الباحث القرآني

﴿وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلا﴾ غِنًى واعْتِلاءً وأصْلُهُ الفَضْلُ والزِّيادَةُ. ﴿أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ﴾ في مَوْضِعِ النَّصْبِ بِطَوْلًا. أوْ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ صِفَةً لَهُ أيْ ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم أنْ يَعْتَلِيَ نِكاحَ المُحْصَناتِ، أوْ مَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم غِنًى يَبْلُغُ بِهِ نِكاحَ المُحْصَناتِ يَعْنِي الحَرائِرَ لِقَوْلِهِ: ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ يَعْنِي الإماءَ المُؤْمِناتِ، فَظاهِرُ الآيَةِ حُجَّةٌ لِلشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ في تَحْرِيمِ نِكاحِ الأمَةِ عَلى مَن مَلَكَ ما يَجْعَلُهُ صَداقَ حُرَّةٍ، ومَنعِ نِكاحِ الأمَةِ الكِتابِيَّةِ مُطْلَقًا. وأوَّلَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى طَوْلَ المُحْصَناتِ بِأنْ يَمْلِكَ فِراشَهُنَّ، عَلى أنَّ النِّكاحَ هو الوَطْءُ وحَمَلَ قَوْلَهُ: ﴿مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ عَلى الأفْضَلِ. كَما حَمَلَ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ: المُحْصَناتُ المُؤْمِناتُ ومِن أصْحابِنا مَن حَمَلَهُ أيْضًا عَلى التَّقْيِيدِ وجَوَّزَ نِكاحَ الأمَةِ لِمَن قَدَرَ عَلى الحُرَّةِ الكِتابِيَّةِ دُونَ المُؤْمِنَةِ حَذَرًا عَنْ مُخالَطَةِ الكُفّارِ ومُوالاتِهِمْ، والمَحْذُورُ في نِكاحِ الأمَةِ رِقُّ الوَلَدِ، وما فِيهِ مِنَ المَهانَةِ ونُقْصانِ حَقِّ الزَّوْجِ. ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِكُمْ﴾ فاكْتَفَوْا بِظاهِرِ الإيمانِ فَإنَّهُ العالِمُ بِالسَّرائِرِ ويَتَفاضَلُ ما بَيْنَكم في الإيمانِ، فَرُبَّ أمَةٍ تَفْضُلُ الحُرَّةَ فِيهِ، ومِن حَقِّكم أنْ تَعْتَبِرُوا فَضْلَ الإيمانِ لا فَضْلَ النَّسَبِ، والمُرادُ تَأْنِيسُهم بِنِكاحِ الإماءِ ومَنعُهم عَنِ الِاسْتِنْكافِ مِنهُ ويُؤَيِّدُهُ. ﴿بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ أنْتُمْ وأرِقّاؤُكم مُتَناسِبُونَ نَسَبَكم مِن آدَمَ ودِينُكُمُ الإسْلامُ. ﴿فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ﴾ يُرِيدُ أرْبابَهُنَّ واعْتِبارُ إذْنِهِمْ مُطْلَقًا لا إشْعارَ لَهُ، عَلى أنَّ لَهُنَّ أنْ يُباشِرْنَ العَقْدَ بِأنْفُسِهِمْ حَتّى يَحْتَجَّ بِهِ الحَنَفِيَّةُ. ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أيْ أدُّوا إلَيْهِنَّ مُهُورَهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ! فَحُذِفَ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، أوْ إلى مَوالِيهِنَّ فَحُذِفَ المُضافُ لِلْعِلْمِ بِأنَّ المَهْرَ لِلسَّيِّدِ لِأنَّهُ عِوَضُ حَقِّهِ فَيَجِبُ أنْ يُؤَدّى إلَيْهِ، وقالَ مالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: المَهْرُ لِلْأمَةِ ذَهابًا إلى الظّاهِرِ بِالمَعْرُوفِ بِغَيْرِ مَطَلٍ وإضْرارٍ ونُقْصانٍ. ﴿مُحْصَناتٍ﴾ عَفائِفَ. ﴿غَيْرَ مُسافِحاتٍ﴾ غَيْرَ مُجاهِراتٍ بِالسِّفاحِ. ﴿وَلا مُتَّخِذاتِ أخْدانٍ﴾ أخِلّاءٍ في السِّرِّ ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ بِالتَّزْوِيجِ. قَرَأ أبُو بَكْرٍ وحَمْزَةُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ والصّادِ والباقُونَ بِضَمِّ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الصّادِ. فَإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةِ زِنًى. فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ يَعْنِي الحَرائِرَ. مِنَ العَذابِ مِنَ الحَدِّ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ (p-70)حَدَّ العَبْدِ نِصْفُ حَدِّ الحَرِّ، وأنَّهُ لا يُرْجَمُ لِأنَّ الرَّجْمَ لا يَنْتَصِفُ. ﴿ذَلِكَ﴾ أيْ نِكاحُ الإماءِ. ﴿لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُمْ﴾ لِمَن خافَ الوُقُوعَ في الزِّنى، وهو في الأصْلِ انْكِسارُ العَظْمِ بَعْدَ الجَبْرِ، مُسْتَعارٌ لِكُلِّ مَشَقَّةٍ وضَرَرٍ ولا ضَرَرَ أعْظَمُ مِن مُواقَعَةِ الإثْمِ بِأفْحَشِ القَبائِحِ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الحَدُّ وهَذا شَرْطٌ آخَرُ لِنِكاحِ الإماءِ. ﴿وَأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أيْ وصَبْرُكم عَنْ نِكاحِ الإماءِ مُتَعَفِّفِينَ خَيْرٌ لَكم. قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «الحَرائِرُ صَلاحُ البَيْتِ والإماءُ هَلاكُهُ».» ﴿واللَّهُ غَفُورٌ﴾ لِمَن لَمْ يَصْبِرْ. ﴿رَحِيمٌ﴾ بِأنْ رَخَّصَ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب