فَعَلَیۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَشِیَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق