الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ الآية. قال ابن عباس وجميع المفسرين: كانت العرب يتزوج الرجل منهم امرأة أبيه من بعده التي ليست بأمه، وكان نكاحًا جائزًا في العرب، فنهى الله عنه وحرمه [[أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين. قال فأنزل الله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾. "جامع البيان" 4/ 318، وانظر: "تحقيق المروي عن ابن عباس" 1/ 209. وبنحو هذا القول قال قتادة وعكرمة وعطاء، وغيرهم. انظر: "الطبري" 4/ 318، "الدر المنثور" 2/ 239 - 240.]].
فقوله: ﴿مَا نَكَحَ﴾ يحتمل أن تكون (ما) بمعنى: مَن، فيكون المعنى: ولا تنكحوا مَن نكح. ويحتمل أن تكون (ما) بمعنى المصدر، فيكون المعنى: ولا تنكحوا نكاح آبائكم، أي: كنكاح آبائكم، يعني: أن آبائهم كانوا ينكحون أزواج آبائهم، فنهاهم الله أن يكون نكاحهم كنكاح آبائهم، فيكون في التقدير الأول النهي عن التزوج بمنكوحات الآباء، وفي التقدير الثاني النهي عن أن يكون نكاحهم كنكاح آبائهم في البطلان والفساد [[انظر: "الطبري" 4/ 318 - 319، "الدر المصون" 3/ 635.]].
وقوله تعالى: ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾ عام في الحرائر والإماء، أما الحرة فتحرم بنفس العقد [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 33 أ.]]، دخل بها الأب أو لم يدخل [[ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال في هذه الآية: كل امرأة تزوجها أبوك وابنك دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام "تفسيره" ص 141، وأخرجه الطبري 4/ 318، وما ذكره المؤلف مُجمع عليه بين العلماء. انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 40، و"بداية المجتهد" 2/ 34، "المغني" 9/ 524، 525، والقرطبي 5/ 113، وابن كثير 1/ 509.]]؛ لإطلاق النهي عن نكاحها من غير تقييد، والأمَة يحرم نكاحها بوطء الأب [[انظر "الكشف والبيان" 4/ 33 أ. وقيل تحرم الأَمَة بمجرد اللمس والتقبيل، وقيل: بالنظر دون اللمس. انظر: القرطبي 5/ 114، وابن كثير 1/ 510.]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾. سلف في اللغة معناه: تقدم ومضى، يقال: سَلَف يَسلُف سُلُوفا [[جاء في "الصحاح" 4/ 1376 (سلف): سلف يسلف سلفًا أي: مضى. وانظر الطبري 4/ 319، "مقاييس اللغة" 3/ 95 (سلف)، الثعلبي 4/ 33 ب، "اللسان" 4/ 2068 (سلف) وفيه المصدر: سلوفًا كما عند المؤلف.]] فهو سَالِف. وكل مال قدمته في ثمن سلعة اشتريتها بصفة معلومة فهو سَلَفٌ وسَلَم [["تهذيب اللغة" 2/ 1735 (سلف).]].
ويقال: سَلَفَ له عمل صالح، أي: تقدم، والسلف أيضًا من تقدم من آبائك وذوي قرابتك.
ومنه قول طفيل [[هو أبو محمد طُفَيل بن كَعْب الغَنَوي، من فحول الشعراء في الجاهلية ومن أحسنهم شعرًا وأكثرهم وصفًا للخيل. توفي نحو سنة 13 قبل الهجرة.
انظر: "الشعر والشعراء" ص 295، "الأعلام" 3/ 228، "معجم الشعراء في لسان العرب" ص 214.]]:
مضوا سلفًا قصدُ السَّبيلِ عليهمُ ... وصرفُ المنايا بالرجالِ تَقَلَّبُ [[استشهد بالبيت -إضافة إلى الأزهري- ابن منظور في "اللسان" 4/ 2069 (سلف).]]
أراد أنهم تقدمونا، وقصد سبيلنا عليهم [["تهذيب اللغة" 2/ 1735 (سلف) بتصرف، وانظر: "الصحاح" 4/ 1376، "اللسان" 4/ 2069 نفس المادة.]].
واختلفوا في هذا الاستثناء بعد إجماعهم على أن هذا ليس بمُخرِجٍ من التحريم؛ لأنه لو كان استثناءً مُخرِجًا من التحريم لوجب أن يُقرّ ما قد مضى منه في النكاح قبل نزول الآية إذ كانوا أحياء [[المؤلف يقصد الإجماع على حُرمة بقاء عقد الزوجية على من كان فعل ذلك في نزول هذه الآية. انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 369.]]، وأكثرهم على أنه استثناء منقطع؛ على معنى: لكن ما قد سلف فإن الله قد تجاوز عنه [[انظر: "الطبري" 4/ 319، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 404، والثعلبي 4/ 33 ب، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 194، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 369.]].
وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف عليه.]]، والكلبي [[لم أقف عليه.]]، وأبي عبيدة [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 120.]]، وقُطْرُب [[هو أبو علي محمد بن المُستنير بن أحمد، اشتهر بلقبه (قُطْرُب) تقدمت ترجمته.]] [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 33 ب، "زاد المسير" 2/ 45.]]، وابن الأنباري [[انظر: "زاد المسير" 2/ 45.]]، إلا أن بعض هؤلاء قالوا: لكن ما قد سلف فدعوه واجتنبوه [["الكشف والبيان" 4/ 33 ب.]].
وقد ذكرنا معنى الاستثناء المنقطع عند قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: 150].
وقال المفضل: إلا ههنا بمعنى بَعْد، يعني: بعدما قد سلف فإن ذلك معفو عنه [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 33 ب.]]. وهذا اختيار الحسن بن يحيى الجرجاني، واحتج بقول الله عز وجل: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: 56]، أي: بعد الموتة الأولى؛ لأن أحدًا لا يدخل الجنة إلا بعد أن يذوق الموت [[اختيار الجرجاني قد يكون في "نظم القرآن" وهو مفقود.]].
وقال الأخفش: في الآية محذوف استثني هذا عنه [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: منه بالميم.]]، كأنه قيل: لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء؛ فإنكم تؤاخذون به إلا ما قد سلف، أي: فليس عليكم جناح فيما مضى قبل التحريم، وحُذفت المؤاخذة؛ لأن النهي يدل عليه [[عبارة الأخفش في "معاني القرآن" 1/ 440: وقال: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾؛ لأن معناه: فإنكم تؤخذون به، فلذلك قال: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾، أي: فليس عليكم جناح، فكأن في كلامه سقطًا، أو أن المؤلف تصرف في العبارة.]].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا﴾. الكناية تعود إلى النكاح، أي: ذلك النكاح، والفعل دلّ على المصدر [[انظر: "الطبري" 8/ 138، "زاد المسير" 2/ 45، "البحر المحيط" 3/ 209.]].
والمقت أشد البُغض [["معاني الزجاج" 2/ 32، "معاني القرآن" للنحاس 2/ 53، "تهذيب اللغة" 4/ 3428 (مقت)، والثعلبي 4/ 33 ب.]]، مَقَته يمقُته مقتًا، فهو ممقوت ومقيت [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3428، "الصحاح" 1/ 266 (مقت).]].
وفي هذا قولان:
أحدهما: أن هذا إخبار عما كان في الجاهلية، أُعلِمُوا أن هذا الذي حُرّم عليهم لم يزل مُنكرًا في قلوبهم، ممقوتًا عندهم، وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه مقيت ومقتي [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3428 (مقت).]]، والمقت عندهم بُغضٌ عن أمر قبيح ركبهُ صاحبه.
وهذا الوجه اختيار الزجاج [[في "معاني القرآن" 2/ 32، وانظر: "زاد المسير" 2/ 45.]]، وابن الأنباري، قال أبو بكر: يريد أنهم لم يزالوا يستسمجونه [[أي يستقبحونه. قال الجوهري: سمُج الشيء بالضم سماجة: قبُح، فهو سمج، مثل ضخم فهو ضخم، وسمج، مثل خشن فهو خشن، واستسمجه عده سمجًا. "الصحاح" 1/ 322 (سمج).]]، وإن أتوه، ويسمونه المَقت؛ لبغضهم إياه فخبّر الله عز وجل بكان عما مضى من شنآنهم له قبل الإسلام الذي حَظَره.
القول الثاني: أن المعنى: أنه فاحشة في الإسلام، أي: زنًا ومقت من الله لمن فعله [[انظر: "زاد المسير" 2/ 46.]].
وهو قول ابن عباس في رواية عطاء [[قال السيوطي وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا﴾ قال: يمقت الله عليه. "الدر المنثور" 2/ 240، وذكره ابن كثير في "تفسيره" 1/ 510. هذا ما وجدته عن عطاء حول هذا القول.]]، واختيار المبرد، ويذهب إلى أن (كان) زائدة، والمعنى: إنه فاحشة ومقت [["معاني الزجاج" 2/ 32، "معاني النحاس" 2/ 51.]].
وأنكر ذلك عليه الزجاج وابن الأنباري [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 33.]]، وقالا: كيف تكون زائدة وهي عاملة، وقد مر هذا، وبعض النحويين [[لعله النحاس، انظر: "معاني القرآن" 2/ 51، 52، "إعراب القرآن" 1/ 404.]] نصر أبا العباس [[في (د): (أبو)، وهو تصحيف.]] وقال المعنى: هو فاحشة، وأدُخلت كان لِيَدُل أنه عند الله قبل هذه الحال كذا كان.
وقوله تعالى: ﴿وَسَاَءَ سَبِيلًا﴾. قال الليث: سَاء يَسُوء فعلٌ للذم ومجاوز، يقال: ساء الشيء يسوء، فهو سيء، إذا قَبُح، ويقال: سَاء ما فعل صنيعًا، أي: قبح صنيعُه صنيعًا [[من "تهذيب اللغة" 2/ 1583، وانظر: "العين" 7/ 327 (سوء).]].
قال ابن قتيبة: أي: قبح هذا الفعل فعلًا وطريقًا، كما تقول: ساء هذا مذهبًا، وهو منصوب على التميز [[عند ابن قتيبة: على التمييز.]]، كما قال: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] [["غريب القرآن" ص 117.]].
{"ayah":"وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَاۤؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَمَقۡتࣰا وَسَاۤءَ سَبِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق