الباحث القرآني
﴿قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهم بِأسْمائِهِمْ﴾ نادى سُبْحانَهُ آدَمَ بِاسْمِهِ العَلَمِ كَما هو عادَتُهُ جَلَّ شَأْنُهُ، مَعَ أنْبِيائِهِ ما عَدّا نَبِيَّنا ﷺ حَيْثُ ناداهُ بِـ يا أيُّها النَّبِيُّ، ويا أيُّها الرَّسُولُ، لِعُلُوِّ مَقامِهِ ورِفْعَةِ شَأْنِهِ، إذْ هو الخَلِيفَةُ الأعْظَمُ، والسِّرُّ في إيجادِ آدَمَ، ولَمْ يَقُلْ سُبْحانَهُ أنْبِئْنِي كَما وقَعَ في أمْرِ المَلائِكَةِ مَعَ حُصُولِ المُرادِ مَعَهُ أيْضًا، وهو ظُهُورُ فَضْلِ آدَمَ إبانَةً لِما بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ مِنَ التَّفاوُتِ، وإنْباءً لِلْمَلائِكَةِ بِأنَّ عِلْمَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ واضِحٌ، لا يَحْتاجُ إلى ما يَجْرِي مَجْرى الِامْتِحانِ، وأنَّهُ حَقِيقٌ أنْ يُعَلِّمَ غَيْرَهُ، أوْ لِتَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَّةُ التَّعْلِيمِ كامِلَةً حَيْثُ أُقِيمَ مَقامَ المُفِيدِ، وأُقِيمُوا مَقامَ المُسْتَفِيدِينَ مِنهُ، أوْ لِئَلّا تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ الهَيْبَةُ فَإنَّ إنْباءَ العالِمِ لَيْسَ كَإنْباءِ غَيْرِهِ، والمُرادُ بِالإنْباءِ هُنا الإعْلامُ لا مُجَرَّدُ الإخْبارِ كَما تَقَدَّمَ.
وفِيهِ دَلِيلٌ لِمَن قالَ: إنَّ عُلُومَ المَلائِكَةِ وكَمالاتُهم تَقْبَلُ الزِّيادَةَ، ومَنَعَ قَوْمٌ ذَلِكَ في الطَّبَقَةِ العُلْيا مِنهُمْ، وحَمَلَ عَلَيْهِ ﴿وما مِنّا إلا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ وأفْهَمَ كَلامُ البَعْضِ مَنعَ حُصُولِ العِلْمِ المُرَقِّي لَهُمْ، فَلَعَلَّ ما يَحْصُلُ عِلْمٌ قالَ: لا حالٌ، والفَرْقُ ظاهِرٌ لِمَن لَهُ ذَوْقٌ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ (أنْبِئْهِمْ) بِالهَمْزِ وكَسْرِ الهاءِ، و(أنْبِيهِمْ) بِقَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً، وقَرَأ الحَسَنُ (أنْبِهِمْ) كَأعْطِهِمْ، والمُرادُ بِالأسْماءِ ما عَجَزُوا عَنْ عِلْمِها، واعْتَرَفُوا بِالقُصُورِ عَنْ بُلُوغِ مَرْتَبَتِها، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى المَعْرُوضِينَ عَلى ما تَقَدَّمَ، ﴿فَلَمّا أنْبَأهم بِأسْمائِهِمْ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، والتَّقْدِيرُ فَأنْبَأهم بِها، فَلَمّا أنْبَأهم إلَخْ، وحُذِفَتْ لِفَهْمِ المَعْنى، وإظْهارُ الأسْماءِ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِإظْهارِ كَمالِ العِنايَةِ بِشَأْنِها مَعَ الإشارَةِ إلى أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنْبَأهم بِها عَلى وجْهِ التَّفْصِيلِ دُونَ الإجْمالِ، وعَلَّمَهم بِصِدْقِهِ مِنَ القَرائِنِ المُوجِبَةِ لَهُ، والأمْرُ أظْهَرُ مِن أنْ يَخْفى، ولا يَبْعُدُ إنْ عَرَّفَهم سُبْحانَهُ الدَّلِيلَ عَلى ذَلِكَ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنهم لُغَةٌ أوْ مَعْرِفَةٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ حَضَرَ جَمِيعُهم (p-228)فَعَرَفَ كُلُّ صِنْفٍ إصابَتَهُ في تِلْكَ اللُّغَةِ، أوْ ذَلِكَ الشَّيْءِ بَعِيدٌ.
﴿قالَ ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ وأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ جَوابٌ (لِما)، وتَقْرِيرٌ لِما مَرَّ مِنَ الجَوابِ الإجْمالِيِّ، واسْتِحْضارٌ لَهُ عَلى وجْهٍ أبْسَطَ مِن ذَلِكَ، وأشْرَحَ، ولا يَخْفى ما في الآيَةِ مِنَ الإيجازِ، إذْ كانَ الظّاهِرُ: أعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ وشَهادَتَهُما، وأعْلَمُ ما كُنْتُمْ تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، وما سَتُبْدُونَ وتَكْتُمُونَ، إلّا أنَّهُ سُبْحانَهُ اقْتَصَرَ عَلى غَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ لِأنَّهُ يَعْلَمُ مِنهُ شَهادَتَهُما بِالأوْلى، واقْتَصَرَ مِنَ الماضِي عَلى المَكْتُومِ لِأنَّهُ يَعْلَمُ مِنهُ البادِيَ كَذَلِكَ، وعَلى المَبْدَإ مِنَ المُسْتَقْبَلِ لِأنَّهُ قَبْلَ الوُقُوعِ خَفِيَ، فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ مِن خَفِيّاتِهِ، وتَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: وتَكْتُمُونَ، لَعَلَّهُ لِإفادَةِ اسْتِمْرارِ الكِتْمانِ، فالمَعْنى: أعْلَمُ ما تُبْدُونَ قَبْلَ أنْ تُبْدُوهُ، وأعْلَمُ ما تَسْتَمِرُّونَ عَلى كِتْمانِهِ، وذَكَرالسّالِيكُوتِيُّ أنَّ كَلِمَةً (كانَ) صِلَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ لِشَيْءٍ إلّا مَحْضَ التَّأْكِيدِ المُناسِبِ لِلْكِتْمانِ، ثُمَّ الظّاهِرُ مِنَ الآيَةِ العُمُومُ، ومَعَ ذَلِكَ (ما لا تَعْلَمُونَ) أعَمُّ مَفْهُومًا لِشُمُولِهِ غَيْبَ الغَيْبِ الشّامِلِ لِذاتِ اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ، وخَصَّها قَوْمٌ فَمِن قائِلٍ: غَيْبُ السَّماواتِ أكْلُ آدَمَ وحَوّاءَ مِنَ الشَّجَرَةِ، وغَيْبُ الأرْضِ قَتْلُ قابِيلَ هابِيلَ، ومِن قائِلٍ: الأوَّلُ ما قَضاهُ مِن أُمُورِ خَلْقِهِ، والثّانِي ما فَعَلُوهُ فِيها بَعْدَ القَضاءِ، ومِن قائِلٍ: الأوَّلُ ما غابَ عَنِ المُقَرَّبِينَ مِمّا اسْتَأْثَرَ بِهِ تَعالى مِن أسْرارِ المَلَكُوتِ الأعْلى، والثّانِي ما غابَ عَنْ أصْفِيائِهِ مِن أسْرارِ المُلْكِ الأدْنى، وأُمُورِ الآخِرَةِ والأُولى، وما أبْدَوْهُ قَبْلَ قَوْلِهِمْ: أتَجْعَلُ فِيها، وما كَتَمُوهُ، قَوْلُهم: لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعالى أكْرَمَ عَلَيْهِ مِنّا، وقِيلَ: ما أظْهَرُوهُ بَعْدُ مِنَ الِامْتِثالِ، وقِيلَ: ما أسَرَّهُ إبْلِيسُ مِنَ الكِبْرِ، وإسْنادُ الكَتْمِ إلى الجَمِيعِ حِينَئِذٍ مِن بابِ: بَنُو فُلانٍ قَتَلُوا فُلانًا والقاتِلُ واحِدٌ مِنهُمْ، مَعْنى الكَتْمِ عَلى كُلِّ حالٍ عَدَمُ إظْهارِ ما في النَّفْسِ لِأحَدٍ مِمَّنْ كانَ في الجَمْعِ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهم كَتَمُوا اللَّهَ تَعالى شَيْئًا بِزَعْمِهِمْ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ حَتّى مِن إبْلِيسَ، وأبْدى سُبْحانَهُ العامِلَ في ما تَبْدُونَ إلَخِ، اهْتِمامًا بِالإخْبارِ بِذَلِكَ المُرْهِبِ لَهُمْ، والظّاهِرُ عَطْفُهُ عَلى الأوَّلِ، فَهو داخِلٌ مَعَهُ تَحْتَ ذَلِكَ القَوْلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿ألَمْ أقُلْ﴾ فَلا يَدْخُلُ حِينَئِذٍ تَحْتَهُ.
{"ayah":"قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡۖ فَلَمَّاۤ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ غَیۡبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق