وكانوا ينكحون روابهم [[قوله «ينكحون روابهم» في الصحاح. الراب زوج الأم. والرابة: امرأة الأب. وربيب الرجل:
ابن امرأته من غيره. ونكاح المقت: كان في الجاهلية أن يتزوج امرأة أبيه. اه في موضعين. (ع)]] ، وناس منهم يمقتونه [[قال محمود فيه: «كانوا ينكحون روابهم وناس منهم يمقتونه ... الخ» قال أحمد: وعندي في هذا الاستثناء سر آخر وهو أن هذا المنهي عنه- لفظاعته وبشاعته عند أكثر الخلق حتى كان ممقوتا قبل ورود الشرع- جدير أن يمتثل النهى فيه فيجتنب، فكأنه قد امتثل النهى عنه حتى صار مخبراً عن عدم وقوعه، وكأنه قيل: ما يقع نكاح الأبناء المنكوحات للآباء ولا يؤخذ منه شيء إلا ما قد سلف. وأما في المستقبل بعد النهى فلا يقع منه شيء البتة، ومثل هذا النظر جار في مثل قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) فأجراه مرفوعا على أنه خبر وإن كان المراد نهيهم عن عبادة غير اللَّه، ولكن لما كان هذا المنهي جديرا بالاجتناب وكأنه اجتنب، عبر عن النهى فيه بصيغة الخبر ورفع الفعل. وقد مضى هذا التقدير بعينه ثم لم يجر مثله في هذه الآية واللَّه أعلم.]] من ذى مروآتهم، ويسمونه نكاح المقت. وكان المولود عليه يقال له المقتى. ومن ثم قيل وَمَقْتاً كأنه قيل: هو فاحشة في دين اللَّه بالغة في القبح، قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين. وقرئ: لا تحل لكم بالتاء، على أنّ ترثوا بمعنى الوراثة. وكرها- بالفتح، والضم- من الكراهة والإكراه. وقرئ (بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) من أبانت بمعنى تبينت أو بينت، كما قرئ (مُبَيِّنَةٍ) بكسر الياء وفتحها. و (يجعل الله) بالرفع، على أنه في موضع الحال: (وآتيتم إحداهن) بوصل همزة إحداهن، كما قرئ (فلا اثم عليه) . فإن قلت: تعضلوهن، ما وجه إعرابه؟ قلت: النصب عطفا على أن ترثوا. و (لا) لتأكيد النفي. أى لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن. فإن قلت: أى فرق بين تعدية ذهب بالباء، وبينها بالهمزة؟ قلت: إذا عدى بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب، كقوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) وأما الإذهاب فكالإزالة. فإن قلت: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ) ما هذا الاستثناء؟ قلت:
هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له، كأنه قيل: ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة. أو: ولا تعضلوهنّ لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة. فإن قلت:
من أى وجه صح قوله: (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا) جزاء للشرط؟ قلت: من حيث أنّ المعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيراً ليس فيما تحبونه فإن قلت كيف استثني ما قد سلف مما نكح آباؤكم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قوله «ولا عيب فيهم» يعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف، فانكحوه، فلا يحل لكم غيره.
وذلك غير ممكن. والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته، كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض القار، وحتى يلج الجمل في سم الخياط.
{"ayah":"وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَاۤؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَمَقۡتࣰا وَسَاۤءَ سَبِیلًا"}