الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلا أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ واللهُ أعْلَمُ بِإيمانِكم بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والسُدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ، ومالِكُ بْنُ أنَسٍ في "المُدَوَّنَةِ": الطَوْلُ هُنا: السَعَةُ في المالِ. وقالَ رَبِيعَةٌ، وإبْراهِيمُ النَخْعِيُّ: الطَوْلُ هُنا: الجَلَدُ والصَبْرُ لِمَن أحَبَّ أمَةً وهَوِيَها حَتّى صارَ لِذَلِكَ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَزَوَّجَ (p-٥١٩)غَيْرَها، فَإنَّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ الأمَةَ إذا لَمْ يَمْلِكْ هَواها، وإنْ كانَ يَجِدُ سَعَةً في المالِ لِنِكاحِ حُرَّةٍ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِمَن خَشِيَ العَنَتَ﴾ عَلى هَذا التَأْوِيلِ بَيانًا في صِفَةِ عَدَمِ الجَلَدِ، وعَلى التَأْوِيلِ الآخَرِ يَكُونُ تَزَوُّجُ الأمَةِ مُعَلَّقًا بِشَرْطَيْنِ: عَدَمِ السَعَةِ في المالِ، وخَوْفِ العَنَتِ، فَلا يَصِحُّ إلّا بِاجْتِماعِهِما. وهَذا هو نَصُّ مَذْهَبِ مالِكٍ في "المُدَوَّنَةِ" مِن رِوايَةِ ابْنِ نافِعٍ، وابْنِ القاسِمِ، وابْنِ وهْبٍ، وابْنِ زِيادٍ: أنَّ الحُرَّ لا يَتَزَوَّجُ الأمَةَ عَلى حالٍ إلّا ألّا يَجِدَ سَعَةً في المالِ لِمَهْرِ حُرَّةٍ، وأنْ يَخْشى العَنَتَ مَعَ ذَلِكَ.
وقالَ مالِكٌ في كِتابِ مُحَمَّدٍ: إذا وجَدَ المَهْرَ ولَكِنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى النَفَقَةِ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أمَةً.
وقالَ أصْبَغُ: ذَلِكَ جائِزٌ، إذْ نَفَقَةُ الأمَةِ عَلى أهْلِها إذا لَمْ يَضُمَّها إلَيْهِ.
وقالَ مُطَرِّفٌ، وابْنُ الماجِشُونَ: لا يَحِلُّ لِلْحُرِّ أنْ يَنْكِحَ أمَةً. ولا يُقَرُّ إنْ وقَعَ، إلّا أنْ يَجْتَمِعَ الشَرْطانِ كَما قالَ اللهُ تَعالى، وقالَهُ أصْبَغٌ، قالَ: وقَدْ كانَ ابْنُ القاسِمِ يَذْكُرُ أنَّهُ سَمِعَ مالِكًا يَقُولُ: نِكاحُ الأمَةِ حَلالٌ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهُوَ في "المُدَوَّنَةِ".
وقالَ سَحْنُونُ في غَيْرِها: ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْكِحُوا الأيامى مِنكم والصالِحِينَ مِن عِبادِكم وإمائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢]، وقالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ في الآيَةِ ما يَلْزَمُ مِنهُ تَحْلِيلُ الأمَةِ لِحُرٍّ دُونَ الشَرْطَيْنِ. وقالَ مالِكٌ: في "المُدَوَّنَةِ": لَيْسَتِ الحُرَّةُ بِطَوْلٍ تَمْنَعُ مِن نِكاحِ الأمَةِ إذا لَمْ يَجِدْ سَعَةً لِأُخْرى وخافَ (p-٥٢٠)العَنَتَ. وقالَ في كِتابِ مُحَمَّدٍ ما يَقْتَضِي أنَّ الحُرَّةَ بِمَثابَةِ الطَوْلِ. قالَ الشَيْخُ أبُو الحَسَنِ اللَخْمِيُّ: وهو ظاهِرُ القُرْآنِ، ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ، وقالَهُ أبُو حَنِيفَةَ، فَمُقْتَضى هَذا أنَّ مَن عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَلا يَجُوزُ لَهُ نِكاحُ أمَةٍ، وإنْ عَدِمَ السَعَةَ وخافَ العَنَتَ، لِأنَّهُ طالِبُ شَهْوَةٍ وعِنْدَهُ امْرَأةٌ، وقالَ بِهِ الطَبَرِيُّ، واحْتَجَّ لَهُ. و"طَوْلًا" يَصِحُّ في إعْرابِهِ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِالِاسْتِطاعَةِ، و"أنْ يَنْكِحَ" في مَوْضِعِ نَصْبِ بَدَلٍ مِن قَوْلِهِ: "طَوْلًا"، أو في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ: لَأنْ يَنْكِحَ. وفي هَذا نَظَرٌ.
ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ "طَوْلًا" نَصْبًا عَلى المَصْدَرِ، والعامِلُ فِيهِ الِاسْتِطاعَةَ لِأنَّها بِمَعْنى يَتَقارَبُ، و"أنْ يَنْكِحَ" -عَلى هَذا مَفْعُولٌ- بِالِاسْتِطاعَةِ أو بِالمَصْدَرِ، تَقُولُ: طالَ الرَجُلُ طَوْلًا -بِفَتْحِ الطاءِ- إذا تَفَضَّلَ ووَجَدَ واتَّسَعَ عُرْفُهُ. وطُولًا، بِضَمِّ الطاءِ في ضِدِّ القِصَرِ.
"المُحْصَناتِ" -فِي هَذا المَوْضِعِ- الحَرائِرُ، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ التَقْسِيمُ بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ الإماءِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: العَفائِفُ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّ الإماءَ يَقَعْنَ تَحْتَهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ الذِكْرُ لِلْقِراءَةِ في المُحْصَناتِ، و"المُؤْمِناتِ" صِفَةٌ، فَأمّا مَن يَقُولُ في الرَجُلِ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ كِتابِيَّةٍ لا لِمُؤْمِنَةٍ: إنَّهُ يَمْتَنِعُ عن نِكاحِ الإماءِ، فَهي صِفَةٌ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ، وإنَّما جاءَتْ لِأنَّها مَقْصِدُ النِكاحِ، إذِ الأمَةُ مُؤْمِنَةٌ، وهَذا هو المَذْهَبُ المالِكِيُّ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الماجِشُونَ في الواضِحَةِ، ومَن قالَ في الرَجُلِ لا يَجِدُ طَوْلًا إلّا الكِتابِيَّةَ: إنَّهُ يَتَزَوَّجُ الأمَةَ إنْ شاءَ، فَصِفَةُ المُؤْمِناتِ عِنْدَهُ في الآيَةِ مُشْتَرَطَةٌ في إباحَةِ نِكاحِ الإماءِ، والمَسْألَةُ مُخْتَلَفٌ فِيها حَسْبَما ذَكَرْناهُ.
"ما" في قَوْلِهِ: ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ يَصِحُّ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، تَقْدِيرُهُ: فَمِن مِلْكِ أيْمانِكُمْ، ويَصِحُّ أنْ يُرادَ بِها النَوْعُ المَمْلُوكُ، فَهي واقِعَةٌ عَلَيْهِ.
(p-٥٢١)والفَتاةُ وإنْ كانَتْ واقِعَةً في اللُغَةِ عَلى الشابَّةِ أيَّةً كانَتْ، فَعُرْفُها في الإماءِ، وفَتىً كَذَلِكَ، وهَذِهِ المُخاطَباتُ بِالكافِ والمِيمِ عامَّةٌ، أيْ: مِنكُمُ الناكِحُونَ، ومِنكُمُ المالِكُونَ، لِأنَّ الرَجُلَ يَنْكِحُ فَتاةَ نَفْسِهِ، وهَذا التَوَسُّعُ في اللُغَةِ كَثِيرٌ.
والمُؤْمِناتُ -فِي هَذا المَوْضِعِ- صِفَةٌ مُشْتَرَطَةٌ عِنْدَ مالِكٍ وجُمْهُورِ أصْحابِهِ، لِأنَّهم يَقُولُونَ: لا يَجُوزُ زَواجُ أمَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ بِوَجْهٍ. وقالَتْ طائِفَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ مِنهم أصْحابُ الرَأْيِ: نِكاحُ الأمَةِ الكِتابِيَّةِ جائِزٌ، وقَوْلُهُ: "المُؤْمِناتِ" عَلى جِهَةِ الوَجْهِ الفاضِلِ، واحْتَجُّوا بِالقِياسِ عَلى الحَرائِرِ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا لَمْ يَمْنَعْ قَوْلُهُ: "المُؤْمِناتِ" في الحَرائِرِ مِن نِكاحِ الكِتابِيّاتِ الحَرائِرِ، فَكَذَلِكَ لا يَمْنَعُ قَوْلُهُ: "المُؤْمِناتِ" في الإماءِ مِن نِكاحِ الكِتابِيّاتِ الإماءِ. وقالَ أشْهَبُ في "المُدَوَّنَةِ": جائِزٌ لِلْعَبْدِ المُسْلِمِ أنْ يَتَزَوَّجَ أمَةً كِتابِيَّةً.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فالمَنعُ عِنْدَهُ أنْ يُفَضَّلَ الزَوْجُ في الحُرِّيَّةِ والدِينِ مَعًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ أعْلَمُ بِإيمانِكُمْ﴾ مَعْناهُ: أنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِبَواطِنِ الأُمُورِ، ولَكم ظَواهِرُها، فَإذا كانَتِ الفَتاةُ ظاهِرُها الإيمانُ فَنِكاحُها صَحِيحٌ، وعِلْمُ باطِنِها إلى اللهِ، وإنَّما هَذا لِئَلّا يَسْتَرِيبَ مُتَحَيِّرٌ بِإيمانِ بَعْضِ الإماءِ، كالقَرِيبَةِ عَهْدٍ بِالسِباءِ، أو كالخَرْساءِ، وما أشْبَهَهُ. وفي اللَفْظِ أيْضًا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ رُبَّما كانَ إيمانُ أمَةٍ أفْضَلَ مِن إيمانِ بَعْضٍ مِنَ الحَرائِرِ، أيْ: فَلا تُعْجَبُوا بِمَعْنى الحُرِّيَّةِ.
وقَوْلُهُ: "بَعْضُكم مِن بَعْضٍ"، قالَتْ طائِفَةٌ: هو رَفْعٌ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ، والمَقْصِدُ بِهَذا الكَلامِ، أيْ أنَّكم أيُّها الناسُ سَواءٌ بَنُو الحَرائِرِ وبَنُو الإماءِ، أكْرَمُكم عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ، فَهَذِهِ تَوْطِئَةٌ لِنُفُوسِ العَرَبِ الَّتِي كانَتْ تَسْتَهْجِنُ ولَدَ الأمَةِ، فَلَمّا جاءَ الشَرْعُ أُعْلِمُوا مَعَ ذَلِكَ أنَّ ذَلِكَ التَهْجِينَ لا مَعْنى لَهُ. وقالَ الطَبَرِيُّ: هو رَفْعٌ بِفِعْلٍ (p-٥٢٢)تَقْدِيرُهُ: فَلْيَنْكِحْ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكم بَعْضُكم مِن بَعْضٍ. فَعَلى هَذا في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
***
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ ولا مُتَّخِذاتِ أخْدانٍ فَإذا أُحْصِنَّ فَإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذابِ ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكم وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكم واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. قَوْلُهُ: "بِإذْنِ أهْلِهِنَّ" مَعْناهُ: بِوِلايَةِ أرْبابِهِنَّ المالِكِينَ، وقَوْلُهُ: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ يَعْنِي: مُهُورَهُنَّ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ: و"بِالمَعْرُوفِ" مَعْناهُ: بِالشَرْعِ والسُنَّةِ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّهُنَّ أحَقُّ بِمُهُورِهِنَّ مِنَ السادَةِ. وهو مَذْهَبُ مالِكٍ، قالَ في كِتابِ الرُهُونِ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أنْ يَأْخُذَ مَهْرَ أمَتِهِ ويَدَعَها بِلا جِهازٍ، قالَ سَحْنُونُ في كِتابِ المُدَوَّنَةِ: كَيْفَ هَذا وهو لا يُبَوِّئُهُ مَعَها بَيْتًا؟ وقالَ بَعْضُ الفُقَهاءِ: مَعْنى ما في "المُدَوَّنَةِ": أنَّهُ بِشَرْطِ التَبْوِئَةِ، فَعَلى هَذا لا يَكُونُ قَوْلُ سَحْنُونٍ خِلافًا.
و"مُحْصَناتٍ" وما بَعْدَهُ: حالٌ، فالظاهِرُ أنَّهُ بِمَعْنى عَفِيفاتٍ، إذْ غَيْرُ ذَلِكَ مِن وُجُوهِ الإحْصانِ بَعِيدٌ إلّا "مُسْلِماتٍ" فَإنَّهُ يَقْرُبُ، والعامِلُ في الحالِ "فانْكِحُوهُنَّ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ" كَلامًا تامًّا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ: وآتَوْهُنَّ أُجُورهنَّ مُزَوَّجات غَيْر مُسافِحات فَيَكُونُ العامِلُ: "وَآتُوهُنَّ"، ويَكُونُ مَعْنى الإحْصانِ: التَزْوِيجَ.
والمُسافِحاتُ مِنَ الزَوانِي: المُبْتَذَلاتُ اللَواتِي هُنَّ سُوقٌ لِلزِّنى. ومُتَّخِذاتُ الأخْدانِ: هُنَّ المُتَسَتِّراتُ اللَواتِي يَصْحَبْنَ واحِدًا واحِدًا ويَزْنِينَ خُفْيَةً. وهَذانِ كانا نَوْعَيْنِ في زِنا الجاهِلِيَّةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعامِرٌ الشَعْبِيُّ، والضَحّاكُ، (p-٥٢٣)وَغَيْرُهُمْ، وأيْضًا فَهو تَقْسِيمٌ عَقْلِيٌّ لا يُعْطِي الوُجُودَ، إلّا أنْ تَكُونَ الزانِيَةُ: إمّا لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ، وإمّا أنْ تَخْتَصَّ مَن تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: " ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ الآيَةُ، قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "أُحْصِنَّ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْفاعِلِ، واخْتَلَفَ عن عاصِمٍ، فَوَجْهُ الكَلامِ أنْ تَكُونَ القِراءَةُ الأُولى بِالتَزَوُّجِ، والثانِيَةُ بِالإسْلامِ أو غَيْرِهِ مِمّا هو مِن فِعْلِهِنَّ، ولَكِنْ يَدْخُلُ كُلُّ مَعْنىً مِنهُما عَلى الآخَرِ. واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ فِيما هو الإحْصانُ هُنا، فَقالَ الجُمْهُورُ: هو الإسْلامُ، فَإذا زَنَتِ الأمَةُ المُسْلِمَةُ حُدَّتْ نِصْفَ حَدِّ الحُرَّةِ، وإسْلامُها هو إحْصانُها الَّذِي في الآيَةِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: إحْصانُها الَّذِي في الآيَةِ هو التَزْوِيجُ لِحُرٍّ، فَإذا زَنَتِ الأمَةُ المُسْلِمَةُ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ فَلا حَدَّ عَلَيْها، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإحْصانُ في الآيَةِ التَزَوُّجُ، إلّا أنَّ الحَدَّ واجِبٌ عَلى الأمَةِ المُسْلِمَةِ بِالسُنَّةِ، وهي الحَدِيثُ الصَحِيحُ في مُسْلِمٍ والبُخارِيِّ « "أنَّهُ قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، الأمَةُ إذا زَنَتْ ولَمْ تُحْصَنْ؟ فَأوجَبَ عَلَيْها الحَدَّ".»
قالَ الزُهْرِيُّ: فالمُتَزَوِّجَةُ مَحْدُودَةٌ بِالقُرْآنِ، والمُسْلِمَةُ غَيْرُ المُتَزَوِّجَةِ مَحْدُودَةٌ بِالحَدِيثِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا الحَدِيثُ والسُؤالُ مِنَ الصَحابَةِ يَقْتَضِي أنَّهم فَهِمُوا مِنَ القُرْآنِ أنَّ مَعْنى "أُحْصِنَّ" تَزَوَّجْنَ، وجَوابُ النَبِيِّ ﷺ عَلى ذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ المَعْنى، ومَن أرادَ أنْ (p-٥٢٤)يُضْعِفَ قَوْلَ مَن قالَ: "إنَّهُ الإسْلامُ" -بِأنَّ الصِفَةَ لَهُنَّ بِالإيمانِ قَدْ تَقَدَّمَتْ وتَقَرَّرَتْ- فَذَلِكَ غَيْرُ لازِمٍ، لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَقْطَعَ في الكَلامِ ويَزِيدَ، فَإذا كُنَّ عَلى هَذِهِ الحالَةِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ الإيمانِ فَإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ، وذَلِكَ سائِغٌ صَحِيحٌ.
والفاحِشَةُ هُنا: الزِنى بِقَرِينَةِ إلْزامِ الحَدِّ، و"المُحْصَناتِ" -فِي هَذِهِ الآيَةِ-: الحَرائِرُ، إذْ هي الصِفَةُ المَشْرُوطَةُ في الحَدِّ الكامِلِ، والرَجْمِ لا يَتَنَصَّفُ، فَلَمْ يُرَدْ في الآيَةِ بِإجْماعٍ، ثُمَّ اخْتُلِفَ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والجُمْهُورُ: عَلى الأمَةِ نِصْفُ المِائَةِ لا غَيْرُ ذَلِكَ، وقالَ الطَبَرِيُّ وجَماعَةٌ مِنَ التابِعِينَ: عَلى الأمَةِ نِصْفُ المِائَةِ ونِصْفُ المُدَّةِ، وهي نَفْيُ سِتَّةِ أشْهُرٍ، والإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى نِكاحِ الأمَةِ.
والعَنَتُ في اللُغَةِ: المَشَقَّةُ. وقالَتْ طائِفَةٌ: المَقْصِدُ بِهِ هاهُنا الزِنى، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ما ازْلَحَفَّ ناكِحُ الأمَةِ عَنِ الزِنى إلّا قَرِيبًا، قالَ: والعَنَتُ الزِنى، وقالَهُ عَطِيَّةٌ الحُوفِيُّ، والضَحّاكُ. وقالَتْ طائِفَةٌ: الإثْمُ، وقالَتْ طائِفَةٌ: الحَدُّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والآيَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وكُلُّ ما يُعْنِتُ عاجِلًا وآجِلًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ يَعْنِي عن نِكاحِ الإماءِ. قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، والسُدِّيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وهَذا نَدْبٌ إلى التَرْكِ، وعِلَّتُهُ ما يُؤَدِّي إلَيْهِ نِكاحُ الإماءِ مِنَ اسْتِرْقاقِ الوَلَدِ ومِهْنَتِهِنَّ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ ابْتِداءٌ وخَبَرٌ تَقْدِيرُهُ: وصَبْرُكم خَيْرٌ لَكم. "واللهُ غَفُورٌ" أيْ: لِمَن فَعَلَ وتَزَوَّجَ.
{"ayah":"وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَیۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتࣲ وَلَا مُتَّخِذَ ٰتِ أَخۡدَانࣲۚ فَإِذَاۤ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَیۡنَ بِفَـٰحِشَةࣲ فَعَلَیۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَشِیَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق