الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾. قال المفسرون: لما ظهر عجز الملائكة، قال الله عز وجل: ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ فسمى كل شيء باسمه، وألحق كل شيء بجنسه ﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ أي: أخبرهم بتسمياتهم قال: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ [[انظر الطبري في "تفسيره" 1/ 221، والبغوي في "تفسيره" 1/ 80، والخازن "في تفسيره" 1/ 103، وأبي السعود "في تفسيره" 1/ 86.]]. وفي الآية اختصار، معناه: فلما أنبأهم بأسمائهم، تحقق عندهم أن الله يعلم من العواقب ما لا يعلمون، فلما علموا ذلك [[وما ذكره مفهوم من السياق.]]، قال الله: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ و (لم) حرف نفي وصل بألف الاستفهام، فصار بمعنى الإيجاب والتقرير [[انظر: "الوسيط" للمؤلف 1/ 80، "معاني القرآن" للأخفش1/ 219، "البحر" 1/ 150، "الدر المصون" 1/ 270، "شرح المفصل" 8/ 123، "مغني اللبيب" 1/ 17.]]، كقول جرير: أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا [[البيت من قصيدة لجرير يمدح عبد الملك بن مروان وعجزه: وَأَنْدى العَالمِينَ بُطُونَ رَاح أندى: أكثرهم جوداً، الراح: جمع راحة وهي الكف، ورد البيت في "معاني القرآن" للأخفش 1/ 219، وفي (الخصائص) 2/ 643، 3/ 269، "المصون في الأدب": ص 21، "شرح المفصل" 8/ 123، "مغني اللبيب" 1/ 17، و"شرح ديوان جرير" ص 74.]] وفيه أيضًا معنى التوبيخ [[(التوبيخ) ساقط من (ب).]] لهم على ما سلف من خطاهم [[كذا في جميع النسخ ولعل الصواب (من خطئهم) أو (من أخطائهم). انظر معنى الآية في "تفسير الطبري" 1/ 221.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. (الغيب) مصدر مضاف إلى المفعول [[في (ب): (المفعول به).]] على الاتساع، وحذف حرف الجر، لأنك تقول: غبت في الأرض، وغبت ببلد كذا، فتعديه بحرف الجر، فحذف الحرف وأضيف المصدر إلى المفعول به في المعنى، نحو: ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: 49] و ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: 24] وكقولك: (أعجبني منك دخول الدار). وفيه أيضا مضاف مقدر، والمعنى: إني أعلم ذوي غيب السموات والأرض ما غاب فيها [عنكم، ومثله على هذا التقدير قوله: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [[سورة هود: 132، وسورة النحل: 77.]] أي: له ما غاب فيها] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ملكاً وخلقاً. ويجوز أن يكون له علم ما غاب [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 214.]] فيها، فيكون المضاف محذوفاً. وقوله تعالى: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. أي: أعلم سرّكم وعلانيتكم، لا يخفى علي شيء من أموركم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 222، و"تفسير ابن كثير" 1/ 80]]. وقال ابن عباس: ما تبدون من قولكم: (أتجعل فيها من يفسد فيها)، (وما كنتم تكتمون) من إضمار إبليس الكفر [[أخرجه ابن جرير بسنده من طريق السدي، عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في "تفسيره" 1/ 222، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 80، "الدر" 1/ 101.]]. وعلى هذا التأويل قال: (تكتمون) بلفظ الجمع، وإن كان المراد به إبليس، لأن الخطاب للجماعة، وهو من جملتهم [[انظر الطبري في "تفسيره" 1/ 222، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 241.]]. وقال الحسن وقتادة في قوله: ﴿مَا تُبْدُونَ﴾ كقول ابن عباس، (وما تكتمون) يعني قولهم: لن يخلق [[في (ب): (لن يخلق الله ..).]] خلقاً أفضل ولا أعلم منا [[ذكره الثعلبي 1/ 62 ب، وأخرجه الطبري عنهما 1/ 222، وابن أبي حاتم 1/ 82، وذكره السيوطي في "الدر" 1/ 102، و"ابن كثير" 1/ 80.]]. وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم يجد [[كذا في جميع النسخ، والمعنى: لم يتعرض أحد لهذا السؤال.]] أحداً ممن تكلم في تفسير القرآن ولا في معانيه تعرض [له] [[(له) ساقطة من (ب).]]، وهو من مهم ما يسأل عنه [[بل إن في هذا السؤال شيئاً من التكلف، ولا فائدة كبيرة من معرفة جوابه، ولا ينبني عليه حكم، وقد ذكر الرازي هذا السؤال والإجابة عنه بنحو ما ذكر الواحدي هنا فلعله نقل عنه 2/ 177.]]. وذلك أن يقال: من أين علمت الملائكة لما خبرها [[في (ب): (حرها).]] آدم عليه السلام بتلك الأسماء صحة قوله، ومطابقة الأسماء المسميات؟ وهي لم تكن [[في (أ): (يكن) وما في (ب) و (ج) أصح في السياق.]] عالمة بذلك من قبل، إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء، ولم تعترف بفقد العلم. والكلام يقضي أنهم لما أنبأهم آدم بالأسماء، علموا صحتها ومطابقتها للمسميات [[يمكن أن يعلموا صحتها بمجرد إخبار آدم عليه السلام بالأسماء، وإقرار الله له على ذلك، وعلى هذا فلا داعي لتحمل الإجابة عن هذا السؤال.]]، ولولا ذلك لم يكن لقوله [[في (ب): (كقوله).]]: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} معنى. والجواب: أنه [[في (ب): (له).]] غير ممتنع أن تكون الملائكة في الأول غير عارفين بتلك الأسماء فلما أنبأهم آدم عليه السلام بها، خلق الله تعالى [[انظر التعليق السابق على ما ذكر الواحدي عن معنى تعليم الله آدم، وأنه بمعنى: خلق له العلم بذلك: 2/ 348.]] لهم في الحال العلم الضروري بصحتها ومطابقتها للمسميات، إما من طريق، أو ابتداء بلا طريق، فعلموا بذلك تمييزه [[في (ب): (تميزه) وهو الأصوب.]] واختصاصه [[قال الرازي: (.. ولا يمتنع أن يقال: إنه تعالى عرفهم قبل أن يسمعوا من آدم عليه السلام تلك الأسماء، ما استدلوا به على صدق آدم).]]. ووجه آخر: وهو أنه لا يمتنع أن تكون للملائكة لغات مختلفة، فكل قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيرها، فلما أراد الله تعالى التنبيه على فضيلة آدم، علمه [[في (ب): (علمهم).]] تلك الأسماء، فلما أخبرهم بها علم كل فريق [[في (أ): (فريق منهم).]] مطابقة ما أخبر به من الأسماء للغته وعلم مطابقة ذلك لباقي اللغات بخبر كل فريق وإذا أخبر كل قبيل صاحبه علم بذلك من لغة غيره ما علمه من لغته [[هذا من التكلف الذي لا دليل عليه.]]، وهذا الجواب يقتضي أن يكون معنى قوله: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾ أي: ليخبرني كل قبيل منكم بجميع الأسماء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب