الباحث القرآني
قالَ: اسْتِئْنافٌ؛ كَما سَلَفَ؛ ﴿يا آدَمُ أنْبِئْهُمْ﴾: أيْ: أعْلِمْهُمْ؛ أُوثِرَ عَلى "أنْبِئْنِي"؛ كَما وقَعَ في أمْرِ المَلائِكَةِ؛ مَعَ حُصُولِ المُرادِ مَعَهُ أيْضًا؛ وهو ظُهُورُ فَضْلِ آدَمَ عَلَيْهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ إبانَةً لِما بَيْنَ الأمْرَيْنِ مِنَ التَّفاوُتِ الجَلِيِّ؛ وإيذانًا بِأنَّ عِلْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِها أمْرٌ واضِحٌ؛ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى ما يُجْرى مُجْرى الِامْتِحانِ؛ وأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حَقِيقٌ بِأنْ يُعَلِّمَها غَيْرَهُ؛ وقُرِئَ بِقَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً؛ وبِحَذْفِها أيْضًا؛ والهاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِما؛ ﴿بِأسْمائِهِمْ﴾؛ الَّتِي عَجَزُوا عَنْ عِلْمِها؛ واعْتَرَفُوا بِتَقاصُرِ هِمَمِهِمْ عَنْ بُلُوغِ مَرْتَبَتِها.
﴿فَلَمّا أنْبَأهم بِأسْمائِهِمْ﴾: الفاءُ فَصِيحَةٌ؛ عاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ عَلى مَحْذُوفٍ؛ يَقْتَضِيهِ المَقامُ؛ ويَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ؛ لِلْإيذانِ بِتَقَرُّرِهِ؛ وغِناهُ عَنِ الذِّكْرِ؛ ولِلْإشْعارِ بِتَحَقُّقِهِ في أسْرَعِ ما يَكُونُ؛ كَما في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ﴾؛ بَعْدَ قَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿أنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ﴾؛ وإظْهارُ الأسْماءِ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِإظْهارِ كَمالِ العِنايَةِ بِشَأْنِها؛ والإيذانِ بِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْبَأهم بِها عَلى وجْهِ التَّفْصِيلِ؛ دُونَ الإجْمالِ؛ والمَعْنى: فَأنْبَأهم بِأسْمائِهِمْ مُفَصَّلَةً؛ وبَيَّنَ لَهم أحْوالَ كُلٍّ مِنهُمْ؛ وخَواصَّهُ؛ وأحْكامَهُ المُتَعَلِّقَةَ بِالمَعاشِ والمَعادِ؛ فَعَلِمُوا ذَلِكَ لَمّا رَأوْا أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمْ يَتَلَعْثَمْ في شَيْءٍ مِنَ التَّفاصِيلِ الَّتِي ذَكَرَها؛ مَعَ مُساعَدَةِ ما بَيْنَ الأسْماءِ والمُسَمَّياتِ مِنَ المُناسَباتِ؛ والمُشاكَلاتِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ القَرائِنِ المُوجِبَةِ لِصِدْقِ مَقالاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ فَلَمّا أنْبَأهم بِذَلِكَ؛ قالَ - عَزَّ وجَلَّ -؛ تَقْرِيرًا لِما مَرَّ مِنَ الجَوابِ الإجْمالِيِّ؛ واسْتِحْضارًا لَهُ: ﴿ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾؛ لَكِنْ لا لِتَقْرِيرِ نَفْسِهِ؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا﴾؛ ونَظائِرِهِ؛ بَلْ لِتَقْرِيرِ ما يُفِيدُهُ مِن تَحَقُّقِ دَواعِي الخِلافَةِ في آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ لِظُهُورِ مِصْداقِهِ. وإيرادُ ما لا يَعْلَمُونَ بِعُنْوانِ الغَيْبِ مُضافًا إلى السَّمَواتِ والأرْضِ؛ لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ كَمالِ شُمُولِ عِلْمِهِ المُحِيطِ؛ وغايَةِ سَعَتِهِ؛ مَعَ الإيذانِ بِأنَّ ما ظَهَرَ مِن عَجْزِهِمْ؛ وعِلْمِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِأهْلِ السَّمَواتِ؛ وأهْلِ الأرْضِ؛ وهَذا دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى أنَّ المُرادَ بِـ "ما لا تَعْلَمُونَ"؛ فِيما سَبَقَ؛ ما أُشِيرَ إلَيْهِ هُناكَ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلَمُ فِيهِ مِن دَواعِي الخِلافَةِ ما لا تَعْلَمُونَهُ فِيهِ؛ هو هَذا الَّذِي عايَنْتُمُوهُ؟ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾: عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ "ألَمْ أقُلْ لَكُمْ"؛ لا عَلى "أعْلَمُ"؛ إذْ هو غَيْرُ داخِلٍ تَحْتَ القَوْلِ؛ و"ما"؛ في المَوْضِعَيْنِ؛ مَوْصُولَةٌ؛ حُذِفَ عائِدُها؛ أيْ: أعْلَمُ ما تُبْدُونَهُ؛ وما تَكْتُمُونَهُ؛ وتَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ لِلْإيذانِ بِاسْتِمْرارِ كَتْمِهِمْ؛ قِيلَ: المُرادُ بِما يُبْدُونَ قَوْلُهُمْ: "أتَجْعَلُ..." إلَخْ؛ وبِما يَكْتُمُونَ اسْتِبْطانُهم أنَّهم أحِقّاءُ بِالخِلافَةِ؛ وأنَّهُ (تَعالى) لا يَخْلُقُ خَلْقًا أفْضَلَ مِنهُمْ؛ رُوِيَ أنَّهُ (تَعالى) لَمّا خَلَقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - رَأتِ المَلائِكَةُ فِطْرَتَهُ العَجِيبَةَ؛ وقالُوا: لِيَكُنْ ما شاءَ؛ فَلَنْ يَخْلُقَ رَبُّنا خَلْقًا إلّا كُنّا أكْرَمَ عَلَيْهِ مِنهُ. وقِيلَ: هو ما أسَرَّهُ إبْلِيسُ في نَفْسِهِ مِنَ الكِبْرِ؛ وتَرْكِ السُّجُودِ؛ فَإسْنادُ الكِتْمانِ حِينَئِذٍ إلى الجَمِيعِ؛ مِن قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: بَنُو فُلانٍ قَتَلُوا فُلانًا؛ والقاتِلُ واحِدٌ مِن بَيْنِهِمْ. قالُوا: في الآيَةِ الكَرِيمَةِ دَلالَةٌ عَلى شَرَفِ الإنْسانِ؛ ومَزِيَّةِ العِلْمِ؛ وفَضْلِهِ عَلى العِبادَةِ؛ وأنَّ ذَلِكَ هو المَناطُ لِلْخِلافَةِ؛ وأنَّ التَّعْلِيمَ يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلى اللَّهِ (تَعالى)؛ وإنْ لَمْ يَصِحَّ إطْلاقُ "المُعَلِّمُ" عَلَيْهِ؛ لِاخْتِصاصِهِ عادَةً (p-87)
بِمَن يَحْتَرِفُ بِهِ؛ وأنَّ اللُّغاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ؛ إذِ الأسْماءُ تَدُلُّ عَلى الألْفاظِ؛ بِخُصُوصٍ أوْ بِعُمُومٍ؛ وتَعْلِيمُها ظاهِرٌ في إلْقائِها عَلى المُتَعَلِّمِ مُبَيِّنًا لَهُ مَعانِيَها؛ وذَلِكَ يَسْتَدْعِي سابِقَةَ وضْعٍ؛ وما هو إلّا مِنَ اللَّهِ (تَعالى)؛ وأنَّ مَفْهُومَ الحِكْمَةِ زائِدٌ عَلى مَفْهُومِ العِلْمِ؛ والألْزَمُ التَّكْرارُ؛ وأنَّ عُلُومَ المَلائِكَةِ وكَمالاتِهِمْ تَقْبَلُ الزِّيادَةَ؛ والحُكَماءُ مَنَعُوا ذَلِكَ؛ في الطَّبَقَةِ العُلْيا مِنهُمْ؛ وحَمَلُوا عَلى ذَلِكَ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿وَما مِنّا إلا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾؛ وأنَّ آدَمَ أفْضَلُ مِن هَؤُلاءِ المَلائِكَةِ؛ لِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ- أعْلَمُ مِنهُمْ؛ وأنَّهُ (تَعالى) يَعْلَمُ الأشْياءَ قَبْلَ حُدُوثِها.
{"ayah":"قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡۖ فَلَمَّاۤ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ غَیۡبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق